مصر بين أمنها القومي والإملاءات الأمريكية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مصر بين أمنها القومي والإملاءات الأمريكية
18-06-2007

بقلم: د. عصام العريان

تشهد العلاقات المصرية الأمريكية بين الفينة والفينة توترات وتجاوزات تحير المراقبين والمحللين، فقد حسمت مصر الرسمية أمرها منذ توقيع كامب ديفيد ثم معاهدة السلام وتوابعها، فانحازت إلى المعسكر الأمريكي في السياسة الدولية والإقليمية تمامًا، وبقي لها هامش متاح في الشئون الداخلية تتجمل به فبدأت بديمقراطية شكلية مثل التعددية السياسية الحزبية التي قيدها النظام تمامًا فخرجت بلا طعم ولا لون ولا رائحة، وانتهت إلى فسادٍ حزبي وسياسي أفقد المعارضة الرسمية أي قدرةٍ على الحركة أو المنافسة، وانتهت بانتخابات رئاسية مأساوية نتج عنها أزمة مصرية أمريكية بسبب سجن الوصيف الرئاسي أيمن نور بحكمٍ قضائي أراد النظام أن يشوه به المنافس الشاب الذي صدَّق الوهم الأمريكي ليس فقط، بل ويدمر حياته السياسية تمامًا ثم إذا به يُفاجأ بأنه يدمر حياته الجسمانية أيضًا برفض الإفراج الصحي عنه، وانتهى المنافس الثالث نعمان جمعة إلى تشويه متعمد أيضًا (تم تجميده الآن)، ودخل في نزاعٍ مريرٍ دمَّر أقدم الأحزاب المصرية التاريخية (الوفد).

الملف الداخلي الوحيد الذي التزمت به مصر أمام السيد الأمريكي هو ملف الإصلاح الاقتصادي فكانت نتيجته الكارثية هي ارتفاع معدلات الفقر في مصر إلى مستوى غير مسبوق؛ حيث يقدره البعض بـ57% وارتفاع معدلات التضخم التي تأكل سنويًّا مدخرات المصريين؛ حيث إنها أعلى بمراحل من معدلات العوائد على المدخرات في أي بنكٍ إسلامي أو عادي.

إضافةً إلى ذلك زيادة معدلات البطالة السافرة والمقنعة، والأخطر من ذلك كان هو الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء في مصر؛ مما يهدد التماسك الاجتماعي، وهو أهم عوامل قوة الأمن القومي، والعجيب صدور تقرير أمريكي أخير ينتقد الإجراءات الاقتصادية المصرية أيضًا.

تسلمت مصر مقابل التزامها بالسلام مع العدو الصهيوني وعدم الاستعداد لأي حروب جديدة ثمنًا واضحًا محددًا، أهمه استعادة سيناء مع نزع سلاحها تمامًا، والالتزام بعدم وجود قوات عسكرية بها في ملاحق تفصيلية، وهو ما يهدد أمننا القومي أيضًا؛ حيث إن أحد المهددات الخطيرة الآن ما يحدث في سيناء من حوادث إجرامية إرهابية في طابا ودهب وشرم الشيخ (لاحظ أن شمال سيناء لم يشهد أي حوادث، بينما يتحمل أهله تبعة كل ما يحدث من ملاحقات أمنية).

وكذلك التركيز على التنمية السياحية فقط في جنوب سيناء وترك الشمال تمامًا دون تنمية زراعية أو صناعية، مع تسليم ملف الأمن في سيناء إلى قوات دولية للمراقبة الالتزام المصري بالمعاهدة وإلى وزارة الداخلية المصرية التي ضج أهلنا في سيناء من سوء معاملتها لهم وشكها الدائم في سلوكهم واتهامهم باستمرار بالتهريب والتجارة في المخدرات والسلاح؛ مما فاقم الأزمات التي تفجَّرت في السنتين الأخيرتين ورفع أهالي سيناء أصواتهم بإلحاح يطالبون بإخراج ملف معاملتهم من يد الداخلية وإعادته إلى المخابرات من جديد، وللأسف لم يسأل أحد هل أصبحت ملفات مصر كلها في يد أمنية أمينة، وكأنه لا يوجد دولة مدنية ولا مواطنة ولا يحزنون.

