محمود نافع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

محمود نافع.. مدرسة في العمل السياسي

من أين كان يأتي بكل هذا الوقت؟ يسأل عن الصغير والكبير، يرعى الأيتام، يواسي الناس في مصائبهم، ويستطيع بكلمات قليلة أن ينتزع منهم الابتسامة رغم المأساة التي يعيشونها. كان بارًّا بوالديه، فبالرغم من كل مشاغله السياسية والبرلمانية والنقابية كان يذهب يوميًّا إليهم ويسأل ماذا أكلا وماذا شربا، بل كان يسأل أيضاً عن أقاربه من جميع الدرجات، وأهل بلده ومحيطه ومحافظته، وكنا نتعجب من هذا الرجل، وكأنه ألف إنسان في جسد واحد!!

تراه في الصباح مستيقظاً قبل الفجر، يقوم الليل، ينزل إلى الصلاة في المسجد، ثم يبدأ في استقبال الناس ذوي الحاجات فيحملها عنهم، ويذهب إلى المصالح الحكومية لقضائها بحيث يستطيع في اليوم الواحد إنجاز عشرات المصالح، ثم تراه يعود ليذهب إلى والديه وإخوته، ثم يعود المرضى، أو يهنئ ويبارك في فرح أو يواسي في مأتم.. وبين كل هذا تراه ينجز أعماله النقابية كنقيب للمعلمين في محافظة الدقهلية، ويمارس نشاطه البرلماني البارز بحيوية لافتة، بالإضافة إلى إلقاء الخطب والدروس الدينية، حيث امتلك ناصية الخطابة بصورة مذهلة، وكانت نبرات صوته ومعاني كلماته من نوع نادر يعطي للأشياء شحنة من الصدق فتصل إلى القلوب بلا عناء.


رفض الإغراءات

رفض محمود نافع إغراء المال والجاه، لم يمتلك سيارة، ولم يغير شقته المتواضعة طوال حياته، فاستطاع أن يصمد أمام كل المغريات. في عام 1975م تقدم الحاج محمود نافع بمشروع قانون تحريم إنتاج الخمر وتحريم بيعه وتداوله وشربه وفقاً للشريعة الإسلامية، وبالطبع فإن مثل هذا القرار يضر بمصالح مصانع الخمور وتجارها، فأرسل إليه أحدهم ليعرض عليه 1.5 مليون جنيه إذا ما تخلى عن هذا المشروع، فيرد الرجل بتواضع وهدوء: "إن الكفن بلا جيوب"، فيقول التاجر هذا ما توقعته، ولكنني أقوم بمهمة كلفني البعض بها، رغم أنني قلت لهم: إن هذا الرجل من طراز لا ينفع معه هذا الإغراء، فقالوا لي: "لو لم يقبل سنتصرف ونجهض الموضوع بطريقتنا، ولن نعدم وسيلة".

وخاض نافع حربا طاحنة داخل مجلس الشعب، في لجنته التشريعية وفي المجلس ذاته مع القوى التي حاولت عرقلة المشروع دون جدوى؛ لأنه أصر على موقفه، ووصل في النهاية إلى تحريم الخمر وقصره على الأماكن السياحية. ولم يكتف بذلك بل واصل حملته قائلا: "إن شاء الله، سوف أستمر"، ثم ينجح في إقناع بعض المحافظين بتحريم الخمر داخل محافظاتهم، مثلما حدث في بني سويف والفيوم والدقهلية وغيرها.


زعيم انتفاضة المعلمين

بدأ محمود نافع، خريج كلية التجارة جامعة القاهرة 1951م عمله كمدرس للمحاسبة في المدارس التجارية.. وقد اختار العمل بالتدريس؛ لأنه مهنة الأنبياء كما كان يقول. وفي عام 1957م بدأ العمل النقابي، بعد أن نجح منذ تعيينه مدرسًا في فرض شخصيته النقابية من خلال مواقفه المتميزة بالرجولة، وخطبه البليغة ودروسه الدينية التي كان يلقيها في المساجد، ودخل عضوية نقابة المعلمين في عام 1957م، ثم أخذ يسلك طريق العمل النقابي حتى أصبح نقيباً للمعلمين منذ عام 1969م وحتى مماته 1992م وكان قد ظل نقيبًا للمعلمين بالدقهلية رغم خروجه على المعاش، ولعل هذا في حد ذاته دليلٌ على الثقة التي نالها من المعلمين بلا منازع، حيث انتُخب وهو على المعاش.

وأذكر أن كثيرا من المعلمين كان يظنه مدرسًا للغة العربية، أو خريجًا في الأزهر؛ لأنه كان يحفظ القرآن الكريم، ويلقي الدروس العلمية والفقهية في المساجد، ويستشهد دائمًا في أحاديثه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وكنت أؤكد لهؤلاء أنه لم يكن خريج الأزهر، بل كلية التجارة، وأنه حفظ القرآن الكريم، وتفقه في علوم الشرع بمبادرة شخصية من نفسه.

