كيف نشأ تنظيم 1965

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كيف نشأ تنظيم 1965


بقلم/ الأستاذ أحمد عبدالمجيد .. كتاب "الإخوان وعبد الناصر .. القصة الكاملة لتنظيم 1965م"'

مقدمة

سوف أشرح بإيجاز كيفية نشأة التنظيم ومراحل إعداده بصورتها التاريخية وتتابع أحداثها ومهمة أو دور بعض أفراده وذلك حتى نهاية عام 1965 . ويمكن القول بأن ذلك قد مر بثلاث مراحل :

1 – الفترة من عام 1957 إلي 1962 .

2 – الفترة من عام 1963 إلي 1964 .

3 – الفترة من عام 1964 إلي 1965 .


1 – الفترة من 1957 إلي 1962

تتميز هذه الفترة بأنها نقطة البدء وتختلف عن غيرها بأنها مرتبطة بمنطقة معينة ، وأشخاص محددين ، ولا يمنع أن يكون في هذه الفترة إخوان آخرون يتحركون في أماكن أخري من محافظات مصر ولم نكن نعلم وقتها ، وهم الذين ارتبطوا معنا بعد ذلك في مرحلة دمج المناطق المختلفة وتوحيد العمل .

وسأحاول جاهدًا اختصار التفاصيل والاكتفاء بذكر العموميات أو الأمور الهامة أو المراحل التي تستحق الذكر :

في خلال عام 1957 ولا أذكر التاريخ بالضبط كنت في شقة بعض الإخوة بالزيتون بالقاهرة معظمهم من الطلبة الجامعيين ، ومعهد الزيتون الفرنسي ، وكانت هذه الشقة أشبه بمنتدى يرتاده الناس ، إلا أن الذي يرتاد هذه الشقة طائفة ذات صبغة معينة وهم الإخوان الشبان ، أو من هم قريب الصلة بهم .

وكان ضمن سكان هذه الشقة طالب بكلية الطب هو الدكتور أمجد محمد صديق من سوهاج ، واثنان بكلية الحقوق ، هما الأخ إبراهيم عبدالفتاح ، والأخ كمال الفرماوي وبلدهما كرداسة محافظة الجيزة ، وموظف بشركة شل هو الأستاذ عثمان إبراهيم من سوهاج وعضو مجلس الشوري بعد ذلك . وكانت الشقة تزخر باللقاءات والمناقشات والإقامة والضيافة ، وفي إحدى أمسيات تلك الأيام قدم الشقة شخص لا أعرفه ، عرفني به الأخ إبراهيم عبد الفتاح وكان هذا الشخص هو علي عشماوي من ميت غمر محافظة الدقهلية ، وتكررت مقابلاتنا وتوثقت معرفتنا ، وزادت ارتباطاتنا حتى كان لا يمر أسبوع دون أن نري بعضنا مرة علي الأقل ، وتعرفت علي بعض الإخوة ممن يعرفهم ، وتعرف هو كذلك علي بعض من أعرف من الإخوة ، ومن الذين تعرفت عليهم بواسطته المرحوم المهندس أمين شاهين ، وكان وقتها طالبًا بكلية الهندسة ، وتوثقت صلتنا نحن الثلاثة في اللقاءات والمناقشات والرحلات ، وزادت بروابط المحبة والأخوة .

وفي أحد الأيام حدثني علي عشماوي عن وجوب سعينا سويًا لتجميع الإخوان بدلاً من التشرذم الذي يعيشونه ، وعدم الثقة الذي يخيم عليهم ، والخوف من الضياع والانصهار في دوامة المجتمع إذا استمر هذا الحال . ورفضت الفكرة لصغر عمرنا ، وقلة خبرتنا وصعوبة استجابة الإخوان لنا والشك في نوايانا وأن يحتاج إلي شخصيات قيادية معروفة يستجيب لها الإخوان ، وقال علينا أن نبدأ ونسعى ، ونبحث في نفس الوقت عن القيادة التي تسلمها الزمام وتعمل معها كجنود ، وانتهينا علي ذلك وأبلغني بعد ذلك أنه تفاهم مع المرحوم أمين شاهين علي ذلك ووافق ، واتفقنا علي عقد لقاء بحديقة الدمرداش بالعباسية بالقاهرة حتى لا نلفت الأنظار ، وتناقشنا طويلاً حتى انتهينا إلي الآتي : -

1 – علي عشماوي – الأمير .

2 – أمين شاهين – مسئول عن النواحي المالية .

3 – أحمد عبدالمجيد – المعلومات .

4 – وضع برنامج دراسي تربوي .

5 – السرية التامة مع الحذر الشديد في التحرك والاتصالات .

6 – عدم التقيد بالتقسيم الجغرافي لحركة كل منا ، والاتصال بمن يعرف في أي مكان بمصر .

7 – الاتصال بقيادات الإخوان ، بالذي يعرفه كل منا في محاولة جس النبض في العمل وعدم المصارحة إلا بعد التيقن من رغبته في العمل .

8 – استبعاد أي أخ سبق له التأييد مهما كان استعداده ، كذلك استبعاد انضمام أي شخص فيه شك ولو 1% .

وسارت الأمور كما ذكرت بخطي وئيدة محسوبة ، وكان هناك – بتوفيق الله – بعض النجاح في وسط كثير من الإخوان الشبان في مناطق مختلفة كان معظمها في محافظة القاهرة والجيزة والدقهلية .

إلا أنه حدث أمران في هذه المرحلة :

1 – لم يستجب أو يتحمس أحد من المسئولين القدامى للعمل بل عد ذلك جنونًا أو تهورًا لمن يفكر فيه ، بل أخذوا في مطاردتنا ومحاربتنا وتحذير الإخوان منا في كل مكان .

