من المؤمني رجال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من المؤمنين رجال

بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف

مقدمة

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد:

فيا أيها الإخوة الأحباب:

في يوم الجمعة 16 من ذي القعدة 1424ه، الموافق 9 من يناير 2004م، وَدّع (الإخوان المسلمون)، وودعت الأمة العربية والإسلامية، رجلاً من خيرة رجالها، وعَلَمًا من أجلِّ أعلامها؛ هو فضيلة الأستاذ المستشار "محمد المأمون الهضيبي"- المرشد العام للإخوان المسلمين- بعد عمر حافل بالبذل والعطاء، والتضحية والفداء، فقد كان الراحل الكريم أمة في رجل، عِلمًا وعملاً، حركةً وجهادًا، صبرًا وثباتًا، همةً وعزمًا، يقظةً وانتباهًا.

ولقد صاحب الفقيد إلى مثواه الأخير- في مشهد مهيب وجمع فريد- عشرات الألوف من إخوانه وأحبابه وتلاميذه، وأبنائه وأحفاده من أبناء الدعوة، الذين جاءوا تحيةً ووفاءً لمن قاد مسيرتهم فترة من الزمن، وكان رمزًا للصلابة والصمود والشموخ والإباء، والحرص الشديد على الدعوة ورجالها، والدفاع عن قيم الإسلام ومبادئه، وتبني كافة القضايا الإسلامية، وعلى رأسها قضية فلسطين .. وكان- رحمه الله- من أشد المدافعين المتحمسين عن احترام القانون وأحكام القضاء، على اعتبار أنهما أساس أمن واستقرار الأمة، ومظهر حضارتها ورقيها.

رحم الله الأستاذ الهضيبي، ورحم مرشدينا السابقين، أصحاب الفضيلة: الإمام المجدد الشهيد "حسن البنا"، والإمام الفقيه الصابر المحتسب "حسن الهضيبي"، والإمام الملهم الرباني "عمر التلمساني"، والإمام الصابر المجاهد "محمد حامد أبو النصر، والإمام المربي- أمين هذه الدعوة- "مصطفى مشهور".

لقد أدى كل منهم دوره، وقام بمسئوليته خير قيام: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23)، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام وعن دعوتهم خير الجزاء، وألحقنا بهم في عليين.

أيها الإخوة الأحباب:

في هذه الأيام المباركة يتأهب المسلمون من كل أنحاء الدنيا لأداء فريضة الحج؛ استجابةً لدعوة أبي الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ (إبراهيم: 37)، ويهمنا في هذه المناسبة الجليلة أن نذكِّر أنفسنا بما تعنيه هذه الفريضة، فهي ترقى بنا فوق المادة والشهوات، وتشيع فينا روح الجماعة، وتزكي فينا روح التعاون على البر والتقوى، والبعد عن الإثم والعدوان، كما أنها تأخذ بأيدينا للإقبال على الآخرة، وتجعلنا في حالة انصياع كامل لأوامر الله تعالى، مع تدبر حكمتها ومقاصدها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وتؤكد لدينا أهمية الإخلاص والتجرد، وتُعوِّدنا على الضراعة إلى الله في خشوع وخضوع، وتوجهنا إلى التضحية والفداء، فما أحوجنا إلى التحلي بهذه القيم والمعاني، فهي الأساس الحقيقي للنهوض والتقدم والرقي.

أيها الإخوة الأحباب:

إن الأمة العربية والإسلامية تمر في هذه المرحلة بمنعطف خطير؛ حيث تواجه تحديات كبيرة، تستهدف عقيدتها وهويتها وأخلاقها، وأمنها وسلامتها، وخصوصيتها الثقافية، وميراثها الحضاري؛ إذْ يسعى المشروع الغربي إلى الربط بين الإسلام كعقيدة وشريعة، وبين العنف والإرهاب، وبالتالي يسوغ لنفسه المطالبة بإغلاق المدارس الدينية، وتنقية المناهج الإسلامية من مفردات ونصوص ومعانٍ يرى أنها لا تتفق مع مصالحه، وتغيير الخطاب الديني والثقافي حتى تتحول الشعوب العربية والإسلامية إلى مسخ تائه، لا تحدد لنفسها هدفًا، ولا تعرف لها غاية! كما يعمل المشروع الغربي على إشاعة ثقافة الاستسلام، والخلاعة والمجون، والترف والاستهلاك، والسطحية في التفكير، والاهتمام بسفاسف الأمور، والغوغائية في الحركة... إلخ؛ وهو ما يجب أن ننتبه له، وأن نستعد لمقاومته، والوقوف في مواجهته بكل السبل والوسائل المتاحة في كل المجالات والميادين.. ومن ثم:

- أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وأن نُقبل على الله تعالى بقلوب صادقة، ونفوس عامرة بالإيمان، وأن نجتهد في الطاعة والعبادة، وبخاصة قيام الليل.

- أن تثقوا في أنفسكم، وتضعوا في اعتباركم أنكم كأمة قادرة- بعون الله تعالى- على تخطي الصعاب، ومواجهة التحديات، وبلوغ الغايات، ورحم الله شوقي حين قال: وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا

فقط علينا أن نأخذ بأسباب النهضة والتي تتمثل في قوة الإرادة، وعلو الهمة، ودقة التخطيط، وسلامة الوسائل، ووضوح الهدف، ثم تفويض الأمر لله تعالى.

- وأن نتخلق بأخلاق الإسلام من بذل وتضحية وفداء، وإيثار وسماحة ولين... إلخ.

- وأن نهجر المعاصي والذنوب والآثام، ما ظهر منها وما بطن.

- وأن نعمل في مجتمعاتنا على إحياء ثقافة المقاومة في مواجهة الاستسلام، والجد في واجهة الهزل، والادخار في مواجهة الاستهلاك، والأمل في مواجهة اليأس، والإقدام في مواجهة الإحجام، والإيجابية في مواجهة السلبية، والأخلاق في مواجهة التحلل، والحفاظ على الهوية في مواجهة الذوبان في ثقافة الغير؛ حتى نستطيع أن نؤثر كما نتأثر.

- وأن نجتهد في تفعيل مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني، فهي القاطرة التي يمكن أن تشد وراءها الشعب كله، وذلك من أجل خلق رأي عام قوي وضاغط، يكون قادرًا على استرداد حقوقه في مواجهة الاستبداد من ناحية، وقادرًا أيضًا على مقاومة التحديات الكبرى؛ محلية، أو إقليمية، أو عالمية من ناحية أخرى.

- أن تتمسك الأمة بحقوقها ضد الاستبداد والطغيان، وأن نعطي اهتمامًا خاصًّا بملف الحريات العامة؛ حرية الرأي، وحرية الاعتقاد، وحرية التنظيم، وحرية التعبير، ونزاهة الانتخابات؛ لأنه لن يستطيع أي مجتمع أن ينطلق وهو مكبل بالأغلال.

أيها الإخوة الأحباب:

إن الحكام والأنظمة العربية والإسلامية عليها مسئوليات ضخمة، يجب أن تضطلع بها تجاه أوطانها وشعوبها، وعلينا نحن أن نذكرهم بها دائمًا، فالعمل على اتخاذ كافة الإجراءات للنهوض بالمجتمعات يجب أن يكون من صميم اهتماماتها، وعلى قمة أولوياتها، وهذا يستلزم إيجاد قواعد علمية وتقنية عالية حتى نتمكن من اللحاق بالعصر، خاصة أننا في عالم لا يعترف بغير القوة في كافة الميادين العسكرية والاقتصادية، والتقنية، والإعلامية... إلخ.

نحن أيضًا في عالم يسعى لتكوين كيانات كبيرة؛ إذ لا مكان فيه لكيانات هشة صغيرة؛ لذا من الضروري أن يعمل الحكام على إزالة المعوقات التي تحول دون التكامل الاستراتيجي والاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية، تمامًا مثلما فعلوا بالنسبة للتكامل الأمني والإعلامي، ولتبدأ هذه الأنظمة بإجراء إصلاحات سياسية حقيقية، تؤدي إلى مشاركة الشعوب في صنع حاضرها ومستقبلها وتقرير مصيرها..

