مؤشر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


الدكتور أحمد القاضي

في زحمة الأحداث وتتابع الأيام ومجريات الأمور التي تمر بها الأمة الآن لا ننسى من أرشدونا إلى الطريق الصحيح وغرسوا فينا العزة والكرامة، إنهم رجالا سبقونا على طريق دعوة الله،ولهم حق علينا واعترافا بما فعلوه أن نظل نذكرهم.

يعد الدكتور أحمد القاضي ثمرة من ثمرات غرس جماعة حيث تربى في أحضانها وتشرب معاني الإسلام الصحيحة فكان نموذجا إسلاميا مميزا.

لم يكن الدكتور أحمد القاضي طبيبًا فحسب بل هو مرب من الطراز الأول، وإن كانت شخصيته لا يعرفها كثير من أبناء الحركة الإسلامية ولا يعرفون دوره فيها، إلا أن دوره واضح في نشر الإسلام في الغرب بمعناه الشامل الذي تربي عليه على يد الإمام البنا.

نهاية الرحلة

نعى مسلمو أمريكا الدكتور أحمد القاضي "رائد العمل الإسلامي" في الولايات المتحدة، الذي توفي بعد حياة حافلة في مجال العمل الدعوي والنشاط الإسلامي البارز، والتي كان لها عظيم الأثر داخل الأقلية المسلمة، والمجتمع الأمريكي بشكل عام.وقال الشيخ شاكر السيد، إمام مركز دار الهجرة الإسلامي بولاية فرجينيا، وأحد المقربين من الدكتور القاضي ": "كان الدكتور القاضي نموذجا بارزا ومضيئا للمسلمين بالولايات المتحدة".

وأضاف السيد -الذي يرأس أيضا جمعية المسلمين الأمريكيين:- "كانت قيادته وجهوده في دعم جهود وأنشطة المسلمين في الولايات المتحدة موضع احترام".

وتوفي الدكتور القاضي السبت 15 ربيع الثاني 1430 هـ الموافق11-4-2009 في مدينة بنما بفلوريدا عن عمر يناهز 69 عاما.

وأردف قائلا: "سيظل الدكتور القاضي في ذاكرتنا جميعا، ولن ينسى، ليس فقط لمساهماته وإنجازاته، ولكن أيضا لشخصيته المتميزة وتعامله الراقي، إذ إن القاضي عُرف عنه القلب اللين الرقيق، واللغة السهلة، وكان دائما ما يضحي بمصالحه الشخصية لحساب المصالح العامة".

وقد نعاه فضيلة المرشد العام بقوله: "إن عزاءنا أنه لقي ربَّه ثابتًا على طريق الحق، متمسِّكًا بحبله المتين، معطيًا أروع الأمثلة العملية لما يجب أن يكون عليه العالم المسلم، وإننا لندعو الله أن يغفرَ له ويرحمه، وأن يُسكنه فسيح جناته، وأن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، وإننا إذْ نودِّع هذا العالم الجليل لا يسعنا إلا أن نقول فيه ما يُرضي ربَّنا؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون".

بداية الرحلة

في مدينة دسوق هذه المدينة الهادئة التي تقع غرب محافظة كفر الشيخ على ضفاف نهر النيل، والتي تشتهر بكثرة علمائها ولد الدكتور أحمد القاضي في 1 اغسطس 1940م وتربى في مدارسها، وحفظ القرآن الكريم في كتاتيبها، تخرج من المدرسة الثانوية بالأسكندرية، واستطاع أن يلتحق بكلية الطب بالنمسا لدراسة الطب وقد تخرج منها عام 1961م، وقد سافر لها أثناء اعتقال والده في سجون عبد الناصر بعد حادثة المنشية والتي حدثت في 26 أكتوبر 1954م.

توجه القاضي إلى الولايات المتحدة عام 1965 بعد أن أنهى دراسة الطب في النمسا، وبدت أول مظاهر شهرته من خلال عمله كجراح قلب، وأصبح أبرز جراحي القلب لفترة طويلة من الزمن، كما وضع عددا من المفاهيم الشاملة في مجال الطب الإسلامي.

تزوج من إيمان محمود أبو السعود ابنة الدكتور محمود أبو السعود وهي العائلة الإخوانية الكبيرة التي صاحبت الأستاذ البنا.

