لماذا اغتال الصهاينةُ الشيخَ ؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لماذا اغتال الصهاينةُ الشيخَ ؟!

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

لم أرد في هذا المقال أن أغوص في التحليل السياسي بحثا عن الأسباب التي دفعت اليهود الصهاينة لارتكاب هذه الجريمة النكراء، فهذا أمر قيل فيه الكثير ويمكن أن يقال فيه ما هو أكثر، وأهم ما قيل فيه وما يمكن أن يقال عن دوافع الصهاينة لارتكاب هذه الجريمة النكراء أن القتلة هم من اليهود الذين جُبلوا على سفك الدماء، فقتل المسلمين الذين يأمرون بالقسط جزء لا يتجزأ من شريعتهم التلمودية، بل ومن طقوسهم الدينية (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ)، ولكني أردت في مقالي هذا أن أقلب النظر بحثا عن الحكمة الإلهية من وراء تمكينه سبحانه للصهاينة من دماء الشيخ رحمه الله رحمة واسعة.

فانطلاقا من إيماننا الراسخ أنه لا يجري في ملك الله إلا ما يريد (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)، وأن خيرة الله لعباده المؤمنين خير من خيرتهم لأنفسهم، وأن الأمور قد يظهر في نهايتها من الخير ما يناقض ما بدا في مطالعها من شر (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، فإنني على ثقة أن هناك حكمة إلهية من وراء ما حدث تنحصر – والله أعلم - في مكر الله بيهود (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ) ونصر الله لعباده المؤمنين(وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، وفي إطار ما نؤمن به من حكمة ربانية فيما جرى يبرز السؤال الذي نحاول الإجابة عليه: لماذا مكَّن الله سبحانه اليهود من مرادهم في النيل من حياة الشيخ رغم أنه أفشلهم في محاولتهم السابقة؟ أنا واثق أن الحكمة من وراء ذلك لا يعلمها إلا الله جل في علاه، ولكننا نجتهد عل وعسى أن يفتح الله علينا، فينير عقولنا لبلوغ بعض من حكمته فيما حدث، فالأمر أولا وأخيرا بيده وحده (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).

ومن أجل ذلك وضعت بعض النقاط التي شرح الله صدري إليها آملا أن أكون قد اقتربت من الصواب، والسؤال الأول لماذا قدر الله للصهاينة في هذه المرة أن ينالوا من حياة الشيخ بينما أفشلهم في المحاولة السابقة؟

- ما من شك أن أجل الشيخ قد انقضى )فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ(، فلم يشأ الله لهذا الشيخ المجاهد إلا أن تتوج حياته التي قضاها في سبيل الله بوسام الشهادة فاتخذه شهيدا )وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء(، وأعظم الشهادة أن تأتي بغدر من قتلة الأنبياء عليهم السلام، ولقد كنت أرى كطبيب أن صحة الشيخ في الأيام الأخيرة كانت في تدهور مستمر، لدرجة أنني كنت أشعر في قرارة نفسي بقلق شديد على حياة الشيخ وقد أسررت إلى بعض الإخوة بقلقي هذا، وهذا الشعور كان قد انتاب العديد من الإخوة القريبين من الشيخ أيضا، وشاركني في ذلك الدكتور محمود الزهار الذي راعه ما رأى من ضيق في التنفس كان يعاني منها الشيخ، بينما لم تكن صحة الشيخ في أي وقت سابق على هذه الدرجة من الخطورة وإن كان المرض دوما ملازما له، ولذلك كان لابد أن يكون الفشل نصيب المحاولة الأولى لأنه كان لازال في عمر الشيخ بقية.

