موقف الإخوان من الوطنية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٠٠، ٢٠ أبريل ٢٠١٦ بواسطة Sherifmounir (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
موقف الإخوان من الوطنية


• الوطنية ذات مضمون إسلامي وحلقة في سلسلة النهضة وضمن دوائر ثلاث متكاملة.

• الوطنية الصحيحة تربي الشعور بالانتماء للوطن والرغبة في التحرر من المحتل.

• (الإخوان) يرفضون وطنية الحزبية، والمحدودة بحدود الوطن والمصطبغة بالفرعونية.

مقدمة

في مقدمة الأفكار التغريبية التي تحاول أن تغزو مجتمعاتنا الإسلامية- منذ أن ضعفت الدولة الإسلامية في القرنَين السابع والثامن عشر الميلادي وما تلاهما من الهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي- تأتي فكرة الوطنية القُطرية والقومية في مواجهة الوحدة الإسلامية، وفكرة العِلمانية، وفصل الدين عن الدولة؛ بديلاً لشمولية الإسلام والخلافة الإسلامية، وقد بلغت هذه الأفكار ذروتها في بداية القرن العشرين، وحمل لواءها في حينها الدكتور "طه حسين"، و"أحمد لطفي السيد"، و"هدى شعراوي"، والشيخ "علي عبد الرازق"، بينما وقف في مواجهتهم "جمال الدين الأفغاني"، و"محمد عبده"، و"محمد رشيد رضا"، و"محب الدين الخطيب"، و"أنور الجندي"، إضافةً إلى (جماعة الإخوان المسلمين) في الدعوة إلى الفكرة الإسلامية.

وفي هذا الإطار نعرِض موقف (الإخوان) من هذه الأفكار كلها منذ قيام الجماعة وحتى الآن، وتتلخَّص رؤيتهم للوطنية في أن أساسها العقيدة الإسلامية، فقد جعل الإسلام الشعور الوطني بالعقيدة لابالعصبية الجنسية، وحدد هدفه بالعمل للخير من أجل البشر، وهكذا فإن الاعتبار عند الإخوان للعقيدة أولاً، بينما هي عند غيرهم ترتبط بالحدود الجغرافية.

ولا تقتصر حدود الوطن- الذي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره- على حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء، كما يرى الإخوان، بل إن الوطن يشمل القُطر الخاص أولاً، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى، والأقطار التي فتحها المسلمون الأولون ثم أُخضعت لغير المسلمين، ثم يمتدُّ وطن المسلم ليشمل الدنيا جميعًا، ومن ثمَّ يوفِّق الإسلام بين شعور الوطنية الخاصة وشعور الوطنية العامة.

1- موقف (الإخوان المسلمين) من الدعوات المختلفة

حتى نفهم موقف الإخوان من الأفكار التي تُثار بين الحين والآخر يجب أن نقف أولاً مع مؤسس الجماعة ومرشدها الأول الإمام "حسن البنا"- يرحمه الله- في تعريف دعوته للناس، وذلك حتى يتَّضح ميزان الإخوان للأفكار والدعوات المثارة، إذ يقول في رسالة (دعوتنا) تحت عنوان (إسلامنا):

"اسمع يا أخي، دعوتنا دعوة أجمع ما توصف أنها "إسلامية"، ولهذه الكلمة معنى واسع غير ذلك المعنى الضيق الذي يفهمه الناس، فإننا نعتقد أن الإسلام معنى شامل ينظم شئون الحياة جميعًا، ويفتي في كل شأن منها،

