مفهوم العمل الصالح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مفهوم العمل الصالح
12-12-2007

بقلم: د. عصام العريان

هلَّت علينا أيام الخير، العَشرُ الأُوَل من شهر ذي الحجة، شهرٌ من الأشهر الحُرُم، فيه فريضة العمر، حجُّ بيت الله الحرام، وفيها يوم عرفة، يومٌ من أيام الله- تعالى- فضَّله الله على سائر الأيام بما يغفر فيه من ذنوب العباد، ويدحر فيه الشيطان، ويحقق فيه آمال المؤملين في رحمته، ويعطي فيه عطاءً بلا حدود.

إن رحمة الله بالمؤمنين وحكمته اقتضت تفضيل بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، وتعظيم وتفضيل بعض الأماكن على بعضها، كما اقتضت أيضًا تفضيل بعض الأنبياء على بعض ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (البقرة: من الآية 253).

ومن حكمته- تعالى- أن جعل لنا مواسمَ للخيرات، ننهض فيها إلى الطاعات، ونتسابق فيها إلى الخيرات، مثل شهر رمضان المُعظَّم، والعشر الأواخر منه، وليلة القدر التي أخفاها الله فيه، ومن ذلك أيضًا تلك الأيام العشر الأُوَل من ذي الحجة التي أهلَّت علينا، فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري- رضي الله عنه- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام"- يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟!. قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشيءٍ من ذلك".

والذي يتبادر إلى ذهن المسلم من ألوان العمل الصالح هو ما اعتاد وسَهُل عليه، مثل الذكر والصلاة، والصيام وتلاوة القرآن، وهذا كله خير، ولكنه في الحقيقة عملٌ صالحٌ لا يتعدَّى نفعُه صاحبَه والمُداوَمَ عليه الذي يجد لذة الطاعة وحلاوة الذكر، وراحة البال وطمأنينة النفس.

وهناك عملٌ صالحٌ آخر ندب إليه الإسلام، وحضَّ عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتعدَّى نفعُه صاحبَه، ويتفاعل فيه مع المجتمع من حوله، يتأثر به وبأحواله، ويؤثر فيه بنشاطه وجهوده الخيِّرة.

ولنتأمل معًا قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند دخوله المدينة المُنوَّرة لأول مرة: "أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلُّوا بالليل والناس نيام". لقد أمر الرسول الأعظم- صلوات الله عليه- بثلاثة أوامر: أحدها يتعلق بزادٍ شخصيٍّ للمؤمن هو صلاته بالليل في جوفه البهيم بعيدًا عن عيون الناس؛ ليقويَ صلته بربه، ويستعين بذلك الزاد على مشقة النهار ﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً﴾ (المزمل: 6)، والأمران الآخران يتعلقان بتماسك نسيج المجتمع الجديد: إفشاء السلام، وإطعام الطعام؛ لزرع الحب ونزع الحقد والحسد، وتحقيق التكافل الاجتماعي والتضامن بين طوائف المجتمع الجديد.

ولمزيدٍ من معرفة مفهوم العمل الصالح الذي جعله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذه العشر أعلى درجةً من الجهاد الذي تذهب فيه الأموال، وتُزهق فيه الأرواح، ويُستشهَد فيه الشهداء هيا بنا إلى حديثٍ آخر صحيحٍ اتَّفق على روايته الشيخان البخاري ومسلم- رضي الله عنهما- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-"كل سُلامِي (أي مفصل) من الناس عليه صدقةٌ، كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين الاثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته تحمله عليها وترفع له عليها متاعَه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ".

وفي جزءٍ من حديث أبي ذر المُتَّفق على صحته: قلت: فإن لم أفعل؟! قال: "تعين صانعًا أو تصنع لأخرق" (الذي لا يتقن ما يحاول فعله). قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟! قال:"تكف شرك عن الناس، فإنها صدقةٌ منك على نفسك".

ولقد أحصيتُ في كتاب رياض الصالحين في باب كثرة طرق الخير أكثر من عشرين وصيةً لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- توضح تنوع طرق الوصول إلى رضوان الله تعالى، وتدل المسلم على خطأ قصر تصور العمل الصالح في العبادات المحضة.

وإذا نظرنا اليوم في أحوالنا العامة لمحاولة تبين مفهوم العمل الصالح الذي نحرص عليه في هذه الأيام المباركة وندل الناس عليه، فإن البداية تكون بإصلاح النفس وتزكيتها بالقرب من الله- تعالى-، وفهم الإسلام فهمًا صحيحًا سليمًا شاملاً، والاستعانة على ذلك بالعبادات الفردية مع مزيدٍ من التأمل فيها وفي حكمتها التي فرضها الله علينا؛ فالحج مثلاً ليس لمجرد غفران الذنوب، بل هو تجديدٌ للعهد مع الله، وبيانٌ لوحدة الأمة المسلمة، وتذكيرٌ بالتضحيات التي قدمتها أسرة خليل الرحمن إبراهيم- عليه السلام-، وتأهُّبٌ للقاء الله تعالى، وتذكيرٌ بالموت والكفن.. إلخ.

