محور الكذب والتلفيق والخداع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محور الكذب والتلفيق والخداع
27-07-2003
الرئيس الأمريكى السابق جورج

حديث الساعة اليوم في كل أرجاء الدنيا هو "محور الكذب والتلفيق والخداع"، فقد اختفى الحديث عن "محور الشر"، الذي ابتكره كاتب خطابات الرئيس "بوش"، وتراجعت التهديدات الأمريكية ضدَّ إيران وكوريا، واختفت سوريا من المشهد حتى لا تظهر في "خريطة الطريق".

وظهر محور حقيقي لم يبتكره كاتب، بل صنعته الحقائق، هو "محور الكذب"، إنه الكذب الصراح، الذي لا يستحيي في أمريكا، ويحاول التجمُّل في بريطانيا، بينما يتجلّد في "استراليا".

في هذه البلاد الثلاث التي شاركت قواتها في الحرب على العراق يواجه كلٌّ من "توني بلير" رئيس الوزراء البريطاني، والرئيس "بوش الابن" في أمريكا، ورئيس الورزاء "هاورد" الاسترالي.. حملات التشكيك في صدقية ما قدموه من معلومات تبرر خوض الحرب، وسرعان ما انهارت جبهة الكذب لتبدأ مواجهة حملات التحقيق في التلفيق والخداع.

خطورة الأمر أن هذه البلاد قد تتحمل أخطاءً شخصية من زعمائهم، مثل الفضيحة الجنسية للرئيس "كلينتون"، إلاَّ أنها لا تحتمل خطيئةً مثل الكذب على البرلمان، وذلك لأسباب عديدة.

فالصراعات الداخلية في كل حزب حاكم قوية، والمتربصون بـ"بلير" كثير، وهم الذين بدأو الحملة على زعيم حزب العمال في بريطانيا.

والصراعات بين الأحزاب الكبرى محتدمة، وهي تنتظر مثل تلك اللحظة النادرة، الكذب على البرلمان؛ لأن الكذب هنا لا يعني فقط فقدان المصداقية، بل يعني تضليل ممثلي الأمة واستنزاف موارد البلاد في حملات حربية غير مبررة، خاصةً عندما تلوح ملامح الفشل، ويبدأ الاستنزاف الحقيقي في الأفراد والأموال- مثلما يحدث الآن في العراق- نزيف الجنود والنعوش الطائرة العائدة بدأت تستفزّ مشاعر الأمهات والأسَر الذين يتساءلون: لماذا ذهب أولادنا إلى هناك؟ ولماذا يبقون في هذا المستنقع؟ لصالح أمريكا أم لصالح "بوش" وإعادة انتخابه، وقد لا يطول بهم وقت حتى يتحولوا إلى السؤال الصحيح لصالح أمريكا أم لصالح إسرائيل(الكيان الصهيوني)؟!

هنا يبدأ البحث عن الضحايا الذين يضحون بمناصبهم ومصالحهم الشخصية لصالح رئيسهم، مثلما فعل "جورج تينت" مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية الآن لنقذ "بوش" فتحمَّل مسئولية الكذب بخصوص المعلومات بالمتعلقة بسعْي العراق تحت حكم "صدام حسين" للحصول على يوارنيوم من "النيْجر"، وأنه في سبيل الإسراع في صنْع قنبلة نووية استخدام "بلير" هذه المعلومات الكاذبة ليضيف من عنده "أن صنع القنبلة النووية لن يستغرق أكثر من 45 يومًا، "بلير" لا يجد من يضحّي من أجله، بل يخوض هو وأركان حكمه حربًا ضد الـBBC التي وجدت فرصتها وضالتها في المسئول الإعلامي "دواننج استريت"،

