لفلسطين ننزف شعرا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٤:٢١، ٢٥ أكتوبر ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لفلسطين ننزف شعرا

أ.د/جابر قميحة

لا إسراف ولا غلو إذا قلنا عن قضية فلسطين أنها قضية دين ، قبل أن تكون قضية طين . وقضية عـِــرض قبل أن تكون قضية أرض . وقضية وجود قبل أن تكون قضية حدود .

وهذا الحكم إنما هو ترتيب أولويات ، لا تناطح متناقضات . فقيمة الأرض ـــ من المنظور الإسلامي ــ تقاس بما تحمله من قيم ، وهذا هو سر اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لأرض الحبشة ليهاجر إليها المسلمون في العهد المكي ، لأنـــها ــ على حد قوله ــ ... " فيها ملك لا يظلم عنده أحد " . فقيمة الوطن بما يسوده من عدل وحب ومودة وتكافل .

أما إذا استشرى فيه الفساد فهو إلى السقوط والزوال الماحق صائر . فعلى أيدي المسلمين ــ أصحاب القيم العليا ــ سقطت الدولتان العظميان فارس والروم ، مع تفوقهما في العدد والعدة ، هذا المفهوم العلوي أكده القرآن في قوله "... َكم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ " البقرة 249 .

واليهود ــ كما ذكر ــ غوستوف لو بون في كتابه عن اليهود ـــ كانوا جماعات بدائية مشردة لا حضارة لهم .

وحينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وضع ميثاق التعامل القائم على العدل ، والمسمى " كتاب الموادعة "ولكن اليهود نقضوه عمليا ، وعاشوا على الغدر والخيانة والخداع .

ومن الحقائق التاريخية أن يهود الجزيرة العربية لم يكونوا عربا تهودوا ، ولكنهم كانوا يهودا تعربوا ، بعد أن طردهم " هادريان " وشردهم ، فأقاموا المستعمرات المحصنة كما أشار القرآن " لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ ... " الحشر 14 . وقد يكون غلوهم في التحصن راجع إلى عقدة الخوف التاريخية ، بعد أن لاقوا ما لاقوا من كراهية، واضطهاد، وطرد وتشريد.

ومن الحقائق التاريخية أنه في زمن الرومان حول الإمبراطور "هادريان" مدينة أورشليم بعد أن استولى عليها ودمرها عام 122 م إلى مستعمرة رومانية، وبدل اسمها إلى "إيليا كابيتولينا" ، ولكن ظل اسم "إيليا" سائداً نحو مائتي سنة، إلى أن جاء الإمبراطور "قسطنطين" المتوفي عام 237م، وهو أول من تنصر من أباطرة الرومان - فألغى اسم إيليا وأعاد للمدينة اسمها الكنعاني، ولكن الظاهر أن اسم إيليا شاع وظل مستعملاً، كما نجد ذلك في العهدة العمرية والشعر العربي.

وبعد الفتح الإسلامي أطلق على هذه المدينة أسماء: القدس، وبيت المقدس، والبيت المقدس، ودار السلام، وقرية السلام، ومدينة السلام، وكل هذه الأسماء التي قصد منها التكريم والتقديس لم يعش منها سوى اسمين: القدس، وبيت المقدس، بمعنى الأرض المطهرة أو البيت المطهر، وربما يعود خلودهما لارتباطهما بأسماء الله الحسنى،. وقد جاء في العهدة العمرية :

" هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) أهل إيلياء من الأمـان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبناهم ، وسقيمها وبريئها ، وسائر ملتها : أنه لا تسكن كنائسهم ، ولاتهدم ، ولاينتقص منها ، ولا من خيرها ، ولا من صُلُبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء (القدس) معهم أحد من اليهود ، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص " .

ويبْدهنا في هذه العهدة سمتان واضحتان : الأولى ما تحمله من عدل ، وأعطيات إنسانية . والثانية : وضع اليهود والروم واللصوص في قفص واحد ؛ وذلك لخطورة هذه الفئات الثلاث على الأمن والاستقرار ، والسلام الاجتماعي .

وجزى الله خيرا " دار الإعلام العربي " ، وعلى رأسها الأستاذ الفاضل صلاح عبد المقصود الذي أعطى القضية الفلسطينية اهتمامات كبرى ، بقدرة وقوة وتصميم وإيمان ، فأصدر عن " فلسطين وقضيتها ، وماضيها وحاضرها ومستقبلها " عشرات من الكتب . وسعدت إذ مكنني من تقديم ثلاثة منها هي :

1-أدبيات الأقصى والدم الفلسطيني .

2-فلسطين مأساة ونضالا في شعر الشباب .

3-لفلسطين ننزف شعرا .

فالكتاب الأول يعرض قضية فلسطين من خلال النبض العربي والإسلامي ، ودور الكلمة الشاعرة في معركة التحرير ، ورد على مفتريات المفترين .

والكتاب الثاني نقرأ في تقديمه السطور الآتية :

مضى أكثر من نصف قرن على بداية المأساة الفلسطينية، وقيام دولة الإثم والنهب والعدوان «إسرائيل» ، وتلا ذلك تشريد مئات الألوف من أصحاب الأرض الحقيقيين، أما من آثروا البقاء فقد تعرضوا لمذابح رهيبة، والذين عاشوا ضاقت عليهم رقعة الأرض بعد أن سحب أغلبها من تحت أرجلهم بالتدريج، ومن لم يفقد المكان منهم فقد الهُوية والمكانة.

ثم تطورت الأمور من سيئ إلى أسوأ، ومن أسوأ إلى ما هو أشد وأعتى سوءًا وبشاعة، وذلك لعدة عوامل أهمها:

1 - هزيمة 1967 التى أدت إلى انهيار أكبر قوتين عربيتين: القوة المصرية والقوة السورية، وانعكست هذه الهزيمة القاصمة على الأمة العربية كلها.

2 - اتفاقية «كامب ديفيد» التى قدمت من التنازلات الكثير والكثير، وكانت عزفًا «ساداتيًا» منفردًا، زاد الأمة العربية ضعفًا وتفرقًا، وفتح الباب لاستسهال التنازلات، وزاد الموقف الإسرائيلى ثباتًا وقوة.

3 - تسلط الحكومات العربية - والعسكرية منها بصفة خاصة - على شعوبها، بأساليب القهر والدكتاتورية والتعذيب، مما أفقد الشخصية العربية قوامها وتماسكها، والقيم التى عاشت عليها وبها، مثل الصبر والثبات والاعتزاز بالذات والوطن.

4 - قيام سلطة فلسطينية هشة، أثبتت الأيام والأحداث أن رجالها ليسوا على مستوى المواقع التى يشغلونها، وللأسف تحولت هذه السلطة إلى يد حديدية على المقاومة الفلسطينية اعتقالاً وتعذيبًا وقتلاً واغتيالاً.

وهى سلطة لا تمثل كل فئات الشعب، وخصوصًا التيار الإسلامى.

وهى سلطة دكتاتورية تنهج أسلوب قمع كل من لا يسايرها.

وهى سلطة فرطت فى كثير من حقوق الشعب الفلسطينى بتقديم التنازلات المستمرة.

وهى سلطة تتمتع بالسذاجة، وقصر النظر، ومن مظاهر ذلك اعتقادها الراسخ أن الولايات المتحدة تملك أغلب أوراق القضية، ومن ثم تملك حل القضية حلاً حاسمًا يرضى أصحابها بلا ظلم ولا تحيز.

ومن مظاهر هذه السذاجة أيضًا اعتقادها الحاسم أن التفاوض مع إسرائيل سيقود إلى السلام العادل والشامل.

ومن مظاهرها كذلك اعتقادها أن تغيير القادة الإسرائيليين يترتب عليه - بالضرورة - تغيير فى سياسة إسرائيل لمصلحة الفلسطينيين والعرب . ونسى هؤلاء أن إسرائيل - لها سياسة استيطانية عدوانية ثابتة، وهى سياسة يؤمن بها كل إسرائيلى، يستوى فى ذلك أهل اليمين وأهل اليسار.

