محفوظ نحناح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محفوظ نحناح

بقلم / المستشار عبد الله العقيل

نبذة تعريفية بفضيلة الشيخ محفوظ النحناح رحمه الله

  • مؤسس حركة مجتمع السلم الجزائرية.
  • ولد الشيخ محفوظ نحناح في 28 جانفي 1942 بمدينة البليدة ـ مدينة الورود ـ التي تبعد 50 كلم جنوب الجزائر العاصمة.
  • حيث ترعرع ونشأ في أسرة محافظة، تعلم دروسه في المدرسة الإصلاحية التي أنشأتها الحركة الوطنية هذه المدارس التي كانت تمثل رمز المقاومة والدفاع عن الذات العربية الإسلامية للجزائر من الانسلاخ والتغريب.
  • شارك في ثورة التحرير المباركة وهو في ريعان شبابه.
  • وقد أكمل مراحل التعليم الابتدائية والثانوية والجامعية في الجزائر ثم اشتغل في حقل الدعوة الإسلامية لأكثر من 30 عاما، في مقابل المد الثوري الاشتراكي ونشر الثقافة الفرنسية وكان يعتبر من أشد معارضي التوجه الماركسي والفرانكفيلي، كما عمل على احتياجات الشعب العقدية إلى تخلي عنها من تبقى من رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بما جعله معارضا لأصحاب العقائد الضالة المنتسبة إلى الإسلام من جهة والعقائد الاشتراكية الوافدة من جهة أخرى.
  • شغل مدير مركز التعريب بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة.
  • وفي سنة 1975 سجن بتهمة تدبير انقلاب ضد نظام الحكم آنذاك ( هواري بومدين) حيث عارض فرض النظام الاشتراكي بالقوة على المجتمع الجزائري باعتباره خيارا لا يتماشى ومقومات الشعب الجزائري العربي المسلم، ودعا إلى توسيع الحريات السياسية والاقتصادية وحكم عليه بـ 15 سنة سجنا كما حكم على مجموعة من إخوانه بأعوام متفاوتة وكان بسبب رفض حركته الإسلامية لمنحى الميثاق المكرس للاشتراكية، وكان السجن فرصة ثمينة للاستزادة من العلم من جهة والمراجعة للطروحات الفكرية والسياسية من جهة ثانية، وقد تحول على يديه خلق كثير من السجناء من الانحرافات السلوكية وأصبحوا نماذج حسنة.
  • الشيخ محفوظ نحناح عمل على تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية رغبة منه في إيجاد مرجعية دينية للجزائريين تحفظ الشعب والبلد من كل انحراف. ثم أسس جمعية الإرشاد والإصلاح هو ورفيقه الشيخ محمد بوسليماني الذي اغتالته الجماعة المسلحة سنة 1994.
  • ثم بعد ذلك أنشأ حزبا سياسيا سمي " حركة المجتمع الإسلامي " وانتخب أول رئيس له في 30 ماي 1991.
  • ترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت بالجزائر في نوفمبر 1995 وتحصل على المرتبة الثانية حيث تحصل على أكثر من ثلاث ملايين صوت حسب النتائج الرسمية المعلنة، وتعتبر هذه الانتخابات أول انتخاب شارك فيه الإسلاميون في العالم الإسلامي بمرشح يحمل هذا التوجه.
  • شارك بقوة في صيانة الدولة الجزائرية من الإنهيار ودافع عنها في المحافل الدولية وقدم في سبيل حماية واستعادة مؤسساتها الدولة والحفاظ عليها تنازلات كبيرة يعرفها الجميع.
  • ومن أهم الطروحات التي يدافع عنها الشيخ محفوظ نحناح :الشورى، الديمقراطية، التطور، التسامح، التعايش، الاحترام المتبادل، احترام حقوق الإنسان، مشاركة المرأة في مجالات الحياة، احترام حقوق الأقليات، حوار الحضارات، توسيع قاعدة الحكم، التداول السلمي على السلطة، احترام الحريات الشخصية والأساسية، الوسطية والاعتدال، تجسير العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وقد أدان الشيخ محفوظ نحناح العنف والإرهاب وكل مظاهر الغلو في الدين منذ بداياتها واعتبرها غريبة عن الإسلام والمسلمين وقد كرس مشواره الدعوي منذ أكثر من ثلاثة عقود في الدفاع عن العقيدة الصحيحة وقيم الوسطية والاعتدال وقد دفعت حركته ضريبة غالية أهمها اغتيال أكثر من 500 مناضل ومحب للحركة وعلى رأسها الشيخ الأستاذ محمد بوسليماني ، كما أن له مواقف واضحة من الاشتراكية والعلمانية والجهوية والصهيونية وقضية فلسطين وأفغانستان.
  • ولقد تمكنت الحركة التي يرأسها الشيخ محفوظ نحناح بقيادته من تحقيق مكاسب سياسية كبيرة حيث احتلت المرتبة الثانية الانتخابات الرئاسية حيث كان أحد المرشحين الأربعة والمرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية بمجموع 70 نائبا سنة، و1997 ، والمرتبة الثالثة في الانتخابات المحلية وشاركت بسبع حقائب وزارية في الحكومة الحالية السابقة وتشارك بثلاث حقائب في الحكومة الحالية الموسعة إلى سبعة أحزاب التحقت بمدرسة المشاركة. وهي الآن تشارك بـ 38 نائب برلماني بعد تشريعيات 2002 و أربعة وزارات وهي الأشغال العمومية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والصناعة وكذا الصيد البحري والموارد الصيدية .
  • وهو يدعو دائما إلى ضرورة تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والشخصية كما يدعو إلى التمييز بين ضرورة وجود الدولة وتقويتها ومنافسة ومعارضتها والمطالبة بخلعها وذهابها عند إساءتها.
  • ويرى أن المشاركة في قاعدة الحكم أولى من الروح الإنسحابية أو المعارضة الراديكالية وقد بينت الأحداث صدقية هذا الإختبار.
  • ولقد ألفت عنه عدة كتابات تعبر عن أفكاره منها: رجل الحوار، خطوة نحو الرئاسة، بالإضافة إلى مساهماته الثقافية في مختلف المجلات والجرائد العربية والملتقيات الوطنية والدولية والحوارات الإسلامية المسيحية في إيطاليا والسويد.
  • كما كان موقفه من وقف المسار الانتخابي ويرى أن خطأ الحكومة الكبير لا يعالج بخطأ حمل السلاح وجز الرقاب وثقافة التدمير والحقد، وقد صرح أن الجيش سليل جيش التحرير يجب أن يعود إلى ثكناته بعد استتباب الأمن ولا يعقل أن يبقى الشعب من غير حماية في الشارع والقرية.
  • صدر كتابه الأول في هذا الصدد تحت عنوان:

" الجزائر المنشودة" المعادلة المفقودة: الإسلام..الوطنية..الديمقراطية".

توطـــئة

يعتبر الشيخ محفوظ نحناح جزءًا من ظاهرة الحركة الإسلامية المعاصرة، أو بالأحرى معلمًا من معالم حركات التغيير المنطلقة من ثوابت الأمة الإسلامية في العصر الحالي.

والمثير في ظاهرة الشيخ محفوظ نحناح، هو ذلك النمط من التعامل من جهة، ومن الوسائل والأساليب التي اتخذها في عملية التغيير ومنهجية المعارضة السياسية، أو بالأحرى منهجية الإصلاح السياسي في وطنه الجزائر، وفي مسار الحركة الإسلامية عمومًا.

فالشيخ محفوظ نحناح، انطلقت حركيته من مصادر فكره، فهو ابن المدرسة الإسلامية الأصيلة والطموحة نحو تطبيق حقيقي لنظرية 'الإسلام صالح لكل زمان ومكان'، وإخراجها من دائرة المجاملات، ومن دائرة النظري المثالي إلى دائرة التطبيق الواقعي.

تأتي هذه الأوراق اليوم لإلقاء الضوء على هذه النمطية المتميزة في إدارة التغيير، وإدارة الإصلاح السياسي، وجمع المفارقات التي ظلت ما يقارب نصف قرن متناثرة في مفاهيم التيار الوطني والإسلامي، العربي، القومي، وكذا التيار النخبوي والشعبي، والتي انتظمت كلها في عقد واحد.

ويضاف إلى ذلك أن الشيخ محفوظ نحناح أصبح مثار جدل ومثار التباس عند الكثير من الباحثين والمفكرين والدعاة بسبب بُعدهم عنه، أو بسبب العجز عن مواكبته، أو بسبب تنازع خفي تدفع إليه الرغبة في بسط السيطرة على العمل الدعوي والسياسي، وما يتطلبان من جهد لتوسعة التنظيم.

فالشيخ محفوظ نحناح مثار جدل في نظرية التغيير بين خصومه وبين مؤيديه، صاحبت هذا الجدل وأضفت عليه نوعًا من التضخيم الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم الإسلامي والتي تعلقت بموضوع الإسلام والتغيير السياسي، والعنف الذي ارتبط بالإسلام، والإسلام السياسي، وتجارب الجهاد والنمط الثوري والعصيان المدني الذى ارتبط بموضوع الإسلام، ورد الفعل على الاستعمار الذي اعتدى على الشعوب الإسلامية، أو على الاضطهاد الذي مارسته الأنظمة على الحركات الإسلامية، والقمع الكبير الذي قمعت به هذه الحركات وقمع به الفكر الإسلامي وضيق عليه.

هذه الموجة أضفت حقيقة التضخيم على أعمال الشيخ محفوظ نحناح التي اندرجت دائمًا في سياق جديد غير السياق المعهود في الحركات الإسلامية عبر العالم، كما صاحب هذا الجدل الكم الهائل من الشبهات والإثارات والتفسيرات المتناقضة لمواقف الشيخ محفوظ نحناح، التي عمدت بعض الأطراف الخصمة له- بسبب المنافسة والمزاحمة، أو الخصمة للإسلام وللجزائر- إلى تضخيمها ونشر الإشاعة والأراجيف حولها، وعمدت بعض الأطراف الإسلامية التي رأت في فكر الشيخ محفوظ نحناح المعتدل والمرحلي خطرًا على تطرفاتها وعلى آنيتها وعلى محاولتها في جني الثمار سريعًا، وعلى حساب إدخال البلاد وإدخال الشعب كله في متاهة الفتن، هذه الفتن التي وجدت دائمًا من فيهم القابلية لإذكائها أو الاقتيات منها.