إن لدى الأمة إمكانات هائلة تحتاج إلى من يعيد اكتشافها وتوجيهها وتوظيفها بما يعود عليها بالنفع، ويوم أن يشعر المواطن بأن له قيمة في وطنه، وأن حقه مصان، وأن كرامته محفوظة، فسوف تتفجر طاقات الإبداع لديه، وسوف يشارك بإيجابية في صنع الحياة.

أيها الإخوة الأحباب:

إن إخواننا في فلسطين يعانون من حصار الجوع والموت، الذي يمارسه الكيان الصهيوني- بدعم كامل من الإدارة الأمريكية- الذي لا يكف عن القيام بأعمال الاغتيال والتصفية والإبادة، فضلاً عن الجرائم والمجازر الوحشية، التي تُرتكب في حق الشعب الفلسطيني، ناهيك عن هدم المنازل وتجريف الأراضي، وإقامة المستوطنات العنصرية بما في ذلك الاستمرار في بناء الجدار العازل، ومن ثم فإنه من العار أن نقف- أنظمة وشعوبًا- أمام ما يحدث في فلسطين بهذا الصمت المزري، والتراجع المهين..

نعم، إن الشعب في فلسطين لا يزال يقاوم، ولم ولن تنكسر إرادته- بإذن الله- لكنه يستلزم منّا- كحكومات أولاً وشعوب ثانيًا- أن نقف إلى جواره، وأن نمده بكل وسائل الدعم المادي والمعنوي.. هذا الشعب البطل لا يدافع عن أرضه وماله ومقدساته و المسجد الأقصى الأسير فقط، لكنه يدافع عن كرامة الأمة وشرفها.. إن سلاح المقاطعة لبضاعة العدو الصهيوني، وبضاعة كل من يدعمه ويؤيده ويسانده، هو أضعف الإيمان، فتحيةً لهذا الشعب الأبي، وكلمة نوجهها لفصائل المقاومة التي تذود عن الحمى: عليكم بالمحافظة على وحدة الصف، وتجنب النزاعات الأهلية، وألا تلقوا بأسلحتكم؛ فهي الضمانة الأكيدة في مواجهة عدوٍ لا يعرف ولا يفهم غير لغة القوة.

الإخوة الأحباب:

إن المشروع الأمريكي لم يعد يخفي نواياه تجاه المنطقة كلها، فقد أقام قواعد عسكرية دائمة فيها، واحتل أفغانستان والعراق، وسيطر على أكبر مخزون للنفط العالمي، وهاهو ذا يقوم بنهب وسلب خيرات الأمة وثرواتها، وهاهو ذا يهدد ويلوح بضرب سوريا وإيران- بعد أن استسلمت له ليبيا- وأي دولة أخرى لا تذعن لمطالبه..

إن المشروع الأمريكي يُعِدُّ العدة لتفكيك المنطقة، وإعادة تشكلها من جديد على نحوٍ يحقق مصالحه وأهدافه، والأنظمة العربية والإسلامية غير مدركة لما يحيق بها، أو كأن الأمر لا يعنيها، أو تنظر إليه وهي عاجزة عن فعل شيء، وكأن عليها أن تنتظر وأن تقبل في صمت ما يُفعل بها!.

إن الأمل- بعد الله تعالى- في الشعوب، وإذا لم تنهض في الوقت المناسب، فسوف تقع الكارثة، لا قدر الله.. لقد سقطت بغداد، ومن الممكن أن تسقط عواصم أخرى؛ فماذا نحن فاعلون اليوم قبل الغد؟ فـ﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ (الروم: 4).

الإخوة الأحباب، وراء الأسوار:

تحيةً لكم من قلوب مفعمة بالحب نحوكم، راجيةً من الله- عز وجل- أن يربط على قلوبكم، ويثبت أقدامكم، وأن يُفرِّج عنكم، وأن يعيدكم إلى أهليكم وأولادكم غانمين سالمين، وأن يجزيكم عنا وعن دعوتكم خير الجزاء.. إنه نعم المولى، ونعم النصير،

وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.