قراءة في المشهد العام(7)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قراءة في المشهد العام


مقدمة

2009-01-10

تقرير أسبوعي يرصد باختصار أهم التغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية

أولاً.. الشأن الداخلي: أداء السياسة الخارجية في ثلاث قضايا

تركزت السياسة الخارجية المصرية خلال الأسابيع القليلة الماضية في ثلاث قضايا، تعكس كل منها ضعف الدور المصري، وتدني المكانة الدولية لمصر، وهذه القضايا هي:

أ- الموقف من الصراع الصهيوني الفلسطيني

عرضت مصر موقفها بشأن تسوية القضية الفلسطينية، وكان ذلك ملخصًا في كلمة وزير الخارجية (أبو الغيط) أمام الجمعية العامة؛ حيث عرض "مبادرةً" تتكون من ست نقاط، واعتبر أنها تشكِّل رؤية مصر لعملية السلام المزعوم: وهي:

1- إلزام الكيان الصهيوني بالتجميد الكامل للاستيطان

2- يقوم المجتمع الدولة بطرح شكل التسوية النهائية (وهو أمر غريب؛ حيث إن ذلك يعود بالقضية إلى نقطة الصفر، ويهدر وجهة النظر الفلسطينية، ويعطي الفرصة للصهاينة بتأثيرهم على مواقف الدول الكبرى؛ للضغط على المقاومة وتجريمها، واعتبارها إرهابًا، ومن خلال الموقف الدولي).

3- تزامن وقف الاستيطان مع بدء المفاوضات، مع أن المطلوب فلسطينيًّا إزالة المستوطنات قبل أي تفاوض.

4- التدرج في تنفيذ التسوية طبقًا لجدول زمني (الدول الزمني غير محدد).

5- اعتبار القدس الشرقية جزءًا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، (وماذا عن بقية أجزاء القدس المحتلة؟!).

6- أن جدية انخراط الكيان الصهيوني في المفاوضات هو الطريق لإعادة التطبيع مع العالم العربي (مع أن خطوات التطبيع تمضي ويعيد الصهاينة تعريف التطبيع كل يوم).

ويتضح من هذه النقاط أن السياسة المصرية تعكس مواقف سابقة، وبالتالي لا يمكن اعتبارها مبادرةً جديدةً، غير أن الملاحظة الأكثر أهميةً هنا هو أن الموقف المصري بات أكثر ارتباطًا بالأجندة الدولية، التي تملك أمريكا وبالتالي الصهاينة كل أوراقها؛ الأمر الذي يؤدي إلى ربط الشكل النهائي للتسوية بالإرادة الدولية، وفي تجاهل المبادرة العربية.

ب- انتخابات اليونسكو

انشغلت السياسة الخارجية بترشيح وزير الثقافة (فاروق حسني) لإدارة اليونسكو، وعلى الرغم من صغر القضية وعدم جدواها؛ إلا أن سقوط المرشح المصري يكشف عن حقيقة التأثير في العلاقات الدولية، وذلك على اعتبار أن النجاح في الوصول إلى المناصب الدولية هو انعكاسٌ لقوة الدولة وتحالفاتها، وبهذا المعنى يمكن قراءة ضعف أداء السياسة الخارجية في هذه المسألة على النحو التالي:

1- أن معارضة المرشح المصري كانت أشدَّ ما يمكن من قِبَل المتحالفين مع النظام، وخاصةً الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، فضلاً عن تذبذب الموقف الأوروبي وانقسامه.

2- أن مصر لم تقدم شيئًا يمكنه التأثير في دول "المؤتمر الإسلامي" أو دول العالم الثالث، وهذا ما كان سببًا في تشتُّت الأصوات.

جـ- الحوار الفلسطيني

تلقَّت مصر ردودًا إيجابيةً مرحليةً على "الورقة المصرية" المقترحة من حركتي حماس وفتح، ومن المتوقع أن توجه مصر الدعوة لعقد اجتماع للفصائل الفلسطينية في أكتوبر 2009م، يؤدي إلى حدوث مصالحة تُنهي الانقسام الفلسطيني.