مولده ونشأته

ولد الشيخ محفوظ بن محمد نحناح يوم 12-1-1942م، وكان مولده في أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت التحولات السياسية والفكرية في الجزائر تتحدث عن مرحلة ما بعد الاستعمار ببداية اندحار فرنساالمستعمرة أمام دول المحور وانكشاف عورة الاستعمار الفرنسي وبداية العد التنازلي لفكرة الاستعمار الاستيطاني.

وكان مولده في مدينة البليدة (الورود) التي تقع على بعد 50 كم جنوب العاصمة في بيئة إسلامية محافظة وفقيرة، في الجزائر، ونشأوتعلّم اللغة العربية في المدرسة الإصلاحية العربية (مدرسة الإرشاد) التي كانت تمثل رمز المقاومة والدفاع عن شخصية الجزائر العربية الإسلامية، أمام سياسة الفرنسة، وعاش إرهاصات الثورة الجزائرية وهو فتى، وعندما نشبت الثورة التحريرية الكبرى عام 1954 انضمّ إليها، وشارك فيها.

أكمل تعليمه الثانوي في الجزائر، والتحق بكلية الآداب - قسم اللغة العربية في الجامعة الجزائرية عام 1966 حيث حصل على ليسانس لغة عربية، ثم سجَّل في جامعة القاهرة "قسم الدراسات العليا"، وفي فترة دراسته الجامعية بالجزائر، ساهم مع إخوانه في فتح مسجد الطلبة، حيث كان أول من خطب الجمعة بالمسجد المذكور. وساهم مع إخوانه محمد بوسليماني ومحمد بومهدي سنة 1962م في ثورة التحرير الجزائرية وهو في ريعان الشباب، حيث كان عمره 20 عاماً.

شغل منصب مدير مركز التعريب في الجامعة المركزية في الجزائر العاصمة، وكان عضواً في رابطة الدعوة الإسلامية، ورئيس جمعية الإرشاد والإصلاح، ثم أسس حركة المجتمع الإسلامي (حماس) عام 1991 التي حوّلها إلى حركة مجتمع السلم (حمس) تماشياً مع قانون الأحزاب الجزائري الذي يحظر الأحزاب الدينية.

شارك في انتخابات الرئاسة الجزائرية عام 1995 مقابل الأمين زروال، وحصل على ثلاثة ملايين صوت، حسب الإعلان الرسمي عنها، ولكنه في الواقع تجاوز هذا الرقم بكثير، ولكن الجنرالات الحاكمين في الجزائر]] زوّروا الانتخابات، وزعموا فوز منافسه اليمين زروال.

ومما يتناقله الجزائريون، أن الرئيس زروال وقف مرة في وجه الجنرالات، وزعم لهم أنه رئيس منتخب، فقالوا له: أنت تعرف جيداً من هو الرئيس المنتخب، فسكت، ثم أطاحوا به.

أسس التكوين الفكري للشيخ محفوظ نحناح

الشيخ محفوظ نحناح نحت نحتًا، وكانت عصاميته أهم وأبرز عوامل التأثير في مساره السياسي، ولكن قوة التأثير التي كانت تتميز بها مرحلة التكوين السياسي للشيخ محفوظ نحناح، قوة التغيير لدى الزعماء الكبار في العالم الإسلامي كانت جد كبيرة وعلى رأس هؤلاء.

1- رجالات الحركة الوطنية الذين عاصر الشيخ محفوظ نحناح بعضهم، وتربى في مدرسة الإرشاد التي هي مدرسة الحركة الوطنية، تلك الحركة التي كانت تتميز بتعددية وثراء كبيرين جدًا في التعامل السياسي وفي الرؤية السياسية، وبالرغم من أن الاستعمار فرض - خلال عدة محاولات- عملية المسخ داخل الأمة إلا أن الحركة الوطنية كانت تتميز بالصلابة، وتتميز بالواقعية التي صنعت جيلاً نستطيع القول أنه جيل الثورة الذي تشرب من الحركة الوطنية مفاهيم الوطنية ومفاهيم الإسلام واستحضر معاني الحرية والتحرر والانعتاق والكرامة الإنسانية والشخصية الوطنية ومفاهيم الثبات، ومفاهيم الاستقلال ومفاهيم الصراع، وبالرغم من اختلاف المدارس الموجودة فقد كانت الحركة الوطنية بكل شرائحها تفرض تغييرًا حقيقيًا وقويًا على السياحة التي استقوت في عملية التعبئة الجماهيرية بالشعار الثلاثي الرادع: 'الإسلام ديننا، العربية لغتنا، والجزائر وطننا'.

2- القسم الثاني الذي كان له تأثير كبير جدًا في شخصية الشيخ محفوظ نحناح هو جمعية العلماء المسلمين، ذلك أن جمعية العلماء المسلمين جزء من الحركة الوطنية، إلا أنها تتميز بالإسلامية التي جعلتها نموذجًا آخر غير النموذج العادي في الحركة الوطنية، من خلال اقترانها [الإسلام[|بالإسلام]] واقترانها بالمفاهيم الإسلامية، وبالتربية الإسلامية، هذه التربية التي صاغها رجال كبار لهم تأثيرٌ كبير، وعلى رأس هؤلاء المؤثرين الفاعلين منهم في شخصية الشيخ محفوظ نحناح ثلاث:

أولاً: الشيخ عبد الحميد بن باديس

الرجل المؤسس لجمعية العلماء المسلمين والزعيم الروحي للجزائر ، والمفسر للقرآن والمصلح والداعية النموذج، الذي كان سلفي المنهج، صوفي الحياة، مجاهدًا ضد الاستعمار بكل ما أتاه الله من قوة، عامل وحدة وتجميع لكل علماء الأمة وعلماء الوطن، صاحب فضل على الحركة الإصلاحية في الجزائر بلا منازع.

ثانيًا: الشيخ البشير الإبراهيمي

الرئيس الأول لجمعية العلماء المسلمين، بعد الشيخ ابن باديس، وأحد مؤسسيها الرئيسيين، والرجل العالم الفذ الذي كان عملاقًا في مناحي الفكر والأدب واللغة والإصلاح، وكان صاحب صولة، ولعله أكثر الناس تأثيرًا في الشيخ محفوظ نحناح، وأقرب الناس إلى شخصيته، هو ذلك الرمز الشيخ البشير الإبراهيمي، الذي نقل حقيقة الثورة الجزائرية وهموم الجزائر إلى كل أنحاء العالم الإسلامي، وبذلك فكّ الحصار عن الجزائر تاريخًا وانتماء وثورة، وفجر برحلاته الوجدان الإسلامي الخامد بفعل الاستعمار.

ثالثًا: الشيخ الفضيل الورتلاني:

الرجل الذي تجاوز حدود الوطن ليصبح مصلحًا عالميًا وداعية من أهم دعاة الأمة الإسلامية، وسفير الإسلام في عدة دول، وأحد الرموز الذين ظل الشيخ محفوظ يعتبرهم من أهم أساطين التأثير في الحركة الإسلامية ومسار الحركة الإسلامية، والشيخ الفضيل الورتلاني، قرين للشيخ البشير الإبراهيمي، وأحد السياسيين المحنكين والعلماء الفطاحل والمصلحين المجددين الذين قاموا بالعمل الإصلاحي والتأثير في مدارس التغيير السياسي، وكان أكثر الناس احتكاكًا بمدارس التغيير في مصر واليمن وسوريا وفي تركيا وفي الجزائر طبعًا.

وهذه الشخصيات الثلاث تعكس تأثير جمعية العلماء المسلمين في شخصية الشيخ محفوظ نحناح، ولكنها أيضًا ذات بعد شخصي أو تأثير شخصي متميز.

مدرسة الإمام حسن البنا رمزٌ آخر للتأثير الإيجابي القوي

إلى جانب ذلك تأثر الشيخ محفوظ نحناح بمدرسةحسن البنا ، مجدد القرن العشرين، وزعيم حركة الإخوان المسلمين، وأحد الذين نقلوا فكر الإسلام من النظرية إلى التطبيق، وأحد الذين عملوا على وحدة الأمة الإسلامية وتخليصها من الاستعمار، وعملوا أيضًا على طرح نظرية حقيقية متكاملة للبناء الإسلامي، والنظام الإسلامي في الدولة والمجتمع، بما لم يسبقه إليه غيره من المصلحين، وكان تأثيره بارزًا في حياة الشيخ محفوظ نحناح وفي عمله؛ لأن الإمامحسن البنا -رحمه الله- رغم هيامه بجغرافية مصر ودولتها وتاريخها العظيم، فإنه ليس رجلاً محدود العمل في دولة أو قطر، بل يملك نظرة عالمية، ونظرته في ضرورة الدعوة والإصلاح العالمي كانت ذات تأثير عالمي أيضًا.

وكان الاعتدال الذي يتصف به الإمام حسن البنا والوسطية التي يتميز بها، والربط بين المعاصرة والأصالة، وضرورة أن يحمل المصلحون مشاعل الإصلاح من خلال وقود العصر، كان هذا له تأثير في حياة الشيخ محفوظ نحناح وفي فكره وممارسته، ويعتبر الإمام حسن البنا صاحب مدرسة أخرجت رجالاً آخرين مثل سيد قطب والشيخ محمد الغزالي والشيخ القرضاوي ومن شابههم، ولكن تأثير الإمام حسن البنا في الشيخ محفوظ نحناح كان متميزًا.

ومن الأساتذة الذين تغذى من لبان وطنيتهم أستاذان جليلان:

الأستاذ محمد محفوظي أحد أركان حزب الشعب ورمز من رموز المثقف المزدوج الرافض للاستعمار وسياسة الاندماج والثائر على الظلم والظالمين، وقد كان له تأثير كبير في فكر الشيخ محفوظ نحناح المتعلق بالثقافة والشخصية والمرأة واللغة العربية والوطنية، بحيث نهل على يديه هذه المعارف، فضلاً عن حضوره الدروس والخطب والمحاضرات التي كان يشرف عليها ويلقيها الأستاذ الثائر محمد محفوظي.

وعندما امتد العمر بالشيخ محفوظ نحناح كتب الله له أن يتمتع بالفكر النير الثابت الذي تمثل في فكر الأستاذ المفكرمالك بن نبي، الذي أدى دورًا في تفتيق ذهن النخب الدعوية في ظروف تحولات وطنية عميقة.

الشيخ الشعراوي

وهناك شخصية عالمية أزهرية يمثلها العلامة الإمام محمد متولي الشعراوي الذي كان يلازم دروسه وندواته في العاصمة والبليدة، وكان يتشرب معاني القرآن الكريم ويتذوق ألفاظه على غير سابق من أهل التفسير، وقد كان لهذا العالِم النحرير تأثيرٌ في الساحة الجزائرية وفي نخبها، التي كانت تحضر ندواته وتتملى محاسن اللفظ العربي في القرآن الكريم في مرحلة تاريخية تتسم بتجسيد العودة إلى أصول الشعب الجزائري.


