قوافل الشهداء .. وحدها .. تحرر فلسطين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قوافل الشهداء .. وحدها .. تحرر فلسطين


مقدمة

المسجد القصى

دخلت انتفاضة الشعب الفلسطيني العربي المسلم شهرها الثامن عشر ليؤكد من خلالها رفضه القاطع لاحتلال أرضه وإصراره العميق على تحرير إرادته وسعيه الدؤوب لتأكيد حقه في العيش في أجواء الأمن والحرية، واستعداده التام للبذل والتضحية لبلوغ غاياته العظيمة وممارسة حقه المشروع في الحياة العزيزة الكريمة والنهوض بدوره الحضاري العربي الإسلامي على كافة الساحات.

وإذا كان العدو الصهيوني الغاصب قد لجأ على مدى الثمانية عشر شهرًا لشتى أشكال العدوان الوحشي وشتى أشكال القمع والإرهاب الهمجي من فرض للحصار الخانق حول القرى والمدن الفلسطينية مع استخدام كافة أسلحة القصف والدمار والقتل والإبادة لإرغام الشعب الشقيق على الرضوخ والاستسلام والتفريط في الأرض والديار أو الهجرة من الأرض والديار إلا أن الأشقاء الفلسطينيين قد واصلوا ضرب المثل في الصبر والثبات والصمود والزود عن الأرض والعرض.

وبرز من بين أبنائه من رفع راية الجهاد وهو يرفض الذل والإذلال.. ويأبى إلا أن يرد الصاع صاعين.. في إصرار على الثأر للمئات من الأطفال والنساء والشيوخ الذين امتدت إليهم أيدي وأسلحة الصهاينة المجرمين تغتال حقهم في الحياة، والحرية والأمن، في ظل صمت عالمي ربما كان دليلاً على العجز والتقاعس، وربما كان دليلا على الانحياز للمعتدين المجرمين، وأيضًا في ظل دعم أمريكي أكثر من منحاز وأكثر من سافر.

لقد صار من الملموس أن انتفاضة الشعب الفلسطيني الباسل قد أحاطت بالعدو الغادر الذيأسلم زمامه لسفاح درج على الولوغ في دماء الأبرياء، بالعديد من الأزمات فبددت أمنه وأفشلت مشروعاته في التوسع أو تثبيت وتعميق الجذور، كما أكدت قوافل الحريصين على الاستشهاد دفاعا عن الدين والحق والأرض والعرض، إنها كفيلة بإشعال الأرض تحت أقدامه، والوصول إلى عمق حصونه وتحصيناته، فلجأ إلى ما عهدناه فيه خسة ونذالة، فاجتاح بدباباته ومصفحاته وطائراته مخيمات اللاجئين ليروع الأطفال والنساء، ويفتك بالأبرياء العزل، في تجرد من كل القيم، وسفور في الحقد والعداء للعرب والمسلمين صدق فيه قول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة: من الآية82)

لقد أعلنت الشعوب العربية والإسلامية عن رفضها للاحتلال الصهيوني، وانحيازها للشعب الفلسطيني الشقيق في جهاده وانتفاضته المباركة لتحرير كامل أرضه، كما أكدت استعدادها لدعمه بكافة أشكال الدعم، وذلك بعد أن تأكد لكل ذي بصيرة أن طريق وأسلوب التفاوض وعقد الاتفاقيات والمعاهدات لا يكفل للأمة استرداد شبر من فلسطين، بل يمضي بالقضية على درب التصفية وإغلاق الملف، ومن ثم كانت الانتفاضة وقوافل الشهداء في نظر ومفهوم الأمة السبيل الصحيح والأسلوب الوحيد لبلوغ هدف التحرر والتحرير، وتحقيق الأمل في إعادة الأرض والديار، كما أنهما في الوقت نفسه العلامة الواضحة والدليل البارز على أن الروح المعنوية للأمة ما كانت لتخبو أمام أساليب القمع والإرهاب الدموي التي يمارسها السفاح شارون.

كما أن حيوية الشعوب العربية والإسلامية التي يجسدها الشعب الفلسطيني من خلال انتفاضته المباركة ومسيرته الجهادية العظيمة، هي أقوى من جحافل المعتدين وأصلب من هجمات الطغاة المدججين بشتى أشكال وأنماط السلاح الأمريكي الموجه لرقاب الأبرياء، كما أنها العلامة التي تؤكد أن المؤمنين وحدهم هم الذين يعيشون بالقول والعمل، أجواء قول الله عز وجل(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران:140) وقوله سبحانه (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:139) كما يضعون تجارب قوافل المجاهدين الأولين نصب أعينهم، ويمضون على نفس الطريق واثقين مطمئنين إلى قدر الله ونصره.