2 – الأمر الثاني : أنه حدث اختلاف مع الأخ أمين شاهين في خط سير العمل وتركنا وحدنا علي أثرها وبدأ يجمع بعض الإخوان بعيداً عنا وأصبح عنده القدرة علي الحركة أكثر بعد تخرجه من الكلية " كلية الهندسة " وبعد دخوله الكلية الحربية وتخرجه منها برتبة ملازم أول مهندس ، أصبحت صلته بنا ضعيفة ، ولكنه كان يتحرك ويتصل بمن يعرفهم ، وكان يسير علي سياسة بعض الإخوان ( تنظيم ولا تنظيم ) أي يعرفون بعضهم ويتزاورون دون أن يكون هناك تجمع حركي يجمعهم ، سواء في صورة مجموعات صغيرة أو كبيرة ، كل ذلك علي أساس منع الإعتقال أو المحاكمة بتهمة تجميع الإخوان ، حيث كانت وقتها في قوانين عبد الناصر تهمة يعاقب عليها تحت اسم " إحياء الجماعة " ، وأن من يعلم ولم يبلغ يحاكم بتهمة : " علم ولم يبلغ "

وإن كان ذلك لم يمنع من اعتقالهم ومحاكمتهم وصدور أحكام متفاوتة عليهم . وكان معظم تحركه في محافظة الدقهلية ومحافظة القاهرة ، خاصة شبرا والشرابية ، وتحرك محدود في مدينة الإسكندرية ، ومعظم من كانوا معه من الإخوان والنادر جدًا لم يكن له سابق صلة بالإخوان .

هذا ولقد انقطعت الصلة بيننا وبينه ، وتجمد الوضع علي هذا الحال حتى ضمنا السجن الحربي مع الآلاف غيرنا .


2 – الفترة من عام 1962 إلي 1964

لما كان البحث جاريًا منا علي شخص أو أشخاص ليتولوا المسئولية غيرنا ، يكون لهم بريق وثقل لدي الإخوان ليناط بهم أمر القيادة ، وكنا نلجأ بمن نعرف مباشرة ، أو عن طريق وسيط آخر لجس النبض ولمس الموضوعات من بعيد دون التصريح أو حتى التلميح بشيء وكنا نرجع دائمًا بخفي حنين ، وكنا نأمل دائمًا أننا سنجد مبتغانا ، ولعلنا مع تكرار الزيارات وفتح الموضوعات المختلفة نصل لشيء ، وكنا نحاول كما يقول الشاعر : " حرك لعلك توقظ النواما " ، وأخيرًا وصلنا إلي طريق مسدود مع الإخوان الكبار والمشاهير .

وأثناء تحركنا في المحافظات شعرنا بأن هناك حركة أخري قائمة من إخوان آخرين ، ثم تأكد لنا ذلك ، وقمنا بالتحري عنهم فتأكد لنا أنهم ثقات ويتحركون بدافع الإخلاص ، وعلمنا بعد ذلك أنهم فعلوا نفس الشيء بالنسبة لنا . وبدأ التماس بيننا وبينهم عندما اتصلنا بإخوة في الدقهلية علي صلة بهم في نفس الوقت ، وبعد فترة تم ترتيب لقاء بين علي عشماوي ومن الطرف الآخر الأخ عوض عبدالعال المدرس وهو من الإخوة الذين عرفتهم بعد ذلك ويمتاز بطيب القلب وحسن الخلق والإخلاص في العمل ، وحب الآخرين – نحسبه كذلك ولا نزكي علي الله أحدًا - . وكان الأخ عوض ينقل ما يدور بينه وبين علي عشماوي لإخوانه ، ولقد تم ترتيب لقاء آخر مع الأستاذ محمد عبدالفتاح شريف – مهندس بالبحيرة – ولم يتفقا علي شيء ، حيث كانت وجهتا النظر مختلفتين ، وخاصة فيما يتعلق بموضوع اغتيال جمال عبد الناصر ، فقد كان من رأي الأستاذ شريف لها حسابً ، ولم تكن في تخطيطنا البتة .

والتقي علي عشماوي بالأخ عوض عبدالعال بعدها ، ونقل لعلي رغبة إخوان مجموعته في لقاء بين اثنين منهم اثنين من طرفنا ، وتم الاجتماع بمنزل علي عشماوي بشبرا بالقاهرة ، وحضر عنهم :

واتفقنا علي أنه إذا كانت هناك ثقة مبدئية بيننا فيجب المصارحة لكي نبدأ بخطوات واضحة ، وقد تم ذلك ، وعلمنا منهم بالإضافة إلي معرفة القصد والغاية مما هم عليه . وعُرض مرة أخري فكرة اغتيال عبد الناصر من عشرين إلي ثلاثين مستعدون للشهادة وعارضت أنا وعلي الفكرة ، وقلنا إن كل ما يهمنا هو إعادة تنظيم الجماعة وتربية الأفراد ، فوقفوا أخيرًا علي وجهة نظرنا ، وقد عرفنا منهم ما يأتي :

1- أنهم علي صلة بالأستاذ المرشد حسن الهضيبي – رحمه الله – واستأذنوه في العمل فوافق ، وبالتالي يعتبرون عملهم شرعيًا لأنه موثق من القيادة الشرعية للجماعة .

2- أنهم مثلنا علي صلة ببعض الإخوان في الخارج ، ونحن كذلك مع اختلاف الأشخاص .

3- يوجد لديهم بعض المال من الإخوان بالخارج مرصود للعمل الإخواني في مصر ، ومقدم بواسطة الشيخ عشماوي سليمان – رحمه الله - .

4- يوجد تحرك مماثل بالإسكندرية والبحيرة وهم علي اتصال به والتفاهم معهم للدمج وتوحيد العمل .

5- أنهم علي صلة بالإخوان بالسجون خاصة الأستاذ سيد قطب – رحمه الله - .

