موقف الاخوان المسلمين من معاهدة 1936

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
موقف الإخوان المسلمين من معاهدة 1936

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

أولا: المقدمة

ألف على ماهر الوزارة فى 30 يناير 1936، وعقب تأليفها أصدرالملك فؤاد مرسوما بتكوين هيئة المفاوضات ، وبهذا تهيأت الفرضة لبدء المفاوضات واستمرارها فى الإسكندرية ، وتهيأت الفرصة ، لإجراء انتخابات تتولى الحكم على أثرها وزارة الأغلبية ، وحدد يوم 2 مايو لإجراء الانتخابات ، ويوم 10 مايو لانعقاد البرلمان ...

وقعت المعاهدة البريطانية المصرية في 26 أغسطس 1936 في قصر الزعفران، وقد جاءت المعاهدة بعد أن صدر بيان الحكومة بوفاة الملك فؤاد وارتقاء ابنه الملك فاروق العرش ثم تعيين مجلس وصاية نظرا لصغر سنه ، ثم شكل النحاس الوزارة نظرا لفوزه الوفد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، وسعى حثيثا لإجراء مفاوضات مع بريطانيا ، وبدأت المفاوضات في القاهرة في قصر الزعفران في 2 مارس وانتهت بوضع معاهدة 26 أغسطس 1936 في لندن . (1)

وقد أعطت المعاهدة حقوقا للقوات العسكرية البريطانية من حيث الانتقال برا أو بحرا أو جوا وكذلك للمخابرات المطلقة من كل قيد سواء بالراديو أو غيره كالتلغراف أو التليفون أو آية وسيلة من وسائل الاتصال المعاصرة .

وفي الوقت الذي حصلت فيه بريطانيا على كل الحقوق التي تتمتع بها الدول الاستعمارية في مستعمراتها حرمت هذا الحق على الدول الأخرى ففيما يتعلق باستعمال الشفرة بين ممثلي الدول في مصر وبين حكوماتهم أصدرت الحكومة المصرية قانونا يحرم استعمال الشفرة إلا للدول الحليفة ( بريطانيا ) فقط مما كان موضع سؤال في البرلمان المصري تقدم به النائب الدكتور حنفي أبو العلا وعجزت الحكومة عن إيجاد رد مقنع لهذا السؤال(2) .

ووفق معاهدة1936 فإن العلاقات المصرية البريطانية قد دخلت مرحلة جديدة تحكمها معاهدة واضحة الشروط وخصوصا بعد دخول مصر في عصبة الأمم حيث امتلكت مقومات الدولة من الناحية القانونية إلا أن قيام الحرب العالمية الثانية سنة 1939 قد شجع بريطانيا على أن تضرب عرض الحائط بنصوص المعاهدة(3) .

ثانيا : ملخص المعاهدة المصرية البريطانية سنة 1936.(4)

1ـ انتقال القوات العسكرية من المدن المصرية إلى منطقة قناة السويس وبقاء الجنود البريطانيين في السودان بلا قيد أو شرط.

2ـ تحديد عدد القوات البريطانية في مصر بحيث لا يزيد عن 10 آلاف جندي و 400 طيار مع الموظفين اللازمين لأعمالهم الإدارية والفنية وذلك وقت السلم فقط ، أما حالة الحرب فلانجلترا الحق في الزيادة وبهذا يصبح هذا التحديد غير معترف به.

3ـ لا تنتقل القوات البريطانية للمناطق الجديدة إلا بعد أن تقوم مصر ببناء الثكنات وفقا لأحدث النظم.

4 ـ تبقى القوات البريطانية في الإسكندرية 8 سنوات من تاريخ بدء المعاهدة.

5 ـ تظل القوات البريطانية الجوية في معسكرها في منطقة القنال ومن حقها التحليق في السماء المصرية ونفس الحق للطائرات المصرية.

6 ـ في حالة الحرب تلتزم الحكومة المصرية بتقديم كل التسهيلات والمساعدات للقوات البريطانية وللبريطانيين حق استخدام مواني مصر ومطاراتها وطرق المواصلات بها.

