محاكمة رئيس أم محاكمة وطن?.. بقلم السعيد الخميسي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محاكمة رئيس أم محاكمة وطن?.. بقلم السعيد الخميسي

بتاريخ : الثلاثاء 05 نوفمبر 2013

  • إذا كان مفهوم الوطن في النظم السياسية الحديثة يعنى المكان الذي يولد فيه الإنسان ويحصل منه على جنسيته فهو بذلك يعنى مساحة الأرض أو المنطقة التي يرتبط بها الشعب ارتباطا تاريخيا طويلا فهو بذلك يمثل التراب والعرض والأرض .

أما الدولة فهي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة.

و بالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة التي تمارسها سلطة الدولة على ارض الوطن ولا وطن حر بدون سلطة دولة حرة متحررة.

ومن منطلق تلك المفاهيم المستقرة فى النظم السياسية فيمكنني القول بان سلطة الدولة العتيقة في مصر قد خطفت الوطن واعتقلته بل وسجنته بعد ما حاول الوطن بمفهومه الشامل الواسع أن ينفض رأسه من تحت أكوم تراب الاستبداد وغبار الاستعباد وأطنان من أنقاض الدولة الفاسدة التي احتلت الوطن .

لقد ألغت سلطة الدولة مفهوم الوطن فأصبح معارضة سلطة الدولة هو كراهية للوطن وتآمر ضده فاختلط مفهوم الدولة بمفهوم الوطن .

وأصبح من يعادى سلطة الدولة يعادى الوطن . وأصبحت رقبة الوطن تحت سكين سلطة الدولة العتيقة فإما يخضع الوطن بأكمله لتلك السلطة حتى ولو كانت مغتصبة وإما تمارس السلطة قوتها فى وضع السكين على رقبة الوطن وذبحه وسلخه وتوزيع لحمه على الأقارب والمحاسيب كل حسب ولائه لسلطة الدولة...!

  • إن انقضاض الدولة العتيقة على إرادة الوطن فى اختيار السلطة التي تحكمه بعقد مزمع بين الطرفين لهو انقضاض الذئب الجائع على فريسته فى غابة استوائية صحراوية نائية لايحكمها قانون ولايسيطر عليها قيم ولايحيط بها أى عرف اخلاقى حتى لوكان ذلك العرف هو عرف الجاهلية الأولى.

وذلك لان الوطن أراد أن يعيش حرا كريما فأبت ذئاب السلطة الجائعة المتوحشة أن تسمح لهذا الوطن أن يعيش حياة طبيعية أو يتنفس تنفسا طبيعيا فقررت تلك السلطة أن تكون أنبوبة الأكسجين تحت سيطرتها وتحت قبضتها إن شاءت سمحت لهذا الوطن أن يتنفس وان خرج عن طوعها وإرادتها فان قرار سحب أنبوبة الأكسجين من على انف الوطن مرهون بإشارة واحدة فينقطع التنفس وتنقطع إشارة البث إلى العالم الخارجي إلا من خلال تردد تلك السلطة الغاشمة التي تأبى إلا أن يعيش الوطن مدحورا مخذولا تحت قبضتها الفولاذية الصلبة.

  • يخطئ من يظن أن القضية هى قضية رئيس مخطوف أو قضية حزب أو قضية جماعة فذلك ظن الذين لايفقهون أو يعقلون أو يتدبرون الأمور بعقل واع مستنير منفتح على آفاق السياسة وألاعيبها ومتغيراتها اليومية .

إنما القضية فى جوهرها هى قضية وطن أراد أن يتحرر وقضية شعب أراد أن يتسلق سلم الديمقراطية ويقف حتى ولو على أول درجة من درجاته ليجد له مكانا بين شعوب العالم الأول الراقي المتحضر .

فوجد هذا الشعب أن الديمقراطية حلم بعيد المنال وان كابوس الديكتاتورية يهجم عليه فى منامه محذرا إياه من مجرد التفكير فى الديمقراطية فى يقظته وإلا فسوف تنشب مخالبها فى رقبته وهو نائم فتفقده حتى مجرد الأمل فى أن يستيقظ من هذا الكابوس الليلي اليومي .

ومن هنا تذبل زهرة الأمل فى قلب هذا الشعب وييأس ويستسلم لفيرس اليأس والإحباط فيرضى بما قسمته السلطة الغاشمة له على قاعدة أن من علامات الإيمان الرضا بالقليل.........!

  • إذا القضية كما استلفت ليست قضية رئيس مخطوف بقدر ماهى قضية وطن ملهوف إلى نسمات الحرية وعبير الديمقراطية وأريج الحياة الحرة الكريمة التي يشعر فيها المواطن بأنه إنسان درجة أولى وليس حيوان يعيش فى غابة ليس له حقوق وان تعب أو مرض فان الذبح يكون مصيره المحتوم وقدره المنظور .

إن الذين حصروا القضية فى فرد أو شخص أو رئيس أو حزب أو جماعة قد خانتهم الذاكرة إن كان لديهم ذاكرة وخانتهم تقديراتهم التي كثيرا ما تخطئ ولا تصيب .

وان سلطة الدولة العتيقة الفاسدة قد نشبت أظافرها فى لحم هذا الشعب وغرست أنيابها فى جسده ولن يستطيع هذا الوطن أن يخضع تلك الدولة لسلطانه وترويضها وتهذيبها وإصلاحها إلا بشق الأنفس .

