مشاريع النهب والإبادة في أفغانستان والعراق

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مشاريع النهب والإبادة في أفغانستان والعراق

بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف

مقدمة

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد..

فإن الأمة الإسلامية تتعرَّض في هذه الفترة الحرجة لعملية إفقار وإبادة؛ سوف تكون لها آثارٌ وخيمةٌ على الشعوب الإسلامية؛ فإن الواقعَ الذي يتشكَّل الآن في كلٍّ من دولة العراق الشامخة ودولة أفغانستان الأبية؛ يُنذر بالكثير من المخاطر والتحديات التي تقع أعباؤها على الأمة الإسلامية وحدها دون الأمم والشعوب الأخرى.

آثار العدوان الأمريكي

فمنذ شنَّت الولايات المتحدة العدوانَ على كلٍّ من أفغانستان والعراق في بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ حدثت أهوال جسام تذهب بالألباب.. أهوال تكشف عن تخلُّف الإنسانية وتدهور القيم وتدليس الحقائق وتضليل الشعوب.

لقد ادَّعت أمريكا ومَن سايَرَها أن العدوان على الآخرين هو لتحرير الإنسان من التسلط والقهر، وبسط الاستقرار، غيرَ أن ما أنتجه هذا العدوان حتى الآن كان على خلاف هذه الادِّعاءات؛ فالعدوان على أفغانستان لم يكن للتعمير بقدر ما كان للتدمير والإبادة، كما لم يكن لتحرير الشعوب بقدر ما سعى لفرض ديكتاتوريات جديدة، كما أشاع الفوضى داخل أفغانستان وصدَّرها أيضًا لباكستان.

لا تختلف آثار العدوان على العراق عما حدث في أفغانستان؛ من نشر للفوضى والتسلط، وانعدام الأمن، والتوتر مع دول الجوار، غير أن آثار العدوان الأمريكي على العراق ذهبت لمدى أبعد، وأمعنت في إفقار العراق، ونزح موارده الطبيعية، والسيطرة عليها، وتقويض مؤسساته العلمية؛ فهي تسعى لفرض قانون ينظِّم نهب النفط؛ الثروة الأساسية في البلاد، وترسِّخ احتكار الشركات الأمريكية لقطاع النفط وتفريغ العراق من مصادر الطاقة النووية؛ فخلال سنوات الاحتلال تم تفكيك مؤسسة "التويثة" العسكرية ونقل 550 طنًّا من الكعكة الصفراء لليورانيوم لحساب شركة (كاتيكو) الكندية.

الإنفاق الباهظ على العدوان لا التعمير

إن النفقات الأمريكية على العدوان في أفغانستان والعراق تكذِّب ادِّعاءها بأنها جاءت للتنمية واحترام حقوق الإنسان؛ فبينما ظلت المخصصات على القطاعات الخدمية دون مستوى المليار دولار، فإن المخصصات العسكرية تجاوزت بضعة ألوف المليارات، وهذا ما يعكس حقيقة الأهداف الأمريكية واتساع نطاق سياستها التدميرية؛ فإن ما أنفقته في أفغانستان وحدها يقارب ما أنفقته في الحرب العالمية الثانية، وما يزيد الأمر سوءًا هو انفتاح سقف النفقات على العدوان الأمريكي، والاستعداد لتغطية الاحتياجات العسكرية، ومساندة الحكومات الموالية؛ أيًّا كانت التكلفة وبغض النظر عن العوائد المباشرة.

من العدو؟!

إننا نعتبر أن عدو الأمة هو من يسعى لقهرها وتفكيكها، ويحارب عقيدتها، ويمسخ ويستبدل هويتها، ويسعى لترسيخ سطوة عملائه ومواليه.. إنه بهذا المعنى لا يقبل بوجود الآخر، ولا يعترف بحقوقه.