7 ـ بعد مرور 20 عام من التنفيذ للمعاهدة يبحث الطرفان فيما إذا كان وجود القوات البريطانية ضروريا لأن الجيش المصري أصبح قادرا على حرية الملاحة في قناة السويس وسلامتها فإذا قام خلاف بينهما فيجوز عرضة على عصبة الأمم.

8 ـ حق مصر في المطالبة بإلغاء الامتيازات الأجنبية.

9 ـ إلغاء جميع الاتفاقيات والوثائق المنافية لأحكام هذه المعاهدة ومنها تصريح 28 فبراير بتحفظاته الأربعة

10 ـ تحويل إرجاع الجيش المصري للسودان والاعتراف بالإدارة المشتركة مع بريطانيا.(5)

11 ـ حرية مصر في عقد المعاهدات السياسية مع الدول الأجنبية بشرط ألا تتعارض مع أحكام هذه المعاهدة.

12 ـ تبادل السفراء مع بريطانيا العظمى.

ثالثا : القوى الوطنية ترفض المعاهدة 1936.

يذهب البعض إلى أن توقيع معاهدة1936 وما ترتب عليها من ردود فعل متباينة قد أفقد الوفد قدرا كبيرا من قوته وشعبيته وبصدد ردود الفعل الناجمة عن توقيع المعاهدة ، فقد تباينت وجهات نظر القوي السياسية في مصر ، وبدا ذلك داخل الأحزاب وفي الاجتماعات التي عقدتها للنظر في المعاهدة .

وعلى ما يبدو فإن مجلس النواب والشيوخ في جلسته المنعقدة في 14 نوفمبر 1936 قد وافقا على معاهدة 1936 بما فيها من تجاوزات وأثقال بحجة الظروف الدولية القائمة وما كان يحيق مصر من خطر ايطاليا الفاشية ومن عدم استقرار الحالة السياسية والدستورية والاقتصادية في البلد ، وأيا كانت هذه الظروف فهي لا تبرر التنازلات التي قدمها وفد مصر، والتي تتعارض بشكل واضح مع حقوق مصر الوطنية وهي تنازلات كان لها أكبر الأثر على حركة النضال المصري ضد الاستعمار ، بل كان راجيا على الجانب المصري أن يستمر في مقاومته ولا يقبل معاهدة تهديدا الاستقلال وتقر الاحتلال . (6)

يرى البعض أن من أهم مميزات المعاهدة تقليص الوجود العسكري البريطاني في مصر،واعتراف بريطانيا باستقلال مصر،وبناءً عليه ساعدت مصر في التخلص من الامتيازات الأجنبية في معاهدة منترو سنة 1937م فيما بعد .

ومن ينتقد المعاهدة يرى أنها حوت في طياتها بعض أنواع السيادة البريطانية حيث ألزمت مصر بتقديم المساعدات في حالة الحرب وإنشاء الثكنات ، وفرضت أعباء مالية جسيمة مما يؤخر الجيش المصري ويعوق مهمته الأساسية فى الدفاع عن مصر، كما أنه بموجب هذه المعاهدة تصبح السودان مستعمرة بريطانية يحرسها جنود مصريون، لذلك طالبت وزارة النحاس في مارس 1950 الدخول في مفاوضات جديدة مع الحكومة البريطانية واستمرت هذه المفاوضات 9 شهور ظهر فيها تشدد الجانب البريطاني مما جعل النحاس باشا يعلن قطع المفاوضات وإلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتي السودان وقدم للبرلمان مراسيم تتضمن مشروعات القوانين المتضمنة هذا لإلغاء، فصدق عليها البرلمان ، وصدرت القوانين التي تؤكد الإلغاء الذي نتج عنه إلغاء التحالف بين بريطانيا ومصر،واعتبرت القوات الموجود في منطقة القناة قوات محتلة، ومن هنا بدء النضال يشتعل مرة أخرى ولكن هذه المرة نضال مسلح.

يقول عبد الرحمن الرافعى : وقد عارض المعاهدة وانتقدها كثيرمن رجال السياسة فى مصر، فقد رفض المعاهدة الحزب الوطني قبل التوقيع عليها، ورفض المشاركة فى وفد المفاوضات ،ورفع شعار ( لا مفاوضة إلا بعد الجلاء ).