إن نظرية هدم تلك المؤسسات الفاسدة الضاربة بجذورها فى أعماق تربة هذا الوطن هو أمر مقدم على بناء أو تأسيس لأي لمؤسسات لان البناء على أساس عفن متهاو هش ضعيف سيكون مصيره السقوط والفشل الذر يع فاالتخلية لابد أن تكون سابقة للتحلية...!

  • إن الأمر جد خطير لان تلك المؤسسات الفاسدة لاتريد أن يكون فى الوطن " مصر " دولة مؤسسات ديمقراطية منتخبة تحظى باحترام الجميع بل يريدون العودة بمصر إلى عصر القبيلة حيث العصبية للعائلة وللأسرة على حساب الدولة .

فهناك قبيلة الإعلام وقبيلة القضاء وقبيلة الشرطة وقبيلة الجيش وقبيلة رجال الأعمال ولايربط بينها رابط ولايوحد بينها فكرة أو مفهوم بل لغة المصالح هى اللغة الرسمية بين تلك القبائل وهى التي توحد وتجمع بينها فى الظاهر .

وإذا حاول الوطن بتراثه وميراثه وتاريخه القديم الكبير أن يهذب تلك القبائل ويخضعها لسلطة الوطن انقضوا عليه وطلبوا بتحصين قبائلهم فى الدستور حتى تكون القبيلة فوق الدولة وإلا فسفهاء القوم على أهبة الاستعداد لخوض حرب ضروس من اجل ذلك.

  • ويرى عالم الاجتماع ابن خلدون, أن السبب في عدم قدرة العرب في شبه الجزيرة العربية على تشكيل "دولة " أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة، فقلما تجتمع أهواؤهم لكونهم أكثر بداوة من سائر الأمم، ولا يسوسهم إلا من كان عالما بطبعهم وكان من عصبيتهم.

يقول ابن خلدون:" ورئيسهم محتاج إليهم غالباً للعصبية التي بها المدافعة، فكان مضطراً إلى إحسان ملكتهم وترك مرا غمتهم، لئلا يختل عليه شأن عصبييه، فيكون فيها هلاكه وهلاكهم".

نعم إنها الدولة العتيقة التى لايسوسها إلا من كان بها عالما وألا فالهلاك مصيره والانقلاب عليه قدره المقدور.

  • إن القضية اليوم واضحة اشد مايكون الوضوح لكل ذى عقل وكل ذى لب وكل ذى فهم مستنير. إن تلك القبائل المتصارعة المتنافسة لاتريد أن تحيا فى وطن ينعم الكل فيه بالأمن والأمان والاستقرار لان ذلك يهدم بنيان مفهوم القبيلة ويقوض أركانها .

لان الوطن يعنى قانون ودستور ومجالس منتخبة ولا أحد فوق القانون ولا مؤسسة فوق الدستور .

أما زعماء تلك القبائل فلايستطيعون العيش إلا وسط حدود القبيلة يحتمى بها ويحصن نفسه بها ويستمد قوته من نفوذها ويرعى إبله وغنمه فى مرعاها لايضيق عليه احد ولا يسال احد " إبل من هذه.. ؟ " لان السؤال قد يجر صاحبه إلى مالا يحمد عقباه...!

لذا فهم يبذلون كل غال ورخيص لإبقاء الأمور على ماهى عليه إن البقاء للأقوى ولاصوت يعلو فوق صوت القبيلة وعلى الوطن أن يقبل العيش داخل حدود الدولة وليس العكس . .

  • أريد أن أؤكد على ماهو مؤكد بطبيعة الحال أن الصراع الحقيقي الخفي فى مصر ليس بين حزب وحزب أو جماعة وجماعة أو هيئة وهيئة أو مؤسسة ومؤسسة بقدر ماهو صراع طويل بين وطن أراد أن ينتفض من تحت أطنان الركام التي تكدست عبر السنن فوق رأسه فوأدته حيا يتنفس الغبار والتراب حتى كتمت أنفاسه ولوثت أمعاؤه وبحت صوته , وبين قبائل شتى نشأت وترعرعت على خير هذا الوطن وتأبى أن تخضع لسلطانه وقانونه ودستوره ورئيسه .

ولامانع لديها من اندلاع حرب أهلية تزهق فيها ألاف الأرواح ويقتل فيها الأبرياء ويعتقل فيها الشرفاء وترتكب فيها من الجرائم التى تشهدها البشرية من قبل فى مقابل الحفاظ على مصالح القبيلة وأفرادها وزعمائها وشيوخها .

لكن التاريخ يقول انه لامكان تحت الشمس اليوم لتلك القبائل المتنافسة ولامكان للدويلات المتصارعة .

لذا فمصر ستظل تحت حكم تلك القبائل ردحا من الزمن حتى تتحرر العقول وتفهم وتعقل وتدرك أن مصلحة الوطن فوق مصلحة القبيلة , وان وطنا واحدا يحكمه رئيس قوى منتخب معه برلمانات منتخبة ودستور مستفتى عليه أفضل لمصر من الحياة القبلية البدائية على قاعدة " الولايات المتحدة المصرية..!؟ .

إن الدولة لابد أن تدور في فلك الوطن وتخضع لسلطته ولن يتم ذلك إلا بتفكيك تلك القبائل وإعادة تشكيلها من جديد حسب معايير حديثة لايكون من بينها تحصين أي مؤسسة أو رفعها مكانا عليا فوق سلطة الدولة ومفهوم الوطن الواحد الآمن المستقر .

إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

المصدر