إلي غير ذلك من التفاصيل الأخرى ، ثم ضربنا موعدًا نتقابل فيه بمنزل الشيخ عبدالفتاح إسماعيل بكفر البطيخ بدمياط ، وتقابلنا هناك نحن الأربعة وتدارسنا الأمر وناقشنا الأمور لمدة ثلاثة أيام متتالية وتم توزيع الاختصاصات التالية :

1 – الشيخ عبدالفتاح إسماعيل – تاجر - :

- مسئول عن دمياط وكفر الشيخ وشرق الدلتا .

- الاتصال بالأستاذ المرشد .

- الاتصال بالأستاذ سيد قطب بالسجن .

- التفاهم مع إخوان الإسكندرية والبحيرة ومعه الشيخ محمد فتحي رفاعي .

- مسئول عن النواحي المالية : من حيث مصادرها ومصارفها .

2 – الشيخ محمد فتحي رفاعي – مدرس بالمعاهد الأزهرية - :

- مسئول عن وسط الدلتا ( الدقهلية ، الغربية ، المنوفية )

- مسئول عن وضع البرامج الدراسية والتربوية .

3 – علي عشماوي – موظف بشركة الأساسات ( سمبلكس ) :

- مسئول عن القاهرة والجيزة .

- مسئول عن التدريبات الرياضية .

- الاتصال بالإخوان بالخارج .

4 – أحمد عبدالمجيد – موظف بإدارة كاتم أسرار حربية :

- مسئول عن الوجه القبلي ( الصعيد ) .

- مسئول عن المعلومات .

وبعد عدة شهور سافر الشيخ فتحي رفاعي في إعارة للجزائر ، وتسلم اختصاصاته الأخ صبري عرفة الكومي الذي كان يعمل مدرسًا لمادة الأحياء وقتها ، وكان يمتاز بالدقة والهدوء والصمت والصرامة ، ولعل القصة الأخيرة اكتسبها من عمله كضابط احتياط بالجيش ، هذا طبعًا إلي جانب خلقه الإسلامي . وانتظم العمل بالصورة المذكورة ، كل مسئول في دائرة اختصاصه ، ويقدم تقريرًا للمجموعة ، دون ذكر أي أسماء ، وبدأ كل منا يتسلم الإخوان الذين يقعون في دائرته من المسئول السابق عليه حتى لا يكون هناك شخص يقع في الاختصاص الجغرافي للآخر .


لقطات من هذه الفترة

في هذه الفترة وصلت إلينا مخطوطات من الشهيد سيد قطب من السجن أذكر أن بها فكرة عن تكوين الكيان المسلم وتربيته ، وفكرة عامة عن المخططات الصهيونية العالمية ، والصليبية الدولية ، ومحاربتها للإسلام ووسائلها وعملائها في المنطقة وبعض الأسماء كذلك . وكان الكلام بها في غاية الخطورة وقتها ، حيث لم يكن الكثير من هذه المخططات قد انكشف بعد ، واتضحت بالصورة التي ظهرت عليها بعد ذلك ، وكان عنوان هذه المخطوطات ( خيوط خطة ) . وأحضر لنا كذلك مذكرات من الشهيد محمد يوسف هواش بواسطة الشهيد سيد قطب كانت بعنوان ( جولة في العقيدة والحركة ) وكانت مكتوبة بروحانية عالية وموضوعها في غاية الدقة والأهمية للعاملين في حقل الدعوة الإسلامية ، حيث يصف فيها حزب الله ومواصفاته ، وحزب الشيطان وحدوده كذلك وكيفية التعامل معه ، وكان هناك باب بعنوان ( من نحن ؟) وآخر ( من الناس ؟) وكانت هذه المذكرات تذهب للمرحوم الأستاذ المرشد حسن الهضيبي أولاً لقراءتها ومراجعتها ، ثم تصلنا بعد ذلك منه .

وهذا ما أذكره حاليًا من المذكورين اللتين اختفتا في هوجة الإعتقالات عام 1965 ولم يعثر لهما علي أثر حتى الآن . وفي فترة لاحقة أخبرنا الشيخ عبدالفتاح إسماعيل أن الأستاذ المرشد رشح لنا شخصًا وزكاه للعمل معنا والاستفادة من تجاربه ، واتفقنا علي أن يقابله الشيخ عبدالفتاح إسماعيل وينقل لنا ما يدور معه ، وتم ذلك ، وبعدها قابلناه عدة لقاءات ، حوالي سبع أو ثماني مرات ، وكان هذا الرجل هو الأستاذ عبدالعزيز علي ، وزير الشئون الاجتماعية السابق في أوائل عهد الثورة . كنا نلتقي به في شقة في مصر الجديدة بها جمعية خيرية تطل علي ميدان فسيح ، يسهل كشف المراقبة والمتابعة فيه بسهولة ويسر ، وحتى من داخل الشقة نفسها ، وكانت العمارة هادئة ، والدخول للشقة طبيعيًا كأننا أعضاء في الجمعية ، وكنا ندخل إليها فرادي ونخرج منها فرادي ، مع عمل احتياطات الأمن من كل منا عند الدخول أو الخروج والتأكد من عدم المراقبة أو المتابعة .

إلا أننا لم نتوائم مع الأستاذ عبدالعزيز علي لعدة أمور ، أهمها عدم درايته الكافية بأمور ومشاكل الجماعة أو الخط التربوي الإسلامي ، وتكاد تنحصر خبرته الحركية فيما كان يحدث في ثورة 1919 حيث كان مشتركًا فيها ، وكان هناك جانب آخر دفعنا للتعامل معه بحذر ، وهو أنه كان وزيرًا مع الثورة ، ومعلوم أن الثورة قامت بترتيب ورعاية من الولايات المتحدة الأمريكية ، رغم التغطية لها بعد ذلك بأنها تابعة لروسيا ، والأحداث المفتعلة لترسيخ ذلك وإضفاء دور البطولة علي عبد الناصر ، فخشينا أن يكون له صلة مشبوهة بأمريكا وأن يكون دخيلاً علينا ، وقد يكشفنا ، إلا أننا بعد ذلك اكتشفنا أن تقديرنا وتخوفنا لم يكن في محله ، وأن الرجل كان مخلصًا وصادقًا ، وكان موقفه صلبًا في السجن الحربي جزاه الله خيرًا ، وذلك بعد اعترافات علي عشماوي التفصيلية عليه .