دوره في العمل الدعوي

كانت حياة الدكتور القاضي حافلة بالمساهمات والجهود البارزة في دعم العمل الإسلامي الجماعي، ولاسيما بالولايات المتحدة.

لعب القاضي دورا حيويا في تأسيس العديد من المنظمات الإسلامية بالولايات المتحدة وغيرها من دول أمريكا الشمالية، كما أنه كان من العناصر البارزة في تلك المنظمات مثل الجمعية الإسلامية في شمال أمريكا "اسنا" التي تتخذ من مدينة نيويورك مقرا، ولها في الوقت الراهن 22 فرعا في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة، وكذلك منظمة الشباب المسلم في أمريكا الشمالية "مينا"، والجمعية الطبية الإسلامية.

تنقل القاضي بين العديد من دول العالم مما ساعده في بناء علاقات ومعارف دفعته إلى البدء في تأسيس جمعية خيرية ومؤسسات اجتماعية وتعليمية للمسلمين في الولايات المتحدة وقارة أمريكا الشمالية بشكل عام.

ليس هذا فحسب، وإنما ساهم القاضي في إنشاء مدرسة إسلامية، ومعهد للأبحاث الطبية معنيا بالبحث في فوائد الطب الإسلامي بالمدينة التي كان يقطن بها (بنما).

استطاع أن ينشر فكر الإخوان المسلمين ومنهج الإمام البنا حتى أن جريدة "شيكاغو تربيون" الأمريكية اليومية المستقلة قد تحدثت في احد أعدادها عما أسمته العالم السري للإخوان المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية وقالت: «إن جماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية تأسست على يد الدكتور أحمد القاضي "الجراح الشهير والطبيب الخاص للملك فيصل"؛ وأنه بدأ تكوين الجماعة بمجموعة من المصلين الذين تجمعوا في بيوت بعضهم للصلاة وحفظ القرآن، ومناقشة الأحداث اليومية، مدعية أنه بمرور الوقت انتظم هؤلاء الرجال في مجموعات أصبحت جزءاً من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين الذي يسعى لبناء دولة إسلامية في العالم بشكل عام وفى الولايات المتحدة بعد ذلك ولذلك فإنهم اتخذوا على حد زعمها من السرية طريقا هدف جماعة الإخوان التي تعد المنظمة الإسلامية الأصولية الأكثر تأثيرا على المسلمين في العالم.

وأدعت الصحيفة الأمريكية أن أعضاء التنظيم اخفوا هويتهم كأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين لفترة طويلة خوفا من الاضطهاد وعملوا في الخفاء لنشر دعوتهم وسط الأمريكيين .

وقالت الصحيفة إن جماعة الإخوان المسلمين بأمريكا لها تأثير كبير على المسلمين في أمريكا بسبب مساعدتها على إنشاء العديد من المساجد وتنظيمها العديد من المعسكرات الصيفية لأبناء الجالية المسلمة وتأسيس المدارس الإسلامية.

ونقلت الصحيفة عن خبير في شئون الجماعات الإسلامية قوله: إن ظهور العديد من المؤسسات الإسلامية في الفترة الأخيرة وسيادة الاتجاه المحافظ في أوساط المسلمين يرجع إلى نشاطات الإخوان المسلمين المتعددة.

وقالت الصحيفة أيضا :إن الدكتور أحمد القاضي تولى قيادة الجماعة من 1984م حتى عام 1994م.

وأنه - المراقب العام السابق للجماعة - تم استجوابه من جانب السلطات الفيدرالية عن الأنشطة الداخلية لجماعة الإخوان في أمريكا، لكنه أكد إن الجماعة قامت بمجهودات كبيرة لخدمة مسلمي الولايات المتحدة وهو ما بدا في سعى الدكتور القاضي شخصيا لإقامة مجتمع إسلامي في مقر إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية بولاية فلوريدا بادئا بالمسجد والعيادة الصحية والمدرسة الإسلامية.

ونقلت الصحيفة عن الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين إشادته بالدكتور أحمد القاضي ونشاطات إخوانه في الولايات المتحدة الأمريكية والتي نجحت في إنقاذ أجيال متعددة من أبناء المسلمين وأطفالهم من خطر الذوبان في أسلوب الحياة الأمريكي الذي يعلى من شان القيم المادية على حساب الدين».

ولقد كان للدكتور القاضي دور في متابعة الأستاذ جابر رزق -المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين- أثناء رحلة علاجه بأمريكا في ولاية فلوريدا، وظل يرعاه حتى وافاه الأجل هناك يوم الاثنين 6 ذو القعدة 1408هـ الموافق 20-6- 1988م.

جهوده العلمية

خلال إقامته في أمريكا استطاع الدكتور القاضي أن يوجد العلاقة بين الاستشفاء بالحبة السوداء وذلك بتأثيرها على جهاز المناعة، وليس ذلك فحسب بل هو أول من توصل باستخدام الأجهزة الحديثة إلى الأثر المهدئ لسماع القرآن الكريم على الجهاز العصبي، ففي دراسة قدمها في مؤتمر طبي عقد في القاهرة بعنوان" كيفية تنشيط جهاز المناعة بالجسم للتخلص من اخطر الأمراض المستعصية والمزمنة" يقول الدكتور أحمد القاضي: إن (79 %) ممن أجريت عليهم البحوث بسماعهم لكلمات القرآن الكريم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين وسواء كانوا يعرفون العربية أو لا يعرفونها ظهرت عليهم نتائج إيجابية تمثلت في انخفاض درجة التوتر العصبي التي كانوا يعانون منها.

بقول في ذلك الصدد: « في سنة 1980م في مؤتمر الطب الإسلامي الأول الذي عقد في الكويت قدمت بحثا عن تعريف الطب الإسلامي، وفي مجال البحوث بدأت بالحبة السوداء وهي تسمى حبة البركة, وكانت فيها البركة الكبيرة على بحوثنا.

وبالمناسبة نحن لا نخفي هويتنا الإسلامية في أمريكا, بالعكس فالمعهد معروف أنه إسلامي, والذين يأتون إلينا ليس لحبهم في الإسلام ولكن لحاجتهم إلى الحياة, لأنهم عجزوا عن العلاج عند عمالقة الطب الحديث فأتوا إلينا من عندهم بعدما يئسوا من علاجاتهم, وقد وجدوا حلاوة الإسلام وحلاوة تعاليم الإسلام وحلاوة علوم الإسلام».

وفي الصيام قدم القاضي بحثا عن أهميته الطبية على جهاز المناعة وعلى الجهاز الدوري والقلب وعلى الجهاز الهضمي وعلى الجهاز التناسلي وعلى الجهاز البولي وأن هذه التأثيرات المفيدة للصيام سجلت على المستوى الوظيفي للخلايا والأنسجة, وتأكدت بالدراسات الكيميائية والمعملية.

ومن القصص التي تبين مجهوده في الربط بين الطب والقرآن الكريم والسنة النبوية ما ذكره الشيخ الزنداني حينما قال: قال لي أحد الشيوعيين شاب صغير مستهزئا: أنظر ما يقول النبي، الحبة السوداء شفاء من كل داء، فلماذا الصيدليات والأطباء والكشف، الحبة السوداء تكفي، فأضمرتها في نفسي، وكانت تؤلمني وتؤرقني، حتى جاء الدكتور أحمد القاضي وهو من أشهر أطباء القلب، جزاه الله خيرا بالجواب الشافي.

ذهب الدكتور أحمد القاضي إلى اتحاد الجمعيات الأمريكية للعلوم التجريبية الحيوية خوفا من سرقة بحثه، وقال لهم: إن لدي علاج يرفع كفاءة جهاز المناعة.

فدرسوه واختبروه وامتحنوه وطبقوه فأكدوا ما قال، ونشر بالصحف وسجلوه باسمه تحت اسم " كوينجر". تفرغ في أواخر حياته للبحوث والتعليم ورئاسة معهد الطب الإسلامي للتعليم والبحوث بفلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية.

مآثر الدكتور القاضي

يقول الدكتور يحيى عبد الرحيم: « أكاد لا أعلم- أو أعرف عملاً إسلامياً دعوياً بأمريكا دون أن أرى بصمات من بصمات د. أحمد عليها بشكل مباشر أو غير مباشر.

