قراءة في رسالة المؤتمر الخامس (2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قراءة في رسالة المؤتمر الخامس (2)


بقلم: وليد شلبي

مقدمة

نستعرض في هذه الحلقة محاور غايةً في الأهمية من رسالة المؤتمر الخامس؛ حيث تناول الإمام الشهيد ما يمكن أن يطلق عليه إسلام الإخوان المسلمين، وشمولية منهج الإخوان، والمكونات الرئيسية لهذا المنهج، وكون الإخوان فكرةً إصلاحيةً شاملةً.

وفي طرح الإمام الشهيد- يرحمه الله- التركيز على هذه المعاني وتأصيلها في النفوس وإجابة على كثير من التساؤلات التي تثار حول منهج الجماعة.

إسلام الإخوان المسلمين

لقد كان الإمام الشهيد- يرحمه الله- واضحًا ومحدَّدًا ودقيقًا عندما تحدَّث تحت عنوان "إسلام الإخوان المسلمين" بأن ما يدعوَ إليه الإخوان المسلمون إنما هو صحيح الإسلام الذي دعا إليه الرسول الكريم وصحبه رضوان الله عليهم، وفي هذا تأكيد كبير على سلفية الدعوة واستمدادها من نفس المعين الذي دعا إليه المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بلا تحريف ولا تبديل؛ فما يدعو إليه الإخوان ليس بدعًا من الدعوات ولا اختلاقًا وافتراءً عليها، وإنما التقصير ناتج عن سوء فهم لمعاني وقيم ومبادئ الإسلام نتيجة العديد من العوامل الداخلية والخارجية.

"واسمحوا لي إخواني استخدام هذا التعبير, ولست أعني به أن للإخوان المسلمين إسلامًا جديدًا غير الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- عن ربه، وإنما أعني أن كثيرًا من المسلمين في كثيرٍ من العصور خلعوا عن الإسلام نعوتًا وأوصافًا ورسومًا من عند أنفسهم , واستخدموا مرونته وسعته استخدامًا ضارًّا، مع أنها لم تكن إلا للحكمة السامية, فاختلفوا في معنى الإسلام اختلافًا, وانطبعت للإسلام في نفس أبنائه صور عدة تقرب أو تبعد أو تنطبق على الإسلام الأول الذي مثَّله رسول الله وأصحابه خيرَ تمثيل".

لذلك كان الإمام الشهيد مهمومًا بإعادة هذه المفاهيم لوضعها الصحيح والأصيل؛ لذا يقول الإمام في موضع آخر: "مهمتكم هي تنظيف رواسب قرون عدة، ومحاربة جيوش الجهل والفقر والعوز والحاجة التي ابتُليَت بها الأمة، وهذه هي مهمتكم: إيقاظ الأمة، وإفهامها، إقناعها بحقيقة دعوتكم، وهذه مهمةٌ لا تُنال في أيام ولا في أعوام، وإنما تحتاج إلى وقت طويل وجهاد دءوب.

وسوف ينكر علماء الدين الرسميون فهمكم الصحيح للإسلام، وسوف يقف جهل الشعب بحقيقة دعوتكم عائقًا في طريقكم".

ويقول أيضًا: "إذا وقع الأمر فقلَّما يتغير إلا بالمجهود العنيف والدأب المخيف، فعلام تنتظرون؟! (فليسرع المنقذون بالأعمال؛ فإن التأخر ضارٌّ بفكرتنا، مخالفٌ لتعاليم ديننا)".

ولذا وضع الإمام الشهيد ركن الفهم كأول ركن من أركان البيعة؛ لتعظيم قيمة الفهم والدَّوْر المطلوب لتحقيقه والنتيجة المحقَّقة منه بعد ذلك؛ ولذا كان الفهم متقدمًا على الإخلاص؛ حتى نفهم ما نخلص له؛ حتى لا يحدث شطط في الفكر وانحراف عن الأهداف وتعجُّل للثمار.

نظرة الناس للإسلام

وفنَّد بعد ذلك الإمام بعض مظاهر عدم الفهم الصحيح للإسلام لدى عموم الناس؛ مما يوحي بمدى اطلاع الإمام على مجتمعه وإلمامه بأمراضه وعلله وتشخيصه الدقيق له ووصفه للعلاج بعد ذلك.