وبناء علي ما تقدم بدأنا نخطط للانسحاب عنه وبحكمة بدون أن يدرك ذلك ، مع إبلاغ الأستاذ المرشد بذلك ، فترك لنا حرية الاختيار في الاستفادة منه أو تركه . وتم التخطيط للانسحاب التدريجي ، مع إظهار أنفسنا بمظهر التكاسل ، وعدم الجدية ، حتى الانسحاب نهائيًا بصورة تبدو طبيعية له تمامًا .

ولا يفوتني أن أذكر كذلك محاولة استئناف الاتصال بالإخوان القدامى المسئولين ، في هذه المرحلة ، وبدأ كل منا الاتصال بمن يعرفه والتفاهم معه بعد مناقشة الأمر مع المجموعة ، وتم الاتصال بكثير من قيادات الجماعة التي علي الساحة ، خارج السجون وعلي كافة مستوياتها القيادية ، بدءًا من نواب الشُّعب فأعضاء الهيئة التأسيسية فالنظام الخاص السابق ، وفدائيي فلسطين ، حتى مكتب الإرشاد ، ولن أتعرض هنا للأسماء أو الصفات حفاظًا علي سمعتهم داخل الجماعة وخارجها ، وخاصة أن بعضهم انتقل إلي مولاه .

وكنا نسعى جهدنا لذلك ليتولوا قيادتنا وتوجيهنا بعد تسليم الزمام لهم ، باعتبارهم أقدم منا وأقدر بذلك وكذا لسرعة استجابة الإخوان لهم بحكم وضعهم ومسئوليتهم السابقة وكذلك أعمارهم ، حيث كان أكبرنا سنًا يومها أو وقتها الشيخ عبدالفتاح وعمره ذلك الوقت لا يتجاوز 37 سنة .

إلا أنه للأسف باءت كل هذه المحاولات بالفشل ، ولم يكن موقفهم الرفض فقط ، بل بدءوا يحاربوننا ويطاردوننا ويحذرون منا الإخوان في كل مكان ، ويضعون أمامنا العراقيل ، ونحمد الله أن ذلك لم يتعد دائرة الإخوان ، وقد أبلغوا الأستاذ المرشد وشكونا إليه ، وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله . وكانوا يبررون تصرفاتهم بدافع حرصهم علي الجماعة ، ولا يعلم حقيقة هذه الدوافع إلا الله ، فهل هو الخوف من الاعتقال وما سيترتب عليه ، أم أن الوقت غير مناسب ؟ ، أم أنهم أدوا دورهم وكفي ؟ ، ولا داعي لمواصلة الدعوة في هذه المرحلة التي تعيشها مصر ، كل ذلك جائز أو بعضه ، ولكننا نورد الحادثة هنا سردًا للوقائع مع عدم التعرض أو التعريض بأحد منهم .

سار العمل وانتظم بالصورة التي ذكرتها وبدأ كلّ يمارس نشاطه في منطقته ، وتخصصه ، وكنا نلتقي في لقاءات دورية غير منتظمة وفي مواعيد وأماكن مختلفة ، وبصورة يغلب عليها الحذر والسرية ، مراعاة لمقتضي حال البلاد وظروفها وقتها ، حيث كانت مصر تعج بالرعب والإرهاب ونشاط أجهزة القمع المختلفة علي مستويات الشعب والاتجاهات الإسلامية كافة وخاصة الإخوان . وكان رؤساء هذه الأجهزة ، أو من دون الرؤساء علي صلة مباشرة بعبد الناصر حتى يكون علي علم بما يدور أو بما يخفيه عنه رئيسه ، ويستخدم كذلك الأجهزة في المنافسة فيما بينها أو ضربها ببعضها ، وداخل الجهاز نفسه يتجسسون علي بعضهم . هذا ويمكن الكلام هنا عن نشاط كل منطقة واختصاص كل من المجموعات المتخصصة بصورة موجزة حتى تكون الفترة التي سبقت اللقاء بالشهيد سيد قطب واضحة المعالم ، وأننا قد انتقلنا إليه بهذه الحالة التي سأذكرها :


المناطق

مارس كل مسئول عمله في دائرة اختصاصه ، وتم تسليم كل شخص الذين يتبعونه وتقع إقامتهم تحت إمرة منطقة أخري ، وتم ذلك بالتدريج وعلي مراحل ، وبصورة حذرة مع الحرص الشديد . هذا مع توزيع الإخوان في أسر من ثلاثة إلي خمسة أشخاص لهم أمير يتصل بمسئول البلدة والذي بدوره يتصل بالمسئول الذي يليه وهكذا حتى مسئول القيادة .


الاتصال بالخارج

تم توحيد الاتصال بالخارج مع الدول العربية عن طريق علي عشماوي في مصر وعن طريق محيي الدين هلال بالخارج حيث يقوم هو بالاتصال بالإخوان المصريين وغيرهم خارج مصر . وكان الاتصال بينهم بثلاث وسائل منها سفر علي عشماوي للخارج ، ومنها إرسال مندوب من الخارج من غير المصريين كموفد مع تغطية حالته من حيث الاتصال ، والوصول ومظهره العام وكلمة السر وما إلي ذلك من احتياطات الأمن اللازمة ، وأذكر في هذه الحالة أنه حضر إلينا من بلد عربي رسول معه بعض الأوراق والخطابات كسائح عربي ، ومظهر يتفق مع حقيقته الظاهرة ، وعند سفره من مصر ارتدي بنطلون جينز الخنافس وقميصًا مشجرًا ونظارة معينة ، حاملاً بيده عود موسيقي ، ولوحة زيتية ، علي أن يكون في وداعه بمطار القاهرة شخص – تعرف علي شكله – دون أن يكلمه كلمة واحدة في المطار ، وإعطائه إشارة معينة من شرفة التوديع أنه مر بسلام من التفتيش . أما الطرقة الثالثة للاتصال بالإخوان في الخارج فكانت تتم بالرسائل البريدية ، التي توضع في صناديق البريد بإحدى الدول الأوروبية عن طريق الإخوان الطيارين بمصر للطيران والمنتظمين معنا ، مع التحفظ في كتابتها ، بحيث تكتب بصيغ متفق عليها معهم مسبقًا ولا يفهمها غيرهم .