ويضع له نظامًا محكمًا دقيقًا، ولا يقف مكتومًا أمام المشكلات الحيوية والنُّظُم التي لابُدَّ منها لإصلاح الناس، فهِم بعض الناس خطأً أن الإسلام مقصورٌ على دروب من العبادات أو أوضاعٍ من الروحانية، وحصروا أنفسهم وأفهامهم في هذه الدوائر الضيقة من دوائر الفهم المحصورة، ولكنا نفهم الإسلام على غير هذا الوجه فهمًا فسيحًا واسعًا ينتظم شئون الدنيا والآخرة، ولسنا ندَّعي ادِّعاءً، أو نتوسع فيه من أنفسنا، وإنما هو ما فهِمناه من كتاب الله وسيرة المسلمين الأولين، فإن شاء القارئ أن يفهم دعوة الإخوان بشيء أوسع من كلمة "إسلامية" فليمسك بمصحفه، وليجرد نفسه من الهوى والغاية، ثم يتفهم ما عليه القرآن، فسيرى في ذلك دعوة الإخوان"، ثم يعرض موقف (الإخوان) من الدعوات المختلفة المُثَارة فيقول: "وموقفنا من الدعوات المختلفة التي طَغَت في هذا العصر- ففرقت القلوب، وبلبلت الأفكار- أن نزِنَها بميزان دعوتنا، فما وافقها فمرحبًا به، وما خالفها فنحن براءٌ منه، ونحن مؤمنون بأن دعوتنا عامَّة محيطة، لا تغادر جزءًا صالحًا من أي دعوة إلا ألمَّت به، وأشارت إليه".

ومنذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهرت ثلاث دعوات متصارعة ومختلفة هي الوطنية القُطرية، والقومية العربية، والوحدة الإسلامية كل منها ينكر الأخرى وترى أنها السبيل للنهضة والتقدم.

ولكن الإخوان بميزانهم الدعوي كانت لهم نظرة أُخرى؛ حيث يرون أن هذه دوائر ثلاث يكمل بعضها بعضًا؛ لأن الخاص لا يناقض العام، والجزئي لا يناقض الكلي، فهي تتكامل ولا تتعارض، والمسلم مطالَب بأن يعمل لها جميعًا إن أمكن ذلك، فإن لم يمكن بدأ العمل لوطنه ووحدته وتقدمه أولاً ثم لقومه من العرب ثانيًا، ثم لأمته الإسلامية ثالثًا.

وسوف نعرض موقف الإخوان من هذه الدوائر الثلاث:

أولاً: موقف الإخوان من الوطنية

يُرجع الإمام "البنا" الاهتمام بالوطنية- كانتماء سياسي- إلى شعور الشعوب الشرقية بإساءة الغرب إليها إساءةً نالت من عِزّتها واستقلالها، وإلى تألُّمها من الاحتلال الغربي الذي يُفرَض عليها فرضًا، فهي تُحاول الخلاص منه بكل ما في وسعها من قوة، فانطلقت ألسُن الزعماء، وسالت أنهار الصحف، وكتب الكاتبون، وخطب الخطباء، وهتف الهاتفون باسم الوطنية وجلال القومية، وذلك كدافع ورد فعل، ويرى أن هذا حسن وجميل.

ويوضح الشيخ "محمد الغزالي" أنه عندما فسد الحكم في ظل خلافة مريضة جاهلية، وامتداد مخالب أوروبا إلى جسم الوطن الإسلامي تنهشه نهشًا... قامت دعوات شتى تنزع إلى إصلاح ما فسد، مثل دعوة الأفغاني، ثم خلا الجو لدعوات قومية مُفرَغة من الدين.

فالإخوان ينظرون إلى الوطنية عامة- في مصر والدول العربية- على أنها سلاح مقاومة ضد الغزو الغربي والتخلف الذي كان قائمًا، إلا أن الوطنية لها مفهومها الخاص عند (الإخوان)، فالإمام"البنا" قد انتقد رأيًا لبعض المؤمنين بالوطنية، كما هي عند الغربيين، يزعم أن الإسلام في ناحية وهذه الفكرة في ناحية أخرى، ويزعم أن إدخال الإسلام في هذا الأمر إضعاف وتفرقة للوحدة الوطنية، ومن ثم ناقش الإمام "البنا" هذا المفهوم، محددًا موقف الإخوان منه، وقد بين الإمام "البنا" منهج تناوله له بأنه يزنها بميزان دعوته "الإسلام"، فما وافقها قَبِله وما خالفها رفضه، فالعبرة بالمضمون وليس بالأسماء.