ورغم التقدم المصري في تقريب مواقف الطرفين (حماس وفتح)، إلا أن التحدي الرئيسي الذي يواجه المساعي المصرية يتمثَّل في السلطة الفلسطينية وحكومتها والأجندة الأمنية التابعة للأمريكان والصهاينة؛ لأنها تأسست على نظرية سياسية أكثر اندماجًا بالرؤية الأمريكية والأوروبية، كما أنها أصبحت تشكِّل كيانًا سياسيًّا خارج الجماعة الوطنية يصعب تجاوزه إلا بإعادة صياغة العقيدة السياسية للسلطة، ولذلك يمكن القول بأن إنهاء الانقسام الفلسطيني يتوقف على الأجهزة الأمنية المرتبطة بالصهاينة وإمكانية إدماجها في كيان وطني فلسطيني واحد أكثر مما يعتمد على السلطة وحكومتها وعلى ضعف موقفها وتبعيته.

ثانيًا: الشأن الإقليمي

تآمر القضية الفلسطينية

بعد جدل طويل حول وضع أجندة لتسوية القضية منذ تعيين "ميتشل" مبعوثًا خاصًّا للشرق الأوسط؛ يثور تساؤل عن: ماذا تحقق في هذه الأجندة؟ وما الذي تمَّ إنجازه منها بالفعل؟!

لقد طرحت خلال الفترة الماضية تصورات عن "الحلول النهائية" للقضية الفلسطينية على المستويات الفلسطينية والعربية والصهيونية والأمريكية والأوروبية، ومن الواضح أن هذه التصورات لا تزال متباعدةً حتى اللحظة.

فمن ناحية المواقف الفلسطينية (السلطة) والعربية، حدث تذبذبٌ وتراجعٌ عن التمسك بالمبادرة العربية كحل أخير، وهناك مؤشراتٌ على أن الدول العربية باتت أقرب إلى القبول بمفاوضات متعددة الأطراف، بالتوازي مع مفاوضات ثنائية بين الفلسطينيين والصهاينة، وتقوم فكرة المفاوضات المتعددة الأطراف على أولوية التطبيع دون الارتباط بالتوصل إلى حلول نهائية؛ الأمر الذي يترك كل الخيارات مفتوحةً أمام الصهاينة للتلاعب وإضاعة الوقت وعدم الالتزام بأي وعود أمام المجتمع الدولي.

وعلى المستوى الصهيوني، فإن السياسة الخارجية استطاعت تثبيت مطالبها، وخاصةً فيما يتعلق بيهودية الدولة وعدم تجميد الاستيطان، وهي تبحث في المرحلة الحالية في الإجهاز على ما تبقَّى من القدس الشرقية والمسجد الأقصى؛ لكي تفرض واقعًا جديدًا، في غياب ردود الأفعال الفعَّالة من الدول العربية ومن السلطة الفلسطينية.

ويعكس اللقاء الثلاثي بين أوباما وعباس ونتنياهو أثناء اجتماعات الجمعية العامة، عدم قدرة السلطة الفلسطينية على طرح أجندتها السياسية، فضلاً عن فرضها، في حين لم تقدم الولايات المتحدة طرح رؤية مناظرة أمام الموقف الصهيوني الذي تدعمه أمريكا أصلاً، سوى الدعوة إلى وقف الاستيطان مؤقتًا والمطالبة بإنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

وللتغلب على صعوبة الأوضاع الاستيطانية أبدَت الولايات المتحدة قبولاً لتبادل الأراضي، وهو ما يفتح الباب أمام الإبقاء على الوضع الحالي للمستوطنات وسيطرتها على الأراضي الفلسطينية، وهذا ما يعكس عدم التوازن في العلاقة بين الأطراف الثلاثة، فما جدوى اللقاء إذًا؟!

ويمكن القول بأنه بينما استطاعت السياسة الصهيونية الإصرار على مطالبها، فإن ثمة توافقًا دوليًّا وإقليميًّا على إعادة مناقشة مفردات القضية الفلسطينية، وخاصةً ما يتعلق منها بالحدود واللاجئين والأمن والاستيطان والمياه، وبالتالي فإن الاستمرار بهذه الطريقة سوف يهدر الكثير من الحقوق.

مجلس الأمن والسيطرة على التكنولوجيا

أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1887، الذي يدعو إلى عالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية، وذلك وفق الرؤية الأمريكية الصهيونية.