النظام المالي

كان يتم تجميع الأموال من الإخوان بواقع 5% علي الأقل من الداخل شهريًا كحد أدنى بالإضافة إلي التبرعات ، وتسلم هذه المبالغ للمسئول المالي للإنفاق منها علي احتياجات اللازمة ، وتسلم الأموال السابقة التي كانت لدي أي منا له .


الاتصال بالأستاذ المرشد

كان يتم عن طريق الشيخ عبدالفتاح إسماعيل بواسطة الأخت زينب الغزالي يرحمها الله التي كانت تقوم بالذهاب للأستاذ المرشد في بيته أو في أي مكان آخر ، وكان يتم ذلك في أضيق الحدود وعند الضرورة فقط ، حيث كان منزله مراقبًا مراقبة مستمرة ليلاً ونهارًا . ومما كان يسهل مهمتها هو وجود صلة نسائية بينها وبين بيت الأستاذ المرشد مما يبدو علي أنه أمر طبيعي لا يلفت النظر ولا يثير الشكوك .


الاتصال بالسجن

كان يتم بواسطة الشيخ عبدالفتاح إسماعيل كذلك والحاجة زينب ، ثم الأخت حميدة قطب شقيقة سيد قطب ، وكان هذا الطريق مأمونًا كذلك بتوفيق الله ، ويبدو عاديًا بحكم صلة الأخوات ببعضهم أسوة ببيت فضيلة المرشد .


الاتصال بالإسكندرية والبحيرة

كان يتم بواسطة الشيخ عبد الفتاح ، وتم الاتفاق علي الدمج معنا ، ورشح الأخ مجدي عبدالعزيز منهم للاتصال بنا ، وكان وقتها ضابطًا احتياطيًا بالقوات المسلحة ، انتظم بعد انتهاء مدته بالجيش معنا وأصبح مسئولاً عن الإسكندرية والبحيرة ، والأبحاث العلمية والكيماوية باعتباره خريج كلية العلوم ومدير الإنتاج بمصنع النصر للأفلام وقتها .


مجموعة الأبحاث العلمية

كان أعضاء هذه المجموعة من خريجي كليات العلوم – قسم الكيمياء – وخريجي كليات الهندسة – قسم كيمياء – وباحثين بالمركز القومي للبحوث والطاقة الذرية . وكانت هذه المجموعة تقوم بعمل أبحاث مختلفة بحكم خبرة أعضائها وذلك لتمرينهم وشغل أوقاتها وإعداد ما نحتاج إليه من أبحاث ، وقاموا بالفعل بعمل الأبحاث والتجارب ، وكان يشرف علي هذا القسم الأخ مجدي عبدالعزيز كما سبق القول .


ضباط الجيش والشرطة

بدأ التفكير في هذه الفترة في إدخال بعض الإخوان كضباط في القوات المسلحة ، وقد تم فعلاً إدخال عدد للكلية الحربية ، وتم تخريجهم وتوزيعهم علي بعض أسلحة الجيش ، فيما عدا واحدًا كان لا يزال طالبًا بالكلية الحربية عند الاعتقالات واسمه فتحي عبد الحق ، وتم الاتصال ببعض الإخوان ، بالجيش والشرطة والذين كانوا شبابًا عام 1954.


الرياضة والتدريب

لم يكن واردًا في تفكيرنا خلال هذه الفترة القيام بأعمال عسكرية أو استخدام القوة وكان ذلك مستبعدًا تمامًا . ولكن من باب استكمال اللياقة البدنية وتفريغ جزء من طاقات الإخوان ، بدأنا التدريب علي بعض أنواع الرياضة البدنية ، كالمشي وتمرينات السويدي والمصارعة اليابانية ، والقيام بالرحلات ، وكان يشرف علي هذا الجانب الأخ مجدي عبدالعزيز وعلي عشماوي . ووضعنا في الاعتبار عند الحاجة التدريب علي استخدام الأسلحة والتي كان يشرف عليها الأخوان صبري عرفه ومجدي عبدالعزيز حيث كانا ضابطين سابقين بالجيش ، وكان يعاونهما علي عشماوي . وفي هذه الفترة تم عمل معسكرين للتدريب والترويج للأخوة علي ساحل جمصة بمحافظة الدقهلية ، وآخر بمنطقة نائية في بلطيم بمحافظةكفر الشيخ – علي البحر كذلك - .

وكانت هذه الترتيبات معينة للذهاب والعودة والإقامة ، واستعمال كلمة سر وأسماء مستعارة ، وغير ذلك من احتياطات الأمن اللازمة . وكان نظام المعسكر روحيًا من ناحية العبادات بالليل والنهار ، وإلقاء المحاضرات التثقيفية ، والتدريب علي الحراسة مع ممارسة أنواع مختلفة من الرياضة البدنية ، مثل السويدي والجري والقفز والسباحة والمصارعة اليابانية ، وغيرها . وكذا التدريب علي الاعتماد علي النفس مثل الغسيل والطبخ وما إلي ذلك .