أما الداعية الملهم الشيخ محمد الغزالي، فقد كانت كتبه مرجعًا له في فهم الإسلام منذ أن كان يدرس بعض فصول كتاب 'ظلام من الغرب' في دروس خاصة تحت قبة مسجد ابن سعدون بالبليدة، والذي أكدته المحبة المتبادلة واللقاءات المباشرة، بعد أن تيسر للشيخ الغزالي أن عين أستاذًا بالجامعة الإسلامية بقسطنطينة، فقد كان الشيخ نعم السند لهذا العالم الفذ الذي وجد خصومًا له من العلمانيين الاستئصاليين، وخصومًا آخرين من المنسوبين إلى الأصولية المتطرفة، ولله في خلقه شئون.

• مدرسة الإمام ابن تيمية إشعاع التاريخ والنص

وكان من أبرز من أثر في حياة الشيخ محفوظ نحناح تاريخيًا مؤلفات الإمام ابن تيمية - رحمه الله-، الذي قاد مدرسة للإصلاح والاجتهاد في ظرف تعطل فيه الاجتهاد الفكري، وحصل الجمود السياسي في الأمة، وكانت آثار مدرسة ابن تيمية بادية في فكر الشيخ محفوظ نحناح وفي اجتهاداته وفي تحرره الفقهي من المذهبية ومن الرؤى الضيقة من الحدود المعطلة للتغيير الاجتماعي والتغيير السياسي، والإمام ابن تيمية مدرسة، علاوة على أنها فكرية، ومدرسة سلفية فقهية، فهو مدرسة جهادية إصلاحية تغييرية وتربوية، وكان مصلحًا وصابرًا محتسبًا رغم الأذى الذي لحقه، ويتكرر هذا مع الشيخ محفوظ نحناح.

فالشيخ محفوظ نحناح، كان عالمًا ومفكرًا وسياسيًا صابرًا على ما لحقه في السجن، ولم يتركه ذلك يحقد على ساجنيه، بل كان باستمرار يحمل شعار العفو، مستدلاً دائمًا بالقول المأثور عن سيدنا عيسي عليه السلام 'كلٌّ ينفق مما عنده'.

ونستطيع القول: إن تأثير المدارس الفكرية، والمدارس السياسية لم يكن على الشخصية في حد ذاتها، ولكن كان تأثيرها على مدرسة محفوظ نحناح المتميز الآن بصيغ الحوار والانفتاح وصيغة المشاركة السياسية، وصيغة الاعتدال والسلم التي أصبحت مدرسة تكسر نمطية التعامل التي حلت في الدول الحديثة العربية والإسلامية بعد الاستعمار، نمطية الصراع بين السلطة وشعبها، إلى نمطية جديدة هي التعاون والتواؤم وتجميع الطاقات المختلفة والاتفاق في الحد الأدنى، ووجود مساحات وفضاءات جديدة للتلاقي والتعاون مبنية على أساس الحوار وعلى أساس الصراحة، وعلى أساس التوافق وعلى أساس الاحتكام إلى حريات الشعوب.

مراحل التكوين والبناء

لقد مرت مراحل تكوين الشيخ محفوظ نحناح الفكري والسياسي بعدة مراحل:

1- كانت مرحلة النشأة الفكرية، وهي مرحلة التفاعل الحضاري الذي فرضه الاستعمار على الأمة الإسلامية، وولد فعلاً جهاديًا فكريًا ثقافيًا، رفض القابلية للاستعمار والخضوع له، وقاد هذا الفكر مجموعة من الفطاحلة، أمثال جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وعبد الحميد ابن باديس، والبشير الإبراهيمي، ومالك بن نبي، وأحمد عرابي، والبارودي، والشيخ المودودي، والشيخ السباعي، وعلماء العراق ، وعلماء سوريا، وزعمائها الوطنيين، وكذا أمثال الأمير عبد القادر رحمة الله عليه، والشيخ بوعمامة، فهذه الشخصيات كانت نماذج حقيقة من العديد من النماذج التي أثرت في عملية الرفض للمستعمر وفي التبعية، وهذا أنتج أمثال الشيخ محفوظ نحناح، وكان التفاعل يأخذ أكثر من شكل فكري، وسياسي ونضالي، قتال مسلح، وانتفاضات.

2- كانت المرحلة الثانية، وهي مرحلة مشاركة الشيخ محفوظ نحناح في الثورة الجزائرية، هذه المشاركة التي صنعت منه الشخصية الملتزمة بمسئولية التغيير والقادرة على هذا التغيير، لأن الثورة الجزائرية ضربت أروع الأمثلة في القدرة على التغيير بأبسط الإمكانات، لأنها توفرت على الإرادة التي تضمنت قوة الرغبة في الاختيار، كما توفرت على العقيدة، والتنظيم، وضوح الهدف رغم قوة الخصم والعدو، وكل هذا أثر حقيقة في المنظومة الفكرية للشيخ محفوظ نحناح، وحولها إلى منظومة ديناميكية، لا تعيش الترف الفكري ولكن تعيش التغيير الفكري.

3- كانت المرحلة الثالثة وهي مرحلة الاستقلال مرحلة أعطت فرصًا لإطارات الجزائر عمومًا، منها فرص التعليم الجامعي، هذه الفرص الجامعية التي أُعيد من خلالها تكوين إطارات الجزائر التي حرمها الاستعمار من الالتحاق بالدراسة، عوضوها بعد الاستقلال بالالتحاق بمقاعد الدراسة، حيث أصبحت فضاءات التدريس مركزًا حقيقيًا لتفاعل العلم مع التجربة الثورية، وتفاعل العلم مع التجارب العالمية الموجودة، وقد كان الشيخ محفوظ نحناح طالب أدب، وكان من الذين أسسوا المسجد الجامعي الأول 'مسجد الجامعة المركزية'.

وكان أول من يحاضر فيه الأستاذ المفكر مالك بن نبي، الرجل المفكر الذي أثر في شخصية الشيخ محفوظ نحناح المتميزة، فمالك بن نبي صاحب تجربة فكرية رائدة، وكان صاحب علاقة مع بعض الأنظمة العربية، بحيث تمكن من الإطلاع على عمق تجربة ما بعد الاستعمار من ناحية، وتجربة الثورة الجزائرية من ناحية ثانية، وكان يقدم طروحات لتجديد الفكر ولتجديد النظام العربي والنظام الإسلامي، وفق محور (طانجا – جاكرتا)، ووفق نظرية التحالفات التي كان يطرحها كـ(الآفروأسيوية) التي كانت مقهورة أمام تجاذب قطبي الصراع: الاشتراكي والرأسمالي.

كانت الجامعة محل صياغة الشخصية القيادية للشيخ محفوظ نحناح، والشخصية المستفيدة من التجربة العالمية في الحركة الإسلامية من ناحية ثانية.

ثم جاءت مرحلة الثورة الزراعية أو الثورات الثلاث التي قام بها النظام آنذاك، والذي اتجه وجهة شيوعية اشتراكية، فرضت الوقوف في وجهها، فكان أحد الذين وقفوا ضد ظلم تأميم أملاك الناس، وضد التوجه الأيديولوجي للدولة الجزائرية بعيدًا عن ثوابتها، وضد الضغط الشيوعي على مسار الدولة الجزائرية، التي ارتمت في أحضان الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، بحكم الثورة وبحكم العلاقة مع روسيا والصين وكوبا، كان أحد الواقفين ضد هذا الاتجاه هو الشيخ محفوظ نحناح، والذي زج به في السجن مع مجموعة من خيرة مؤسسي حركته في بداية تأسيسها وفي سنواتها الأولى، 'التأسيس التنظيمي، والتأسيس السياسي' رغم المنع القانوني لهذا الموضوع.

مرحلة ما بعد السجن، التي صيغت فيها شخصية الشيخ صياغة جديدة جمعت تجربة ما قبل الاستقلال وتجربة الاستقلال وتجربة الجامعة، وتجربة السجن والمعارضة التي اتخذت أشكالاً حادة في ذلك الوقت، وتجربة السجن في حد ذاتها كفترة للحرية والتفكير لإعادة الحسابات، وبدأت مرحلة ما بعد السجن تنسجم مع تطور كبير جدًا في الصحوة الإسلامية على مستوى الجامعات، وكان خروج الشيخ محفوظ نحناح من السجن بداية مرحلة جديدة لانتشار تنظيم الحركة التي أسسها وتوسع أفقها، وبداية طروحات فكرية متميزة على رأسها فكرة التنسيق العالمي والعلاقة مع التنظيمات الأخرى في الحركة الإسلامية العالمية، وعلى رأسها أيضًا المعارضة للسلطة، وكيفياتها، والإسلام السياسي وغير ذلك من المواضيع التي كانت ومازالت محل جدل حقيقي داخل الساحة الفكرية والساحة الحركية المتأثرة سلبًا وإيجابًا بما يجري في الساحة الدولية من أحداث جسام تستوجب التحليل وتعميق النظر في تفاعلاتها وانعكاساتها، وقد تنبه مبكرًا إلى ما يمكن أن يحصل من اندفاع أو انزلاق يتسبب في زعزعة الاستقرار بفعل فاعل، يقصد إجهاض الصحوة الإسلامية أو إثارة فتنة أهلية، أو الدفع نحو المجهول، خصوصًا وأن التجربة الأفغانية والإيرانية وزوال دولة الصومال ماثلة للعيان.

مرحلة التعددية السياسية في الجزائر

أفرزت التعددية السياسية في الجزائر تحديات جديدة:

أ- التحدي الأول : هو التحدي ضد الإسلام، عندما أصبح الإسلام ممثلاً من عدة أطراف: بعضها متطرفة، وبعضها شعوبية، ووبعضها الآخر يتمثل في احتكار السلطة الجزائرية الإسلام بعيدًا عن ترقيته، مما فرض تحديًا جديدًا على حركة الشيخ وشخصيته، وفي هذه المرحلة نكاد نقول إن شخصية الشيخ ذابت في حركته، وأصبح رمزًا للحركة أكثر منه رمزا للشخصية الخاصة الذاتية المتميز بها.