حقائق واعتبارات

أن انتفاضة الشعب الفلسطيني المباركة وقد بدأت شهرها الثامن عشر، كما أن مسيرة المجاهدين من أبنائه العظيمة، وقد بدأت تؤتي ثمارها تضع الأمة، على مستوى حكامها وشعوبها أمام عديد من الحقائق والاعتبارات منها :

1. أن العدو الصهيوني صاحب مشروع أعلن عنه على ملأ من العالم في بازل 1798م يبدأ بإنشاء دولة وسط عالمنا العربي والإسلامي وفوق أرضنا وأشلائنا في خمسين عامًا، ثم تصل إلى وطن قومي ممتدًا من النيل إلى الفرات فوق مقدساتنا وعلى حساب إسلامنا وبإزالة لوجودنا ودورنا الحضاري، لأنه ماض في إطار مخطط نحو تحقيق أهدافه الخبيثة والخطيرة وقد بدأها بإقامة الدولة، بعد الخمسين عامًا، ويسعى بكافة السبل لإكمال وإتمام بناء الوطن القومي بعد أن وصلت طلائعه إلى أطراف عالمنا العربي والإسلامي وإلى مواقع فيه أكثر من هامة تمكنه من التأثير في الأحداث والسياسات، وتحقيق الأهداف والغايات.

2. أن العدو الصهيوني وهو يسخر كل الإمكانات ويلجأ إلى كل السبل والدروب للوصول إلى الهدف، ليس ثمة ما يمنع من التفاوض إذا كان فيه تحقيق لهدف مرحلي، أو يمثل خطوة لبلوغ الهدف النهائي، أيضًا ليس ما يمنع من عقد الاتفاقات والمعاهدات وتحديد المرجعيات ما دامت تمثل سبيلاً أو وسيلة لبلوغ الهدف، ومادام يمكن صياغتها ثم تفسيرها بالشكل الذييخدم الهدف، كما أنه ليس ثمة ما يمنع من وضعها على الرف على حد قول وزير خارجية الكيان الصهيوني الأسبق أبا إيبان في أحد كتبه إذا حققت الغرض، أو استنفدت الغرض.

وكما أعلن السفاح شارون في الأيام الماضية القليلة أن أسلو.. ومدريد.. وطابا.. وغيرها، قد انتهت وتلاشت بعد أن أدت دورها. أيضًا يعتبر العدو السلاح والتفوق فيه وسيلة من وسائله الناجعة لتحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات.. وحين يعتمد التفاوض يأبى إلا أن يفاوض إلا وهو مدجج بالسلاح، بل وليس ما يمنع من استخدام كافة أنواع الأسلحة، في الأوقات التي تجري فيها اللقاءات حول موائد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية أو مع العواصم العربية، كما أنه ليس ثمة ما يمنع من شن الغارات على دولة عربية إبان اجتماع لوزراء خارجية العرب في عاصمتها.

3. أن الولايات المتحدة قد حددت موقفها من العرب والمسلمين... ومن قضايا العرب والمسلمين.. وعلى وجه خاص القضية الفلسطينية.. ويتمثل هذا الموقف في الانحياز التام لليهود الذين اغتصبوا فلسطين، وشردوا الملايين من شعبها، كما يتمثل في دعم الكيان الصهيوني الغاصب الذيأقامه المغتصبون على أرض فلسطين، بالمال والسلاح وليكون له التفوق في السلاح والتكنولوجيا والاقتصاد، مع فرض حصار على العرب والمسلمين، يحول بينهم وبين العلم والتكنولوجيا، والتسلح، ودلائل الانحياز الأمريكي السافر للكيان الصهيوني تصدم كافة المنحازين للعدل والإنصاف.

فالسلاح الذي يهاجم به الصهاينة المحتلون الشعب الفلسطيني الأعزل، سلاح أمريكي والدماء التي تسيل على أرض فلسطين هي دماء العرب، والمدن والقرى التي يجري هدمها ودكها بالسلاح الأمريكي هي قرى ومدن العرب، والأطفال والنساء والشيوخ المعذبون الذين يفتك بهم السلاح الأمريكي هم أطفالنا وأمهاتنا وإخواننا وبناتنا وآباؤنا، ورغم ذلك لا يكف المسئولون الأمريكيون عن اتهام الأشقاء الفلسطينيين بالإرهاب، والعنف.. وتقويض أمن واستقرار المستعمرين اليهود، مع تأكيد حق مزعوم للصهاينة بالدفاع عن النفس.

4. كما أن أوربا قد حددت موقفها، بدءًا من إصدار إنجلترا لوعد بلفور وانتهاء بتأييد الكيان الصهيوني والانحياز له ضد العرب أصحاب الأرض والديار المعتدى عليهم والمغتصبة كافة حقوقهم، كافة الدول الأوربية تتهم الأشقاء الفلسطينيين ظلمًا وبهتانًا بالعنف والإرهاب، وتطالبهم بالكف عن العنف والإرهاب، حتى تتمكن من إقناع الصهاينة باستئناف المفاوضات، والمفاوضات في المفهوم الأوربي ليست سبيلاً للعرب لتحرير شبر من الأرض أو إقامة دولة على شبر من الأرض، ولكنها سبيل للوصول بالعرب إلى الرضا والقبول أو الرضوخ والاستسلام لما هو معروض أو مفروض أمريكيًا وصهيونيًا، ومن الخطأ أن نظن أو نروج لمقولة تزعم أن أوربا إذا مارست دورا أكبر إزاء القضية الفلسطينية، فإن خيرًا سيجنيه العرب من وراء أو من خلال ذلك، فأوربا تسعى للعب دور لتأكيد وجودها ودورها في المنطقة، ولتحقيق مصالحها من خلال وجودها ومن خلال دورها.