هذه المعايير تنطبق بوضوح على العدوان الأمريكي على أفغانستان والعراق؛ فإلى جانب تكريس الاحتلال العسكري وفرض الوصاية الأمريكية التي تسعى لإزاحة الإسلام وقيمه؛ تفرض العلمانية تحت مسميات مختلفة، تتمثَّل في السيطرة على نظم التعليم، وفرض النظام الاقتصادي الرأسمالي، وتكريس الفقر والتلوث وصناعة الجوع، وتقنين الفساد والهيمنة.

وعلى هذا الأساس تداعت الدول الكبرى لإضفاء الشرعية على العدوان الأمريكي على أفغانستان والعراق، وشاركت عبر حلف الأطلسي والأمم المتحدة في سياسة منهجية لتدمير البلدين، ونعتقد أن هذه السياسات تستهدف هذين البلدين دون العالم الإسلامي؛ فالإصرار الأمريكي على نشر نظُم الصواريخ الهجومية في العالم وتوجيهها بشكل خاص لمراكز الثقل الاقتصادية والبشرية والصناعية في العالم الإسلامي لهو يكشف عن حقيقة وطبيعة وعمق العداء والمكر السيئ ضد المسلمين.

فإن سياسات توسيع دور ونطاق حلف الأطلسي والتوسع في نشر ما يسمَّى "الدروع الصاروخية" لا معنى له سوى أن الغرب يعتبر كل المسلمين أعداءً طبيعيين لمشاريعه ومصالحه، وهذا ما يعكس خطورة آثار العدوان الذي يعتبر امتدادًا لسياسات الغزو الاستعماري الذي تكالب على نهب ثروات الأمة وتدمير قيمها منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادي.

الهيمنة الأمريكية على الحكومتين الأفغانية والعراقية

إن الحكومتين العراقية والأفغانية عانتا ضعفًا شديدًا؛ ليس فقط بتباعدهما عن المواطنين والشعوب، ولكن بخضوعهما المطلق وغير المشروط للمحتلين والغزاة، وبالتالي فإنه لا خيرَ يُرجى من ورائهما إلا إذا تحوَّلت رؤاهما وسياستهما من خدمة الاحتلال لخدمة الوطن؛ من التبعية للسيادة والاستقلال؛ من القيود للحرية، ونعتقد أن هذه المتطلبات جدُّ ضرورية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العالم والأمة الإسلامية.

لقد كان اجتماع القادة العراقيين في أغسطس 2007م واضحًا في التأكيد على القضايا الأساسية اللازمة لإعادة بناء الدولة وتوسيع المشاركة السياسية على أسس وطنية وتطوير النظام السياسي، وواضحًا في دعوته لتكوين جبهة وطنية موحدة، إلا أن هذا الوضوح لم يكتمل عندما تعامل البيان الصادر عن الاجتماع في 26 أغسطس 2007م مع الوجود الأمريكي، وكأنه قدَرٌ محتومٌ لا فكاك منه، ولا طريق لإزالته، وفتح مدخلاً للتفاوض حول تكريس الاحتلال.

مشروع الاتفاقية الأمنية

إن الهدف الأساسي من فرض هذه الاتفاقية بين العراق وأمريكا لا يقتصر فقط على تغيير هوية العراق وأفغانستان، ولكنه يسعى أيضًا لاتخاذ البلدين ركيزةً عسكريةً واقتصاديةً للسيطرة على العالم الإسلامي، واستنزاف موارده الاقتصادية، وتحويلها لخدمة المشاريع الأمريكية للطاقة للسيطرة على العالم لخدمة المشروع الصهيوني الساعي لتوسيع دوره الإقليمي.. هذه القضية لا بد أن تكون واضحةً في الذهن لدى التعرض للسياسة الأمريكية.