هذا التحدي على موضوع الإسلام، فرض مسئوليات جديدة: ضرورة حماية الإسلام من التطرف، حماية الإسلام من الغلو، حماية الإسلام من التشويه والانزلاقات التي كان يرى أنها ستعطي مسوغات للأنظمة الجائرة وأزلامها من العلمانيين فرصة الانقضاض على الحصون الإسلامية.

ب- التحدي الثاني : هو المحافظة على الدولة الجزائرية، لأن طروحات التقسيم وطروحات اللادولة، وطروحات الفوضى في إدارة الدولة وتسيير الدولة، فرضت فرضًا جديدًا على الجميع، وهو حماية الدولة الجزائرية من الانهيار بعد عملية الانزلاق، مما اقتضى نوعًا من فقه الأولويات، فقه درء المفاسد المقدم على جلب المصالح، وبرز بما يسمى بالمشاركة، والذي يقوم على أساس واضح هو القول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت، التعاون مع كل الأطراف سواء كانت في المعارضة أو في السلطة، تعاون على أساس المبادئ الوطنية المشتركة، ولعل هذا الموقع أصبح موقع الاعتدال الذي سيعاديه المتطرفون من كل لون.

لقد أدرك محفوظ نحناح أن للتشدد أسبابًا ذاتية وسياسية وتحريكية داخلية وخارجية، لكن الشيخ يفقه جيدًا وبعمق أن آفة التشدد تعود في تكوينها ونشأتها، إلى أن ظرف التحول الذي عاشته الجزائر بعيد الإعلان عن الاستقلال كان أحد المكونات الأساسية لهذه الآفة، كما أن أجهزة الدولة الناشئة الفتية مرشحة لأن تتهم بأنها لم تقم بدورها في التحصين للذات الوطنية، ما عدا التغافل عن بناء المساجد التي تتطلبه وضعية الخروج من قبضة الاستعمار، كما أنها - أجهزة الدولة - لم تُعد الجرعة الكافية لحماية الأسرة والمجتمع والجامعة والإدارة والشباب، وانفسح المجال أمام الدعوات الهدامة والأفكار المادية المستوردة، بما جعل ذلك خميرة الفتن والأزمات، وبتوفر أجواء التغريب تتهيأ طرق الغلو والتشدد، غير أن ثمة من يذهب مذهبًا وجد له مسارات إعلامية تروج له، وهو أن التشدد مرده الفقر، والبيوت القصديرية، وأحزمة الفقراء حول المدن، وانعدام أسباب الحياة الرغيدة والكريمة، فضلاً عمن يقول إن السبب الأوحد: هو القمع، والبطش، والاقتصاد والتهميش وانتهاك حقوق المواطنة، والمحن واتساع هوة فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، والشعور باللهفة في كسر الجسور بينهما.

في هذه المرحلة تحول الشيخ من شخصية وطنية أو من شخصية قطرية إلى شخصية عالمية، وأضفى هذا حقيقة إضافات على الشخصية في حد ذاتها وعلى الفكر في حد ذاته، فأصبحت اللقاءات والزايارات الدولية التي قام بها والمشاركة المتعددة في إدارة الفكر العالمي وفي مؤتمرات الفكر العالمي أصبحت ذات تأثير مباشر وواضح في مسار وتشكيل شخصية الشيخ محفوظ نحناح، وفي رؤاه السياسية، وفي مواقفه وفي وخطواته النضالية التي لم تستبعد التأثير الإقليمي والتأثير الدولي والتأثير الوطني، ولا تأثير المواقف المتخذة من طرف شخصيته في هذا المستوي وانعكاساتها على الوطن وعلى الإقليم وعلى الإسلام، وعلى التوجه الذي تسير فيه الحركة التي يترأسها الشيخ محفوظ نحناح، حركة مجتمع السلم.

جـ- التحدي الثالث : تحدي الأزمة التي صاحبت الجزائر ، تضاف إلى هذا الموضوع، فالأزمة شكلت في شخصية الشيخ محفوظ نحناح توازنًا آخر، توازن الفتنة، وتوازن الأزمة التي تقتضي رؤىً جديدة، وتقتضي حسابات جديدة، وتأجيل عداوات، وتأجيل خلافات وربما تعاونًا مع الخصوم على أشياء مشتركة أو ضرورات مشتركة مثل ضرورة تمدين النظام السياسي، أو ضرورة التنسيق من أجل المحافظة على الحريات العامة والخاصة، أو ضرورة الإبقاء على الدولة وتقوية مؤسساتها، أو ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية، أو إصلاح شرعية الحكم المعطوبة، وهو الذي يمكن التمثيل له بالتحالفات التي قام بها الشيخ محفوظ نحناح في أكثر من اتجاه، ودعا إليها في أكثر من مناسبة.

د- التحدي الرابع : تحدي رئاسة الجمهورية الذي كان هو النقلة النوعية التي انتقلها الشيخ محفوظ نحناح في مساره، ومسار الحركة الإسلامية، كأول زعيم إسلامي يترشح لرئاسة الجمهورية ويصوت عليه الشعب بأغلبية ساحقة، ويعرف الجميع ذلك، ولكن التزوير الذي حدث ضده من طرف النظام الذي كان حليفًا له، أثر حقيقة في شخصية الشيخ محفوظ نحناح وفي حساباته، وأثر في مسار الحركة تأثيرًا واضحًا، سواء في تعاطيها مع الضغط أو ردود الأفعال المتولدة لدى الشعب الجزائري اتجاه مثل هذه القضية، أو في موضوع الثقة في السلطة القائمة كشريك للمحافظة على هذه الدولة، التي هي دولة جميع الجزائريين، ومما أثر في هذا الأمر أيضًا، أن وزن الشيخ أصبح في الساحة الجزائرية رقمًا رئيسيًا، لا يمكن للحساب أن يكون بدونه، وهو ما اقتضى لدى خصوم الشيخ وعلى رأسهم متنفذون فاعلون في السلطة القائمة أن يطعنوا في شخصية الشيخ التاريخية وماضيه التاريخي، ويطعنوا في وجوده السياسي بمنعه من حق طبيعي دستوري في الترشح للانتخابات الرئاسية التي أصبح الجميع يعرف أنه إذا ترشح سيفوز بها.

غير أن هذا الموضوع الحساس يجب أن يدرج ضمن مسلسل دولي لافت للنظر: فالسماح لـ أنور إبرهيم في ماليزيا ثم تنحيته وتشويهه، والسماح لـ نجم الدين أربكان وتنحيته ثم حرمانه من حقوقه السياسية، والدفع بالترابي إلى أن يؤسس شبه دولة ثم تنحيته، والضغط على الإصلاح في اليمن وإبعاده من الساحة، وتيسير الطريق أمام الجبهة الإسلامية وقياداتها ثم استبعادها بكل الوسائل الممكنة وإدخالها في النفق المظلم، وإقصاء راشد الغنوشي ومطاردته ومنعه وحصاره إعلاميًا وتشتيت رجاله، هذا وغيره يفرض نظرة فاحصة وتحليلاً عميقًا تتجلى به كثير من الحقائق التي يعجز ضيقو الأفكار أن يوفوها حقها من البحث والاستنتاج.

هـ- التحدي الخامس : تحدي تخريب الإسلام : لقد لاحظ محاولات استبعاد الإسلام من الساحة، ثم محاولات الربط المتعمد بين التسييس والتحزيب، وأدرك أن التحزيب للإسلام ومقدساته يتسبب في مآسٍ على النفس والمجتمع والوطن، وظن التسييس من صلب الإسلام ، وما دام ثمة من يدعو إلى فصل الدين عن الدولة أو إفراغ الدولة من التدين أو احتكار الدولة للدين أو احتكار حزب ما للدين فإن الجميع - وشبه الجزائر- سيقع في أخطار الانقسام والتشرذم والتخلف.

و- التحدي السادس : تحدي الربط بين ما هو طني وقومي وإسلامي : منذ عقد من الزمن تناثرت فكرة الوطنية والقومية والإسلامية حتى بلغ دعاة هذه التيارات إلى درجة الصدام، وضاعت المصالح المشتركة للأوطان والشعوب، وصار هذا الصراع تحديًا أمام الغيورين من أبناء هذا الوطن الإسلامي الشاسع، وبات الربط بين الوطنية والقومية والإسلامية يشكل (أسمنت) استقرار للوطن العربي والإسلامي، وفضيلة الشيخ محفوظ نحناح كان من دعاة هذا الربط عبر التأسيس لفكرة المؤتمرات لتجسير العلاقة بين القوميين والإسلاميين والوطنيين، لتتوج فيما بعد بمؤسسات وتنظيمات ترعى وتجسد الفكرة، لتحقيق مشروع تكامل بين كل أطياف التيارات السياسية في وطننا العربي والإسلامي بما يحقق التنمية والاستقرار.

نشاطه العملي والدعوي

كان رمزاً من رموز الحركة الإسلامية في الجزائر ، ممثلاً لنهج الإخوان المسلمين فيها، وكان عضواً في مكتب الإرشاد، وهو القيادة الجماعية للتنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، كما كان عضواً في مجلس الشورى العام للتنظيم العالمي.

اشتغل الشيخ نحناح في حقل الدعوة الإسلامية لأكثر من ثلاثين عاماً بدءاً من سنة 1964م بالتعاون مع رفيقه الشيخ محمد بوسليماني، حيث وضعا اللبنة الأولى للجماعة الإسلامية في الجزائر.

قاوم المد الثوري الاشتراكي والثقافة الاستعمارية الفرنسية. وكان من أشد معارضي الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين في توجهاته العلمانية الاشتراكية، ومحاولته فرض النظام الاشتراكي بالقوة على المجتمع الجزائري العربي المسلم، ودعا إلى توسيع نطاق الحريات السياسية والاقتصادية، فاعتقله بومدين، وقدّمه إلى محاكمة عسكرية هي صورة عن المحاكم العسكرية في سائر الأنظمة العسكرية الانقلابية (التقدمية) في الوطن العربي الكبير، واتهمه بمحاولة قلب نظام الحكم، وهي التهمة نفسها في سائر تلك الأنظمة البائدة والحالية، وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً سنة 1975 وتعرّض ومن معه لألوان التعذيب الوحشي، لعله يتراجع عن موقفه ضد الاشتراكية العلمانية، ولكنه أبى وازداد تشبثاً واقتناعاً بموقفه، وكانت صلابته في الحق مثار إعجاب بعض سجانيه وجلاديه، ومثار إغضاب بعضهم الآخر ونقمتهم عليه، فصبّوا عليه العذاب صبّاً.

