من أسرار القرآن: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى ﴾

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:٥٠، ١٥ نوفمبر ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من أسرار القرآن: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى ﴾

بقلم : دزغلول النجار

مقدمة

هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في أول سورة "النجم"، وهي سورة مكية، وآياتها ثنتان وستون "62" بعد البسملة، وفي ختامها سجدة من سجدات التلاوة، وهي أول سورة نزلت بها سجدة تلاوة "البخاري ومسلم" .

وقد سميت السورة بهذا الاسم "النجم" لاستهلالها بقسم من الله – تعالى- (بالنجم إذا هوى) والله – سبحانه وتعالى- غني عن القسم لعباده، ولكن إذا جاءت الآية القرآنية بصيغة القسم كان ذلك تنبيها لنا إلى أهمية الأمر المقسم به والمقسم عليه وجواب القسم.

ويدور المحور الرئيس لسورة "النجم" حول قضية العقيدة، شأنها في ذلك شأن كل السور المكية. هذا وقد سبق لنا استعراض سورة "النجم"، وما أوردته من ركائز كل من العقيدة والعبادة والسلوك والإشارات الكونية، ونركز هنا على وجه الإعجاز الإنبائي في الإخبار برحلة المعراج كما جاء في الآيتين اللتين اخترناهما عنوانا لهذا المقال.

من أوجه الإعجاز الإنبائي في الآيتين الكريمتين:

في العام العاشر من بعثة خير الأنام – صلى الله عليه وسلم- توفيت زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة – عليها رضوان الله- ثم توفي عمه أبو طالب، وأطمعت وفاتهما كلا من كفار ومشركي قريش في رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وفيمن آمن معه من المسلمين، فاشتدت وطأتهم على عباد الله الصالحين؛ مم اضطر رسول الله – عليه أفضل الصلاة وأزكى التسلم- إلى اللجوء إلى قبيلة ثقيف في مدينة الطائف، يلتمس النصرة منهم، ولكنهم أساءوا استقباله طوال عشرة أيام قضاها بينهم، وحينما قرر العودة إلى مكة سلطوا غلمانهم وسفهاءهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفين.

وأراد الله - تعالى- أن يعوض رسوله الكريم عن الشدائد التي لقيها من كل من كفار قريش وثقيف، فأكرمه برحلة الإسراء ثم بالمعراج الذي أشارت إليه الآيتان الكريمتان اللتان اتخذناهما عنوانا لهذا المقال، ثم فصلت أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الرحلتين.

فبعد أن صلى الرسول الخاتم ركعات في المسجد الأقصى ومعه جبريل - عليه السلام- ومن استقبلهما من الملائكة الكرام، عرج به – صلى الله عليه وسلم- عبر السماوات السبع حتى وصل إلى سدرة المنتهى التي رأى عندها جنة المأوى، وراح يصعد حتى وقف بين يدي الله – سبحانه وتعالى- وسجد النبي قائلا: "التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله" فقال الله – عز وجل-: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، وعلى الفور جاء تسبيح الملائكة قائلين: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" وقد جعلت هذه التحية بداية التشهد الذي يردده المسلمون في صلواتهم.

وفي هذا الموقف العظيم أمر الله - سبحانه وتعالى- خاتم أنبيائه ورسله – صلى الله عليه وسلم- بالصلاة المفروضة على عباده المسلمين: خمس صلوات في اليوم (بليله ونهاره) ولها أجر خمسين صلاة وهي: صلوات المغرب، والعشاء، ثم الفجر، والظهر، والعصر.

وقد رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في هذه الرحلة المباركة الكثير من آيات ربه، وكان منها اطلاعه على عظمة الكون، وضخامة بنائه، وانتظام حركته، وقدرة الله -تعالى- على طي المكان وإيقاف الزمان له، ورأى من أمور الغيب مالا يمكن لأهل الأرض أن يروه، فقد رأى كلا من الملائكة، وسابق الأنبياء والمرسلين الذين بعثهم الله – سبحانه وتعالى- ومكنه من التحدث إليهم ومن الاستماع إليهم، وأطلعه على نماذج من نعيم أهل الجنة في الجنة، ومن عذاب أهل النار في النار، وكان ذلك من الآيات الكبرى التي أطلع الله – سبحانه وتعالى- عليها خاتم أنبيائه ورسله – صلى الله عليه وسلم- فقال – عز من قائل-: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [ الإسراء: 1 ].