وكأنَّ النظامَ لا يثق في بقية أعضاء الوزارة ولا الجهاز البيروقراطي المتضخم، فضلاً عن فقدان ثقته تمامًا في الشعب المصري نفسه الذي يُزوَّر إرادته بانتظام في كل انتخابات، وما انتخابات الشورى الأخيرة عنا ببعيدة، وهي التي "عادت فيها ريمة لعادتها القديمة" في تقفيل الصناديق منذ الصباح الباكر قبل وصول الناخبين وتسويد البطاقات بعناء ووضعها في الصناديق مفرودة، وإعلان أكثر من نتيجةٍ للانتخابات واردة أعلنها القاضي في اللجنة العامة وفق الأوراق التي في الصناديق، وهذه قد تصل إلى نسبٍ تزيد على 80% من هيئة الناخبين، وأخرى أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات بعد ورطتها دون إعلان أي أرقام باستثناء الإعلان عن أنَّ عددَ الحضور كان 31% على مستوى الجمهورية، والثالثة الحقيقية هي ما رصده المراقبون المحايدون، وأعلنوا أن نسبة الحضور لم تزد بحالٍ من الأحوال عن 5-6%، وقد يكون- ويا للعجب- إذا فرزت هذه الأصوات الحقيقية هو سقوط ذريع للحزب الوطني ومرشحيه.

وهذا الفقدان للشرعية الحقيقية والمشروعية الشعبية هو أخطر مهددات الأمن القومي المصري؛ حيث ينتج عنه تآكل الانتماء وشيوع اللامبالاة، وعصيان الشعب للقانون واحتقاره للمؤسسات الدستورية التي جاءت بالتزوير والتزييف وعدم تصديقه لما يُقال ويتردد على مسامعه من بيانات وأرقام تتعلق بشئون حياته العامة وعدم احترام النظام والقانون؛ لأنه يرى كيف تصدر القوانين وطبيعة الهيئة التي تصدره وكيف تتعامل معها الأجهزة الأمنية كان هذا هو الثمن الطبيعي لسلام بين متحاربين، لكن أرادت أمريكا فرض شروط وإملاءات أخرى على مصر مقابل ثمن مالي باهظ كانت نتيجته هي رهن الإرادة المصرية للمشروع الأمريكي الإقليمي الرامي إلى فرض الهيمنة الصهيونية على الأمة العربية عبر تمزيقها وتفتيتها بعزل المغرب العربي عنها وإدخال المشرق العربي في حروب طاحنة تدمر العراق الذي كان يمثل المخزون الإستراتيجي لأي حربٍ قادمة مع العدو الصهيوني وإخراج مصر تمامًا من المعادلة العربية، وكذلك إغراق الخليج العربي ومعه المملكة السعودية في بحار المال والترف وإخضاعه عبر التهديدات المتوالية مرة عراقية والآن إيرانية بحيث يظل في حاجةٍ دائمةٍ إلى مظلة الحماية الأمريكية التي تحوَّلت إلى ترسانة دائمة في الخليج والعراق.

كانت المطالب الأمريكية من مصر لها مقابل هو 2.1 مليار دولار سنويًّا يخصص أكثر من نصفها كمساعدات عسكرية عينية ومادية لضمان بقاء الجيش المصري تحت السلاح الأمريكي الذي هزمته العسكرية المصرية في حرب أكتوبر المجيدة بالسلاح الروسي وأقل من 900 مليون دولار سنويًّا لمساعدات اقتصادية تحقق هدف تحرير الاقتصاد المصري ولا تتسلمها الحكومة المصرية نقدًا، كما يحدث مع الجانب الآخر الذي يتمتع بحرية التصرف الكامل فيها، والسبب المعلن هو الفساد الإداري والمالي الضارب بأطنابه في أركان الإدارة البيروقراطية المصرية، وتكونت المعونة الأمريكية والسفارة في مصر بإنفاق معظم المعونة السنوية على مشاريع في الصحة والتعليم لم تسفر إلا عن زيادة معدلات كراهية الشعب المصري للسياسات الأمريكية في المنطقة مثله مثل باقي الشعوب العربية والإسلامية. طالبت أمريكا مصر بعدة أمور: أولها: تطبيع كامل للعلاقات بين مصر والعدو الصهيوني، وقد نتج عن ذلك تبادل للسفراء وفشل على المستوى الشعبي فشلاً ذريعًا.