وبعد انتهاء (التحقيق) وما رافقه من تعذيب وحكم واستقرار في قاع المعتقلات، لم يضع الشيخ محفوظ وقته وعمره سدى في عفونة الزنازين، بل بادر إلى نفسه يعالجها بالقرب من الله، والإقبال على العبادة، وتلاوة القرآن الكريم وحفظه، وتثقيف نفسه، من خلال التهام ما يقع بين يديه من الكتب، وفكّر ملياً في الفكر المطروح، وفي النظريات المطروحة على الشعب من الماركسيين والفرانكفونيين المستغربين، وزادته طروحاتهم الوافدة بعداً عنهم، وتمسكاً بدينه وعروبته، وبدأ يعمل مع من معه من السجناء والمعتقلين، يثير عقولهم، ويحرك قلوبهم، حتى اهتدى عدد منهم على يديه، وتركوا ما كانوا عليه من انحرافات سلوكية، وهذه هي المدرسة اليوسفية، صبرٌ على البلاء والأذى، ودعوةٌ إلى الله، وهداية الضالين، وإقبال على النفس تثقيفاً وتزكية وإعداداً لها لقابل الأيام، ولذلك لم يحقد على ساجنيه، بل سامحهم وعفا عنهم، وهذا ما لم نقدر عليه نحن.

من عجيب أمر الله تعالى في الشيخ محفوظ، أنه عندما كان معتقلاً في مدينة (الأصنام) تعرّضت المدينة إلى زلزال مدمر، ترك الشيخ فجأة في العراء، وقد تساقط كل ما حوله، وفرَّ السجانون ومن بقي من السجناء على قيد الحياة، بينما ظلّ الشيخ محفوظ ساكناً في مكانه، ينتظر عودة السجن والسجانين.

وبعد موت بومدين، أطلقوا سراحه عام 1980 بعد خمس سنين أمضاها في سجون الظالمين.

وقد ساهم في تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية مع صفوة من علماء الجزائر ودعاتها منهم الشيخ أحمد سحنون رئيس الرابطة، والشيخ عبدالله جاب الله ، والشيخ علي بلحاج والشيخ محمد بوسليماني ، والدكتور عباسي مدني ، وغيرهم، كما ساهم في تأسيس جمعية الإرشاد والإصلاح سنة 1988م مع زميله الشيخ محمد بوسليماني الذي اغتالته جماعة مسلحة سنة 1994م. ويمتاز الشيخ نحناح بقدرة هائلة على الاتصال والتنقل، فقد زار القارات الخمس داعية وحاملاً رسالة الوسطية والاعتدال، كما طاف كل محافظات الجزائر وأسس فيها أنشطة دعوية وتربوية وخيرية متنوعة.

كما أنشأ الشيخ النحناح "حركة المجتمع الإسلامي" سنة 1991م وانتخب رئيساً، وقد تغير اسمها إلى "حركة مجتمع السلم" بعد صدور قانون جزائري يحظر استعمال وصف "إسلامي" على الأحزاب.

ولقد كانت مواقف الشيخ نحناح تتسم بالاعتدال والتوازن، فقد عارض موقف الحكومة من الانتخابات، كما اعترض على دعاة العنف وحمل السلاح.

وهو الذي صاغ بيان التجمع الإسلامي الكبير سنة 1980م، كما نظم أول مهرجان إسلامي سنة 1988م، ونادى بإنشاء رابطة تجمع كل الدعاة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية سنة 1989م، كما أنه انضم إلى علماء العالم الإسلامي في توقيع وثيقة ترفض التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين واعتبرها وقفاً إسلامياً.

ويعتبر محفوظ نحناح أول زعيم حركة إسلامية في العالم العربي يتقدم للترشح لرئاسة الجمهورية.

والحق يقال: إن الشيخ محفوظ نحناح فيه من مواصفات الزعامة والقيادة ورباطة الجأش وقوة التحمل والصبر على المكاره ما يرشحه للأمور العظيمة والأحداث الجسام.

فهو كفء لذلك، وأهل لتحمل التبعات والتكاليف لأنه من فرسان هذا الميدان.

أفكاره وطروحاته

  • من أهم الطروحات التي يدافع عنها الشيخ محفوظ نحناح هي: الشورى ، والديمقراطيه، والتطور، والتسامح، والتعايش، والاحترام المتبادل، واحترام حقوق الإنسان ، ومشاركة المرأة في مجالات الحياة، وحوار الحضارات، واحترام حقوق الأقليات، وتوسيع قاعدة الحكم، والتداول السلمي للسلطة، واحترام الحريات الشخصية والأساسية، والوسطية والاعتدال، وتجسير العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
  • وكان يرى ضرورة تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والشخصية، ويدعو إلى التمييز بين ضرورة وجود الدولة وتقويتها ومنافستها ومعارضتها والمطالبة بخلعها وذهابها عند إساءتها، ويرى أن المشاركة في قاعدة الحكم أولى من الروح الانسحابية أو المعارضة الراديكالية.
  • وكان موقفه واضحاً من وقف المسار الانتخابي بالجزائر ويعتبره خطأ كبيراً من الحكومة، ولكنه لا يرى معالجة خطأ الحكومة بحمل السلاح وجزّ الرقاب والحقد والتدمر.
  • وفيما يتعلق بالغزو الأمريكي للعراق، فقد كان واضحاً غاية الوضوح، حيث دعا إلى بلورة موقف متقدم لقوى الأمة العربية لضمان حركة المعارضة للاحتلال الأمريكي للعراق ومواجهة إستراتيجيات الهيمنة على الأمة العربية والإسلامية.
  • وقد طالبت حركته "مجتمع السلم"" بفتح قنوات الحوار أمام الجميع وإيقاف حملات العنف والعنف المضاد، والتكفل بالعائلات المتضررة من جراء المأساة الوطنية ورفع العقوبات التعسفية التي طالت بعض المواطنين من جراء انتماءاتهم السياسية، وتعويض المتضررين منهم، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وسجناء الرأي، بالتوازي مع إقامة محاكمات عادلة للمتورطين في الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وكرامة المواطنين. والعمل الجاد والعودة بالبلاد إلى الوضع المستقر الآمن الذي يعيش فيه المواطن وهو آمن على نفسه وأهله من تغوّل السلطة أو استهداف المخرِّبين.

وضرورة انصراف الحكومة إلى تأمين احتياجات المواطنين الجزائريين ورفع العنت والظلم عنهم وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم، ولكل طبقات الشعب دون استئثار أو تفضيل لطبقة على طبقة أخرى، أو الاهتمام بشريحة من المواطنين دون أخرى، فالحكومة مسؤولة عن جميع المواطنين دون استثناء أو تمييز.

شيوخه

  • لقد تأثر الشيخ محفوظ نحناح ب"مدرسة الإرشاد" التي هي مدرسة الحركة الوطنية، وشعارها: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا" كما تأثر النحناح بـ"جمعية العلماء المسلمين" التي هي جزء من الحركة الوطنية، إلا أنها تتميز بالإسلامية التي جعلتها نموذجاً آخر غير النموذج العادي في الحركة الوطنية، ومن زعماء هذه المدرسة الشيخ عبدالحميد بن باديس الزعيم الروحي الجزائر ، والمفسر للقرآن والمصلح والداعية الذي كان سلفي المنهج، صوفي السلوك، مجاهداً ضد الاستعمار، ومن زعماء هذه المدرسة الشيخ البشير الإبراهيمي العالم الفذ في الأدب واللغة والإصلاح والفكر، وصاحب الصولات والجولات الذي نقل حقيقة الثورة الجزائرية، وهموم الجزائر إلى كل أنحاء العالم الإسلامي، ومن زعماء هذه المدرسة أيضاً الشيخ الفضيل الورتلاني الذي تجاوز حدود الوطن ليصبح مصلحاً عالمياً وهو قرين الشيخ الإبراهيمي وأحد السياسيين المحنكين والعلماء الفطاحل والمصلحين المجددين، ترك آثاراً وبصمات في مصر واليمن وسورية وتركيا والجزائر.

هذه الشخصيات والمدارس الفكرية كان لها أبرز الأثر في تكوين شخصية الشيخ محفوظ نحناح وتحديد مسارها وانطلاقها في حقل الدعوة الإسلامية المعاصرة.

  • فالإمام الشهيد حسن البنا مجدد القرن الرابع عشر الهجري، الذي نقل فكر الإسلام من النظرية إلى التطبيق، وعمل على وحدة الأمة الإسلامية وتخليصها من الاستعمار بكل أشكاله، كان له تأثير كبير جداً على الشيخ محفوظ نحناح حيث سلك طريقته ومنهجه وأسلوبه في الدعوة إلى الله، لأن الإمام حسن البنا ليس رجلاً محدود العمل في دولة أو قطر، بل كان يملك نظرة عالمية، تجمع بين المعاصرة والأصالة وهذا ما سار عليه الشيخ محفوظ نحناح وبخاصة بعد ارتباطه العضوي بحركة الإخوان المسلمين العالمية.
  • وكان يفقه مقولة الإمام الشهيد حسن البنا في توجيه الشباب حق الفقه ويضعها نصب عينيه إذ يقول الإمام البنا: "ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون، فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد".

صفاته

  • من صفاته الخَلْقية التي تلفت الانتباه إليه، مظهره الأنيق، فلا تكاد تراه إلا في هندام كامل؛ بذلة حديثة مكويّة، وربطة عنق محكمة جميلة ومتلائمة الألوان مع البذلة، ولحية لطيفة أعمل بها المقص تهذيباً وتشذيباً، وشعرٌ مرّ عليه المشط من قريب، فبدا مرتّباً، وقد زانه الشيب وزاده وقاراً، وحذاء ملمّع.

يستقبلك بابتسامته العريضة التي لا تكاد تفارقه حتى في أقسى الظروف الملمّة به، كالمرض الشديد، والهموم العاتية.

إذا حدّثته عما تعانيه الدعوة والدعاة في بلدك أو ما يصيب المسلمين في العالم من مصائب، سالت دمعته حزناً وألماً.

  • منذ اللحظات الأولى معه، تعرف أنك أمام محاور متمرس، ولطيف، يعطيك من الوقت ما تريد حتى تنتهي من شرح فكرتك، ثم يستأذنك في الكلام، ويدلي بدلوه فيه بوضوح، وبلا لفٍّ ولا دوران، تحسّ باحترامه لمحاوره، كائناً من كان، فهو محاور ذكي، وذو عقل منظم يفرض احترامه على من أمامه.
  • وتحسّ أنه زاهد في الحديث عن نفسه، وفي أن يرجع الفضل إليها في أي عمل من الأعمال، فهو ليس من الذين يحبّون أن يُحْمَدوا فيما فعلوه أو لم يفعلوه. يبتعد عن الأضواء والمباهاة، ولا يجرّح خصومه وأعداءه، فضلاً عن إخوانه وأصدقائه المخالفين له في الرأي، متأنٍّ، لا يستعجل قطف الثمار في حواره ومواقفه.