مفهوم الوطنية عند (الإخوان)

يحلِّل مرشدُ (الإخوان) الأول الوطنيةَ إلى معانٍ عدة، ويبين موقف جماعته من كل معنى:

وطنية الحنين

يقول: "إن كان دعاةُ الوطنية يريدون بها حبَّ هذه الأرض وأُلفتَها والحنينَ إليها والانعطافَ نحوها..، فذلك أمرٌ مركوزٌ في فطرة النفوس من جِهَة، ومأمورٌ به في الإسلام من جهةٍ أخرى، وإن بلالاً، الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته ودينه، هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى مكة في أبيات تسيل رقَّةً وتقطر حلاوةً:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً بواد وحول إذخر وجليل

وهل أردن يومًا مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل

ولقد سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصف مكة من "أصيل" فجرى دمعه حنينًا إليها، وقال: "يا أصيل دع القلوب تقرّ"، ومعنى ذلك أن الإمام "البنا" قد أكد أنه إذا أراد دعاةُ الوطنية بها حب الأوطان والحنين إليها فـ(الإخوان) هم أكثر الناس وطنيةً؛ لأن دينَنا الحنيفَ يحثُّ على ذلك.

وطنية الحرية والعزة

ويشير الإمام "البنا" إلى أنه إن كان يُراد بالوطنية العملُ بكل جهد لتحرير البلاد من الغاصبين، واستقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه... فنحن معهم في ذلك أيضًا، وقد شدَّد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (المنافقون: 8)، ويقول: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ (النساء:141).

وطنية المجتمع

ويضيف: إن أريد بالوطنية تقوية الرابطة بين أبناء القُطر الواحد وإرشادُهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم فذلك نوافقهم فيه أيضًا، ويراه الإسلام فريضةً لازمة، فيقول نبيه- صلى الله عليه وسلم- "كونوا عباد الله إخوانًا"، ويقول القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (آل عمران: 118).

وطنية الفتح

وواصل: إن كانوا يريدون بالوطنية فتحَ البلاد أو سيادة الأرض فقد فرض ذلك الإسلام ووجَّه الفاتحين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح، فذلك قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾ (الأنفال: 39)، فموقف الإخوان واضح من كل تلك المعاني للوطنية وهم ينادون بها من أجل نهضة بلادهم كل في قطره، فإخوان مصر ينادون بها من أجل نهضة مصر، وإخوان الأردن ينادون بها لرفعة الأردن، وهكذا في كل الأقطار؛ لأنها يقرها الإسلام.

ومن شأن هذا الفهم أن يربي شعور الانتماء الوطني الصحيح والإحساس بالمسئولية تجاه الوطن، والرغبة في العمل والتحرر من المحتل، فالعلاقة بين الوطنية والإسلام- بهذا المعنى السابق- لا تناقُض بينهما.

الوطنية المرفوضة

لكن هناك نوعًا من الوطنية يرفضه الإمام "البنا"، وهي وطنية الحزبية التي يراد بها تقسيم الأمة إلى طوائف متناحرة، فيشير إلى أنه إن كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف متناحرة وتتضاغن، وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم، ويكيد بعضها لبعض، وتتشيع لمناهج وضعية أَملَتها الأهواء، وشكَلتها الغايات والأغراض، وفسَّرتها الأفهام وِفْق المصالح الشخصية، والعدو يستغلّ كل ذلك لمصلحته، ويزيد وقود هذه النار اشتعالاً، يفرّقهم في الحق ويجمّعهم على الباطل، ويحرم عليهم الاتصال بعضهم ببعض وتعاون بعضهم مع بعض، ويحل لهم هذه الصلة به والالتفات حوله فلا يقصدون إلا داره، ولا يجتمعون إلا زواره، فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس، فهي وطنية مجزوءَة ومتنافية مع الإسلام.

حدود وطنيتنا

يوضح الإمام "البنا" وجه الخلاف بين الوطنية، كما يفهَمها "الإخوان" ودعاة الوطنية المجردة، فيأتي في مقدمة أوجه الخلاف أن أساس وطنية المسلمين هي العقيدة الإسلامية، والإسلام قد جعل الشعور الوطني بالعقيدة لا بالعصبية الجنسية، وقد حدد هدفه بالعمل للخير من أجل البشر، فالاعتبار عند الإخوان للعقيدة أولاً، بينما هي عند غيرهم ترتبط بالحدود الجغرافية.