وما لبثت أن نقلت معركتها ضد "بلير" شخصيًّا، وأيَّدها مجلس أمناء هيئة الاذاعة البريطانية في موقفها، ولم تتخذ لجنة التحقيق موقفًا مناهضًا لها، فاستمرت المعركة مستحرة ضد رئيس الوزراء البريطاني، وأعادت لجنة الشئون الخارجية في مجلس العموم فتح التحقيق من جديد حول الملف الذي أصدرته حكومة "بلير" عن أسلحة الدمار الشامل في سبتمبر، ووصف المراقبون إعادة التحقيق بأنه تطور خطير، استقالة "تينت" قد تفيد "بوش" بينما قد يضطر "بلير" إلى الاستقالة، وحتى لو ثبت أن الـ سي آي آي ضللت الرئيس فهو يتحمل المسئولية، خاصةً أن هذه الوكالة الاستخباراتية تتمتع بميزانيات هائلة، وتقوم بمهام على مستوى العالم كله تتضمن انقلابات عسكرية أو ديمقراطية أو قيادة حملات إعلامية أو عصيان مدني؛ لإحداث تغييرات في نظم الحكم في كل قارات الدنيا، فكيف يتم الوثوق بمعلوماتها أو عملياتها بعد اليوم، خاصةً إذا جاءت في إطار إستراتيجية أمريكية عُليا تهدف إلى الانفراد بالهيمنة على العالم، وتستخدم الضربات الاستباقية لإجهاض أي خطر محتمل، وهذا ما سوف يقود إلى إشعال حروب ونزاعات عديدة لأخطار هي محتملة أصلاً، فكيف إذا ما اعتمدت على معلومات مضلّلَة؟!.

بدأ الديمقراطيون في أمريكا يستثمرون الموقف لصالحهم، وهم الذين احتشدوا خلف الرئيس أثناء الحرب؛ ونتيجة حملة التضليل والخداع التي كنَّا نظنُّ أنها موجهة إلى الرأي العام العالمي والأمريكي، فإذا بها تشمل الجميع، وأسوأ ما يمكن تصورُه أن تشمل الرئيس شخصيًا كبديل لإنقاذ ماء وجهه من الكذب، فحينئذ كيف نتصور الموقف داخل المؤسسة الحاكمة في أمريكا، وهل يمكن أن تتوحَّد خلف "محْور الكذب"؟!.

يريد "بوش" أن ينقذ نفسه فحمَّل "بلير" المسئولية عن المعلومات بجانب تحميل الـ"سي آي آي" مسئولية مراجعة الخطاب "خطاب حال الاتحاد"، وهكذا حال محور الكذب، فأي ضلع فيه يضحِّي بالآخرين لإنقاذ نفسه، ولكن كما يقال عندنا "ليس للكذب رجلين" فلن يصمد أي ضلع، فالجميع متورطون والجميع متواطئون، ولعل "صدام حسين" اليوم في مخبأه يضحك أخيرًا- ولو إلى حين- عندما يرى أعداءه الألداء يتساقطون قبل جنْي ثمار حربهم المدمرة، التي أطاحت به ولعل "جهاد الخازن" يضحك أيضًا لكن في مكتبه حيث تحققت أمنيته قبل الحرب، أن تطيح الحرب بكل الأشرار الذين يضحون بالأبرياء على مذابح السلطة والصولجان: "صدام"، و"بوش"، ولا يتبقَّى إلا "شارون"، فهل تتحقق أمنيته كاملة؟!

لا يتصور أحد تطورات الأمور في كل من بريطانيا وأمريكا واستراليا، في بريطانيا يحاول حزب المحافظين استعادة مكانته، وقد يفلح إذا تحالف مع الديمقراطيين الليبراليين، إلاَّ أن إزاحة حزب العمال تبقى أصعب جدًا من إزاحة "بلير" عن زعامة الحزب، وهذا هو المتوقع أن يفقد "بلير" مستقبله السياسي على مذبح صداقته الحميمة لأركان محور الشر الأمريكي، أما "جون هاورد" في استراليا فيبدو متماسكًا أكثر، ويظهر أنه سيكون أقل المتضررين.

يبقى مستقبل الرئيس "بوش" غامضًا، في ظل سطوة الإعلام المؤيد له، لكن يبدو أنَّ العوامل الجديدة أضافت إلى الرصيد السلبي الذي أصبح يهدد شعبيته التي تراجع كل يوم. - الفشل الأمريكي في إدارة شئون العراق.

- ترفُّع فرنسا وألمانيا عن المشاركة فقواتها في حفظ الأمن بالعراق.

- إصرار الدول العربية الكبرى مثل مصر والسعودية على إقامة حكومة عراقية منتخبة- حتى الآن- قبل التورط مع أمريكا التي تريد أن تنفرد بالكعكعة العراقية، ومنع المندوب السامي "بول بريمر" للطيران المصري والعمال المصريين من دخول العراق.

- الهجمات المتكررة من المقاومة العراقية ضدَّ قوات الاحتلال بمعدل25هجومًا يوميًا، واعترف "فرانكس" أخيرًا بشراسة المقاومة، وقد ينضمُّ إلى جبْهة المقاومة آخرون، وإذا لم ينضم مقامون مسلحون جدد، فعلى الأقل ستنشأ جبهة وطنية سياسية معارضة للاحتلال، وهذا يضيف إلى الرفض الشعبي للاحتلال مما يساعد المقاومة تمامًا.