وعن موقف الحزب الوطني فعلي الرغم من أنه رفض مبدأ المفاوضة إلا بعد الجلاء إلا أن قاعات مجلس النواب المصري قد شهدت العديد من الانتقادات الموضوعية والتي أبداها أعضاء الحزب الوطني بالذات على الرغم من ديكتاتورية الأغلبية ومحاولاتها التقليل من حجم تلك الانتقادات . (7)

وإن من أبرزعيوبها :اعتراف مصر بالوجود البريطاني وشرعيته ، وربطت مصير مصر ببريطانيا .

وهو ما ظهرعند قيام الحرب العالمية الثانية عام 1939م حيث ضاع الاستقلال النسبي الذي حصلت عليه مصر بموجب هذه الاتفاقية، وقد زادت سيطرة الإنجليز علي الأمور في البلاد لخدمة معاركهم الحربية، كما زادت أعداد القوات البريطانية في مصر عن العدد المحدد لها في المعاهدة، وانتشرت في القاهرة والاسكندرية وفي كل أرجاء مصر لمواجهة الخطرالألماني القادم من الغرب.

وقد أحث الرفض للاتفاقية تصدع داخل حزب الوفد نفسه وانقسامات داخلية بسبب المعاهدة أدت إلي انشقاق محمود فهمي النقراشي وأحمد ماهر عن الحزب وتكوين حزب جديد هو حزب الهيئة السعدية أو السعديين نسبة إلي سعد زغلول.

وقد ذكر محمد محمود باشا فى تعليقه على المعاهدة فى البرلمان : إن هذه المعاهدة لها مزايا لا سبيل إلى إنكارها، لكنها تنطوى على قيود تتنافى مع استقلال مصر منها :

1ـ ما يجب على مصر مصر فى حالتى الحرب وخطر الحرب من تسهيلات موانيها ومطاراتها وطرق مواصلاتها للقوات البريطانية .

2ـ المعاهدة تفرض على مصر إنشاء طرق حربية وتبيح جو مصر كله للطيران الحربى البريطانى ، وهو مع ما يتنافى مع الاستقلال، والمعاهدة تفرض على مصر أعباء مادية جسيمة .

كما اعترض بهى الدين بركات وبعض النواب،فعارضها من الشيوخ حسن صبري باشا وحافظ رمضان باشا.(8)

واعترضواعلى المواد الخاصة بالنقاط العسكرية التى يسمح لبريطانيا بالبقاء فيها ، والنقاط المتعلقة بالسودان ، والامتيازات الأجنبية ، والأعباء المالية ...

كما ذكر محمد حافظ رمضان فى تعليقه إلى أن المعاهدة تعطى بريطانيا حق ارتفاق حربى دائم فى بلادنا ـ تصبح مصر بموجبه بلادا محاربة فى جميع حروب بريطانيا هجومية كانت أم دفاعية ...

وقد نقد محمد علوبه باشا المعاهدة نقدا عنيفا خاصة ما يتعلق بالجلاء والسودان والنص على أنه فى حالة (خطر الحرب ) تقدم لحليفتها مواردها وموانيها وطرقها وسككها الحديدية والتلفونات والتلغرافات ، وأشار إلى أن خطر الحرب مرنة يمكن إساءة استعاملها . (9 )

يقول عبد الرحمن الرافعي معلقا على ذلك : ومن عجب أن يصف النحاس الدولة الغاصبة بالدولة الصديقة ! وأعجب من ذلك أن يعتبر إبرام معاهدة تحالف معها محققا للاستقلال فى حين أن إبرام هذه المعاهدة وذلك التحالف جاء مهدرا لهذا الاستقلال لا محققا له ، ولكن سياسة الوفد قد درجت على هذا المنطق المعكوس وسارت على طريق غيبر قويم . .(10)

ويضيف ، ولقد جربت مصر المفاوضات فلم ينتج إلابقاء الاحتلال وإقراره مع تغيير فى أسمائه وأوضاعه فى حين أن الجلاء لا يصح أن يكون موضع مساومه أو اشتراط شروط فى مقابله....فالجلاء هو جوهرالاستقلال لا يصح أن يكون مقيدا بشروط .... ولقد برهنت الحوادث اللاحقة على صحة سياسة الحزب الوطنى وبخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث استقر فى الأذهان أن الجلاء يجب أن يكون ناجزا غير معلق على معاهدة قبل الجلاء هى إضعاف لقضية الجلاء .(11)

ولعل بهذه المناسبة أن نذكر أن بعض المؤرخين والباحثين يعزو تشديد نصوص معاهدة 1936 إلى ضعف المفاوض المصرى .