قسم المعلومات

كان هذا القسم من الأقسام التي تحتاج إلي عناية خاصة لأننا كنا أكثر احتياجًا إليه في حركتنا لمعرفة عدونا ، وما يدور حولنا سواء علي النطاق المحلي أو العالمي . وكانت هناك صعوبات في البداية لندرة المعلومات المتاحة لدينا ، وكذا لصعوبة الحصول عليها ، بالإضافة إلي وسائل التدريب والممارسة .

وبدأن نستعين بالكتب المتداولة في السوق والتي قام بها قصص وحوادث عن الجاسوسية والاستخبارات وكذا الكتب البوليسية . وتم تحديد ما نحتاج إليه ونراه ضروريًا مثل عمليات المراقبة وكشفها ، والإخفاء والتخفي (التمويه) ، واستعمال الشفرة البسيطة اللازمة عند الحاجة واستعمال الأسماء الحركية للأشخاص والأشياء ، وغير ذلك مما يقتضيه سير الحركة لتجمع إسلامي ناشئ ، لا يسمح به الأعداء ولا أذنابهم ، ويشكل هذا العمل جريمة في نظرهم ، وكان أمامنا دائمًا الضربات التي كيلت وتكال للإخوان في مصر ، ولأمثالها من الحركات الإسلامية وروادها علي مستوي الساحة العالمية . وتم علي أثر ذلك تدريب بعض الإخوان في بعض المناطق علي طرق جمع المعلومات ، مع التنبيه عامة علي جميع المنتظمين ينقل ما تصل إليه آذانهم وأعينهم من أخبار أو حوادث وحتى الإشاعات وإبلاغها إلي مسئوليهم لتصل عن طريق السلم التصاعدي إلي المختص .

من مصادر المعلومات ما يلي :

1 – مجموعة الصحف العربية :

سواء المصرية أو العربية التي تصدر في الدول العربية ويتم الحصول عليها من الداخل أو الخارج .

2 – مجموعة قراءة الصحف الإنجليزية :

وتقوم هذه المجموعة بترجمة الأخبار التي نحتاج إليها سواء علي المستوي المحلي (مصر) أو العربي والإسلامي أو العالمي . وكان يتم الحصول عليها إما بشرائها من السوق المحلية ، أو بشرائها من الخارج عن طرق الإخوة الطيارين وغالبًا ما كانت تصلنا في يوم صدورها .

3 – الصحف الفرنسية :

وكان يقوم بقراءتها وترجمة ما نحتاجه منها الأخ جابر رزق الصحفي – يرحمه الله – باعتباره يجيد الفرنسية ، هذا إلي جانب إمدادنا بأخبار الصحف وأجهزة الإعلام التي يعلمها بحكم تخصصه .

4 – مجموعة الاستماع :

وهذه تقوم بالاستماع إلي نشرات الأخبار من الإذاعات المحلية والإذاعات العالمية المختلفة وتستمع إلي التحليلات والتعليقات السياسية ونقل ما يلزم للمختص .

5 – أخبار المباحث العامة والمباحث الجنائية العسكرية والرقابة الإدارية :

وهذه كان يتولاها الأخ الدكتور علي جريشة وكان يتم حصوله عليها بحكم صداقاته الواسعة في هذه الأجهزة وطبيعة عمله أثناء عمله كوكيل نيابة سابق ، أو كمستشار في مجلس الدولة وقتها ، ويسهل مهمته هذا أنه محدث لبق ، يستطيع استدراج الغير والحصول منه علي ما يريد دون الشك أو الحذر منه حتى من رجال المباحث وقتها ، كذلك عن طريق الأخ إبراهيم منير الذي كان علي صلة بضابط مباحث ويعرف منه بعض الأخبار من الدردشة والمناقشة .

6 – أخبار القوات المسلحة :

وهذه كانت تأتينا عن طريقي الخاص بحكم عملي بإدارة كاتم أسرار وينقل لمجموعة القيادة فقط ما يتعلق باللعبة السياسية والتي كان يزاولها عبد الناصر وأعوانه ، والمشير وحاشيته ، وشمس بدران يلعب علي الحبل بين الاثنين . وتقوم اللعبة أساسًا علي تقديم أهل الثقة وإبعاد أهل الخبرة بالنقل ، أو الإحالة إلي المعاش أو الاستيداع أو ..... غيره ، كذا بواسطة الإخوان الضباط .

7 – أخبار رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء :

وكانت تأتي عن طريق الأخ الشهيد إسماعيل الفيومي يرحمه الله ، بحكم عمله وتحركاته مع عبد الناصر أينما ذهب .

8 – الرسم والمكياج :

كان الأخ محمد عبدالرحيم رحمي ، رسامًا وخطاطًا بارعًا ، وكان منتظمًا في مجموعة الجيزة مع الأخ الفاضل مبارك عبدالعظيم عباد ، وتم تكليفه بالدراسة والتدريب علي عمل المكياج ، وخطا فيه بعض الخطوات ، ولكن لم تستكمل الصورة حيث دارت عجلة الأحداث بعد ذلك وحالت دون إتمام ذلك .

وبعد فترة من مباشرة قسم المعلومات لمهامه قام بعمل نشرة غير دورية ، تحتوي علي الأخبار التي يتم الحصول عليها من الصحف المحلية والأجنبية والعربية والإذاعات ، وغيرها مما يصل إلينا من معلومات تهمنا في خط سير الحركة ، مع مقالات تربوية ، وكذا كشف بعض المخططات العالمية التي تقوم بضرب الإسلام ، وتعرية الأنظمة وكشفها وإلقاء الضوء عليها وعلي البطولات والزعامات الزائفة أو تأتي الأخبار والإشاعات مما ينقل لنا من المستويات المختلفة من الإخوة المنتظمين بالتنظيم التي كانت علي الساحة وقتها مثل عبد الناصر .