ولذلك فحدود الوطن- التي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره- لا تقتصر على حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء، بل إن الوطن يشمل القُطر الخاص أولاً، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى، والأقطار التي فتحها المسلمون الأولون، ثم أُخضعت لغير المسلمين، ثم يمتد وطن المسلم ليشمل الدنيا جميعًا، ومن ثمَّ يوفق الإسلام- كما يرى الإمام البنا- بين شعور الوطنية الخاصة وشعور الوطنية العامة.

الوطنية المصرية وموقف (الإخوان) منها

من قديمٍ رد الإمام "البنا" على الذين يغمزون (الإخوان) في وطنيتهم، بحسبانهم أن العمل للفكرة الإسلامية، والأمة الإسلامية يُنافي الوطنية والعمل لخدمة الوطن ورفعته، وقد كان واضحًا في ذلك كل الوضوح- كما يقول الدكتور "القرضاوي" في كتابه (الإخوان المسلمون70 عامًا في الدعوة والتربية)-: "كان البنا معبّرًا أبلغ التعبير حين قال في "تنظير" حب الوطن والتفاني في خدمته، والتأصيل الشرعي لذلك والتدليل عليه من الوجهة الإسلامية،

فيقول- يرحمه الله- في رسالة المؤتمر الخامس: "إن الإسلام قد فرضها فريضةً لازمة لا مناص فيها: أن يعمل كل إنسان لخير بلده، وأن يتفانى في خدمته، وأن يقدِّم أكثر ما يستطيع من الخير للأمة التي يعيش فيها، وأن يقدم في ذلك الأقرب فالأقرب، رحِمًا وجِوارًا، حتى إنه لم يُجِز أن تُنقَل الزكوات أبعد من مسافة القصر- إلا لضرورة- إيثارًا للأقربين بالمعروف، فكل مسلم عليه أن يسد الثغرة التي هو عليها، وأن يخدم الوطن الذي نشأ فيه، ومن هنا كان المسلم أعمقَ الناسِ وطنيةً، وأعظمهم نفعًا لمواطنيه؛ لأن ذلك مفروض عليه من رب العالمين، وكان الإخوان المسلمون بالتالي أشدَّ الناس حرصًا على خير وطنهم، وتفانيًا في خدمة قومهم، وهم ينتمون لهذه البلاد العزيزة المجيدة، كلُّ عزة ومجد، وكل تقدُّم ورُقِيّ، وكل فلاح ونجاح، وقد انتهت إليها رئاسة الأمم الإسلامية، بحكم ظروف كثيرة تضافرت على هذا الوضع الكريم، وإن حب المدينة لم يمنع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يحنَّ لمكة، وأن يقول لـ"أصيل"- وقد أخذ يصفها-: "يا أصيل دع القلوب تقرّ".

وفي رسالة (نحو النور) يذكر الإمام "البنا" أن الأمة في حالة نهوضها- وهذا شأن مصر كما قرر- تحتاج إلى الاعتزاز بقوميتها، وطبْع ذلك في نفوس الأبناء؛ ليعطوا الخير للوطن وإعزازه، وإنَّ هذا الشعور قد كفله الإسلام.

وفي رسالة (إلى الشباب) ذكر أنهم يعملون لوطن مثل مصر، ويجاهدون في سبيله، ويفنون في هذا الجهاد؛ لأن مصر من أرض الإسلام وزعيمة أممه، إلاَّ أنهم لا يقِفون عند حدودها، وبلَغ من وطنية (الإخوان) اعتقادهم أن التفريط في أي شبر أرض يقطنه مسلم جريمةٌ لا تُغتفر حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته، ولا نجاةَ لهم من الله إلا بهذا.

وفي رسالة (دعوتنا في طور جديد) يُذكر أن الوطنية المصرية لها مكانتها ومنزلتها وحقها في النضال في دعوتهم، ويقول: "إننا مصريون؛ لأننا نشأنا في هذه البقعة المباركة، ومصر بلد مؤمن تلقَّى الإسلام تلقيًا كريمًا، وقد انتهت إليه حضانة الفكرة الإسلامية، فكيف لا نعمل لمصر وخيرها؟! وكيف لا ندفع عن مصر بكل ما نستطيع؟ وكيف يُقال إن الإيمان بالمصرية لا يتفق مع ما يجب أن يدعو إليه رجل ينادي بالإسلام؟ إننا نعتزُّ بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب؛ عاملون له، مجاهدون في سبيل خيره، معتقِدون أنَّ هذه هي الحلقة الأولى في سلسلة النهضة المنشودة، وأنها جزء من الوطن العربي العام، وأننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة وللشرق وللإسلام".

