للبيت رب يحميه بعباده الصالحين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
للبيت رب يحميه بعباده الصالحين


بهذه العبارة نطق بها عبدالمطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت غزا أبرهة المسجد الحرام لهدمه ليجبر الناس على الحج إلى القليس غير أن الله سبحانه أعاده خائبا بعد أن أذله وأهلك جيشه وحمى بيته ليتحقق فيه نداء إبراهيم عليه السلام: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" (الحج: 27).

فمنذ أن تم بناء البيت بعد رحلة جهاد لأسرة في كبد الصحراء لا عائل لهم إلا الله أصبح هذا البيت مقصد لكل من عظم شعائر هذا البيت، حيث لم يجعل الله – سبحانه وتعالي- لأحد سلطان على هذا البيت إلا الله، وتوعد من يصد عن سبيله بالعقاب الشديد، فقال تعالى: "إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم" (الحج 25).

لقد تدخلت العناية الإلهية للذود عن البيت قبل بعثة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في أمة كانت شعار عقيدتها الكفر إلا القليل من الموحدين على ملة إبراهيم.

لكن بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ووجود الموحدين وأتباع الرسل، فقد ألقى الله على عاتقهم عبء حماية الدين والعقيدة والذود عن الأنبياء والرسل وحمايتهم من تجنى الجناة، وكيد الكائدين واستهزاء المستهزئين؛ ليكون هناك دفع ويتخذ الله من المؤمنين المدافعين عن شريعته ودينه شهداء وتتحقق سنة الله فى الأرض "لِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء" (آل عمران140)، وقال تعالى: "وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" (البقرة251).

فلا يركن المسلم إلى انتظار نصر السماء، أو الانتقام يأتي من السماء، لكن الأمر الرباني لكل مسلم أن يدفع ويذود عن عقيدته ووطنه وعرضه ونفسه، لكي تتحقق عبادة التدافع. لقد صدع بهذه الروح عبدالمطلب حينما وقف يسأل أبرهه أبله والذي تعجب من كبير قريش أن يسأله ماله ولا يسأله كف الأذى عن المسجد الحرام فنطق بها مؤمنا بأن للبيت رب يحميه.

نعم للبيت رب يحميه .. نعم للعقيدة رب يحميها .. نعم للمقدسات رب يحميها .. لكن الله لن ينزل النصر على أمة مغيبة، بعيدة عن شريعة ربها، استذلت نفسها من أجل عرض ذائل، باعت مقدساتها لرضى الغرب وحكامه. لقد حفظ هذه المقولة الصغير والكبير، وظلت تتوارثها الأجيال لتعلي روح الإيمان لكنها عبارة لابد أن يصحبها عمل.

يقول الدكتور محمد عياش الكبيسي:

فالمسافة التي قطعها أبرهة كافية بأن تنبه العرب إلى هذا الخطر الداهم، وليس صحيحاً أنهم كانوا عاجزين تماماً عن صده أو عرقلة مسيره على الأقل، لكن الذي يدرس طبيعة المجتمع العربي يدرك أنهم ومن عمق التاريخ أقدر على إظهار معاني البطولة والتضحية والاستبسال في حروبهم الداخلية، فهم هنا أباة الضيم وأباة الهوان ولو فنيت القبيلة عن بكرة أبيها، أما مع العدو الأجنبي فلا يُظهر العرب هذا المستوى من الحماس إلا قليلاً، ويقيناً أن ما قدّمه العرب من تضحيات في حرب البسوس مثلاً كانت كفيلة بصد أبرهة وثنيه عن مراده.

لقد وصل أبرهة إلى مكة دون عوائق، واستفرد بقريش دون أن يجد معها أحداً من قبائل العرب؛ مما جعل حكماء قريش يدعون إلى تجنّب المواجهة خشية على نسائهم وذراريهم، وقرروا بالفعل الخروج من مكة وتسليمها للأحباش. وفي هذه الأجواء البائسة، تأتي مقولة عبدالمطلب تعبيراً واضحاً عن هذا الاستسلام مع خيط من الرجاء الغيبي الموصول بالسماء بعد أن انقطعت أسباب الأرض، وهذه حالة متكررة ومعهودة في السلوك البشري لم يبتدعها عبدالمطلب؛ فليس أمام المغلوب والمقهور إلا التطلع إلى الغيب مهما كان ذلك الغيب.

إشاعة هذه المقولة في مجتمعاتنا اليوم تحمل بلا شك هذه المعاني الثقيلة؛ فالشعوب المقهورة التي تعيش حالة من اليأس والإحباط ربما لا تجد أمامها إلا انتظار القدر ونزول المعجزات.

إن الطير الأبابيل ليست سنّة كونية، بمعنى أنها ليست قابلة للقياس لندخلها في حساباتنا واستراتيجياتنا، بل لقد تعرضت الكعبة في ما بعد للقصف والحرق والاستباحة التامة فلم تنزل الطير الأبابيل، ويكفي استذكار جريمة القرامطة وذبحهم للحجيج وسرقتهم للحجر الأسود ونقلهم له إلى الإحساء، وهذه الحادثة هي التي تقبل القياس والتكرار؛

لأنها منسجمة مع عالم الأسباب الأرضية والتي نحن جميعاً محكومون بها، ولذلك يحذّر الرسول صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح البخاري وغيره - من هدم الكعبة ونقضها حجراً حجراً، ولم يقل صلى الله عليه وسلم أبداً وهو يتحدث عن ذلك اليوم المشؤوم: "للبيت رب يحميه" ؛ فحماية البيت مسؤولية بشرية، وهي جزء من عقيدة التكليف التي سنُحاسب عليها جميعاً، وكل بحسب مكانته وإمكانياته.

إن ظاهرة التعامل السلبي مع الأحداث التي تهز كيان هذه الأمة وتزلزل أرضها من تحتها باتت ظاهرة عامة، وهي ظاهرة مقترنة بمستوى عالٍ من الحرص على المصالح الشخصية يصل إلى درجة الجشع والطمع، فهناك الأمور موكولة إلى القدر، وهنا "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسانِ إِلَّا ما سَعَى"، هكذا قال عبدالمطلب: "إنما أسألك إبلي؛ فأنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه" !


الإخوان والحج

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات متعلقة

وثائق وأحداث في صور