وقال – عز من قائل: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى ﴾ [النجم 13:18].

ورحلة الإسراء والمعراج تمثل أعظم معجزة أجراها الله – سبحانه وتعالى- لنبي من أنبيائه – عليهم السلام- فقد أطلع سيدنا محمدا بن عبد الله، هذا الرسول الخاتم على ملكوت السماوات والأرض في لا زمن، بعد أن طوى له المكان، وأوقف الزمان، وأطلعه على عدد من آيات الله الكبرى، فقد كان في هذه الرحلة المباركة تأكيد على وحدة رسالة السماء وعلى الأخوة بين الأنبياء وبين الناس جميعا، وذلك انطلاقا من الوحدانية المطلقة لله – تعالى- ومن تنزيهه عن جميع صفات خلقه، وعن كل وصف لا يليق بجلاله.

وكان في هذه المعجزة المباركة أيضا تأكيد على وحدة مكة المكرمة بالقدس الشريف، وعلى ارتباط الكعبة المشرفة بالمسجد الأقصى، وكان في إمامة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- لجميع الأنبياء تأكيد على عموم رسالته وخلودها، وعلى حقيقة إمامته، وسمو دعوته وشمولها لمصالح العباد والبلاد في كل زمان ومكان.

ولما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى مكة المكرمة بعد تلك الرحلة المباركة وجد فراشه لا تزال دافئة كما تركها؛ مما يؤكد أن الله – تعالى- الذي طوى له المكان قد أوقف له الزمان.

وفي صبيحة ليلة الإسراء والمعراج دعى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أهل مكة ليخبرهم بما أكرمه الله – تعالى- به من معجزات، وبعد أن اجتمع عليه القوم قال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: "إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد، وصليت به الغداة وأتيت فيما دون ذلك بيت المقدس، فنشر لي رهط من الأنبياء منهم: إبراهيم، وموسى، وعيسى، وصليت بهم وكلمتهم".

فقال عمرو ابن هشام كالمستهزئ به: صفهم لي، فقال – صلى الله عليه وسلم-: "أما عيسى، ففوق الربعة، ودون الطول، عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد أشعر تعلوه صهبة "أي بياض بحمرة"، كأنه عروة بن مسعود الثقفي، وأما موسى، فضخم آدم طوال، كأنه من رجال شنوءة، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، خارج اللثة، عابس، وأما إبراهيم، فوالله إنه لأشبه الناس بي، خلقا وخلقا".

فقالوا: يا محمد فصِفْ لنا بيت المقدس، قال: "دخلت ليلا وخرجت منه ليلا"، فأتاه جبريل بصورة من بيت المقدس في جناحه، فجعل يقول: باب منه كذا، في موضع كذا، وباب منه كذا، في موضع كذا".

ثم سألوه عن عيرهم، فقال لهم: "أتيت على عير بني فلان بالروحاء، قد أضلوا ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء فشربت فاسألوهم عن ذلك".

قالوا: هذه والإله آية. ثم أضاف – صلى الله عليه وسلم- قوله: " ثم انتهيت إلى عير بني فلان، فنفرت مني الإبل، وبرك منها جمل أحمر، عليه جوالق(وهى العدل الذي يوضع فيه المتاع) مخطط ببياض، لا أدري أكسر البعير، أم لا، فاسألوهم عن ذلك". قالوا: هذه والإله آية.

ثم أضاف – صلى الله عليه وسلم- قوله: "ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم، يقدمها جمل أورق (أي لونه أبيض وفيه سواد) وها هي تطلع عليكم من الثنية". فقال الوليد بن المغيرة: ساحر، فانطلقوا فنظروا، فوجدوا الأمر كما قال، فرموه بالسحر، وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال (المطالب العالية للحافظ بن حجر 4/ 201- 204).