ولذا يقبل الإخوان الوطنية على أنها ذات مضمون إسلامي، وأنها حلقةٌ في سلسلة النهضة، ويرفضون الوطنية على أنها إحياءٌ للفرعونية وصبغُ الأمة بها، أو على أنها محدودة بحدود الوطن المصري.

التربية الوطنية عند الإخوان: كان للأفكار السابقة المتعلقة بالوطنية انعاكس على فكر الإخوان التربوي، متمثلاً في:

تأثيرها في هدف التعليم

في تحليل الإمام "البنا" لغاية التعليم يرى أنها تشتق من وضع مصر، فهي أمة شرقية تسير نحو النهوض، وقد آذاها الاحتلال سياسيًّا واقتصاديًّا ولن تكون هذه الغاية إلا تخريجَ رجال أقوياءَ يعتزُّون بدينهم وقوميتهم، ويعملون على إحياء حضارة الشرق، وهذا يعني أن يكون من أهداف التعليم تربية الشعور الوطني الصحيح، والإحساس بالمسئولية تجاه الوطن كما جاء في رسالة "نحو النور".

وفي مقال بمجلة (الإخوان المسلمين) حول إصلاح التعليم يؤكد الإمام "البنا" أن التعليم له أثر عميق في توجيه نهضة الوطن، وأنه على تعليم الشعب يتوقف مصير الوطن، ويضيف أن التعليم من الضروري أن يبنَى على ثلاثة أسس منها: تركيز الشعور الإنساني العام في المتعلمين "مع التأكيد على ذاتيتنا وشخصيتنا"، ويُذكَر أن الأمم الناشئة لا حِصن لها إلا أن تَعتزَّ بوجودها، ثمَّ يقول: نريد أن يتَّجِه تفكير المصلحين المعنيِّين بالتعليم والوصول بالمدارس والنشء الجديد إلى أهداف ثلاثة: تعليم عالمي.. فالعلم لا وطن له، وثقافة قومية.. فلا حياة لأمة لا تعتز بوجودها ولا تعرف حق أمجادها، وتربية إسلامية.

في محتوى التعليم

يرى الإخوان أن الهدف السابق لا يتحقق إلا من خلال العناية بالتاريخ الوطني في المدارس بجميع المراحل، وصبغَه بالصبغة التي تجعل الطالب يعتز بإسلامِه الماجد، وقد أيد الإخوان الدكتور "محمد حسين هيكل" (وزير المعارف سابقًا) في تعديل مناهج التاريخ في المدارس المصرية بوضع تاريخ مصريّ جديد يتناسب مع مقتضيات العزة وأساليب التربية الوطنية الحرة في البلاد، وقد طالب (الإخوان) سابقًا أن تكون المرحلة الأولى في التعليم إلزامِيَّة وعمومية، وتهدف- أساسًا- إلى التربية الوطنية السليمة، كما طالَبوا بالاهتمام بالأناشيد الوطنية.

أثر التربية الوطنية في الإخوان

كان من أَثَر فَهْم الإخوان للوطنية بالمفهوم السابق بأن أخلصوا لهذا الوطن وجاهدوا؛ من أجل رفعته، وضَحَّوا في سبيله بالنفس والنفيس، وذلك عن طريق الكتابة بالمقالات والرسائل والمؤتمرات والاشتراك الفعلي في المطالبة بالحقوق الوطنية، وكذلك عن طريق الأناشيد الوطنية في الجوَّالة والمعسكرات، والدعاية لشراء المُنتَج الوطني.