تعرفت إليه منذ ما يزيد على 25 عاما قائداً صلباً, مربياً حنوناً, قوي الشكيمة, وقافاً عند حدود الله, سخي الدمعة من خشية الله بمواقف أكثر من يتسع المقال لذكرها. لكن فوق كل ذلك كرماً يقف حاتم العرب وإجلالاً له, ولن أبالغ إن قلت أنني لم أسمع أو أرى بعصرنا الحاضر أكرم منه عطاءً وسخاءً.

قاد العمل الإسلامي بأمريكا وارتقى به ليس بطروحاته النظرية بل بترجمته لفكره لأرض الواقع من جهد وعمل دؤوب وصبر وعزيمة لا تعرف الخور, وصبر واحتساب حتى ابتلي بآخر عهده بمرض عضال لسنوات عمره الأخيرة- ومما زاد من ألمه حرقة وغيرة وطموح أسد في قلب وجسد أنهكه المرض والعجز فما كان منه إلا الاحتساب والرضى بأمر الله سبحانه وتعالى حتى لاقى ربه صباح يوم 11 أبريل-أسأل الله له المغفرة والرضوان.

كان حرصه على الدعوة ليل- نهار حرصاً لا يعدله عنه شيء من حطام الدنيا، لا يعرف القنوط إلى قلبه موطناً, يبث الأمل في النفوس حتى ولو كان الألم يعتصره.

كلما نظرتَ بصرح من صروح الإسلام بأمريكا لابد أن ترى بعضاً من بصماته من مؤسسات اجتماعية, طبية, دعوية, مدارس, مؤسسات خيرية, منظمات شباب، ستجد بدون شك أنه رائداً من رواد تشكيلها أو تأسيسها أو دعمها.

لقد كان بحق رائد العمل الإسلامي بأمريكا بعيد البصر حتى سماه الكثيرون أنه ولد قبل عصره بأمور الدعوة وحتى الطب.

كان من أول من نادى بتشكيل الحركة الإسلامية الأمريكية (ماس) والدعوة العلنية إلى الله وشغلت قسماً كبيراً من حياته لإحاطته بكثير من الإخوان الذين هزهم الكم الهائل من البطش والخوف الذي عانوا منه في بلادهم.

قاد ماس قبل ولادتها فكراً وتوجيهاً ودعوة حتى أثمرت ما هي عليه الآن ويحتاج هذا الجانب لكثير من التفصيل فيه, لكن المؤكد عندي أن نهج الحركة الآن هي ثمرة من ثمرات جهده المتواصل لسنوات طويلة، ونظرياته بالعمل الدعوية تحتاج بحق دراسة عميقة للأجيال القادمة.

أذكر بعضاً من مواقفه وهي كما أسلفت أكثر من أن تذكر وحدث ولا حرج عمن امتدت أيديه البيضاء لمساعدتهم والله أعلم بهم من دعم مالي, أوراق إقامة, هجرة, دعم معنوي, خلافات زوجية.

فأذكر أنه كان يوماً مشغولاً, مسافراً لحل مشكلة زوجية وعندما سئل عن همه بهذه القضية, قال: كيف لا وعمر ابن الخطاب كان يلوم نفسه على بغلةٍ عثرت على ضفاف دجلة لم يُعبَّد الطريق فكيف بأخ وأخت مهدد منزلهما بالخراب كيف لا أسافر إليهما!!

حاضرنا يوماً أواسط عام 1989م وحدد لنا أن الـ 5 سنوات القادمة هي سنوات لتشكيل (50) خمسون مدرسة إسلامية بأمريكا ولا يريد نقاشاً بالصعاب لأن الأعمال العظيمة الصعبة لا يقوم بها إلا العظام قائلاً: إما أن تكونوا لهذا الهدف أو أن تفسحوا الطريق لغيركم— وإنني أشهد الله أن خلال 10 سنوات تشكلت بعلمي ما يقارب هذا العدد من كثيرٍ ممن حاضر بهم من أبنائه بالدعوة.

كان لا يعرف المستحيل، يؤمن بالأهداف العالية النبيلة مهما بدت شاقة، مَثَلَهُ في ذلك "من طلب العلا سهر الليالي"- وقد سهر- "ومن رام الحسناء لم يعيه المهر", فكيف بجنة عرضها السموات والأرض. رأيته يوماً مهموماً لأنه لم يكن لديه ما يسدد رواتب المدرسين بالمدرسة وليس لديه ولد واحد من أسرته بالمدرسة( لأنهم أكبر من سن المدرسة) لكن الطلاب عند الدكتور أحمد كلهم أولاده وكلهم أمانة في رقبته ولا ينتظر جزاءً ولا شكوراً من غير رب الناس.

