مهداة إلى رئيس الوزراء .. منطق بدر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
مهداة إلى رئيس الوزراء .. منطق بدر


بقلم / الأستاذ صالح عشماوي

الأستاذ صالح عشماوي

احتفل الإخوان المسلمون أمس بذكرى غزوة بدر الكبرى، ويوم بدر، وما تم فيه من وقائع، وما تبعه من آثار ونتائج، من أمجد صفحات التاريخ الإسلامي، وسيظل يتردد صداه في نفوس أصحاب الدعوات المكافحة يحتفلون به ويستوحون معاني القوة واليقين، وسوف يبقى له – كأول اصطدام بين جند الرحمن وأولياء الشيطان – رنين تهفوا له المشاعر، وتحن له القلوب.

ولا تستمد موقعة بدر روعتها من عدد الجيوش التي اشتركت في ميدانها، ولا في عدد الأسلحة الفتاكة التي استخدمت فيها.. فلم يكن لها من ذلك حظ موفور أو نصيب كبير وإنما برزت موقعة بدر ساطعة لامعة، وبقيت ذكراها على ممر الأيام والسنين لأنها كانت الفيصل بين عهدين، عهد الذلة وعهد الكرامة، كما كانت نقطة التحول في تاريخ الدعوة الإسلامية من الجهاد السلبي إلى الجهاد الإيجابي.

قبل بدر كان النصر أملا ينتظره المسلمون، فأصبح بعد بدر حقيقة واقعة، وكانت المبادئ الإسلامية قبل بدر دعوة فأصبحت تسود وتسيطر وترد كيد المعتدين.

ولغزوة بدر عبر وعظات ولكني أكتفي بواحدة منها أراها أكثر انطباقا على ما يمر بنا من أحداث في هذه الفترة العصيبة لقد ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر بالإسلام ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويضرب المشركين بالحكم البالغة ويلجمهم بالبرهان، فما سمع له ولا أنصت إليه إلا المنصفون من أصحاب العقول والأفهام، ولكن لم يشعر به أحد من عبيد المال والشهوة والسلطان.

ولو بقي الرسول ومن آمن بدعوته في مكة لبقيت الحال هي الحال، ولكنه هاجر ومن معه إلى المدينة، وكون دولة وأقام حكومة وجند جيشًا ثم التقى وأنصاره بالكافرين في يوم بدر ورفع المسلمون سيوفهم، وكلموا قريش بمنطق القوة ولغة السلاح ففهم الكافرون هذه اللغة، وأقنعهم هذا المنطق سواء من كان منهم ذكيًا أو غبيًا، ومن اسود قلبه أو كان بريئًا نقيًا.

وهكذا كان منطق بدر مقنعًا للذين لم يقنعهم منطق القرآن ولغة الدليل والبرهان.

واليوم تمثل على مسرح السياسة المصرية مهزلة المباحثات وما أظن أحدًا يجهل فصولها وما أظن أحدًا من المصريين لم يقتنع بخداع الإنجليز، وسوء نيتهم، وتسويفهم كسبًا للوقت وهل أدل على ذلك من هذا الركود الذي خيم على القضايا الوطنية؟ وهل هناك تجاهل لحقوقنا واستهتار بشعورنا أكثر من سفر السفير البريطاني إلى بلاده ليقضي أجازة وأجازة طويلة على شواطئ فرنسا أو في ربوع الريف الإنجليزي؟ وهل هناك استخفاف بعقولنا أكثر من أن يطلب إيدن وزير خارجيتهم سعادة عمرو باشا ليبلغه "أن بريطانيا تفضل تأجيل ردها على مطالب مصر إلى أن تطلع لندن اطلاعًا كاملا على المحادثات التي دارت في الإسكندرية مع الوفد السوداني"؟.

لقد قيل أكثر من مرة أن صبر الهلالي باشا قد نفد، وأنه يرفض السير في طريق المباحثات ولكننا لم نسمع بعد ذلك شيئًا ولم نر غير الركود ضاربًا أطنابه ولم يقطع هذا السكوت إلا الاعتذار للوزارة عن ضعف الإنتاج بقصر الوقت وكثرة العقبات، وبجانب هذا الاعتذار بشرى أن الوزارة تعد برنامجًا شاملا للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي!.

يا سبحان الله، هل انتهينا من قضية التحرير ولم تبق إلا قضية الإصلاح الداخلي؟ أم أن الوزارة تضن بمجرد وعد يبعثها من مرقدها كما تضن إنجلترا بوعد بالجلاء؟.

يا دولة الرئيس لقد جربت مع الإنجليز منطق الحجة، ولغة الدليل والبرهان شهورًا فلم تنجح، فهل لك اليوم ، ونحن نحتفل بذكرى بدر ونستخلص منها العبر، أن تحاول إقناع الإنجليز بمنطق بدر؟!

أؤكد لدولتك إن جربت هذا المنطق – وقد جربه غيرك من قبل – فلن تصادف هذا "الدلال" البريطاني، ولن تلقى هذا "البرود" الإنجليزي، وسيقطع السفير البريطاني أجازته ليعود إليك طائرًا، وسيستدعي إيدن عمرو باشا ليبلغه شيئًا آخر غير تأجيل رد بريطانيا إلى أجل غير مسمى.

يا دولة الرئيس : توكل على الله، وجرب منطق بدر فسينصرك الذي نصر أبطال بدر، "وكان حقًا علينا نصر المؤمنين"..


المصدر : مجلة الدعوة – العدد (69) – الثلاثاء 17رمضان سنة 1371هـ / 10يونيه سنة 1952م.