صور عملية لوطنية الإخوان:

نظرًا لربط الوطنية بالعقيدة عند الإخوان فقد أصبحت سِمَةً رئيسةً في حياة (الإخوان)، سواءٌ على مستوى الفرد أو الجماعة، وهي عندهم من أوجب الواجبات، فمُنذ ظهور الجماعة على الساحة وهي تعمل لهذا الوطن دون كلل أو ملل، وفي السطور التالية بعض صور لهذه الوطنية:

أ- المشاركة في الحملات الوطنية والقومية، وحملات خدمة البيئة، منذ حملة تحريق مصادر الثقافة الإنجليزية في مصر عام 1946 م، إذ قام الإخوان في كلِّ أنحاء الجمهورية بجَمْع كل الكتب والصُّحُف باللغة الإنجليزية وحرقها في الميادين العامة؛ استنكارًا لسياسة الاستعمار، وبدايةً لحملات المقاطعة التي استمرت حتى اليوم.

وهذا ليس انغلاقًا ضد ثقافة معينة، لكنها نوع من الكفاح ضدَّ المستعمِر، والحملات المستمِرة في كل محافظات مصر ونقاباتها وجامعاتها بضرورة مقاطعة المحتل.

ب - حملات خدمة البيئة بالجهود الذاتية، وقد بدأت هذه الحملات منذ عام 1943 م بحملات مكافحة وباء الملاريا، والكوليرا عام 1947 م، التي اشترك فيها أربعون ألف جوَّال من الإخوان، وجميع شعبهم في مصر، وما زالت هذه الحملات مستمرة عن طريق الجمعية الطبية الإسلامية والعيادات والمستشفيات الخاصة للإخوان .

كما شارك الإخوان في حملات مكافحة الأمية منذ مشروع المعلم الجوَّال والمشاركة مع وزارة المعارف المصرية وحتى اليوم في القُرى والمدن في الفصول الليلية.

ج- الاشتراك في المظاهرات والمسيرات والإضرابات المدنية، فقد نظَّم (الإخوان) وقادوا كثيرًا من المظاهرات منذ مظاهرة 9 فبراير1946 م؛ من أجل تحرير البلاد من الاستعمار، على إثْر بيانٍ من الإخوان، وكانت مسيرة ضخمة قام بها طلاب الجامعة بقيادة "مصطفى مؤمن"- زعيم طلاب الإخوان- إلى قصر عابدين للمطالَبة بالحقوق الوطنية، وفي اليوم نفسه قامت مظاهرات في المنصورة وأسوان، ثم المظاهرة الشعبية للمطالبة بالاستقلال في أكتوبر 1946 م في القاهرة والأقاليم ومظاهرة أغسطس 1947 م التي خرجت من الأزهر يتقدمها علَم (الإخوان)، ويقودها الإمام "البنا"، وهكذا حتى اليوم، إذ تخرج من جامعات مصر والجامع الأزهر والنقابات المهنية؛ وذلك للمطالبة بالحريات وإلغاء قانون الطوارئ.

وكان من أواخر هذه المسيرات مسيرة (الاستاد) في فبراير الماضي 2003 م، التي نظمها (الإخوان) بالتحالُف مع القُوى الوطنية لرفض الهيمنة الأمريكية- الصهيونية على المنطقة، كما شارك (الإخوان) في العديد من الإضرابات؛ من أجل الاستقلال.

د- أقام الإخوان آلاف المؤتمرات الشعبية والطلابية؛ من أجل التحرر من الاستعمار، والمطالبة بالحريات، وقضية فلسطين، سواءٌ في الجامعات أو النقابات أو النوادي والمراكز المختلفة التي كان من أهمهما مؤتَمر يوم الحريات لجميع طلاب مصر في 5 نوفمبر 1995 م؛ للمطالبة بالحقوق المدنية للمواطنين.

هـ- الاشتراك في الانتخابات البرلمانية والمهنية والطلابية والمحلية، فمنذ الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب عام 1942 م قرَّر (الإخوان) الاشتراك في الانتخابات، وأورد الإمام "البنا" الفوائد التي يرتجيها (الإخوان) من دخول البرلمان، وهي: وصول دعوتهم إلى المحيط الرسمي، وأقرب طريق إليه هو البرلمان، وإن تجنب الإخوان الترشيح في بعض الأوقات حفاظًا على استقرار الوطن، كما حدث في انتخابات 1948 م وانتخابات 1990 م، وقد دعت صحفهم إلى أن يشترك (الإخوان) في التصويت الانتخابي ومناصرة القابلين للفكرة الإسلامية، وهم في جميع تجاربهم الانتخابية- سواء عام 1942 م أو 1948 م أو 1984 م أو 1987 م أو 1995 م أو غيرها- لم ترصد ضدهم أي مخالفة وطنية أو حالة تزوير.