ويرمي القرار إلى جعل الالتزام بمعاهدة عدم انتشار السلاح النووي التزامًا عالميًّا؛ حيث طالب الدول غير الموقعة بالانضمام إلى المعاهدة، بالإضافة إلى بلورة معاهدة جديدة للحدِّ من الترسانة النووية وتأكيد الرقابة على إنتاج المواد الانشطارية.

وتناول القرار قضيةً مهمةً تتمثل في الإشراف والرقابة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة ذات الصلة بالتجارب والأبحاث النووية، وفي هذا الإطار يمكن فهم القرار في إطار استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية دون أن يشير إلى إنتاجها، وهذا ما يفتح الباب واسعًا لحظر نقل التكنولوجيا بين الدول المتقدمة والنامية.

وإذا كان القرار يتناول حظر انتشار السلاح النووي، فإنه لم يتناول عمليات التطوير المستمرة لحلف الأطلسي وبرامج التسلح التقليدية والتي لا تقل خطورةً وتدميرًا عن الأسلحة النووية والكيماوية، وهذا لا يعني التقليل من أهمية سعي الولايات إلى تجديد معاهدة خفض التسلح مع روسيا، ولكن لا بد من النظر إلى القرار في سياق إدارة الدول الكبرى- وعلى رأسها أمريكا- للصراعات في مناطق التوتر وتصوراتها عن نظام الأمن العالمي الذي يضمن لها استمرار السيطرة والتحكم في العالم.

والواضح أن الولايات المتحدة تسعى لتكوين توافق دولي لتقويض محاولات التطور التكنولوجي لبعض الدول، وخاصةً إيران وكوريا الشمالية، والتوسع في السيطرة على نقلها، ولذلك فهي تسعى لتوثيق العلاقة مع الصين وروسيا لفضِّ الخلافات فيما بينها بشأن قضايا التسلح الدولي.

وقد اعتبرت الدول الكبرى أن برنامجي كوريا الشمالية وإيران في الأبحاث النووية أهم تحدييْن يواجهان المجموعة الدولية، وذلك رغم وجود ترسانات أخرى تشكِّل تهديدًا للأمن الدولي، ورغم ارتفاع مساهمة تجارة السلاح في الناتج المحلي الأمريكي وكثير من الدول الكبرى.

ثالثًا: الشأن الدولي

المسألة النووية الإيرانية في المحافل الدولية

شغلت المسألة النووية الإيرانية جزءًا مهمًّا في الجمعية العامة بالأمم المتحدة؛ حيث شكَّلت قاسمًا مشتركًا بين القضايا محل الاهتمام للدول الكبرى، وبشكل خاص الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، مع تحديد الموقف الروسي والصيني، بالإضافة إلى هجوم شديد على الكيان الصهيوني في الوقت الذي عجزت فيه الدول العربية والإسلامية عن مجرد المشاركة بالرأي في هذا الموقف المنحاز ضدها بالضرورة.

وقد تناولت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الموضوع الإيراني في سياق الدعوة لوقف انتشار الأسلحة النووية وتعزيز الالتزام بالمعاهدات الدولية في هذا الشأن، وتبني الدعوة إلى وضع البرنامج النووي الإيراني تحت الرقابة الدولية.

كما اعتبرت روسيا أن عدم خضوع المنشآت النووية الإيرانية للتفتيش يزيد القلق والتوتر الدولي، ويفتح الباب أمام تعزيز العقوبات الدولية لإيران، وقد جاءت هذه التصريحات في سياق إعلان إيران عن مفاعل نووي جديد قرب مدينة "قم"، وهو ما اعتبرته روسيا تهديدًا لها، ولو من حيث الشكل.

وقد عكس خطاب نتنياهو ذروة التهويل من الخطر الإيراني؛ حيث أشار مرارًا وتكرارًا إلى الخطر الذي يشكِّله التسلُّح الإيراني إقليميًّا ودوليًّا وارتباط حماس بإيران، لدرجة أن الخطاب السياسي الصهيوني وضع تسوية أو تصفية المشروع النووي الإيراني كشرط مسبق للبدء بمفاوضات التسوية حول القضية الفلسطينية، وهذا ما يكشف أن السياسة الصهيونية تسعى لتأكيد أولوية مواجهة إيران وتحويل الانتباه عن الانتهاكات ضد الفلسطينيين.

في ظل هذه الأجواء يتمُّ الإعداد لاجتماع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا (5 + 1) دون مشاركة اليابان لمناقشة المسألة النووية الإيرانية في أول أكتوبر المقبل، وتعد هذه الصيغة امتدادًا لصيغة التعامل مع الملف النووي لكوريا الشمالية، ويبدو أن المهمة الأولى لاجتماع مجموعة ( 5+1) بشأن إيران هي تقليل معارضة الصين وروسيا لتطبيق العقوبات المفروضة على إيران، وقد تنجح هذه السياسة الأمريكية في ذلك؛ نظرًا لتركيزها على تحسين العلاقة مع البلدين (روسيا والصين)، وخاصةً بعد تعديل مشروع الدرع الصاروخي في شرق أوروبا، وتخفيض الجمارك على الصادرات الصينية الأمريكية، والحديث عن المصالح المشتركة على مستوى العالم.

قمة العشرين ونظام دولي جديد

عقدت مجموعة العشرين قمتها الثالثة في مدينة بيترسبرخ (ولاية بتسلفانيا) بالولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك بهدف تطوير الإطار التنظيمي للمجموعة التي تمثل حوالي 90% من حجم الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى سعي هذه المجموعة إلى تطوير التعاون الدولي لتحقيق مصالحها، وأخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب حدوث أزمات اقتصادية عالمية جديدة.

وعلى مر القمم الثلاثة التي انعقدت بينها؛ أثيرت قضية إصلاح النظام المالي العالمي، والدفع باتجاه تبني سياسة انفتاحية تستوعب أكبر قدر ممكن من مصالح هذه الدول، وهنا عبَّر العديد من الدول المشاركة في تغيير نظام العمل في المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد والبنك الدولي)، برغم أن ذلك يتيح فرصًا أوسعَ للدول الناشئة والنامية للتأثير في السياسات المالية الدولية، ويؤدي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي وفقًا لتطلعات هذه الدول.

وقد أشير في هذا السياق إلى تعديل نظام التصويت في صندوق النقد كخطوة نحو إصلاح النظام المالي العالمي، ويرى بعض الخبراء أن هذا الطرح محاولةٌ من دول مجموعة العشرين للتقليل من السيطرة الأمريكية المتصهينة على الاقتصاد العالمي.

وبخصوص التطوير التنظيمي لمجموعة العشرين ظهرت اتجاهات تتبنَّى تحويل المجموعة "منسق دائم للاقتصاد العالمي"، وهو ما يعني توسيع مجموعة العشرين يجمع ما بين الدول المتقدمة صناعيًّا والدول الصناعية الجديدة.

ويمكن القول بأن هذه التركيبة تعكس التحوُّل الشكلي المرحلي في السياسة الأمريكية عن سياسة القطبية الأحادية والانتقال إلى التعددية القطبية، وهو ما يعكس إدراك الولايات المتحدة للتغير في الأوضاع الاقتصادية للدول الكبرى، وتنامي مساهمة دول أخرى في الاقتصاد العالمي، واستمرار السياسة الأمريكية الثابتة؛ بإحكام القبضة على السياسات الاقتصادية لكل الدول.

وبالنظر إلى تركيبة المجموعة فإن ثمة حقيقةً مهمةً، وهي أنها تضمُّ عددًا من الدول التي كانت تصنَّف ضمن دول الجنوب في إطار ثنائية الشمال والجنوب، وهذا ما يُثير الجدل حول الطبيعة الجديدة للعلاقات الاقتصادية الدولية بعد تبلور مجموعة العشرين الاقتصادية، وخاصةً ما يتعلق منها بالتبادل الاقتصادي غير المتكافئ.

والخلاصة أنه في المدى المنظور فإن الولايات المتحدة- وبمساعدة فرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي- تبقى مهيمنةً على مجموعة العشرين، وتقوم بتوجيه سياستها للاستفادة من إمكاناتها الاقتصادية والسياسية في تجنب آثار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية العالمية عليها.

المصدر