- ازدياد أعداد القتلى من الجنود الأمريكيين "أصبح الرقم الآن أعلى من الذين سقطوا خلال أسابيع الحرب الثلاثة"، وظهور "لوبي" ضاغط لسحب الأولاد من العراق.

- فشل "خريطة الطريق" وعرقلات "شارون" المستمرة لها؛ مما يهدد مشروع السلام الذي يريد "بوش" إضافته لرصيده الانتخابي.

- عدم تحقيق إنجاز اقتصادي داخلي يساعد على استعادة الشعبية المتآكلة عقب الصعود الكبير لها أثناء الحرب، بل بوادر الفشل الاقتصادي تهدد بمزيد من تدهور الشعبية.

هل تفلح الملايين المتدفقة للحملة الانتخابية في إنقاذ "بوش"؟!

هل تندفع العصابة الحاكمة "سواء سميناها عصابة إسرائيل(الكيان الصهيوني)، أو عصابية "تكساس"، أو عصابة المحافظين الجدد، إلى مغامرة أخرى في إيران لاستعادة شعبية حالة الحرب؟ أم ينجح "باول" في لجْم الاندفاع هذه المرة؟!

الخطير في الأمر أن الانفراد الأمريكي الذي أرادته هذه العصابة سيتحول إلى كارثة.. فلن يثق بهذه الإدارة، ولا بهذا المحور الكذاب أحد في العالم!.

فها هو حلف الأطلسي- الذي يريد الكونجرس شدَّه إلى المستنقع العراقي- يتردد في الاستجابة، وها هم حلفاء أمريكا من العراقيين المعارضين الذين ورطوها بالتقارير الكاذبة يستشعرون حجم الخديعة الأمريكية، فإذا كان الرئيس والمخابرات كذبوا على الكونجرس، فلماذا لا يخدعون ويكذبون على الآخرين؟!.

والسؤال الموجَّه إلى الفلسطينيين والعرب، وأصدقاء أمريكا من المثقفين العرب: هل مازالوا يثقون بوعود أمريكا؟!

هل تثبت خارطة الطريق ذات الرعاية الأمريكية في ظل "محور الكذب"؟

هل يتورط "أبو مازن" و"دحلان" في فتنة فلسطينية وحرب أهلية مقابل الأوهام والخداع والتضليل، ويضحك "شارون"- "موفاز"- "يعالون" عاليًا.

هل مازلنا نتوقع أن تعزز أمريكا الديمقراطية في المنطقة العربية أم نصدق السيد "رامسفيلد" الذي في تراجعه المهين عن الكذب الفاضح السابق فيقول: إن هدف الحرب لم يكن إزالة أسلحة الدمار الشامل بل إحداث تغييرات في المنطقة، وأنه لم تكن هناك معلومات جديدة تبرر شنّ الحرب، بل إن الإدارة "المتصهينة" أعادت قراءة المعلومات القديمة في ظل إستراتيجية جديدة للهيمنة والسيطرة فقررت شنَّ الحرب.

والسؤال: لصالح مَنْ مِنْ دول المنطقة؟ الجواب: لصالح الكيان الصهيوني الذي أظهر بشع ما فيه، وفي العقيدة الصهيونية من إفرازات يمثلها محور الشر الحقيقي النازيون الجدد في الحكومة الصهيونية.

علينا أن نُعيد قراءة الأحداث من جديد وأن نبنيَ رؤيتنا وإستراتيجيتنا على الحقائق الصلبة على الأرض، بدلاً من الأكاذيب والضلالات.

الحقائق التي تقول:

هناك مقاومة صمدت في فلسطين أكثر من ألف يوم، مشكلتها الحقيقية أنها أعادت طرح القضية الفلسطينية في جذورها، بحيث أصبحت المستوطنة الأم "الكيان الصهيوني" على المحكّ.

هناك مقاومة بدأت في العراق مرشحة للتصاعد والتأثير.

هناك رفضٌ شعبيٌّ هائل للمخططات الأمريكية- الصهيونية- في مواجهة استخذاء رسمي فاضح ينبطح أمام الأحلام والرغَبَات الأمريكية، وأحيانًا يتمنَّع أو يمانع.

لقد انكشف "محور الكذب" سريعًا، وهذا في صالح العرب والمسلمين.

المصدر