فهم يقولون أن تدهور الموقف الدولى كان من شأنه أن يعزز المفاوض المصرى فى هذه المعاهدة لا إضعافه ، لأن بريطانيا كان لها فى نجاح المفاوضات والوصول بها إلى تسوية نهائية مصحلة لا تقل عن مصلحة مصر .

إن لم تفقها واضطراب السياسة الدولية تخشاه بريطانيا أكثر مما تخشاه مصر .

على أسوأ الفروض كما يقول الاستاذ شريف غربال ، فماذا تفقد مصر بعد ما فقدت استقلالها وامبراطوريتها ، وقد ذهب الدكتور مصطفى الحفناوي إلى أن انجلترا كانت ترجو بجدع الأنف أن تسوى ما بينها وبيين مصر بأى ثمن قبل قيام الحرب ، ولوأن الساسة المصريين قد فهموا ذلك لاستطاعت مصر أن تقبض من انجلترا الثمن ، وأن تحملها على تغيير أسلوبها الاستعمارى رضيت أم كرهت .

وعلى كل حال بعد فشل معاهدة 36 فى توفير الضمانات الازمة فى وصول الجيش المصرى إلى درجة الأهلية والكفاية للدفاع عن القنال بمفرده تكون قد عجزت عن (توقيت جلاء القوات البريطانية عن أرض مصر بحالة مادية ) كما قال النحاس باشا ـ وبالتالى قد تكون قد عجزت عن إنهاء الاحتلال من الناحية الفعلية وهذا هو الشل الكبير فى المعاهدة .( 12)

أما موقف الأحرار الدستوريين فقد اتسم بالتخبط ، فقد شن أعضاؤه حملة شديدة على المعاهدة في أول جلسة عقدها الحزب حتي شعر محمد محمود ـ وهو الذي كان يمثل الحزب في جبهة المعارضة ـ بأن الحملة ليست موجهة إلى موضوع المعاهدة بقدر ما هي موجهة إلى شخصية بالذات .

وقد اقترح الدكتور هيكل تشكيل لجنة لدراسة المعاهدة وتقديم تقرير عنها إلى مجلس إدارة الحزب .

وبعد ولادة عسرة تمخضت من قرار له مقدمة طويلة تحدد أوجه القصور في المعاهدة وخصوصا المسائل العسكرية ومشكلة السودان إلا أنه خشية الانقسامات داخل الحزب ومراعاة لموقف محمد محمود ( رئيس الحزب وعضو لجنة المفاوضة ) فقد قرر الحزب قبول المعاهدة في القوت الحالي مع العمل على تعديلها بأسرع ما يستطاع تعديلا يزيل منها ما يمس استقلال مصر وتبادل الثقة بين الطيفين خير عربون لهذا التعديل .

ولعلي محمد محمود كان في موقف لا يحسد عليه حينما عاد ليؤكد أن معاهدة1936 لا تحقق مطالب مصر المشروعة على وجه كامل وبصورة نهائية وأنها خطوة نحو تحقيق هذه المطالب ولم ير محمد محمود في مزاياها شيئا يتحدث عنه سوي مسألة الامتيازات .

أما عن موقف حزب الإتحاد والذي نشا في أحضان القصر وتحت رعايته ، وكان لسان حاله المعبر عن مصالحه، فإن نسبة الأعضاء المعارضين للمعاهدة لم يتجاوز الثلث ، فقد وافق على المعاهدة تسعة بينما رفضها ثلاثة ، ووقف واحد على الحياد وهو توفيق رفعت باشا ، لذا فقد وقف إسماعيل صدقي باشا ) رئيس حزب الإتحاد ( في مجلس النواب ليعلن موافقته بصفته الشخصية مؤكدا على أن المعاهدة هي خطوة في سبيل الاستقلال ، وليست الاستقلال التام . (13) .

رابعا : رفض الإخوان معاهدة 1936.