وختم محمود نافع حياته قائدًا للمعلمين على مستوى الجمهورية، حيث شارك في الدعوة والإعداد لانتفاضة المعلمين من أجل مطالبهم المشروعة في تحسين ظروفهم الوظيفية والمعيشية. ومع صبره ودأبه وحركته التي لا تهدأ وسفره في الدعوة إلى هذه المطالب في الفيوم والإسكندرية والشرقية وغيرها، اعتبرته هذه الانتفاضة القائد الفعلي لها، خاصة أن النقيب على مستوى الجمهورية وهو الدكتور مصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشورى وبحكم موقعه السياسي لم يكن متجاوبًا مع تلك الانتفاضة، إلا أنه مع صعود محمود نافع كزعيم لتلك الانتفاضة شعرت الحكومة بأشد الحرج؛ لأنها تعرف أنه شخصية قادرة على الحشد والتعبئة، وأنه طاقة هائلة يمكن أن ينال ثقة المعلمين بلا استثناء، وأن أحدا لن يجد طريقا إلى تشويهه أو الإساءة إليه فضلاً عن إغرائه أو تخويفه، وأنه كذلك يحظى باحترام النقيب مصطفى كمال حلمي الذي كان يذكر محمود نافع بكل خير دائمًا.

ويذكر صلاح شلبي نقيب المعلمين بالشرقية أن موت محمود نافع المفاجئ كان خسارة كبيرة للانتفاضة، لدرجة أن مدير المباحث بالشرقية أبلغه بخبر الوفاة قائلاً له: الآن فقدتم زعيمكم!


مدرسة في البرلمان

دخل محمود نافع مجلس الشعب المصري عام 1971م، من خلال برنامج انتخابي ينص على المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وكان صادقا وقادرًا في نفس الوقت على شرح برنامجه الانتخابي، واستطاع أن يتحرك في دائرة ميت غمر من خلال الخطب في المساجد وحظي بثقة الناخبين، وانضم فعليًّا للبرلمان المصري، وبدأ نضاله البرلماني المتميز. وقدم نافع مئات المشروعات لعدة قوانين تتصل بتطبيق الشريعة الإسلامية، أو بالإصلاح الوظيفي واستطاع أن يحصل على موافقة المجلس على العديد من تلك المشروعات منها على سبيل المثال لا الحصر القانون 83 الخاص بالإصلاح الوظيفي، وتخصيص نسبة من العمل للمعوقين، وإنشاء قناة تلفزيونية للقرآن الكريم، وزيادة بنسبة 10% لطلاب الإعدادية الحافظين للقرآن الكريم، و5% لطلاب الثانوية العامة، ومنها قانون حظر الخمور وقصره على الأماكن السياحية. وكان أهم هذه القوانين ذلك الخاص بتعديل المادة الثانية من الدستور المسماة بحرب الألف واللام، حيث كان الدستور المصري ينص على أن تكون الشريعة الإسلامية مصدرًا رئيسيًّا للتشريع، وتقدم محمود نافع بتعديل للدستور يجعلها المصدر الرئيسي للتشريع، وكان يحتاج لمجرد مناقشة الاقتراح إلى إمضاء ثلث أعضاء المجلس "120 عضوًا"، واستطاع بعلاقاته الشخصية وصبره أن يحصل على توقيع 140 عضوًا من المجلس، ثم طرح الموضوع للمناقشة داخل المجلس، ووقف محمود نافع مهددًا الأعضاء الذين يرفضون المشروع بأنه سيذهب إلى دوائرهم الانتخابية ويفضحهم فيها، وكان لهذا التهديد أثره في قبول المشروع بأغلبية الثلثين اللازمة، ثم طرح المشروع للاستفتاء الشعبي وتم إقراره.

ووقف محمود نافع عام 1971م في مجلس الشعب المصري مطالبًا بإطلاق العمليات الفدائية في سيناء، وعدم تجميد الجهاد الشعبي انتظارًا لمعركة المصير، وعلى أثر ذلك تكونت منظمة سيناء العربية الفدائية التي قامت بالعديد من العمليات خلف خطوط العدو.


بصمة في التاريخ السياسي المصري

في عام 1974م ظهرت فكرة المنابر في مصر، وكان محمود نافع أول من أقام المنبر الإسلامي، وقدم برنامجًا تفصيليًّا لهذا المنبر، ثم قام مع تحويل المنابر إلى أحزاب بإنشاء الحزب الإسلامي، وأرفق بطلب إقامته البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي للحزب سنة 1975م. وكان بذلك أول من قام بإنشاء حزب إسلامي في مصر، ولكنه لم ير النور لأسباب كثيرة ليس هنا مجال ذكرها. ومع دخول الإخوان المسلمين لانتخابات مجلس الشعب، دخل المرحوم محمود نافع على قوائم الإخوان، ونجح في الانتخابات، وعندما قاطع الإخوان الانتخابات سنة 1990م التزم الرجل بقرار المقاطعة، رغم قدرته التي لا شك فيها على النجاح على أية قائمة كانت، وكان هذا موقفًا عظيمًا ختم به حياته، ونال تقدير الجماهير والإخوان على حد سواء.

محمد مورو - رئيس تحرير مجلة المختار الإسلامية 24/03/2005