مرة أخرى.. مع الاجتماع الدولي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مرة أخرى.. مع الاجتماع الدولي
اسير.jpg

بقلم : معتصم حمادة

إذا كان إصدار بيان فلسطيني ـ إسرائيلي مشترك، يتطلب كل هذه اللقاءات والجولات والزيارات والمشاورات والمباحثات، فكم من الجهد سوف يتطلب استئناف مفاوضات الوضع الدائم والتي يفترض أن تتناول قضايا كبرى كالدولة الفلسطينية والحدود والمياه والمستوطنات وقضية اللاجئين؟

مع عودة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى المنطقة (18/9/2007) عادت إلى واجهة الاهتمامات قضية الاجتماع الدولي الذي كان الرئيس جورج بوش قد دعا لانعقاده على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ورأى المعنيون في عودة رايس هذه خشبة إنقاذ لعمليات التحضير للاجتماع الدولي، خاصة في ظل التصريحات المتضاربة، ليس بين رام الله وتل أبيب فقط، بل وكذلك لدى الجانب الواحد، في رام الله وتل أبيب، وحتى في واشنطن.

وهذا كله أعاد تسليط الضوء على الهدف الحقيقي من الاجتماع، هل هو للتقدم خطوة إلى الأمام على طريق حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أم إنه يندرج في إطار خطة إقليمية، تتجاوز الموضوع الفلسطيني ـ الإسرائيلي نحو مواضيع أخرى هي قيد البحث، كالموضوعين العراقي والإيراني، على سبيل المثال؟

ولعل بعض التصريحات الإسرائيلية ألقى بظلال الشك حول حقيقة الهدف من جولة رايس في المنطقة. فقد قال المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية ألون ليبل (18/9/2007) إن الهدف الأساسي لزيارة رايس ليس العمل على التحضير لاجتماع الخريف، «بل تقديم الشكر لإسرائيل على العملية التي نفذتها داخل الأراضي السورية مؤخراً» وحاول ليبل أن يوحي أن الخرق الإسرائيلي للأجواء السورية وما رافقه من عمل عدواني إنما تم بترتيب إسرائيلي ـ أميركي مسبق، وأن الولايات المتحدة هي التي طلبت من إسرائيل أن تفعل ما فعلته، وأن زيارة رايس إلى تل أبيب، تأتي في سياق ملف آخر، مختلف عن ملف اجتماع الخريف.

بدوره صب ديفيد ولش، مساعد رايس لشؤون الشرق الأوسط الزيت على نيران الشك حين رفض أن يتوقع إيجابيات ملموسة من الزيارة، كأن تنجح مثلاً في سد الفجوة التي تفصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأن تقرب بين مواقف الطرفين، فيما يتعلق بالتحضير للاجتماع الدولي، مكتفياً بالتأكيد على أن رايس سوف تبذل الجهد المطلوب، دون أن يعني ذلك أن هذا الجهد سوف يثمر نتائج باهرة تتجاوز العقبات التي مازالت تعترض انعقاد الاجتماع.

مصادر أخرى نبهت مسبقاً إلى أن رايس لن تعمل على جمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع رئيس حكومة إسرائيل في لقاء ثلاثي لبحث آليات التحضير لاجتماع الخريف وموضوعاته والنتائج التي من الممكن أن تتمخض عنه.

وكشفت هذه المصادر أن نية الاجتماع الثلاثي كانت متوفرة لدى رايس، غير أن ضآلة النتائج التي يمكن أن تسفر عنه دفعت بها إلى تجاوز هذه الفكرة، في إشارة مماثلة إلى أن رايس لا ترغب، في هذه الفترة على الأقل، في الضغط على الجانب الإسرائيلي لإبداء بعض المرونة في مواقفه من الاجتماع الدولي.