عرض الإخوان بالخارج

أثناء سفر علي عشماوي الأخير للخارج ، أبلغنا عند عودته بعرض الإخوان المصرية بالخارج مساعداتهم المختلفة خاصة الأسلحة ولقد كتب لهم كشفًا مطولاً بذلك ، أبلغنا بمحتوياته ، فاعترضنا عليه بشدة لهذا التصرف الفردي ، حيث إنه غير وارد في خط سيرنا ، ولم يسبق لنا طلب ذلك منه ، فادعي أنه اتفق معهم علي أن تكون الأسلحة جاهزة تحت الطلب في أي وقت نشاء . وتجمد الوضع علي ذلك حتى أثير مرة أخري عند تصاعد الأحداث فيما سيأتي بيانه إن شاء الله .


علاقة مجموعة القيادة ببعضها

كان يغلب علي هذه المجموعة صلة الأخوة ، وحسن التفاهم بالحسنى ، وعدم إثارة الخلافات ، بل وتخطيها بسرعة عند اعتراضا ، ويرجع ذلك كله إلي فضل الله أولاً ثم إلي صدق وإخلاص أحدهم أو بعضهم ، وقد يكون في مقدمة الجميع الشهيد عبدالفتاح إسماعيل رحمة الله عليه .

3– الفترة من عام 1964 إلي 1965

اللقاء بالشهيد سيد قطب

في عام 1964 خرج الشهيد سيد قطب من السجن بإفراج صحي ، وذهب إليه الشيخ عبدالفتاح مهنئًا ، وتكلما سويًا في بعض أمور الدعوة وطبيعة العمل الحالي ، وأفهمه باختصار أنه علي صلة ببعض الشباب الذين عندهم رغبة للعمل الإسلامي ويبحثون عمن يرشدهم ويوجههم ، ثم طلب من الشيخ عبدالفتاح إسماعيل مقابلتنا ، وتقابلنا معه في صيف 1964 في رأس البر ، واستقبلنا استقبالاً طيبًا كأنه يعرفنا منذ سنوات طوال ، وتحدث معنا حديثًا شيقًا بأسلوب جذاب يشد الانتباه وسمعنا منه مفاهيم جديدة لأول مرة ، وعرضنا عليه ترشيح شقيقه الأستاذ محمد قطب للجلوس معنا والاستفادة منه ، ولكنه اعتذر لنا اعتذارًا رقيقًا وقال إن محمدًا له مجال آخر ، وأي شيء تطلبونه أنا تحت آمركم ، وفي أي وقت ترغبونه ، وألا يكون لصحته أو وقته أي اعتبار .

ولقد تركت هذه المقابلة في نفوسنا أثرًا كبيرًا فعلي الرغم من أنه لم يخرج من السجن إلا لأيام معدودة مضت ، إلا أن كل انشغاله واهتمامه هو أمر هذا الدين ، وضرب لنا موعدًا نلتقي به في منزله بحلوان بعد ذلك وتم اللقاء وتكررت اللقاءات بعد ذلك ، وهو يوجه فكرنا منحي آخر وبطريقة ذكية .

وكانت هذه اللقاءات قاصرة علي ما نسمعه منه من توجيهات عامة أو ما تعرضه عليه من استفسارات أو قضايا ، وكنا نتلاقى خارج هذه الجلسة لمناقشة شئون التنظيم المختلفة . وبعد عدة لقاءات اتفقنا علي أن نفاتحه في أن يشاركنا في الأمر كله ، ويوجهنا توجيهًا كاملاً ، وبعد أن استمع إلي وجهة نظرنا هذه ، قال " ليس لدي مانع ن ولكن قبلها لي مطلبان :

الأول : أريد معرفة كيف التقييم مع بعضكم البعض ، خاصة أني أري أن كل واحد منكم من بلدة بعيدة عن الأخرى ، ولا يوجد اثنان منكم من بلدة واحدة .

الثاني : لابد من أخذ إذن بذلك من الأستاذ المرشد .

فشرحنا له الظروف التي مررنا بها والمشاكل التي واجهتنا ، ولازالت تواجهنا خاصة عدم موافقة المسئولين علي ذلك ، وذكرنا له الأسماء ، ومضايقاتهم لنا . وبناء علي ذلك تطلب أن يتقدم إخوان العشرات الذين يخرجون من السجن ويعرفهم بدلاً منا ونتأخر نحن ونعمل تحت إمرتهم . وأجبناه عن المطلب الثاني بأن لدينا إذنًا سابقًا من فضيلة المرشد .

ولقد عقب علي كلامنا بالآتي : بالنسبة للنقطة الأولي : ظهر عليه عدم الارتياح من اتصالنا بإحدى المجموعة القيادية للإخوان ، والتي تعتبر دائرة مغلقة علي نفسها بحكم التقارب الفكري والعائلي والاجتماعي بينها ، وقال " سيحاربونكم حربًا لا هوادة فيها " وقدر الله وما شاء فعل ، فإنهم لا يوافقون علي شيء خارج عنهم وعن دائرتهم . ولقد تحقق كلامه فعلاً بعد ذلك من كثرة المحاربة والمطاردة ، حتى قال أحدهم أبلغوا عنهم المباحث حتى لا يعرضوا الجماعة للخطر . وكنا نخشى أن نكتشف من كثرة الكلام بين صفوف الإخوان منهم ولكن الله سلم .