هادئ في سائر أحواله هدوءاً يدل على استقرار نفسي.

وذو روح مرحة، ودعابة مهذّبة حاضرة، يلقي النكتة، ويتلقّاها في سرور، وقد يتفاعل معها فيتجاوز الابتسام إلى الضحك الوقور.

متواضع لإخوانه؛ محبّ لهم، يشاركهم في سرّائهم وضرّائهم، ومواقفه مشهودة مع إخوانه التونسيين الممتحنين.

مثقف ثقافة عالية، شرعية، وأدبية، وسياسية، واجتماعية، يظهر هذا في أحاديثه وكتاباته.

يتميز بمرونة عجيبة إلا في الثوابت التي يبدو مقاتلاً شرساً في الدفاع عنها، ومن أهمها، انتهاك حرمات الله، وإراقة الدماء، وفيما يعتقد أنه حق ومصلحة.

شجاع مقدام في الصدع برأيه مهما بلغ تباينه مع الجمهور.

همومه هي هموم شعبه وأمته، وكان من العبّاد، محافظة على الفروض والنوافل والأوراد، ودعوة إخوانه ومن يحبّهم إلى التمسّك بها.

  • وكان فصيح اللسان، واضح البيان، بعيداً من الرطانة والعجمة اللتين تسمعهما من الذين رُبّوا أيام الاستعمار الفرنسي على النطق بالفرنسية التي فرضوها لغة رسمية في بلاد العرب والمسلمين في الجزائر. إذا خطب شدّ إليه الأسماع والأبصار، ولهذا كان الشباب يقبلون على المسجد الذي يخطب فيه، ليتزوّدوا منه علماً وأدباً، وفصاحة، وأخلاقاً، وديناً، وسياسة، ووسطية في ذلك كله، فقد كان بمثابة الأب الروحيّ لكثير من شباب الحركة الإسلامية وشيوخها الذين ينشدّون إلى أحاديثه وخطبه وكلماته، ويتبعون أحسنها. تدور الآيات على لسانه وقلمه، منزّلاً إياها منازلها الذكية في البرهنة والتدليل على ما يريد، بشكل مدهش.

ويستخدم المحسنات البديعة استخداماً جميلاً لطيفاً على الأسماع، فتخرج مخرج الأمثال:

"وإن القضاء على هذه العقارب، يفرض تلاقي الأقارب".

وخاصة في عنواناته التي تذكرك بما كان الأجداد يفعلونه.

يعرض فكرته بعقلانية وتجرد عرض الفيلسوف الحكيم، بحيث يجعل خصمه يذعن له..

ويزن كلامه كأسد جريح.. قال العارفون عنه: إنه سرّ الإخلاص.

مواقفه

لقد كان للشيخ محفوظ نحناح مواقف كثيرة تدل على أصالته وصدق لهجته وعمق فهمه للأحداث وطرح المفاهيم المستقاة من الإسلام كتاباً وسنة، والمأخوذة من مواقف السلف في معالجة ما يستجد من أحداث وقضايا ومشكلات في حياة الناس والمجتمعات وطرح الحلول الناجعة لعلاجها والتصدي للآراء المنحرفة والأفكار البعيدة عن المنهج الإسلامي الصحيح.

  • ومن هنا نجد أنه بعد التشاور مع إخوانه وعرض وجهات النظر للقضايا والاستهداء بالكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة، يكون اتخاذ القرار الحاسم في المواقف دون تردد لأنه يرى وإخوانه أن في ذلك مصلحة للأمن والوطن، ومن ذلك دخول الانتخابات التشريعية، بل إنه رشح نفسه لانتخابات الرئاسة سنة 1995م وحصل على المرتبة الثانية بأكثر من ثلاثة ملايين صوت حسب النتائج الرسمية المعلنة.

كما شارك الأستاذ نحناح في العديد من المؤتمرات والملتقيات الدولية في الدول العربية والإسلامية والآسيوية والإفريقية والأوروبية والأمريكية.

  • وكان مسار حركته "حركة مجتمع السلم" نبذ العنف والحفاظ على قيم المجتمع الجزائري وتبني الإسلام وثوابت الأمة الجزائرية والسعي لإقامة السلم والوئام الوطني في الجزائر وحماية حقوق الإنسان وكرامة المواطن. والحركة تعتمد الحوار على الحل السياسي وضرورة فتح قنوات الحوار أمام الجميع.
  • وقد أدان الشيخ محفوظ العنف بكل صوره وأشكاله سواء من الدولة أو من الجماهير، واعتبر أن هذا غريب عن منهج الإسلام والمسلمين، وكرس جهوده للدفاع عن العقيدة الصحيحة وقيم الوسطية والاعتدال.
  • وقد دفعت حركته ضريبة غالية من دماء أبنائها حيث ذهب أكثر من خمسمائة شهيد من إخوانه ومحبيه ومناصريه وعلى رأسهم رفيق دربه الشهيد الشيخ محمد بوسليماني الذي اغتيل عام 1994م على يد مسلحين تكفيريين.

لقد دخلت "حركة مجتمع السلم" الانتخابات النيابية وحصلت على 70 نائباً، كما شاركت في الحكومة بسبعة من الوزراء.

ورغم التدخلات وخلط الأوراق فيما بعد، بقيت الحركة "مجتمع السلم" لها ممثلوها في البرلمان الجزائري وفي الحكومة، وإن كانوا بعدد أقل من السابق.

رحلاته ومحاضراته

لقد كانت للأخ محفوظ على مدار العام رحلات طويلة وقصيرة طوف فيها أرجاء العالم العربي والإسلامي والعالم الغربي وإفريقيا وآسيا، فقد زار الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا والسويد وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وألقى فيها جميعاً محاضرات وعقد ندوات.

كما تعددت وتكررت زياراته ومحاضراته وندواته في المملكة العربية السعودية والكويت وقطر وسورية والأردن والسودان والمغرب وليبيا وغيرها.

وكان في معظم محاضراته يركز على ضرورة الالتزام بالمنهج الوسط والتدرج في الخطوات وعدم الانسياق وراء الدهماء والعوام لأن أهواء العوام لا تهادن كما يقول شيخه محمد الغزالي.

ورأى أن التطرف والغلو يعطي المسوغات للأنظمة الجائرة وأزلامها من العلمانية فرصة الانقضاض على الحصون الإسلامية. ومن محاضراته التي ألقاها أثناء رحلاته محاضرة "الصحوة الإسلامية.. واقع وآفاق" ألقاها في المغرب سنة 1990م وكانت تتصف بالاتزان وتبشر بخيار المصالحة بين الأنظمة والحركات الإسلامية المعتدلة، فضلاً عن موقفه المؤيد لتسوية إيجابية لقضية الصحراء. وكان طيلة فترة توتر العلاقات المغربية الجزائرية صوتاً للحكمة والتعقل داخل الجزائر، داعياً إلى تسويتها بمنطق الحوار والتفاهم المتبادل للمصالح المشتركة. وكان حريصاً على التواصل مع القوى السياسية والوطنية بالمغرب.

وقد سعدت(1) بحضور محاضرة له في عمَّان بالأردن كان فيها واضحاً غاية الوضوح، وصريحاً غاية الصراحة، حيث لم يهادن أحداً وهو يعرض الحقائق على الأرض بتفاصيلها ويشخص الوضع الجزائري بكل أبعاده ويصف الحرب المستعرة بين الحكومة وحملة السلاح في الجبال، وكيف أن الأفعال وردود الأفعال هي المسيطرة على دوام الاقتتال وذهاب الأرواح وتخريب البلاد. وهذا الأسلوب يأباه الإسلام وترفضه تشريعاته وأحكامه، فإن الدم المسلم غال ومحترم، والنفس البشرية مصانة ومعصومة. وتلك ولا شك فتنة وبلاء، ومحنة ومصيبة، أحرقت الحرث والنسل، ووولدت الشحناء والبغضاء، والخاسر فيها هو الشعب الجزائري والدولة الجزائرية على حد سواء، وحين سؤاله عقب المحاضرة عن الذي يجري في الجزائر أجاب: هناك تيار يريد ربط الجزائر بباريس وتيار آخر يريد ربط الجزائر بابن باديس.

فأدرك السامعون القصد وفهموا سر الصراع بين الإسلاميين والفرانكفونيين بالجزائر.

الشخصية المتكاملة

إن اكتمال شخصية محفوظ نحناح في هذا الاتجاه لم يأت اعتباطًا، وإنما جاء من تناغم ثلاثية واضحة، الثلاثة الواضحة هي: أولاً: الاستقرار النفسي، ووضوح في الهوية وفي الماهية

فهو يحرص على تعاطي الخبر والمعلومة، كما يحرص على قراءة وِرْد القرآن، كما يحرص على الاهتمام بشئون حركته، هذا الجانب الشخصي المتميز يطبعه جانب تنظيمي انتشاري واسع مثلته فئات الحركة، وتنوع عطاءاتها الفكرية والثقافية والسياسية والنفسية والرياضية والجمعوية والأدبية التي لم يخل منها موقع من مواقع الجزائر.

ومثلها في المقابل هذا التعاطي مع السلطة الجزائرية، وهو المشاركة بمجموعة وزراء ومجموعة برلمانيين، ومجموعة منتخبين عبر الوطن، كلهم أصبحوا يشكلون أجزاء مهمة في صياغة هذه الشخصية التي تتعاطى مع الحدث، وبنفس محددات الحكمة والهدوء والتوازن ومعرفة الواقع.

وإذ تبدو حقيقة شخصية محفوظ نحناح للمراقب البعيد تحمل كثيرًا من التناقضات، فهي ليست كذلك، وإنما هي شخصية مركبة وذات زعامة تعلو همتها لتتحمل مسئوليتها تحملاً كاملاً في كل الاتجاهات، مما يدفع بخصوم الشيخ محفوظ نحناح- وفي بعض الأحيان حتى محبيه- أن يصرحوا بعدم فهم بعض المفاصل، وليس من اليسير أن يجمع الإنسان بين الحامض والحلو والمر، والحار والبارد في نفس الشيء، إلا إذا كان يحمل قوة مقاومة حقيقية تستطيع أن تؤهله لإدارة هذه المتناقضات، ولذلك كان الزعماء دائمًا يحملون صور الجميع بين مجموعة المتناقضات، هي التي تجعل منهم قياديين وتؤهلهم لإدارة شئون شعوبهم، وتحمل تناقضات هذه الشعوب، وتعمل على التقريب بينها وإيجار التناغم والانسجام بينها بما يستصعبه كثير من الخلق.