فالإسرائيليون هم الوحيدون، من بين الأطراف المعنية بالاجتماع الدولي، الذين دعوا صراحة، إلى عدم رفع سقف التوقعات من هذا الاجتماع، وإلى ضرورة التعامل معه «بشيء من الواقعية» استناداً إلى تباعد الرؤى بينهم وبين الجانب الفلسطيني.

وفي هذا الموقف الإسرائيلي الواضح والصريح، ما يشير إلى أن المراهنة على أن هذا الاجتماع سوف يخطو بالحالة في الشرق الأوسط خطوات ملموسة إلى الأمام، ما هي إلا مراهنة خاسرة، وتدخل في باب الأوهام ليس إلا.

وقد وصل التشاؤم بالحالة الفلسطينية حداً، دفع بعض المصادر إلى التسريب بأن رئيس السلطة محمود عباس يفكر في الطلب إلى الأميركيين بطي صفحة اجتماع نيويورك إذا كان سيسفر عن نتائج باهتة ومخيبة للآمال.

فألا يعقد الاجتماع، خير من أن ينعقد وينتهي إلى الفشل، ويدفع بالحالة خطوات إلى الوراء، كما تقول المصادر الفلسطينية نقلاً عن الرئيس عباس.

ومع ذلك، فإن الملاحظ أن الإسرائيليين يتصرفون بثقة مفرطة بأنهم لن يتعرضوا لضغوط أميركية، وأن الاجتماع الدولي لن يتجاوز الحدود التي سوف يرسمونها له.

أي أنه لن يسفر سوى عن بيان مشترك بينهم وبين عباس، أو عما يسمى بإعلان نوايا، في أحسن الأحوال.

وهو أمر يدعو للتساؤل: إذا كان إصدار بيان مشترك، أو إعلان نوايا يتطلب كل هذه اللقاءات والجولات والزيارات والمشاورات والمباحثات، فكم من الجهد سيتطلب إذن استئناف مفاوضات الحل الدائم، والتي يفترض أن تتناول قضايا كبرى كقيام الدولة الفلسطينية والمياه والحدود، والمستوطنات، واللاجئين وغيرها، وهل يتطلب إصدار بيان مشترك بين الجانبين كل هذا الجهد من الولايات المتحدة ومن رام الله وتل أبيب.

ولماذا لا يصدر هذا البيان ـ إذا كان هذا هو الهدف النهائي لكل التحرك ـ في رام الله، أو تل أبيب، أو القاهرة، أو حتى في القدس المحتلة وأريحا، حيث اعتاد عباس وأولمرت أن يلتقيا؟

لقد بات من المسلم به أن الأجندة الإسرائيلية من الاجتماع الدولي تتضمن هدفين كبيرين، لم تعد الإشارة إليهما سراً من الأسرار، يضيف شيئاً مهماً إلى معلومات القراء والمتابعين: الهدف الأول انتزاع اعتراف رسمي من الجانب الفلسطيني بالتخلي عن حق العودة إلى مناطق 48، وإقرار مقابل بأن «العودة» تكون إلى الدولة الفلسطينية.

أما الهدف الثاني فهو الانقلاب على مبادرة السلام العربية، بحيث يبدأ العمل بها من بندها الأخير، الداعي إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، دون انسحابها من الأرض العربية المحتلة وحل قضية اللاجئين.

وهو ما يفسر حرص تل أبيب على حضور المملكة العربية السعودية للاجتماع.

ولكن ماذا عن الأجندة الأميركية؟

إذا ما أخذنا حديث ليبل على محمل الجد (ولا نظن أن ليبل، في حديثه المذكور أعلاه، كان يمازح الصحفيين) ربطاً بالموقف الفرنسي، المدعوم ألمانياً، عن العقوبات على إيران، ودعوة وزير الخارجية كوشنير، جنرالات الحرب لوضع خطط مسبقة للاعتداء على إيران.