وعلى الجملة ، فإن نقطة الرفض للمعاهدة من الجميع أن الاستقلال لم يتحقق سوى فى الاسم ، وربطت المعاهدة مصير مصر بمصير بريطانيا وسياستها ، وإلزام مصر بتقديم جميع التسهيلات لبريطانيا فى حالة الخطر أو الحرب التى تتعرض له أيَّا منهما .. إضافة إلى غيرها من البنود التى كانت محل رفض من الجميع .

ويقول د. محمد صابر عرب : " أما الإخوان المسلمون ومعاهدة 1936 فعلي الرغم من الرؤيا السياسية للإخوان لم تكن قد اتضحت بعد إلا أن الرسائل التي بعث بها الأستاذ البنا إلى رئيس الوزراء ) علي ماهر ( في أكتوبر 1939 يفهم منها أن معاهدة 1936 قد وقعت تحت ضغط ظروف وأحوال خاصة لا علي أنها غاية ما ترجوه مصر ولكن أنها خطوة في سبيل تحقيق الأهداف المصرية ويضيف حسن البنا في رسالته قائلا : الإخوان المسلمون وهم الذين يرون في المعاهدة المصرية الانجليزية إجحافا كبيرا بحقوق مصر واستقلالها الكامل يريدون من حكومة مصر أن لا تتجاوز هذه الحدود المرسومة على ما فيها من إجحاف بأية حال ." (14)

ولذا، فإن موقف الإخوان من المعاهدة لا يختلف كثيرا عن القوى الوطنية التى رفضت الاتفاقية ، لأن سيادة مصر واستقلالها على أرضها ينبغى أن تكون كاملة غير منقوصة ولا مرتبطة ببريطانيا ، لذا ،فإن الأستاذ البنا قد عبر عن ذلك فى رسالة (المنهج ) فى حديثه عن مطالب الإخوان السياسية بقوله :" نريد من الحكومة والأمة العزيزة الحرة فى الداخل والخارج ، وذلك بما يأتى :

تعديل المعاهدة المصرية الانجليزية تعديلا يحقق سيادة البلاد واستقلالها التام فى الداخل والخارج فورا، ولا يمنع من مساعدتنا العملية لأى فرد مظلوم من أحرار الوطن الإسلامى العام فى كل وقت ، والعمل على تحرير الأمة من كل تعهد خاص أو عام لا يتفق مع التعاليم الإسلامية الحنيفة ." (15)

وظل الإخوان يؤكدون رفضهم للمعاهدة ، فعندما قامت الحرب العالمية الثانية وأعلنت الحكومة المصرية حيادها وأيدها البرلمان فى ذلك ، وبيّن الإخوان أن ذلك الحياد لا يمكن أن يتم فى ظل معاهدة 1936 ، يقول الإمام البنا فى رسالة المؤتمر السادس : " فإن هذا الحياد محال أن يكون حقيقيا والمعاهدة المصرية الانجليزية تفرض علينا أن نقدم كل المساعدات الممكنة للقوات البريطانية .

ونحن قد قمنا بذلك فعلا وجندت مصر تجنيدا حقيقا لمساعدة انجلترا، فأعلنت الأحكام العرفية ،وفرضت الرقابة على الصحف ، واستخدمت السكك الحديدية والمطارات والموانىء والتليفونات والتلغرافات وكل طرق المواصلات ، وقدمت طلبات السلطة العسكرية البريطانية فى جميع الشئون على كل الطلبات ، وحجزت المواد اللازمة للجيش وللأعمال الحربية مهما كانت الحاجة إليها شديدة ، وأرسل الجيش المصرى إلى الحدود وإلى السودان ، وصارت مصر حقيقة لا خيالا فى حالة حرب مما جعل هذا الحياد لا قيمة له فى الواقع كما أن الاستعداد لم يكن كاملا وأمامه عقبات مادية وعقبات سياسية تجعل الوقت يمر دون أن نجهز أنفسنا بالقليل من المعدات العسكرية أو المدنية ....