وقد حدَّد الإمام بعض هذه المظاهر في حدود العبادة الظاهرة والخلق الفاضل، والروحانية الفياضة والغذاء الفلسفي، والمعاني الحيوية العملية والعقائد الموروثة والأعمال التقليدية. وكل هذه المعاني مع ما قد يكون لها أو لبعضها من مكانة كبيرة في الإسلام، ولكنها لا تمثل لُبَّ وجوهر الإسلام، ولا الهدف الأسمى الذي جاء لتحقيقه "فمن الناس من لا يرى الإسلام شيئًا غير حدود العبادة الظاهرة؛ فإن أدَّاها أو رأى من يؤديها اطمأن إلى ذلك ورضي به وحسبه قد وصل على لُبِّ الإسلام؛ وذلك هو المعنى الشائع عند عامة المسلمين. ومن الناس من يرى الإسلام إلا الخلق الفاضل والروحانية الفياضة, والغذاء الفلسفي الشهي للعقل والروح, والبعد بهما عن أدران المادة الطاغية الظالمة.

ومنهم من يقف إسلامه عند حد الإعجاب بهذه المعاني الحيوية العملية في الإسلام؛ فلا يتطلب النظر إلى غيرها، ولا يعجبه التفكير في سواها.

ومنهم من يرى الإسلام نوعًا من العقائد الموروثة والأعمال التقليدية التي لا غناء فيها ولا تقدم معها؛ فهو متبرِّم بالإسلام وبكل ما يتصل بالإسلام, وتجد هذا المعنى واضحًا في نفوس كثيرٍ من الذين ثُقِّفوا ثقافة أجنبية ولم تُتَح لهم فرص حسن الاتصال بالحقائق الإسلامية؛ فهم لم يعرفوا عن الإسلام شيئًا أصلاً, أو عرفوه صورةً مشوَّهةً بمخالطة من لم يحسنوا تمثيله من المسلمين".

نظرة الناس للإخوان

وينطلق الإمام بعد ذلك من قاعدة اختلاف أفهام الناس للإسلام ومعانيه ودلالته لاختلافهم لفهم الإخوان "هذه الصور المتعددة للإسلام الواحد في نفوس الناس جعلتهم يختلفون اختلافًا بيِّنًا في فَهْم الإخوان المسلمين وتصور فكرتهم.

فإذا كان الناس مختلفين في فهمهم للإسلام فمن الطبيعي اختلافهم في فهم فكر ومنهج الإخوان، وهذا ما وضَّحه الإمام الشهيد بقوله: "فمن الناس من يتصوَّر الإخوان المسلمين جماعةً وعظيةً إرشادية، ومنهم من يتصوَّر الإخوان المسلمين طريقةً صوفيةً، ومنهم من يظنُّهم جماعةً نظريةً فقهية".

وحدَّد الإمام الصنف الذي سعى لفهم الإخوان على حقيقتهم، وهم قليل، ولكنه وضَّح عنصرَين مهمَّين تميَّز به هذا الصنف، وهو عدم الوقوف عند حدود السماع وعدم تصنيف الإخوان وفهمهم كما يتصورنه.

"وقليل من الناس خالطوا الإخوان المسلمين وامتزجوا بهم ولم يقفوا عند حدود السماع، ولم يخلعوا على الإخوان المسلمين إسلامًا يتصورنه هم، فعرفوا حقيقتهم وأدركوا كل شيء عن دعوتهم علمًا وعملاً".

إنها صورة الواقع البئيس الذي أدركه الإمام البنا فحكى عنه؛ ولذلك كان الناس في ذهولٍ عندما طرح الإسلام هذا الطرح؛ حيث يقول في بعض خطبه: "إننا نعيش وسط شعبٍ استطاع الخصوم الأذكياء الأقوياء أن يصبغوا مظاهر حياته بصبغة غير إسلامية، وحينما دُعِيَ إلى حقائق دينه أن الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف، وجيش وفكرة، وثقافة وقانون، وعلم وقضاء.. التبس عليه هذا الفهم؛ لأنه عاش فترةً طويلةً معجبًا بالخصم الأجنبي؛ يقلِّده في كل ما صدر عنه".

الشمول

وانتقل الإمام- يرحمه الله- للحديث عن واحدةٍ من أهم صفات ومميزات وخصائص دعوة الإخوان، والتي تنبع من صحيح فهمهم للإسلام، كما جاء به المصطفى الأمين- عليه صلوات الله وتسليمه- فتحدَّث عن الشمول وانتظام الإسلام لجميع نواحي الحياة، ولا يجوز الفصل بين ناحيةٍ وأخرى، أو أخذ جزءٍ وترك آخر؛ فهذا هو فعل النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- والصحب الكرام؛ ولعل الواقع البئيس الذي تحياه الأمة من عدة عصور كان ناتجًا عن تنحية الإسلام عن التطبيق في الجوانب المؤثرة والحيوية والأساسية للأمة وقصره على عدة مظاهر شكلية خالية من المضمون، وكان هذا واضحًا في عبادة الله في المسجد وعبادة غيره خارجه.

"نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملةٌ تنتظم شئون الناس في الدنيا والآخرة, وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون في هذا الظن؛ فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف".

واستشهد الإمام بالقرآن الكريم كأوضح مثل لهذا الشمول لاحتوائه على آيات العقيدة والعبادة، والحكم والقضاء، والسياسة والدين، والتجارة والجهاد، والقتال والغزو؛ كلها يُتعبَّد بها ولا فرقَ بينها، فلما يُفرَّق بينها في التطبيق العملي والواقعي في واقع الحياة.

"والقرآن الكريم ينطق بذلك كله ويعتبره من لُبِّ الإسلام من صميمه، ويوصي بالإحسان فيه جميعه, وإلى هذا تشير الآية الكريمة: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ﴾ (القصص: من الآية 77)، وهكذا اتصل الإخوان بكل بكتاب الله، واستلهموه واسترشدوه".

وأوجز الإمام الشهيد فَهْم الإخوان المسلمين لشمول الإسلام: "فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل, وأنه يجب أن يهيمن على كل شئون الحياة وأن تصطبغ جميعها به، وأن تنزل على حكمه, وأن تساير قواعده وتعاليمه وتُستَمد منها ما دامت الأمة تريد أن تكون مسلمةً إسلامًا صحيحًا، أما إذا أسلمت في عباداتها وقلَّدت غير المسلمين في بقية شئونها, فهي أمة ناقصة الإسلام تضاهي الذين قال تعالى فيهم: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (البقرة: من الآية 85)".

الكتاب والسنة أساس تعاليم الإسلام

وانتقل الإمام الشهيد بعد ذلك لمكون آخر من مكونات فهم الإخوان المسلمين وهو اعتمادها على القرآن والسنة كمصدرين أساسيين لفهم تعاليم الإسلام وأحكامه، إلى جانب هذا يعتقد الإخوان المسلمون أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-، اللذان إن تمسكت بهما فلن تضل أبدًا، وأن كثيرًا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها..

وأوضح الإمام بعد ذلك ثلاثة أسس يجب علينا أن نتمسك بها ليستقيم فهمنا للإسلام وهي الاعتماد على المصادر الرئيسية للتشريع- القرآن والسنة- وفهم الإسلام كما فهمه الأسلاف والوقوف عند الحدود وحسن فهمها والتعامل معها: "ولهذا يجب أن: تستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي معين السهولة الأولى، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا الله به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معنا".

استمرار صلاحية أحكام الإسلام

وتحدث الإمام عن المكون الثالث لفهم الإخوان للإسلام وهو وصلاحية أحكام الإسلام لكل الشعوب والأوقات والأزمان.

وفي هذا دعوة صريحة لصلاحية الإسلام وأحكامه وعدم حفظها في غياهب التاريخ كما يريد البعض لها؛ خدمة لأغراضهم ومآربهم الشخصية: "وإلى جانب هذا أيضًا يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شئون الحياة في كل الشعوب والأمم لكل الأعصار والأزمان، جاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصًا في الأمور الدنيوية البحتة.. فهو إنما يضع القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشئون، ويرشد الناس إلى الطريق العملية للتطبيق عليها والسير في حدودها".