فسعى الناس بالخبر إلى أبي بكر الصديق – رضي الله عنه- فقالوا: هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس. قال أبو بكر: أَوَقَال ذلك؟ قالوا نعم.

قال: لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: أوتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة؛ فلذلك سمي أبو بكر – رضي الله عنه- بالصديق(المستدرك للحاكم).

الدروس والعبر المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج:

إن الدروس والعبر المستفادة من معجزة الإسراء والمعراج عديدة نختار منها ما يلي:

1- إدراك جانب من قدرة الله التي لا تحدها حدود، ولا يقف في طريقها عائق.

2- التأكيد على وحدة رسالة السماء، وعلى الأخوة بين الأنبياء، وبين الناس جميعا، وهذا كله منطلق من وحدانية الخالق – سبحانه وتعالى- فوق جميع خلقه.

3- الإيمان بأن جميع رسالات السماء قد انطوت في القرآن الكريم وفي سنة خاتم المرسلين – صلى الله عليه وسلم- والتي نسخت جميع الرسالات التي أنزلت من قبلها.

4- التسليم بعبودية المخلوقات - وعلى رأسها الإنسان- لخالقها وبضرورة الخضوع لجلاله بالطاعة والعبادة، وفي مقدمة ذلك إقامة الصلاة، وهي العبادة الوحيدة التي فرضت من الله - تعالى- إلى خاتم أنبيائه ورسله – صلى الله عليه وسلم- مباشرة، بينما نقل جبريل – عليه السلام- الأوامر الإلهية بجميع العبادات الأخرى إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وهو على سطح الأرض، وفي ذلك من الاعتناء بفضل الصلاة وشرفها ما فيه.

5- التسليم بأن المعجزات خوارق للسنن، وبالتالي فإن العقل البشري لا يستطيع تفسيرها، فإذا جاء عنها خبر في كتاب الله أو في سنة رسول الله فعلى كل مؤمن التسليم بوقوعها، مع العلم بأن المعجزات الحسية هي حجة على من شاهدها من الناس.

6- الإيمان بأن الله - تعالى- فضل بعض الأماكن والأزمنة على بعض، كما فضل بعض النبيين والرسل والأشخاص العاديين على بعض، فجعل مكة المكرمة أشرف بقاع الأرض، يليها في الفضل مدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ثم يلي ذلك في الكرامة بيت المقدس الذي ندعو الله – تعالى- أن يعيننا على تطهيره من دنس الصهاينة المجرمين المعتدين عليه وعلى كافة أرض فلسطين والأراضي المجاورة لها.

7- التصديق بحتمية الفرج بعد الضيق، والرخاء بعد الشدة، وبأنه لا يجوز للشدائد أن تصد المسلم عن قوله الحق، وعن الجهاد في سبيل الله من أجل إعلاء دينه، ومن هنا وجب الثبات على الحق دون ملل أو يأس مهما كلف ذلك من تضحيات.

8- التسليم بوقوع معجزة الإسراء والمعراج بالجسد والروح معا، وفي حالة من اليقظة الكاملة، وهذا من طلاقة القدرة الإلهية المبدعة.

9- التسليم بأن معجزة الإسراء والمعراج جاءت تكريما لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- بعد المعاناة الطويلة التي عاناها من كفار ومشركي قريش وثقيف، وبعد تخلي أغلب أهل الأرض عنه، وتآمرهم عليه ومطاردتهم له، تأكيدا على أن حبل الله المتين لا ينقطع أبدا مهما انقطعت حبال الناس.

من هنا يتضح وجه الإعجاز الإنبائي في الآيتين القرآنيتين الكريمتين، اللتين اتخذناهما عنوانا لهذا المقال؛ لأنهما الإثبات القرآني الوحيد لوقوع هذه المعجزة الكبرى، وإن كانت أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قد فصلتهما، ولولا نزول هاتين الآيتين الكريمتين ما كان أمام الناس من دليل على وقوع معجزة المعراج، وهي أعظم من معجزة الإسراء بمراحل كثيرة، وهي معجزة لا يستطيع العقل البشري استيعابها لولا وجود الإشارة إليها في كل من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم- فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة القرآن، والحمد لله على بعثة خير الأنام – صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر