من قصص البطولة والفداء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من قصص البطولة والفداء
عائلة الشهيد القائد إسماعيل أبو شنب : تفتقد الأب الحنون في رمضان
إسماعيل أبو شنب.jpg


صحيفة القدس الفلسطينية 21/11/2003 :

لا يملك المرء إلا أن يبكي من شدة التأثّر ، حينما يبصر الطفلة مسك ابنة العامين التي حرمها الاحتلال الصهيوني حضن والدها المهندس إسماعيل أبو شنب الذي اغتالته طائرات الأباتشي بقصف سيارته ، كلما سمعت رنين الهاتف تجري إليه مسرعة و تقول : "بابا .. بابا .. ردّوا على التلفون .. بابا على التلفون" ، إذ لا تستطيع بعقلها البريء أن تدرك بعد أن الشهيد لا يمكن أن يعود أو يتصل بالهاتف ، و هي لا زالت تنتظر عودة والدها الذي تأخّر عليها هذه المرة .

هكذا وصفت زوجة الشهيد إسماعيل أبو شنب أم الحسن حال صغرى بناتها ، و قالت : "كانت مسك متعلّقة بوالدها جداً و بشكلٍ غير عادي ، فقد كان - رحمه الله - يعطيها حقّ طفولتها و لم يكن يخجله أبداً أن يحملها و يقبّلها و يخرج ليشتري لها حلواها المفضّلة و لو ليلاً ، اعتادت دوماً أن تنام في حضنه ، لكنها اليوم لا تجده بيننا" .

الطفلة مسك صاحبة العيون الجميلة البريئة و التي تحمِل قسمات وجهها أجمل معاني الطفولة ، كلما سألت عن والدها تجيب أنه في الجنة الآن ظانّة أنه في زيارة سيعود منها ، الطفلة حديثة العهد بالكلام تتحدّث بكلمات متكسّرة جداً فتقول : "إن الطائرات قصفت سيارة والدها بالصواريخ ، لكنها لا تدرك معنى ذلك" .

تقول أمها : "إن مسك أكثر من يفتقده في المنزل نظراً لصغر سنّها و عطفه عليها و اعتيادها أن تجري بمجرد وصوله ليحملها و يقبّلها ، بالأمس فقط رأته في منامها بنفس المشهد حيث حلمت أنها تجري إليه مسرعة و استقبلها بضحكاته ثم حملها و قبّلها و قال لها (لا تغلبي ماما)" .

ثم بثّت بعض الدفء و الشوق في حديثها و هي تقول : "كلنا في البيت نفتقده و كلما مرّت الأيام أكثر نفتقده أكثر ، خاصة و نحن الآن في رمضان ، لقد مرّ علينا أول أيام الشهر الفضيل صعبة قاسية ، فهو أول رمضان نقضيه بدونه ، لكننا آثرنا تذكّره بالخير و الرحمة و إعداد الطعام الذي كان يحبّه و حاولنا أن نتصرّف و كأنه موجود بيننا" .

و تابعت : "اعتاد - رحمه الله - زيارة الأرحام خاصة في رمضان ، و في هذا العام قام ابني حمزة (19عاماً) و شقيقتاه الكبريان بزيارة الأرحام على درب والدهما ، نسأل الله أن يتابعوا دربه طيلة حياتهم" .

و أضافت و قد لاح على وجهها ظلّ ابتسامة : "لقد قضى العام الأخير من حياته في تجهيز منزلنا الجديد هذا و أبدى في الأيام الأخيرة استعجالاً غير عاديّ للسكن فيه حتى قبل أن يجهّز أثاثه ، لكنه لم يسكنه سوى أسبوع واحد ، و استشهد بعدها ، أسأل الله أن يتغمّده بواسع رحمته" .

أم الحسن بدت بابتسامتها الهادئة التي لم تفارق وجهها طوال الحديث معها نموذجاً للمرأة الفلسطينية الصابرة المرابطة ، أمّ لثمانية أبناء أكبرهم يدرس الماجستير في الهندسة في جامعات الولايات المتحدة ، تحدّثت عن زوجها فقالت بشوق و هي تستعيد ذكرياتها : "كان - رحمه الله - نموذجاً يحتذى ، فمنذ بداية زواجنا جمعتنا المودة و الرحمة ، كلانا كان يعي دوره جيّداً و يؤدّيه على أكمل وجه ، و كنا نتشاور في كلّ صغيرة و كبيرة و نتبادل الآراء في كلّ الأمور" .

ثم ابتسمت بشوقٍ و تابعت : "حتى مع أبنائه كان صديقاً ناصحاً للكبار ، حنوناً عطوفاً على الصغار ، و قد كان بطبعه - رحمه الله - يعشق الأطفال بشكلٍ غير عادي ، و كان يستمع إلى آراء أبنائه في كلّ ما يتعلّق بشؤون البيت و حين يكون رأيه مختلفاً كان يسعى لإقناعهم و دوماً كان أبناؤه في النهاية يقتنعون برأيه" .

ثم بدأ التأثّر على قسمات وجهها و خفّت ابتسامتها و هي تقول : "لطالما قام بدور من يحلّ مشاكل العائلة و يمثّلها في أفراحها و أحزانها ، لقد ترك فراغاً كبيراً في العائلة و داخل بيته خصوصاً" ، ذبلت ابتسامة أم الحسن أكثر فأكثر و هي تتابع : "لا زلت أفتقد شريك العمر حتى اليوم ، أشعر أن حياتي كلّها انقلبت ، ليس سهلاً عليّ أبداً اعتياد نموذج آخر من الحياة ، لقد كنت أوقظه من نومه كلّ صباح ، أحضّر له ملابسه و طعام إفطاره ، كنت أصل معه حتى باب المنزل عند خروجه" ، لكنها استدركت : "تمنى الشهادة طيلة حياته و نالها ، نسأل الله أن يتقبله فيمن عنده من الشهداء" .

و تابعت بلهجة حازمة : "رغم ذلك إلا أنني مطالبة بإظهار القوة و الصبر أمام أبنائي فجميعهم يفتقده لكن الأم هي مصدر قوة الأبناء لو انهارت سينهار الأبناء جميعهم" .

ثم بدأت تستذكر الماضي القريب قبيل استشهاده فقالت : "منذ قصف الاحتلال سيارة الدكتور إبراهيم المقادمة شعرت بخوف شديد عليه و قد صرّحت له بذلك فسعى إلى طمأنتي و قال (ليس لهم بي حاجة)" ... و عقّبت : "ربما كان يدرك في قرارة نفسه ، أنه ضمن المطلوبين لكنه لم يكن يرغب في أن نعيش بخوفٍ خاصة و قد كانت لديه قناعة أن الأعمار بيد الله و أن الشهادة شرف لا يعادلها شرف" .

و تابعت و قد اختفت ابتسامتها : "نفتقده كثيراً كثيراً ، يومياً نذكر اسمه مراراً ، لا نجلس إلا في المكان الذي كنا نجتمع فيه مع أبنائنا ، و أركّز على إعداد المأكولات التي كان يحبّها و كأنه سيأتي ليشاركنا كلّ أمور حياتنا ، حتى طفلتاي الصغيرتان لا تنامان إلا بعد أن أحكي لهما قصة عن والدهما و كأنها حكاية قبل النوم التي يطرب الأطفال بسماعها" .

المصدر

قالب:روابط إسماعيل أبو شنب