منزلة النفس

ولعله من البديع أن يذكر الإمام في وسط هذه المكونات الثلاث أنه لضمان صحة التطبيق لا بد من العناية بالنفس فبها تستقيم الأفهام وبها تصحح النيات. ولقد عني الإسلام بالنفس عنايةً عظيمةً لمكانتها وقيمتها "ولضمان حق الصواب في هذا التطبيق أو تحريهما على الأقل، عني الإسلام عنايةً تامةً بعلاج النفس الإنسانية، وهي مصدر النظم ومادة التفكير والتصوير والتشكل.. ومن هنا كانت النفس الإنسانية محل عناية كبرى في كتاب الله، وكانت النفوس الأولى التي صاغها هذا الإسلام مثال الكمال الإنساني، ولهذا كله كانت طبيعة الإسلام تساير العصور والأمم، وتتسع لكل الأغراض والمطالب، ولهذا أيضًا كان الإسلام لا يأبى أبدًا الاستفادة من كل نظام صالح لا يتعارض مع قواعده الكلية وأصوله العامة".

الإخوان فكرة إصلاحية شاملة

ويختتم الإمام كلامه في هذا المحور الهام بالتركيز على شمولية الإسلام عند إخوان ليشمل جميع مناحي الحياة، والحديث على أن الإخوان المسلمين دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية. فهذا الشمول أعطى الجماعة تميزًا لاشتمالها على جميع النواحي والمجالات الدينية والدنيوية والإنسانية التي يحتاجها الإنسان فيجد فيها ضالته. وقد يعجب البعض من ذلك ويعتبر أن فيه شيئًا من التضاد والتناقض ولكنه غير حقيقي لأن الإسلام يريد من الفرد أن يكون مؤسسةً في ذاته وأن يلم بالحد الأدنى في مختلف المجالات وهذا ما ربى عليه المصطفى- صلى الله عليه وسلم- أصحابه.

وفي ذات الوقت هذا الشمول لا يتعارض مع التخصص في كل مجال من المجالات سالفة الذكر والتبحر فيها ولكن على الفرد الداعية الحامل لدعوة الله أن يتحلى بهذه الصفات لتعينه على مهام دعوته والعمل لها. فما المانع من أن يمارس الداعية الرياضة وأن يعمل بمشروع اقتصادي وأن يكون نجمًا اجتماعيًّا... الخ.

"كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية، وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته، والتقت عندها آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها، وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك، إن الإخوان المسلمين:

1- دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.

2- وطريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.

3- وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط علي الخير.

4- وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد.

5- وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن لبدنك عليك حقًّا"، وإن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدي كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي.

6- ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ولأن أندية الإخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح.

7- وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه وهو الذي يقول نبيه صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح" ويقول: "من أمسي كالاً من عمل يده أمسى مغفورًا له"، "إن الله يحب المؤمن المحترف".

8- وفكرة اجتماعية: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها.

هكذا نرى أن شمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعًا ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعًا.

الفرد المؤسسة

ولعل هذا الشمول سواء في المنهج العام للجماعة أو لتربية أفرادها هو ما يمكن أن يطلق عليه محاولة إيجاد الفرد المؤسسة الذي يستطيع يحمل أعباء هذه الدعوة ويتحرك بها محققًا لأهدافها ومضحيًا في سبيلها وسط هذا البحر الهائج من التحديات مختلفة الأنواع والأشكال.

ن تحقيق الأهداف السامية للإسلام يتطلب شخصًا له مواصفات خاصة شاملاً لكل جوانب الإسلام في ذات الوقت لمواكبة العصر ومتغيراته وتحدياته "فقد يرى الناس الأخ المسلم في المحراب خاشعًا متبتلاً يبكي ويتذلل.. وبعد قليل سيكون هو بعينه واعظًا مدرسًا يقرع الآذان بزواجر الوعظ.. وبعد قليل تراه نفسه رياضيًّا أنيقًا يرمي بالكرة أو يدرب على العدو أو يمارس السباحة، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص. هذه مظاهر قد يراها الناس متنافرة لا يلتئم بعضها ببعض، ولو علموا أنها جميعًا يجمعها الإسلام ويأمر بها الإسلام ويحض عليها الإسلام لتحققوا فيها مظاهر الالتئام ومعاني الانسجام".


المصدر