العمل من أجل الجماعة

الشيخ محفوظ نحناح لا يمثل شخصًا، ولا يمثل فئة ولا يمثل شعبية ولا يمثل مرحلة تاريخية، بقدر ما يمثل الجميع أو يعمل لصالح الجميع من خلال الاهتمام والانشغال بهموم الجميع، على اختلاف تركيبهم وعلى اختلاف تناقضاتهم، ومن هنا يعمل مع الجميع ضمن قواعد التشاور والتنظيم، والائتلاف والتنسيق والتنازل، ضمن وضوح المصلحة العامة وتغليبها على المصلحة الخاصة، وهذا لا يتأتى إلا بالبحث العميق عن نقاط التلاقي مع محاوريه، واجتناب نقاط التنافر، إلا ما كان متعلقًا بالثوابت والدماء وإثارة تطويق دعاويهم، وتعففًا وتنزها عن الخوض مع الخائضين، ولعل هذا من أحسن الرد على من لا يستحقون ردًا، وكأن لسان حاله يقول: 'موتوا بغيظكم' أو: 'فاصفح الصفح الجميل'.

الإيمان بالاتجاهات المتعددة والأطياف المختلفة

فالشيخ محفوظ نحناح لا يؤمن بأسود وأبيض، ولا يؤمن بـ: 'إذا لم تكن معي فأنت ضدي'، ولا يؤمن بنظرية التطرف، بل يؤمن بنظرية التشارك والتمازج بين الأطياف والأشياء، وتولد عملية التزاوج بين الأطياف ألوانًا جديدة إبداعية رائعة، تستطيع أن تقوم في المجمع وتؤدي أدوارًا أكثر إيجابية.

الشيخ محفوظ نحناح لا يؤمن بحدية الأشياء، وإنما يؤمن بنسبيتها، فليس هنالك صواب مطلق أو خطأ مطلق، وإنما هناك صواب نسبي وخطأ نسبي، حرص نسبي، هنالك أشياء نسبية، وتمسك بهذه النسبية حديث النبي 'صلي الله عليه وسلم': 'إن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى' 'أخرجه الإمام أحمد والبيقي، ولذلك تعالج أمور شخصيتنا بهذه النظرة، وقد تبدو أحيانًا تحمل بعض التناقضات، ولكنها تحمل حقيقة الانسجام بين المتضادات، والجمع بين هذه المتضادات في نظرية تستفيد من كل ذلك، دون أن تسمح بالتصادم بين جزئياتها.

وهو لا يرى الحق في جهة من الجهات، ولا بالمقابل الخطأ المطلق لجهة من الجهات، ويعتبر الحوار مجالاً مفتوحًا حتى للشيطان، والشيطان هو أكبر ممثل للشر، كان الحوار موجودًا بين أكبر ممثل للشر - وهو الشيطان- وبين الله سبحانه وتعالى، فمن باب أولى أن تكون هنالك مساحات لهذا التعاطي النسبي مع جميع الأشياء

مناقب محفوظ وكتلته الجمالية بقلم/ الشيخ محمد أحمد الراشد

بسم الله الرحمن الرحيم

مناقب محفوظ وكتلته الجمالية

مضى واثقاً ، بعد أن ضرب مثلاً للقيادة الناجحة التي تستوعب جيداً موازين الفقه الدعوي التي تحكم المواقف المشتبهة.

هذا هو موجز وصف شخصية أخي في الله ، الفقيد الغالي ، الهُمام الثابت على الدرب المستقيم ، الأستاذ محفوظ النحناح رحمه الله .

رسخ .... يوم هبّت العواصف .

وفصُح .... حين تلعثم المترددون .

وجَسَر وأقدم .... لما هاب الواجفون .

وصرخ بالحق .... حين تخافَتَ بها الهامسون .

وفاصَلَ على بينة من الأمر يوم جنح الغَبشُ بأهله نحول الحلول الضبابية .

وقد راقبت صدورَ الدعوة على مدى نصف قرن، وصعدت عواطفي ونزلت مع سِيَر أجيال من القادة والزعماء ورجال الفكر الإسلامي ، فأقنعتني مراقبتي الدقيقة أن وتيرة من الفقه الشرعي الموزون الممتزج بدروس تجريبية مقتـَـبسة:

كانت تـُحرك النحناح، حتى استوى في النهاية منتصباً شامخاً ضِمن الرموز الكبرى التي نُباهي بها ونفخر ونجعلها عناوين للدعوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة ، التي بها نقتدي ، وإلى أفعالها نحتكم ، وبحبها نرجو أن نلقى الله .

إنه مؤسس دعوة ، وسابق ، وصاحب إبداع ، وليقل فيه القائل ما يشاء من عمق التجرد ، وكثرة البذل ، مع التواضع ، و السكينة ، إلاّ أن جميع ذلك يجعله مجرد شريك في هذه المناقب ، وفي غيره من أهل الجزائر بركة ، وقد نالوا من هذه الخيرات مثل ما نال ، ولكن ميزة محفوظ الكبرى تكمن في إيمانه الشديد الذي أبداه بوجوب الحفاظ على الشروط الدعوية المتكاملة وعلى الطبيعة التدريجية التربوية للعمل الإسلامي حين أهدرها عن عمدٍ أو نسيان مَن استحوذ على إعجابهم الصعود المفاجئ للصوت الإسلامي في الشارع الجزائري خلال مرسم واحد ، لمّا حدث الفراغ السياسي فملأته الخدمات الإسلامية.

كان المفترض في الدعاة أن يلوذوا بحقائق فقه الدعوة ، وأن يميزوا أن كل توسع يتجاوز إتمام عملية تربية وتطوير الجيل الدعوي التأسيسي الأول : سيكون توسعاً خطراً يحمل في ثناياه احتمالات الاستعجال ، بل والانحراف والإرهاق وإعنات الناس لو أرادوا الريث ، وإحراج الحكومة إذا نوتَ توبة ، وقد كان هذا المعنى واضحاً لدى محفوظ ، فاستمسك به ، وأفتى إخوانه باللبث مع مفاد الوعي وأنْ لا تستفزهم المكاسب الأولية السريعة ، فإنها ربما تأتي سهلة ، ولكن يكون من بعدها دفع ضريبة كبيرة ، ولات حين استئناف تربية واستدراك على قفص المراحل ، وقد أبديتُ له تأييداً في ذلك ، وصوّبت منحاه ، وثنّيتُ على اختياره ، وعضدتُه ، في قلائل آخرين ، ولكن الكثير من الدعاة غرّتهم الصورة الظاهرة ، فذهلوا عن " الشروط المتكاملة " الضامنة لاعتدال السياسة الدعوية ، فطفقوا مع الحلم الوردي باختصار الزمن .

ولم يدركوا المجازفة الكامنة في دخول مرحلة العمل المتقدمة من دون تربية كافية وبناء تنظيم مكافئ لها ، وحاولوا تحريك قدم محفوظ عن موضعها الثابت ، فكان كالطود الثقيل ، وأبدى عناداً واعيا ، واستمسك بالذي انتهت إليه الموازنات العقلية والمذاهب التجريبية ، غير آبه بهتاف العواطف ، ثم انتظر حتى صدّقته الأيام والحوادث ، وأخذت قصته مكانها المميز في التاريخ الإسلامي ، وشهد له الفقه ، وأذعن له الناشز ، ويوم زرته في المستشفى بالعاصمة الفرنسية قبل موته بأسبوعين ، بعد غيبة عنه طالت سنوات : قال لمن حوله مِن أعوانه وأركان جماعته : هذا الأخ الراشد أول من فهم موقفنا وأيدنا وشد أزرنا ولمح الخفي الذي غاب عن غيره .

وما كانت غير سنة واحدة بعد ذلك الموقف واللبث مع الثوابت الدعوية : حتى أظهرت الأقدار الميزة الكبرى الثانية لمحفوظ ، يوم حصل الاختلاط ، وصيحت صيحات الثأر والهدم والدم ، وأصاب الناسَ الرعبُ ، فأبى محفوظ التورط ، ولاذ بالعفاف والبراءة من الدم ، والتمس أسباب السكينة والطمأنينة ليشيعها بين جماعته وعموم الناس ، وآمن بالحوار ، و السلام ، وثبت عند الرؤية الحضارية ، ونَبَذَ العنف ، وأدرك أن تراكم مفردات العمل الحضاري المنطلق من المعايير الإيمانية هو الكفيل بإنقاذ الجزائر من وهدتها ، في خطة طويلة الأمد ، لكنها مأمونة العواقب ، وجازفت عناصر الغوغاء بذبح بو سليماني رحمه الله ، مستفزة له محاصرة له في الزاوية الضيقة ، لينفجر ويكون شريكاً في الخطأ ، فكان رحيماً بالدعوة وبالجزائر وبمنافسيه الذين أبقوا الخنجر محمولاً في كفوفهم يقطر منه الدم ، وأنزل الله تعالى السكينة على قلبه ، وتحالم ، وكبت ، ولعن الشيطان ، واعتصم بالرحمن ، وعارض بكفه العاصفة ، فتكسرت ريحها العاتية ، وبقيتَ تتناقص حدتها ، وحافظ على جماعته أن يبددها جهل وردود فعل انتقامية ، وكَتَب التاريخ الإسلامي قصة ثانية من قصص محفوظ يلقى به ربه واثقاً معتدا .

ثم يأتي متبطر ظالم لنفسه وللناس ليقول : أخطأ محفوظ في خطبته يوم كذا ، وصرح بما لا نرضاه في الصحيفة الفلانية ، وصدق المعترض ، وأنا على ذلك من الشاهدين ، ورصدتُ لمحفوظ زلات لسان وتعابير مفضولة وكلمات مرجوحة ، ولكن أين هذه الصغائر من تلك " الكبائر الخيرية الإيمانية الواعية " التي وُفق لها وألهمها الله إياها إلهاما ؟ .

لقد كان محفوظاً بحفظ الرحمن ، وبشريته التي وقف عندها الناقدون تجاوزتها ملائكيته التي حلّق بها في الأسماء .