- لقد كان مع الشيخ في المرة السابقة بعض الإخوة من القيادة، مما شكل فرصة للعدو أن يغتال الشيخ ثم يختبئ وراء الأباطيل زاعما أن الشيخ لم يكن مستهدفا ولكن وجوده مع المستهدفين قد أدى إلى استشهاده، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى امتصاص ردة الفعل المحلية والإقليمية والدولية وتخفيفها خاصة في ظل التغطية الأمريكية على الجرائم الصهيونية، ومن شأنه أيضا أن يساعد الصهاينة على الإفلات من عار استهداف رجل على كرسيه المتحرك، وإن كان هذا الصنف من البشر لا يكترث كثيرا بأي عار يمكن أن يلحق به، إلا أنهم يحاولون دائما تغليف جرائمهم بثوب التبرير للتدليس على الناس، فكان فشل المحاولة السابقة ضروريا إذن حتى لا يتحقق لهم ما يريدون، وأما نجاحهم في هذه المرة فقد فوت عليهم الفرصة لإخفاء حقيقتهم، فنزعت منهم هوية الانتماء للصنف البشري، فجريمة من هذا النوع لا يمكن لبشر أن يقترفوها، وهذا مما لا شك فيه سيؤدي إلى إساءة وجوههم على المستوى الدولي، وقد بدا ذلك واضحا بردة الفعل غير المسبوقة على مستوى العالم.

وأقول مجيبا على السؤال الثاني: لماذا مكنهم الله من الشيخ إذن؟

- علينا ألا ننسى أنه لابد من القضاء على نفوذ هذا الصنف من الوحوش البشرية، وذلك حماية للعالم مما قد ينشر هذا العفن البشري فيه من فساد، وقد بين سبحانه أن فساد اليهود يعم الأرض )لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ(، ولذلك جعل الله إذلالهم والتسليط عليهم إحدى سننه التي لا تتبدل )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ(، والتسليط عليهم لابد أن يسبقه تحريض المسلَّطين حتى لا يبقى في قلوبهم شيء من الرحمة وهم يقومون بواجبهم المقدس في تطهير العالم من دنس هؤلاء الأشرار، ومن هنا وقع الصهاينة في فخ مكر الله بهم إذ تمت الجريمة بدرجة عالية من البشاعة أثارت غضبا عارما على مستوى الكرة الأرضية )فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا(، وعلى ما يبدو أن الذي سيسوم هؤلاء القتلة سوء العذاب في هذه المرة هم المسلمون، فجاءت الجريمة مستفزة للمسلمين بقوة، ومستنهضة لهممهم، وهذا ما يجعلني أرجح أن هؤلاء الصهاينة سيمكنهم الله من هدم المسجد الأقصى في المستقبل - ربما غير البعيد - وذلك زيادة في تحريض الأمة واستنهاضها ضدهم.

- لم يعد سرا أن هناك مخططات تصفوية للقضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني، وهناك للأسف الشديد من يسيل لعابه كي يعطى دورا في التصفية أملا في تحقيق حضورا لنفسه في بيئة ترفضه، وهذا الصنف من أبناء الأمة موجود على طول وعرض الخارطة الفلسطينية والعربية والإسلامية، وإن أحداثا من هذا الحجم كفيلة بالفعل التراكمي أن تزيد من عزلة وإقصاء هؤلاء المنافقين، وبالتالي تقليص مخاطرهم، وإضعاف قدرتهم على التصدي للنهوض المتسارع على مستوى الأمة، وهؤلاء المنافقون كانوا دائما يدا على أمتهم لصالح الصهاينة الأعداء، وجرائم من هذا الوزن كفيلة أن تضعهم في دائرة الاتهام والتهميش، مما يضعف دورهم الهدام فينعكس ذلك سلبا على قدرة العدو على المواجهة وبالتالي على تنفيذ مخططاته.

- إن اغتيال الشيخ وفر جوا مناسبا لتصعيد المقاومة دون أن ينهار التماسك الفلسطيني الذي يشكل أهم مقومات النصر في معركة الوجود التي يخوضها شعبنا ببسالة نادرة.

- بل أستطيع القول أن دماء الشيخ الطاهرة قد وحدت الصف الفلسطيني على اختلاف شيعه السياسية على خيار المقاومة، ليصبح الخيار الوحيد لكل الفصائل الفلسطينية بإذن الله تعالى.

رحم الله شيخنا كانت حياته بفضل الله خيرا للمسلمين، وكذلك كان استشهاده.

المصدر