مفهوم العقيدة في الإسلام
فضيلة الشيخ سيد سابق
الإسلام هو دين الله الذي أوحاه إلى محمد صلوات الله وسلامه عليه ، وهو إيمان وعمل .
والإيمان يمثل العقيدة والأصول التي تقوم عليها شرائع الإسلام ، وعنها تنبثق فروعه ، والعمل يمثل الشريعة والفروع التي تعتبر امتدادا للإيمان والعقيدة .
والإيمان والعمل ، أو العقيدة والشريعة كلاهما مرتبط بالآخر ارتباط الثمار بالأشجار أو ارتباط المسببات بالأسباب والنتائج بالمقدمات . ومن أجل هذا الترابط الوثيق يأتي العمل مقترنا بالإيمان في أكثر آيات القرآن الكريم { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار}
ومفهوم الإيمان أو العقيدة ينتظم ستة أمور :
1- المعرفة بالله ، والمعرفة بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، والمعرفة بدلائل وجوده ، ومظاهر عظمته في الكون والطبيعة .
2- المعرفة بعالم ما وراء الطبيعة ، أو العالم غير المنظور وما فيه من قوى الخير التي تتمثل في الملائكة ، وقوى الشر التي تتمثل في إبليس وجنوده من الشياطين ، والمعرفة بما في هذا العالم أيضًا من جن وأرواح .
3- المعرفة بكتب الله التي أنزلها لتحديد معالم الحق والباطل ، والخير والشر ، والحلال والحرام ، والحسن والقبيح .
4- المعرفة بأنبياء الله ورسله الذين اختارهم ليكونوا أعلام الهدى وقادة الخلق إلى الحق .
5- المعرفة باليوم الآخر وما فيه من بعث وجزاء ، وثواب وعقاب ، وجنة ونار .
6- المعرفة بالقدر الذي يسير عليه نظام الكون في الخلق والتدبير .
وهذا المفهوم للإيمان هو العقيدة التي أنزل الله بها كتبه ، وأرسل بها رسله ، وجعلها وصيته في الأولين والآخرين ، فهى عقيدة واحدة لا تتبدل بتبدل الزمان أو المكان ، ولا تتغير بتغير الأفراد أو الأقوام .
{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} وما شرعه الله لنا من الدين ووصانا به كما وصى رسله السابقين - هو أصول العقائد وقواعد الإيمان ، لا فروع الدين ولا شرائعه العملية؛ فإن لكل أمه من التشريعات العملية ما يتناسب مع ظروفها وأحوالها ومستواها الفكري والروحي {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} .
وإنما جعل الله هذه العقيدة عامة للبشر ، وخالدة على الدهر؛ لما لها من الأثر البين ، والنفع الظاهر في حياة الأفراد والجماعات .
فالمعرفة بالله من شأنها أن تفجر المشاعر النبيلة ، وتوقظ حواس الخير ، وتربي ملكة المراقبة ، وتبعث على طلب معالي الأمور وأشرافها ، وتنأي بالمرء عن محقرات الأعمال وسفسافها .
والمعرفة بالملائكة تدعو إلى التشبه بهم والتعاون معهم على الحق والخير ، كما تدعو إلى الوعي الكامل واليقظة التامة فلا يصدر من الإنسان إلى ما هو حسن ، ولا يتصرف إلا لغاية كريمة .
والمعرفة بالكتب الإلهية إنما هى عرفان بالمنهج الرشيد الذي رسمه الله للإنسان ، كي يصل بالسير عليه إلى كماله المادي والأدبي .
والمعرفة بالرسل إنما يقصد بها ترسم خطاهم ، والتخلق بأخلاقهم ، والتأسي بهم باعتبار أنهم يمثلون القيم الصالحة ، والحياة النظيفة التي أرادها ، الله للناس .
والمعرفة باليوم الآخر هى أقوى باعث على فعل الخير وترك الشر .
والمعرفة بالقدر تزود المرء بقوى وطاقات تتحدى كل العقاب والصعاب ، وتصغر دونها الأحداث الجسام .
وهكذا يبدو بجلاء أن العقيدة إنما يقصد بها تهذيب السلوك ، وتزكية النفوس ، وتوجيهها نحو المثل الأعلى - فضلا عن أنها حقائق ثابتة - وهى تعد من أعلى المعارف الإنسانية إن لم تكن أعلاها على الإطلاق .
المصدر
- مقال: مفهوم العقيدة في الإسلام موقع جماعة انصارالسنة المحمدية