هذا ، مع روح بدوية أصيلة فطرية يلتذ بها المتعامل معه حين يقترب منه فينفتح ، وكرم وعزة نفس وشمم ، وفهم عربي أصيل رصين لمعاني الشرع المبين ، مكّنه منه تخصصه في اللغة العربية ، أضاف جمالا إلى مناقبه الحسنى ، رحمه الله رحمة واسعة ، والأمل أن يلحظ أعوانه وخلفاؤه تلك الكتلة الجمالية لرجلٍ من المؤمنين سُمي في الناس بمحفوظ النحناح ، فيراعوها ولا يخدشوها ، بأن يلتزموا وحدة الكلمة من بعده ، وتقديم حق الجماعة على حقوقهم الفردية ، فإن الجمال قد ندر.

قالوا عنه

يقول عنه رفيق دربه الأخ المهندس مصطفى محمد الطحان الأمين العام للاتحاد العالمي للمنظمات الطلابية:

"التقيته أول مرة سنة 1972م في إطار لقاء الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض.. وفي عام 1973م كنت في زيارة للمغرب، ثم الجزائر.. وعندما أنهيت معاملة الوصول وخرجت، وجدت الأخ محفوظ نحناح يستقبلني فاتحاً ذراعيه ولا أنسى حرارة ذلك اللقاء وأهميته وفائدته، ذهبنا في سيارته الصغيرة "الفولكس واجن" إلى بلدته "البليدة" وأقمت عنده في بيت العائلة الواسع الكبير.. وفي أحد مساجد العاصمة جلست أستمع لدرس الشيخ محفوظ الذي كان كالنهر المتدفق.. كلمات واعية.. وإيماءات واضحة.. وتوجيه سليم.. وإخوة شباب يلتفون حولنا يسألون الشيخ عن درسه.. وعما بعد الدرس..

واستغربت أن يكون مثل هذا الطرح الجريء.. والأيام الحاكم فيها "هواري بومدين" والتوجه للدولة اشتراكي علماني.. ويظهر أن شيخنا قرر أن يقول كلمة الحق واضحة ويعتصم بالصبر مهما تكن النتائج.

وذهبنا إلى مسجد الطلبة بالجامعة المركزية الذي ساهم في فتحه الأخ محفوظ وخطب فيه خطبة الجمعة، وكانت الأوضاع وقتها في الجامعة بعيدة كل البعد عن المظهر الإسلامي. وحين سألته: الأوضاع صعبة يا شيخنا.. أجابني: "ولتعلمن نبأه بعد حين". وبعد هذا كنت أزور الجزائر مرة في السنة.

وفي مرة زرنا معاً القاهرة، وكنا على موعد مع رجالات الدعوة الذين خرجوا لتوهم من غياهب سجون عبدالناصر التي قضوا فيها ما يزيد على العشرين عاماً. وكان لقاءً موفقاً سعد به الجميع أعقبه عهد وموثق. وفي سنة 1975م تم اعتقال الشيخ محفوظ نحناح والحكم عليه خمسة عشر عاماً بعد نشره بياناً بعنوان "إلى أين يا بومدين"؟

وفي عام 1990م لقيت الشيخ محفوظ في طرابلس الغرب حيث كان الاجتماع لمناقشة قضية الاحتلال العراقي لدولة الكويت كان البعض يؤيد العراق والآخر مع حق الكويت وحرية أبنائه.. ورأيت الشيخ محفوظ نحناح يزأر كالأسد ويقول: كلكم مهتم بحفظ ماء وجه صدام حسين.. ولا أرى أحداً يهتم بدماء أهل الكويت..

وكان آخر لقاء في إسطنبول بشهر يوليو تموز سنة 2002م، حيث جاء مع أسرته لقضاء فترة نقاهة بعد آلام مبرحة ومعالجات طالت لم أعرف يومها ذلك، فقد كانت صلابة المجاهد تغلب عليه، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصه.

هذا، وقد أُلفت عنه الكثير من الكتب من أهمها: "رجل الحوار محفوظ النحناح"، و"خطوة نحو الرئاسة". كما أن له الكثير من المحاضرات المطبوعة وأهم كتبه هو: الجزائر المنشودة "المعادلة المفقودة: الإسلام.. الوطنية.. الديمقراطية". وله أكثر من ألف شريط مسجل يضم المحاضرات والدروس وخطب الجمعة.

وفاته

توفي بعد ظهر يوم الخميس 19/6/2003 بعد مرض عضال عانى منه قرابة سنة.

جاء نعيه على لسان الأستاذ سليمان شنين الذي قال: "ننعى إلى العالمين الإسلامي والعربي وفاة الشيخ محفوظ نحناح رجل الوسطية والاعتدال والتسامح الذي سيترك رحيله فراغاً كبيراً على المستويين الوطني والدولي". والشيخ محفوظ رئيس حركة مجتمع السلم" يتولى منصب المراقب العام للإخوان المسلمين في الجزائر منذ سنة 1981م.

وكان رحمه الله قد قاسى المرض الخطير أكثر من سنة، حيث استقر في دمه وعظامه، ولكنه كان صابراً لا يشكو، وقد ذهب إلى فرنسا للعلاج، وبعد ثلاثة أشهر عاد إلى وطنه لتقرير الأطباء استحالة العلاج، فكانت وفاته بين أهله وإخوانه الذين يحبهم ويحبونه يوم 19-6-2003م ، وبعد وفاته خلفه الأخ أبوجرة سلطاني.

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. والحمد لله رب العالمين.

شيع أكثر من مئة ألف جزائري جنازته بعد صلاة الجمعة 20/6/2003 إلى مثواه الأخير بمقبرة العالية، في الضاحية الشرقية للجزائر العاصمة، حيث ووري جثمانه الطاهر في المربع المقابل لمربع الشهداء، حيث ترقد جثامين العديد من الشخصيات الجزائرية، كالأمير عبد القادر، إلى هواري بومدين، وبوضياف، وقادة ثورة تشرين الثاني (نوفمبر) والشخصيات الجزائرية البارزة الأخرى التي تركت بصماتها في تاريخ الجزائر المعاصر.

وأقيمت صلاة الجنازة في مسجد الفرقان بحي رابية الطاهر بباب الزوار، بحضور آلاف المصلين الذين توافدوا على المسجد منذ الصباح من مختلف الولايات.

أقيمت له التشريفات الرئاسية بصفة استثنائية، في حضور كبار المسؤولين في الدولة، ووصفت الجنازة بأنها ثاني أهم جنازة في البلاد بعد جنازة الرئيس الأسبق هواري بومدين في نهاية عام 1978.

شارك في التشييع مدير ديوان رئاسة الجمهورية، ورئيس مجلس الأمة، ورئيس الحكومة السابق السيد أحمد أويحيى، وقادة الجيش، وسفراء الدول العربية والإسلامية الذين تقدّمهم السفير المغربي في الجزائر، وعدد من الشخصيات السياسة الجزائرية، من بينهم الأمين العام لجبهة التحرير الوطني حزب الغالبية البرلمانية.

والشيخ عبد الله جاب الله، والدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ووزير الشؤون الدينية بوعلام غلام الله، ممثلاً للرئيس بوتفليقة الذي اعتذر عن حضور التشييع في اللحظة الأخيرة، وأوفد الوزير الذي تلا على عشرات آلاف المشيعين رسالة من الرئيس، أثنى فيها بوتفليقة على الشيخ محفوظ، ومما جاء فيها: "ما من مشكلة ألمت بالجزائر إلا وكانت للشيخ محفوظ في حلّها مساهمة، وما من قضية إلا وكان فيها رأي، أو اتخذ منها موقفاً نابعاً من حبه لوطنه.."

ألبوم صور

الأستاذ محفوظ نحناح
 

الأستاذ-محفوظ-نحناح-أثناء-الصلاة-عليه

الأستاذ-محفوظ-نحناح-39

الأستاذ-محفوظ-نحناح-40

الأستاذ-محفوظ-نحناح-38

الأستاذ-محفوظ-نحناح-36

الأستاذ-محفوظ-نحناح-37

الأستاذ-محفوظ-نحناح-34

الأستاذ-محفوظ-نحناح-35

الأستاذ-محفوظ-نحناح-33

الأستاذ-محفوظ-نحناح-32

الأستاذ-محفوظ-نحناح-31

الأستاذ-محفوظ-نحناح-30

الأستاذ-محفوظ-نحناح-29

الأستاذ-محفوظ-نحناح-28

الأستاذ-محفوظ-نحناح-27

الأستاذ-محفوظ-نحناح-26

الأستاذ-محفوظ-نحناح-24

الأستاذ-محفوظ-نحناح-23

الأستاذ-محفوظ-نحناح-22

الأستاذ-محفوظ-نحناح-21

الأستاذ-محفوظ-نحناح-20

الأستاذ-محفوظ-نحناح-19

الأستاذ-محفوظ-نحناح-18

الأستاذ-محفوظ-نحناح-17

الأستاذ-محفوظ-نحناح-16

الأستاذ-محفوظ-نحناح-15

الأستاذ-محفوظ-نحناح-14

الأستاذ-محفوظ-نحناح-13

الأستاذ-محفوظ-نحناح-12

الأستاذ-محفوظ-نحناح-11

الأستاذ-محفوظ-نحناح-10

الأستاذ-محفوظ-نحناح-09

الأستاذ-محفوظ-نحناح-08

الأستاذ-محفوظ-نحناح-07

الأستاذ-محفوظ-نحناح-06

الأستاذ-محفوظ-نحناح-05

الأستاذ-محفوظ-نحناح-04

الأستاذ-محفوظ-نحناح-03

الأستاذ-محفوظ-نحناح-02

الأستاذ-محفوظ-نحناح-01

الأستاذ-محفوظ-نحناح

الشيخ-الغزالي-وابنة-جمال-عطية

الأستاذ-محفوظ-نحناح-طفلا

الأستاذ-محفوظ-نحناح-في-ثورة-التحرير

الأستاذ-محفوظ-نحناح-وحفيده

الأستاذ-محفوظ-نحناح-وزوجته

الأستاذ-محفوظ-نحناح-وفاته

الأستاذ-محفوظ-نحناح-ومحمد-الصواف

الأستاذ-محفوظ-نحناح-ومحمد-بو-مسلماني

الشيخ-محفوظ-نحناح-رئيس-حركة-حمس-الجزائرية

المستشار-عبد-الله-العقيل-مع-د.-توفيق-الشاوي-و-محفوظ-نحناح-في-الجزائر

المستشار-عبد-الله-العقيل-مع-محفوظ-النحناح-ومحمد-نور-عمر-في-ألمانيا


إقرأ أيضا

كتب متعلقة

أبحاث ومقالات متعلقة

روابط خارجية

روابط فيديو

تابع روابط فيديو