وما أكثر المفردات النظرية والعملية التى تشكل واقع القضية الفلسطينية التى اتسعت تاريخيًا للقيمة أو المعنى، أو التصرف ونقيضه، مع اختلاف الشخصيات، والمنطلق الأيديولوجى؛ فعلى ساحتها المادية والمعنوية قامت بطولات، وخيانات، وتماسك وثبات، وتفريط وتنازلات، وأمانة وإخلاص، وغدر وتراجع، وحكمة وبعد نظر، وطيش وخفة وسذاجة، ورفض وعزة وإباء، وتهاون وهوان واستسلام.

وكل هذه المعانى ارتبطت بمواقف كان لها تأثيرها البالغ على الساحة السياسية محليًا وعربيًا وإسلاميًا، وهذا على أهميته لا يهمنا فى مقامنا هذا، إنما يهمنا مدى استجابة الأدب، وخصوصًا الشعر، لمفردات هذه القضية بقيمها، ومواقفها، وسلوكياتها، مع التخصيص والتركيز على الشعراء الشباب...

شعراء الثمانينيات والتسعينيات، وذلك لأنهم لم ينالوا حقهم من الانتباه والتوقف والتقييم، ربما لضيق الرقعة الإعلامية التى لم تتسع لكثيرين منهم، لأسباب لا يتسع المقام لذكرها، فهم فى حاجة إلى إلقاء الأضواء على إبداعهم عرضًا وتقييمًا، حتى يعرفهم الناس، وحتى يتعرفوا على مكانهم الحقيقى فى الساحة الأدبية، ولا كذلك شعراء النكبة كأبى سلمى، وهارون هاشم رشيد وغيرهما، فقد نالوا من الدراسات حظوظًا وافية.

كما أن أغلب هؤلاء الشعراء الشباب ولدوا بعد نكسة 1967، وعاشوا من الأحداث والوقائع ما لم يعشه شعراء النكبة، وكانت الانتفاضة بأبعادها ووقائعها المختلفة، أهم ما حضروه وعاشوه، وعبروا عنه.

وهذا الجديد التاريخى يدفع الناقد إلى البحث عن نهج هؤلاء الشعراء فى التناول الفنى من ناحية، وما أضافوه من جديد، أو بتعبير آخر ما فى إبداعاتهم بالنظر إلى من سبقهم من مظاهر الاتفاق أو الاختلاف، وأخيرًا أنبه إلى أمرين مهمين:

الأول: أن وقفتنا النقدية لا تمثل نظرة تقييمية شمولية للشاعر وشعره، ولكنه موقف نقدى من الشاعر فى فلسطينياته.

والثانى: أن اختيار هؤلاء للدراسة فى النطاق المقصود كان اختيارًا عفويًا، ولا يجمع بينهم إلا معالجة القضية الفلسطينية، مع إيماننا بأن لكل منهم بصماته الفنية الخاصة، وهذه الخصوصية لا تلغى، أو تنال مما يلتقون فيه من ملامح وسمات.

اما الكتاب الثالث فيدور حول محور أساسي وهو صوت الكهول والشيوخ في فلسطين وعن فلسطين ، والفارق بين هذه الشخصيات وشخصيات الكتاب الثاني إنما هو فارق سن ، ولكن له دلالة مهمة جدا ، وهي أن الكلمة المؤمنة الصادقة تنتصر دائما ، بصرف النظر عن مكان صاحبها من ساحة العمر ، ودلالة أخرى هي أن قضية فلسطين مجذررة في نفوس هؤلاء الشيوخ ، بما لهم من تجارب وممارسات في ميدان الإبداع ، وقد عرضنا لشخصيات معروفة على مستوى العالمين العربي والإسلامي ، منهم : وليد الأعظمي ، ومحمد صيام ، ويسن الفيل ، ورائد صلاح ، ومحمد يونس ، ووحيد الدهشان .

وأخيرا أنبه إلى أن قضية فلسطين لن تموت ، وستظل موضوعا حيا في نفوس الشعوب العربية والإسلامية وخصوصا الأدباء .

وعودا على بدء أكرر شكري وتقديري لدار الإعلام العربي بمصر ، وفارسها المُجَـلـِّي الأستاذ صلاح عبد المقصود ، كما أشكر أسرة دار الإعلام العربي الذين يعملون بحب وإيمان وإخلاص ، لنصرة القضية ، ونصرة الكلمة الحرة البانية. والحمد لله رب العالمين .

المصدر:رابطة أدباء الشام