5. وإذا كانت أمريكا وأوربا قد حددا موقفهما في وضوح، وهو الانحياز للكيان الصهيوني في سفور، فإن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقد وقعا في دائرة النفوذ الأمريكي خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، لا يمكن أن ينهضا بأي دور لصالح العرب، أو لصالح قضية العرب الرئيسية أو كافة قضاياهم وقضايا المسلمين المصيرية، لقد فشل العرب على مدى سنوات في استصدار قرار من مجلس الأمن بإرسال بعثة لتقصي الحقائق في الضفة وغزة، كما فشلوا في استصدار قرار بإرسال مراقبين دوليين للضفة وغزة، وطالب الأمين العام للأمم المتحدة مع الآخرين، الأشقاء الفلسطينيين بوقف العنف والإرهاب كشرط لاستئناف المفاوضات، أي أنه اتهم الفلسطينيين الأشقاء كما اتهمتهم أمريكا وأوربا بالإرهاب، وغض الطرف عن المذابح الإجرامية التي نصبها وينصبها اليهود للشعب الفلسطيني الأعزل.

معنى هذا أننا نحرث في البحر حين ننتظر إنصافًا من الولايات المتحدة أو نصرة من أوربا أو تعاطفًا من المنظمات الدولية، أو تحركا مما يسمى بالمجتمع الدولي.. أو حلاً لقضايانا واستردادًا من خلال المفاوضات والاتفاقيات والمعاهدات أو بالإعلان عن نبذ السلاح ورفع شعار السلام "المزعوم" كخيار استراتيجي لا رجعة عنه، إلى آخر هذه الشعارات والمناشدات والنداءات التي نوجهها للمجتمع الدولي أو المنظمات الدولية أو واشنطن ولندن وباريس، وبكين وموسكو..

الانتفاضة.. والعمليات الاستشهادية.. والتحرير

وإذا كانت الانتفاضة قد حققت الكثير على صعيد إفشال كافة المخططات الصهيونية وعلى صعيد إرباك بل وإذلال العدو وكيل الضربات الموجعة له، والتصدي لغطرسته وبلطجته.. وإذا كانت العمليات الاستشهادية قد حققت الكثير رغم ضيق اليد وندرة الإمكانات، وشدة وقهر الحصار، رغم ذلك كله يجب أن تستمر الانتفاضة والعمليات الاسشهادية حتى تردي كافة الحقوق ويعود اللاجئون إلى ديارهم، ورغم انصراف أو عجز أو تغييب الأشقاء، فإنها تضع العامل البارز على الطريق الصحيح، الذييجب أن يسلكه العرب والمسلمون، كما تضع الجميع أمام مسئولياتهم وفي مقدمتها وعلى رأسها دعم الانتفاضة بشتى أشكال الدعم، مع تحريك وتفعيل قرارات القمة العربية الخاصة بصندوق دعم القدس ودعم الانتفاضة.

لقد أعلنا من قبل كما أعلن كافة المخلصين في هذه الأمة.. ونعلن اليوم وسنظل نعلن أن وحدة الأمة وحشد كافة إمكاناتها وهي كثيرة مع إزالة الهوة أو الفجوة بين حكامها وشعوبها وتأكيد حق الشعوب في الحرية والمشاركة في القرار.. هي الخطوة الأولى والرئيسية على طريق تحرير كامل الأرض.. وإزالة كافة أشكال ومصادر العدوان والتصدي لكافة أشكال العدوان الإجرامي الذي صار يطارد العرب والمسلمين في كل مكان، وبشكل تنخلع له القلوب وتنفطر له النفوس، مثل ما يجري في فلسطين، وما يحدث من إحراق ومذابح للمسلمين في الهند على أيدي الهندوس الذين ينتهكون الحرمات والمساجد، ويسفكون الدماء. ويعتمدون على الأعراض.

يحز في النفوس أننا نواجه الخطر الصهيوني، والهجمة الأمريكية، ونحن مشتتون، متفرقون، يواجه الشرفاء والمخلصون الصادقون في أكثر من دولة، المحاكمات الاستثنائية بأحكامها الجائرة، بدلاً من توحيد الصفوف، وتكاتف الجهود، وحشد القوى لمواجهة هجمة عاتية، تهدد وجود الجميع، فهل ينتبه الجميع للخطر قبل أن يحدق بهم.. وهل يمتثلون قول الله جل شأنه (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51) (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر:5)

مصطفى مشهور
المرشد العام للإخوان المسلمين

المصدر