إن مشروع الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا يهدف في النهاية إلى وضع العراق تحت الوصاية الأمريكية المزمنة؛ دون وجود أفق لإنهاء هذه الوصاية، لتشكل مع الوصاية الأمريكية والأوروبية على أفغانستان رأسَ حربةِ المشروع الغربي لتغيير العالم الإسلامي؛ فالقضية ليست وجودًا عسكريًّا بقدر ما هي سياسة تغيير إستراتيجية تطال العقل والوجدان.

فقد تضمَّن مشروع الاتفاقية الأمنية جانبين على قدرٍ عظيمٍ من الخطورة؛ الأول وهو يتمثل في إعادة بناء الدولة العراقية وفقًا للفلسفة والرؤية الأمريكية؛ من حيث الاقتصاد والتعليم والثقافة، أما الجانب الثاني فيتمثَّل في احتفاظ أمريكا بالاعتراض على قرارات الحكومة العراقية فيما يتعلق بالأعمال المسلحة، وهذا ما يعني أن المفاوضات التي تجري بشأن الاتفاقية غير متوازنة وغير منطقية، ولن تكون نتائجها في صالح الشعب العراقي أو في مصلحة دول الجوار؛ فهي تتم بين حكومة تحت الاحتلال وحكومة عدوانية.

إن إصرار أمريكا على إبرام تحالف عسكري مع العراق هو استمرار للسياسة الأمريكية القديمة الساعية لتمزيق العالم الإسلامي؛ فهذه الاتفاقية تأتي متوافقةً مع ما أُطلق عليه "مبدأ كارتر"، والذي أُعلن في 1979م، والذي يقوم بالأساس على الفصل بين المسلمين في شرق الخليج العربي وغربه، وتثبيت الوجود العسكري الأمريكي لتنفيذ هذا التوجه، وهذا ما تتيحه الاتفاقية تحت زعم الدفاع عن العراق ضد أعدائه!.

دعم حق الشعوب في المقاومة

إن الهدف الإستراتيجي للعدوان الغربي في هذين البلدين هو تقويض أية احتمالات للوحدة والعمل المشترك واستنزاف الموارد، فضلاً عن تفكيك مقومات المقاومة أو المعارضة لتوجهاته ومشاريعه.

ولذلك فإن الشعوب الإسلامية مطالبة ببذل تضحيات جسام لمقاومة الطغيان والعدوان، ومن هذا المنطلق فإننا مع كل حق للشعوب في مقاومة الاحتلال حتى زواله واندحاره، وتحرير الشعوب وتحقيق النهضة.

وفي السياق نوجه نداءً للحكومتين الأفغانية والعراقية بكافة مؤسساتهما؛ بأن تعيد النظر في تعاملها مع دولة أو دول الاحتلال؛ فإن استمرار الوضع القائم لن يحقق مصلحة الحكام، كما يهدد مصالح الشعوب، ويؤدي بالبلاد للدوران في حلقة مفرغة من العنف والفوضى والتي قد تنتج آثارها لتطال دول الجوار؛ فعلى الحكومات في العالم الإسلامي الاهتمام بمصالح شعوبها والتوقف عن دعم شرعية الاحتلال.

وعلى مستوى الشعبين الأفغاني والعراقي؛ فإنه لا بد من الارتقاء بالروح الوطنية، والتخلي عن العصبيات الضيقة والمصالح الآنية، والنظر إلى المستقبل بعين فاحصة وقلب مفتوح؛ يقاوم هذه التهديدات ويكون على قدر التحديات التي لا تواجه فقط الطوائف والعرقيات، والعمل سويًّا وبشكل متضامن، والوقوف صفًّا واحدًا ضد المشروعات والاتفاقيات المشبوهة، والاعتماد على الموارد الذاتية في المقاومة ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب).

كما أن على الشعوب الإسلامية بشكل عام الحذرَ من الاستدراج لخلافات كاذبة، والنظر فقط فيما يحقق ويدعم وحدة الأمة وتطوير الوعي الشعبي العام المناهض للاحتلال والعدوان كنواة لبلورة الجامعة الشعبية الإسلامية.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.