وإذا توجَّهنا إلى الله- تعالى- بالدعاء في يوم عرفة، فعلينا ألا نقتصر بالدعاء لأنفسنا وزوجاتنا وأولادنا، بل نتذكر كل مهمومٍ ومكروبٍ، ونتذكر المستضعفين من المسلمين، ونتذكر كل من وراء الأسوار في مصر وفلسطين والعراق وجوانتنامو.. إلخ.

وإذا قررنا ذبح أضحياتنا لنأكل منها ونُطعم الفقراء، فلنتذكر هؤلاء المحاصرين في قطاع غزة وهؤلاء الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين منذ عقودٍ طويلةٍ، واللاجئين العراقيين العالقين على الحدود، والذين يتضورون جوعًا في سوريا وفي غيرها من البلاد، وهؤلاء الفقراء من بنجلاديش الذين شرَّدتهم الفيضانات وفرقتهم السيول، ولماذا لا نُقسِّم أضحياتنا بين هؤلاء وهؤلاء، خاصةً المسلمين من البلاد الغنية؟!؛ لأننا في مصر نجد أناسًا لا يذوقون اللحم إلا في عيد الأضحى أو يوم عرفة، وهم أصبحوا أغلبيةً بين المصريين حسب إحصائيات الفقر؛ لذلك أعرف أشخاصًا يقسِّمون صدقاتهم وزكاة أموالهم على شهور العام ولا ينفقونها في رمضان فقط، ويتفق بعضهم مع جزارٍ لتوزيع كوبونات على مستوري الحال من الفقراء؛ لتسلُّم نصيبهم من اللحم الطيب كبقية عباد الله في تلك الأيام المباركة دون منٍّ أو أذًى بعيدًا عن الأضحية الواجبة التي يتزاحم عليها الفقراء والمتسولون، فالأقربون أولى بالمعروف.

إن الفهم الشامل للإسلام دينٌ ودنيا، عقيدةٌ وعبادةٌ، شريعةٌ ومعاملاتٌ، أخلاقٌ وسلوكياتٌ، لا يقتصر فقط على الممارسة السياسية، ولكنه يتسع لكل صنوف الخير وأبواب البر حتى يدخل فيها حقوق الإنسان مع حقوق الحيوان.

إن المسلمين اليوم في أمسِّ الحاجة إلى الخروج من دائرة الاهتمام بالشكل والمظهر إلى الاهتمام بالجوهر والأصول؛ لأن الله- تعالى- لا ينظر إلى الصور والأشكال ولكنه ينظر إلى القلوب والأعمال، وإن الحرص على القشور يدل على التدين المغشوش كما علمنا إمامنا الغزالي- غفر الله له-، خاصةً إذا اقترن بترك الأساسيات والقواعد والأصول.

إن كلمة حقٍ عند سلطان جائرٍ يجهر بها نائب الشعب تحت قبة البرلمان من العمل الصالح، وإن معلومةً صحيحةً يقدمها صحفيٌّ حرٌّ؛ لينير بها طريق الناس من العمل الصالح، وإن إتقان كل عامل عمله، المدرس في مدرسته، والطبيب في مشفاه، والمهندس في مصنعه، والعامل في شركته.. إلخ من العمل الصالح.

وإن عكوف الباحث الجاد في معمله ليخترع أو يجد حلاًّ لمشكلةٍ تؤرق المجتمع، وسهره الليالي في هذا السبيل من العمل الصالح.

وإن مساعدة المحتاجين وطَرْق أبواب الفقراء للتخفيف عنهم وإعانتهم على مواجهة أعباء الحياة من العمل الصالح.

كما أن بر الوالدين وصلة الأرحام، وزيارة الجيران وتفقُّد الغائبين من صلاة الجماعة بالمسجد، وحضور الجماعات وتلاوة القرآن، وذكر الله وقيام الليل من العمل الصالح كذلك.

إن شروط قبول تلك الأعمال الصالحة واحدةٌ، وهي النية الخالصة لله- عز وجل-، فلا يشوبها رياءٌ ولا عُجْبٌ ولا سمعةٌ، وأن تكون مطابقة لشريعة الله- تعالى- وهدي رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم؛"فرُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلى السهر"، وكذلك رُبَّ نائبٍ أو صحفيٍّ أو سياسيٍّ ليس له من نشاطه إلا الاضطهاد والسجن والتشريد.

فلنصحح النية، ولنبتغي وجه الله- تعالى-، ولنلتزم هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم.

وكل عام وأنتم بخير.

المصدر