وبالنسبة للنقطة الثانية : أجاب : أن هذا الإذن الخاص بي شخصيًا لا بكم ، وأنا لا أفعل شيئًا بدون مشورته ، ولابد من استئذانه أولاً قبل البدء معكم ، وسوف أكتب له مذكرة بما سمعت منكم ، وأرسلها له أولاً حيث إن وقته وصحته لا يسمحان بالشرح والجلوس معه لفترة طويلة . وبعد ذلك أرسل للأستاذ المرشد المذكرة مع الشرح والتعليق في عدة صفحات كما أبلغنا ، وبعدها تم ترتيب لقاء في بيته بالمنيل وتناقش معه في أمر التنظيم ، وسأله الأستاذ المرشد عن العدد فأجابه بأنهم ما بين 300 إلي 350 ، شخصًا ، فقال أنا لا أتصور أنه في مصر 300 رجل فما بالك بثلاثمائة رجل مسلم عليك بتربيتهم والاهتمام بهم ، ولا داعي لإضافة أحد جديد حاليًا

ولما أثار معه موضوع الإخوان المخالفين لنا والسابق ذكرهم ، قال فضيلته : إن فلانًا حضر إليَّ عدة مرات يشكو من ذلك وقال : إن هؤلاء حيودوا الجماعة في داهية ، ويشكون من خطورة كتاب المعالم فأجبته : " إنتو خايفين من إيه ، وجماعة إيه اللي انتو خايفين عليها ، ما انتو موتوها طول العشر سنين ، هوه انتو فاكرين اللي قدمتموه هو ده كل شيء ، دا المسيحيين علي خلاف بينهم مات منهم بيجي ستين ألف ، دا الفلاحين بيموت منهم عشرين ولا ثلاثين في أكله ... " وأضاف " إذا كنتو خايفين علي أنفسّكم ، طيب ما تسيبو الشباب اللي عايز يعمل ويستشهد في سبيل الله ، ناس عايزين يستشهدوا ما تسيبوهم يستشهدوا " وعن المعالم قلت له " أنا قريت المعالم ، وإنت خايف من إيه؟ ، هوه مكتوب عليه اسم المؤلف ، ولا منشورات الإخوان المسلمين "

وأخيرًا طلب الشهيد من فضيلة المرشد أن يكفوا عن الكلام عن الإخوان ( يقصد التنظيم ) فقال سأفعل إن شاء الله . ولا نريد أن نجري مقارنة هنا بين موقف هؤلاء الإخوان من التنظيم وموقف الأستاذ سيد قطب الذي اتصل به من داخل السجن رغم خطورة ذلك عليه كسجين ، أو بعد خروجه مباشرة ، وتوليه القيادة بعدها بشهور واستمراره حتى قدم حياته راضيًا بذلك . ونفترض حسن النية فيهم ونترك نياتهم لله سبحانه وتعالي وحسابهم علي الله .

هكذا نقل لنا الشهيد سيد قطب ما دار في الجلسة مع فضيلة المرشد ويكاد يكون الكلام بالنص أو الحرف الواحد كما ذكرت . ولقد أثلج هذا الكلام صدورنا ، وأراح قلوبنا مع التأكيد علي موافقته لعملنا ، حيث كان يشاع أننا مخالفون وخارجون عن الشرعية ، ونتصرف من تلقاء أنفسنا ، وحرصًا علي صلتنا بالأستاذ المرشد وعلي الحركة نفسها لم نكن نستطيع الرد علي هؤلاء الإخوان بأن لدينا موافقة من الأستاذ المرشد . وبهذا اعتبرنا من يخالفنا هو الذي لا شرعية لموقفه ضدنا . ولقد التقي الرجلان – يرحمهما الله – معًا مرة ثانية للتفاهم والتشاور في بعض الأمور علي الرغم من المراقبة المستمرة لبيت الأستاذ المرشد ليلاً ونهارًا ، ولكنها عناية الله سبحانه

انتظام العمل مع الشهيد سيد قطب

انتظم العمل بعد ذلك ، وحسن سيره بصورة أفضل من ذي قبل ، وساعد علي ذلك ما استجد في الأمر ، والذي كان حافزًا ، ويمكن إيجاز ذلك فيما يأتي :

1 – وجود الأمير الجديد :

كان وجود الشهيد سيد قطب معنا حافزًا قويًا ، ومؤثرًا لنا وعلينا ، حيث أصبح لنا شخص أكبر منا سنًا وخبرة وعلمًا نرجع إليه ونستشيره في أمورنا ويشاركنا متاعبنا ، ونستفيد من خبرته وعلمه وخلقه ومعاملته الطيبة وحكمته في معالجة الأمور .

المنهج الدراسي والتربوي :

وضع لنا الأستاذ سيد قطب منهجًا دراسيًا وتربويًا للسير عليه مع إخواننا يركز أساسًا علي العقيدة ، ثم الحركة بهذه العقيدة في تجمع حركي ، ثم الدراية والمعرفة بالمخططات الصهيونية والصليبية وأعوانهم لضرب الإسلام ووسائلهم في ذلك . ويمكن كتابة الكتب والمراجع التي احتواها هذا المنهج مما تعيه الذاكرة حاليًا كالآتي :

  • رسالة العبودية ... ابن تيمية
  • الإيمان ... ابن تيمية
  • الأنعام – الأعراف – يونس – هود – يوسف – المائدة – النساء – البقرة – آل عمران . ( وبنفس الترتيب المذكور ، حيث إن السور الخمس الأولي مكية : وتتناول العقيدة ومحاربة أهل الباطل لها ولأتباعها مع الرسل الكرام ، والسور الباقية مدنية : تتناول الجوانب التشريعية والتطبيقية في وجود الدولة المسلمة ) .
  • السيرة النبوية ... ابن هشام
  • زاد المعاد ... ابن القيم
  • رياض الصالحين ... النووي
  • سبل السلام ... الصنعاني
  • برتوكولات حكماء صهيون ... مترجم
  • العالم العربي اليوم - مترجم – موروبرجر
  • الإسلام في العصر الحديث ... مترجم
  • الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ( الكتاب لا الكاتب ) .. د . محمد البهي

... هذا ما أذكره من البرنامج ويكاد يكون معظمه وبالترتيب المذكور .


للمزيد عن تنظيم 1965م

وصلات داخلية

كتب متعلقة

مقالات متعلقة

ترجمة المتهمون في القضية

متعلقات أخري

تابع متعلقات أخري

وصلات خارجية

وصلات فيديو

.