كما اشترك الإخوان في الانتخابات الطلابية منذ عام 1951 م، وحين أُجريت الانتخابات اكتسحوا جميع الأحزاب فحَصَلوا على أغلبية مطلقة من مقاعد كليات جامعة القاهرة (فؤاد سابقًا) وعين شمس (إبراهيم سابقًا) والإسكندرية (فاروق سابقًا)، كما جاء في مجلة (آخر ساعة) في 26/12/1951 م.

واستمر هذا الاكتساح كلما أُجرِيَت انتخابات حرة في الجامعات، كما كان في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي؛ مما يدل على مدى وطنيتهم الملموسة، سواء لدى الطلاب أو المجتمع، وما زال (الإخوان) الموجودون بالبرلمان المصري اليوم (16نائبًا) بعد الإطاحة بـ "د. جمال حشمت" محل احترام جميع الفئات لوطنيتهم الصادقة.

و- الاشتراك في الكفاح المسلح ضد الصهيونية والاحتلال: تُعتبر هذه من أقوى صور المشاركة الوطنية لدى الإخوان، فقد شارك الإخوان في حرب 1948 م قبل وبعد دخول الجيوش العربية فلسطين، وقد عرض الإمام "البنا" أن يشترك بـ10 آلاف متطوِّع على الحكَّام العرب، ثم اغتيل بعدها.

وبعد إلغاء معاهدة 1936 م شنَّ الإخوان حربَ عصابات ضد قوات الاحتلال في قناة السويس تحت رايَتين: (الإخوان كجماعة)، و(طلاب الإخوان ضمن معسكر الجامعة الذي قاده "حسن دوح"، زعيم طلاب الإخوان آنذاك)، وقد أُسس الجهاز الخاص للإخوان من أجل ذلك، وفي كل قُطر يجاهد (الإخوان)؛ من أجل هذا القُطر، ففي [[فلسطين]] تواجه (حماس)- جناح الإخوان في [[فلسطين]]- القتل والتشريد المستمر؛ من أجل الدفاع عن أرضهم.

صور أخرى للمشاركة الوطنية عند الإخوان

طوَّر (الإخوان) الاحتفال بالمناسبات التاريخية إلى وسيلة تربية وطنية، كما كانت المقالات والرسائل في الصحف من أبرز صور الوطنية في تاريخ الإخوان، وقد عبَّروا بها عن كل معاني الوطنية التي يشعرون بها تجاه هذا الوطن، ومن هذه المقالات والرسائل مقالٌ في جريدة (الإخوان المسلمون) اليومية عام 1946م للإمام "البنا" بعنوان (سيناء) فكتب مُحذِّرًا من استغلال اليهود لـ(سيناء) قبل قيام دولة إسرائيل (الكيان الصهيوني)، يحذر المسئولين المصريين من إهمال هذا الجزء أو التفريط فيه، ودعا إلى الاهتمام بها، حيث كشفت البحوث ما بها من معادن وبترول، وأن أرضها عظيمة قابلة للزراعة، ولكن باستنباط الماء بالطرق الارتوازية وإنشاء بيارات على نحو بيارات فلسطين، ودعا لتبني بعض المشروعات بسيناء، ومنها نقل الجمرك من القنطرة إلى رفح، وأن نقيم منطقةً صناعيةً على الحدود، ومن الواجب إنشاء جامعة مصرية عربية بجوار العريش يفِد إليها طلاب الشرق مع طلاب مصر يتلقَّون العلم، كما جدَّد "سيد قطب" ذلك في مقال عام 1952 م؛ للتحذير من التفريط في هذا الجزء.

كما كانت رسالة (نحو النور) من أهم الرسائل التي تعالج القضايا الوطنية المختلفة بصورة سهلة وميسَّرة ذات مرجعية إسلامية، وما زال الإخوان إلى اليوم يشدُّون على يد الحكومة لرفْع مستوى معيشة المواطنين، والارتقاء بهذا الوطن، يأخذون بيدِ المجتمع إلى القيم الوطنية الحضارية.