وإذا ما أخذنا الحديث الخليجي الذي حذر من خطورة أن يكون الاجتماع الدولي مجرد فرصة للمصافحة، وتبادل الابتسامات والتقاط الصور، ومحاولة من واشنطن لتبريد الأوضاع الفلسطينية ـ الإسرائيلية (فقط) لصالح حل المأزق الأميركي في العراق، ربطاً بتصاعد طبول الحرب الأميركية على إيران، بات علينا أن نحذر من خطورة أن يكون الهدف من اجتماع نيويورك تماماً، كالهدف من الإعلان عن خطة خارطة الطريق نهاية العام 2002.

فآنذاك، وبنصيحة بريطانية، كشفت واشنطن عن خطة خارطة الطريق، دون الكشف عن مضمونها، لتحسين صورتها في أعين العرب، وضمان صمتهم على خطتها الموضوعة لغزو العراق في آذار (مارس) ونيسان (إبريل) 2003. وبعدها تم الإعلان عن «الخطة».

ثم سرعان ما التفت عليها تل أبيب، بتحفظاتها المعروفة وتبعتها واشنطن، بتأييدها هذه التحفظات.

لتختصر الخطة بعد ذلك في بند واحد، وقفت عنده، هو الطلب إلى السلطة الفلسطينية تفكيك المقاومة (أي ما تسميه تل أبيب وواشنطن مكافحة الإرهاب).

هل نحن أمام أوضاع مشابهة، لكن تحتل فيها إيران هذه المرة موقع الطرق؟

هذا الاحتمال ليس مستبعداً في تقدير العديد من المراقبين، إذ ليس مستبعداً أن يكون الهدف من اجتماع نيويورك تظاهرة إعلامية وسياسية «شرق أوسطية» تمهد لواشنطن (مدعومة من أوروبا هذه المرة) شن حربها على إيران.

وهذا ما يجب التحذير منه.

إذ من الخطورة بمكان أن تتحول قضية تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال إلى ورقة تعبث بها الولايات المتحدة لتبرر عدوانها على دولة صديقة وحليفة كإيران.

فإضعاف إيران، هو في التحليل الأخير، إضعاف للحالة الفلسطينية، وتعزيز للسياسة العدوانية الأميركية والإسرائيلية.

وكما تعاملت واشنطن وتل أبيب، مع الفلسطينيين، بعد غزو العراق، على أنهم طرف عربي من الأطراف التي هزمت بغزو العراق، سوف يتعامل الطرفان، أيضاً، مع الحالة الفلسطينية، على أنها حالة مهزومة، إذا ما نجحت الولايات المتحدة بإلحاق ضرر ما بالحالة الإيرانية.

لذلك، وحتى لا ندخل في متاهات، ونقف أمام مفردات، وكأنها باتت هي جوهر القضية (بيان مشترك، أم إعلان نوايا، أم إعلان مبادئ أو اتفاق إطار) نفترض أن على الجانب الفلسطيني أن يتجاوز هذه المطبات والمناورات وأن يدعو إلى خطوة حاسمة لحل الصراع مع الجانب الإسرائيلي عبر الدعوة إلى مؤتمر دولي، تحت إشراف الأمم المتحدة وبرعايتها، وبجدول أعمال واضح ومحدد، تحضره الأطراف المعنية مباشرة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، كما يحضره وفد عربي تسميه جامعة الدول العربية (لجنة المتابعة على سبيل المثال) ويكون معنياً بحل قضايا الوضع الدائم، وفي المقدمة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، تطبيقاً للقرار 194، والانسحاب الإسرائيلي من الجولان (حتى حدود حزيران 67) ومزارع شبعا.

هذا هو السبيل لوضع النقاط على الحروف، وإغلاق الطريق أمام المناورات الإسرائيلية والأميركية، واستعادة التضامن العربي، وإعادة استنهاض المقاومتين الفلسطينية والعربية تحت سقف سياسي واضح المعالم والأهداف.

المصدر