لقد تمثل بقول الشاعر:

إذا القوم قالوا من فتى خلتُ

أني عُنيتُ فلم أكسلْ ولم أتلبدِ


لذلك كان حلمه أن ينقل الخير والدعوة لكل منزل وفرد في أمريكا، ينقل الإسلام لكل قلب ينبض، ثقته بالله كانت مثلاً يقتدي به، كم حدثنا عن عوض الله له بدلاً من الدرهم درهمين، لم يكن محاضراً بل كان نموذجاً حياً للثقة بالله والفكرة التي آمن بها وعمل لها ومات عليها.

رأيته يوماً أعطى رجلاً 5 دولارات وكان ذلك نصف ما يملك في ذلك اليوم, فقد كان كثيراً ما كان يطلب منه مالاً بآخر حياته وهو عاجز مالياً فيحيلُ الطلب إلى الله قائلاً: يسألون الفقير العاجز ويدَعُون الله الغني, ولا يثقون بالغني وإني على ثقة به لا تخيب).

اشتكيت له يوماً صعوبات دعوية وهموم مدرسيّة فقال لي: إن الله يحب العبد الشاكر ولا يحب العبد الشاكي، وإن القائد يبرز عند المحن والهموم, فاصبر واحتسب وشمر وتوكل على الله وكنت أعلم بضيق حال يده آنذاك.

يقول الدكتور إمام عدس: لقد كان مثالاً في دماثة الخلق، وحسن المعاملة، والصبر العجيب الذي يدعوك إلى الدهشة, وقد حدثت لي معه طرفة، كنت وقتها حديث عهد بدعوة الإخوان المسلمين، وكنت مغرمًا بالدعوة الفردية كطريقة تربوية رائعة ليست فيها قيود وتؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها, ولذلك حين التقيت الدكتور القاضي ولمست فيه هذه الأخلاق الرائعة العظيمة خططت لأن أقوم معه بالدعوة الفردية حتى لا تفوت الدعوة مثل شخصيته.

وقد فهم رحمه الله ذلك وتجاوب معي ولم يخبرني بأنه من أكبر المسئولين عن العمل الإسلامي بالولايات المتحدة كلها!! وكم ضحكت من نفسي حين علمت بعد ذلك أنني كنت أعيش تحت سقف واحد مع واحد من أكبر المسئولين عن الحركة الإسلامية في أمريكا كلها, وقد تعلَّمت منه ومن والده الأب أحمد القاضي (الذي كان قد تعدّى الثمانين وقتها) عليهما رحمة الله, أقول تعلمت منه الكثير؛ فقد كنت أرى بعيني الجهد المتواصل الذي يبذله الدكتور القاضي الابن يوميًّا؛ حيث كان رحمه الله قليل النوم، إذ يبدأ يومه بصلاة الفجر مؤذِّنًا لمن في البيت.

وكان رحمه الله يرفع صوته بالأذان مارًّا بالجناح الذي أقيم به، ثم غرفة بناته وغرفة والده وزوجه؛ حتى يستيقظ الجميع للصلاة، وبعد الصلاة والأذكار كنا نجلس جلسة تفسير وقرآن معه ومع أهله، فقد كان- رحمه الله تعالى- له أربع بنات: سلمى وماجدة ومنى وسميرة، وكنت أقوم بتحفيظهن القرآن والنحو، وقد أدبهن رحمه الله فأحسن تأديبهن، ورباهن فأحسنَ التربية، وكانت هذه الجلسة بعد الفجر بمثابة الزاد الروحي الذي يصحبنا يومنا كله، وقد تعلمت من الدكتور القاضي- رحمه الله- دقة المواعيد والنظام؛ حيث كان يحتفظ بورقة في جيبه تحتوي على كل مواعيده وأنشطته التي أعدّها ليومه، يلتزم بها ويستدعيها بين الفينة والفينة؛ حتى لا يفوته شيء منها، وكان ينجز في اليوم الواحد ما ينجزه واحد من شباب هذا العصر في أيام، ولا أبالغ إن قلت في شهور!.