ثانيًا: الإتيان بالعرب والمسلمين إلى سلامٍ مع العدو، وخاصةً منظمة التحرير الفلسطينية التي رفضت الجلوس في مؤتمر مينا هاوس ثم عناقات غافلت الجميع بعد ذلك في اتفاقٍ منفردٍ جديد ثم أوسلو كانت إعلان نهايته بالأمس في غزة، وتبع ذلك الأردن في اتفاق وادي عربة، وما زالت سوريا ممتنعةً، الخطير أن هذه الاتفاقات المعلنة، وتلك السرية مع بقية الدول العربية تمَّت دون جهودٍ مصرية تُذكر إلا إذا اعتبرنا أن الدور المصري كان إيجابيًّا يضرب المثال والقدوة السيئة في توقيع الاتفاقيات المنفردة، وكان أيضًا سلبيًّا بتشجيع المبادرين للتطبيع أو عدم الممانعة القديمة التي تولتها سوريا الآن، وهي التي استعصت حتى يومنا هذا على التوقيع النهائي، بل استقوت بتحالفٍ إستراتيجي مع إيران زاده قوة دخول حزب الله على الخط، وتحوله إلى قوة باتت تؤثر في المعادلات الإقليمية، ثم ظهور حركة حماس التي أقلقت الجميع بما فيهم مصر التي بدت منزعجة من سودان جنوبها وغزة شرقها وليبيا غربها والبحرين أمامها.

وما زالت مصر تحاول أن تقوم بدور في الملف الفلسطيني لا يهدف إلى سلامٍ كاملٍ وتام وعادل مع العدو؛ لأنها تعلم أن ذلك مستحيل في ظل عدم توازن القوى الحالية، ولكنه مجرد القيام بدور مثلما تقول التصريحات الرسمية دفع عملية السلام، استمرار مسيرة السلام.. إلخ حتى كان انسحاب الوفد الأمني المصري أخيرًا من غزة، ولعل ذلك يفسر حجم الانزعاج المصري من دخول أطراف أخرى على هذا الملف مثل قطر بعلاقاتها المميزة مع حماس ثم السعودية التي رعت اتفاق مكة مؤخرًا، والذي أثمر حكومة الوحدة الوطنية التي حلها محمود عباس بالأمس ثم رفض ذلك إسماعيل هنية بعد ساعاتٍ وإعلانه استمرار حكومة الوحدة الوطنية في القيام بعملها؛ لأن قرار إقالة الحكومة غير دستوري وغير قانوني ولا يعرف أحد كيف ستقوم حكومة مستقلين، كما تردد بتنفيذ أحكام الطوارئ وكيف تنفذها الأجهزة الأمنية التي استسلمت كانت هي المتهم الأول في الانفلات الأمني والفساد والإفساد، وتعد الحكومة الآن بهدوء الأوضاع بعد فرار قادة الفتنة إلى مصر واستسلام الذين لا حيلةَ لهم من الجنود الذين لم يغن عنهم شيئًا السلاح الأمريكي الذي تدفق مؤخرًا عليهم عبر الحدود والتدريب المتواصل الذي حصلوا عليه في أوروبا ودول عربية لحماية أمن العدو الصهيوني.. إن حماس نفسها تواجه ورطةً شديدةً بسبب انكشاف الأمن القومي.

اليوم الانزعاج المصري ازداد وأضيف إليه انزعاج عربي من فشل جديد للسياسة الأمريكية في المنطقة التي تفرضها بإملاءاتٍ من طرفٍ واحدٍ لم تؤدِ إلا إلى مزيدٍ من الفوضى المدمرة التي انطلقت مؤخرًا من العراق إلى الصومال إلى لبنان إلى غزة في فلسطين، وتريد أن تنقلها إلى السودان في دافور، تريد أن تشق الصف العربي على خلفيته اعتدال يسير في الركب الأمريكي وتشدد يقف ضد السياسة الأمريكية، وكانت مكالمة رايس الأخيرة للرئيس عباس رسالةً إلى الوزراء المجتمعين في القاهرة بسبب تداعيات الأحداث في غزة.

وتمانع مصر فيما يتعلق بالملف السوداني الذي بادرت مصر في خطوةٍ قد تعدها الآن متسرعة بدعم الانقلاب العسكري عام 1989م، وما زالت إلى يومنا هذا تدعم حكومة السودان التي تجاوبت مع الضغوط فعقدت اتفاقًا للسلام مع حركة جنوب السودان، وما زال متعثرًا وتقاوم الضغوط بصعوبةٍ شديدةٍ في ملف دارفور وتراهن على الوقت لعل خروج بلير ثم بوش يخفف الضغوط.

والسؤال الحائر عند المراقبين لماذا أيَّدت مصر الرسمية انقلابًا عسكريًّا في السودان ضد الديمقراطية السودانية التي أتت بالصادق المهدي على رأس حكومة وحدة وطنية عام 1989م، بينما رفضت التعامل مع رئيس حكومة فلسطين حتى بعد أن أصبحت حكومة وحدة وطنية جاءت عبر صناديق الانتخابات الشفافة، ولا تستقبل رئيسَ تلك الحكومة ولا وزراءها الحماسيين بالذات؟

هل مصر ضد الديمقراطية أم هي مع الانقلابات العسكرية أم هي ضد ما هو إسلامي؟.. فلماذا أيَّدت إسلاميين عسكريين؟.. حيرة ما بعدها حيرة!!!

الطريق أمام مصر الرسمية واضح لحماية أمنها القومي خاصةً بعد تدخل الرئيس بوش في ملف أيمن نور وتعليق 200 مليون دولار من المعونة المشروطة في لجان الكونجرس الأمريكي، وزيادة الضغوط لإرسال قوات إلى العراق الملتهب لإخراج الجنود المرتزقة الأمريكيين من المحرقة.

إنها الصدق مع النفس والوطنية الصادقة والالتحام بالشعب والديمقراطية السلمية والشرعية الشعبية الحقيقية، وترك الاستسلام للإملاءات الأمريكية والاعتماد على الله وحده ثم جهودنا الذاتية لتنمية بلادنا ورفض المعونات المشروطة أو على الأقل عدم الاعتماد عليها إلى الأبد مع حرب واضحة ضد الفساد والإفساد.

تعليق واجب:-

الإخوان المسلمون وحقوق الإنسان والدفاع عن بقية التيارات الإسلامية

في الثمانينيات من القرن الماضي كان عدد الإخوان المسلمون في سجون مبارك محدودًا جدًّا إن لم يكن معدومًا، وكان أشهر استجوابات الإخوان لوزير الداخلية السابق زكي بدر هو عن التعذيب والاعتقالات وسوء المعاملة في السجون للأخوين الكريمين أ. محفوظ حلمي وأ. مختار نوح، فضلاً عن عشرات الأسئلة وطلبات الإحاطة.

واليوم عندما سألت الأستاذ عبد المنعم عبد المقصود المحامي هل يحضر أحد من محامي الإخوان مع الأخ الأستاذ ممدوح إسماعيل المحامي المعتقل حاليًا؟ أخبرنا أن المرشد العام الأستاذ محمد مهدي عاكف كلَّفه شخصيًّا بالحضور أمام النيابة مع الأخ الصديق ممدوح إسماعيل، وأنه لم يتخلف تقريبًا عن جلسة واحدة.

وعندما استفسرت من النواب قالوا إنهم قدموا طلبات إحاطة وأسئلة لوزير الداخلية حول نفس الموضوع، لكن كل ما تقدَّم حول نفس القضية بغض النظر عن الشخصيات يتم وأدها في لجنة الدفاع عن وزارة الداخلية التي كان اسمها سابقًا لجنة الدفاع والأمن القومي.

ولقد صدر عن لجنة الدفاع عن سجناء الرأي بيان مبكر عندما تمَّ القبض علي أ. ممدوح الذي يزاملني في نفس اللجنة.

الظاهر أن هناك نقص معلومات عند الصديق محمود سلطان؛ لذا لزم التنويه حتى لا تستقر معلومة غير صحيحة عند القُرَّاء الأفاضل.

المصدر