إن مصر ستفى من جانبها بالتزاماتها التى سجلتها عليها المعاهدة ، لأنها لا تملك إلا هذا ولا تستطيع غيره ماديا وأدبيا ، ولكن تمسك الحكومة البريطانية تمسكا جامدا بروح المعاهدة ونصها فى وقت تمثل فيه هذه النصوص لمصلحة طرف واحد ، وفى ظروف تعصف بالدول والشعوب والأموال والأرواح والأمم والحكومات والنظم والمعاهدات ، فهى تمسك إن رضيه الفقه السياسى ، فلن يرضاه الشعب الأبى ، ولقد جاهدت مصر فى سبيل استقلالها وستجاهد فى سبيل ذلك إن أعوزها الجهاد وهى ضنينه بهذا الاستقلال أن يسلب قبل أن يكتمل ، ويزول قبل أن يتم، ولا تريد أن تكون فى حمى غيرها أو أن تظل تحت رحمة سواها مهما كلفها ذلك من التضحيات ، وإذا كانت الحكومة البريطانية تسمع من الحكومة المصرية أوالساسة المصريين كلاما غير هذا،فإنما هى المجاملة الدبلوماسية .

أما نحن نصورعواطف الشعب الحقيقة على صورتها الطبيعية لا نبتغى من وراء ذلك إلا تعاونا سليما على أساس سليم ، بل نريد أن ننتهز هذه الفرصة ونتقدم مخلصين إلى الساسة الغربيين فنلفت أنظارهم إلى فرصة سانحة لعلها إن أفلتت منهم اليوم فلن تعود إلا بعد حين لا يعلم إلا الله مداه ، وإن وفقوا إلى الانتفاع بها فهو الخير لهم وللعالم أجمع ." (16)

ولم ينته موقف الإخوان من المعاهدة عند سنة التوقيع عليها ،بل دأبوا على التنديد بها دوما فى تصريحاتهم ومؤتمراتهم ، فكان من قرارات المؤتمر الشعبى سنة 1945:

1ـ إن المعاهدة المصرية الانجليزية لم تعد صالحة لأن تكون أساسا للعلاقات بين مصر وبريطانيا .

2ـ الجلاء التام عن وادى النيل الذى هو وطن واحد لا يقبل تجزئة ، وللسودانى والمصرى نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات .(17)

وطالب الأستاذ البنا الحكومات المصرية المتعاقبة يطالبها بإلغاء المعاهدة لعدم جدواها فى حصول مصر على الاستقلال التام ، وأثناء عرض قضية مصر على مجلس الأمن سنة [1947]] بعث الأستاذ البنا برقية إلى رئيس مجلس الأمن يرفض فيها المفاوضات العقيمة وكذلك اتفاقية 1936 التى تعطى الشرعية للمحتل،وهذا نصها :

حضرة رئيس مجلس الأمن

القاهرة الدامية والشعب المصرى الثائر يستنكر كل قرار ينتقص من حقه ويرفض العودة إلى المفاوضات الثنائية ، ويعلن سقوط معاهدة 1936 ، ويهيب بمجلس الأمن أن يحافظ على صيانة الأمن المهدد فى الشرق .

حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين (18)

قدم الإخوان طلبا إلى النقراشي باشا سنة 1947 يطالبونه فيها بإلغاء معاهدة 1936، فكتب الأستاذ البنا إليه برقية إلى رئيس الوزراء وكتب إلى نائب الرئيس ، ومما جاء فيها ،: "

طلب إعلان إلغاء معاهدة 1936، والانسحاب من مجلس الأمن فى إباء وعزة .

إلى رئيس الوزراء

حضرة صاحب الدولة محمود فهمى النقراشي باشا رئيس وفد مصر ، فندق بالزا ، نيويوك :

...فاتصلوا بالحكومة المصرية وانتهزوا فرصة اليوم الأغر يوم توقيع المعاهدة المزرية ، وأعلنوا بطلانها رسميا ، وإذ لم يجدوا من مجلس الأمن العدل والنصفة ، فقرروا الانسحاب فى إباء وعزة ...

وعندما ذهب النقراشي باشا لعرض قض قضية مصر على مجلس الأمن ، كتب إلى النقراشي باشا يطالبه بإلغاء المعاهدة ثم كتب إلى الرئيس بالنيابة بالطلب نفسه ، يقول :

" حضرة صاحب المعالى رئيس الحكومة المصرية بالنيابة .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد .

فقد أعلنت الحكومة البمصرية علىة لسان معالى وزيرخارجيتها فى البرلمان المصرى أن معاهدة 1936 قد أصبحت غير ذات موضع ، كما أعلنت دولة رئيس الحكومة المصرية الحالية فى مجلس الأمن وعلى رؤؤس الأشهاد ومع العالم كله أنها قد استنفذت أغراضها وأن الشعب المصرى بأجمعه ساخط أشد السخط عليها وغير معترف بوجودها ، وأنها إنما وقعت تحت ضغط ظروف خاصة انتهى أمرها وأنها تتنافى مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة فضلا عن أن الجانب الآخر قد خرق نصوصها ولم يقيد نفسه بأحكامها ى كثير من المناسبات ، ولهذا أرجو باسم الإخوان واسم شعب وادى النيل عامة أن تنتز الحكومة المصرية يوم 26 أغسطس وهو ذكرى توقيع هذه المعاهدة المزرية المشئومة وتعلن بطلانها رسميا وأنها غير مقيدة بها ى قيلي أو كثير ، وتحظر بهذا القرار مجلس الأمن وحكومات الدول المختلفة وتتبع هذات القرار فورا بستلزماته العملية والقانونية ".(19)

ولم يترك الإمام البنا فرصة إلا يندد فيها بالمعاهدة ويطالب بإلغائها ، فلما احتد الخلاف بين الأحزاب وسقط ضحايا من حزب الوفد وصرح النحاس باشا بأنه على استعداد لتقديم ضحايا أخرى، وجه إليه الإمام البنا الرسالة التالية تحت عنوان : ( إننا على استعداد لبذل ضحايا أخرى ) يقول الأستاذ البنا : " ... الإنجليز يا باشا قوم مراوغون ماكرون .

وقد أحسنوا استغلال الظروف وخدعوكم بهذه المعاهدة ووضعوا بها فى أعناق مصر أغلالا ثقالا من حديد وهم الآن يحرفون نصوصها ويحورون مدلولاتها بحسب أهوائهم كلما سنحت لهم الفرصة ويتلاعبون بنا ويتدخلون فى كل شئوننا ولم تتغيرالأوضاع السابقة فى شىء ، ولئن ظهر هذا الخطر واضحا فهو إذا اشتد البأس أوضح فما علينا من بأس أن نتنكر لهم ونعلن جهادهم من جديد .(20)

اقتراح من المرشد العام إلى الشعب العزيز ـ جبهة وطنية شعبية

ولقد تألفت جبهة 1936 من الزعماء وحدهم ، فانتجت معاهدة الشرف والاستقلال التى مازلنا نكتوى بنارها إلى الآن (21).

وهكذا فإن الإخوان وجدوا فى معاهدة 1936 إجحافا بحقوق الوطن ى الاستقلال التام ، وأن المعاهدة لا تلبى أدنى طموحات الشعب المصرى ، بل قيدته بمصير بريطانيا ، ولم يدع الإخوان سبيلا للتعبير عن رفضها والمطالبة بإلغائها إلا سلكوه .

وقد برهنت الأحداث بعد توقيعها على ذلك ، وهو ما دعى النحاس باشا الذى وقعها إلى إلغائها سنة 1951 .

خامسا : المراجع

(1) د. محمد حسين هيكل : مذكرات فى السياسة المصرية،دار المعارف،القاهرة،1990، جـ1ص 325، 342.

(2) د. محمد صابر عرب : حادث 4فبراير1942 والحياة السياسية فى مصر .نسخة الكترونية على موقع إخوان ويكي .

(3) السابق.

(4) راجع نصوص المعاهدة كاملة فى : د. عبد العزيز الشناوى ، د. جلاتل يحيى : وثائق ونصوص التاريخ الحديث والمعاصر ، دار المعارف ، القاهرة ، 1969، ص743ـ 767

(5) وتعد هذه المادة من أخطر بنود المعاهدة حيث جعلت السلطتان العسكرية والمدنية معا في يد الحاكم العام فهو الذي يحكم السودان ويعين موظفيه ويقوده عسكريا وهو الذي يأمر أن تنفذ في السودان القوانين التي تصدرها الحكومة المصرية اى أنها لا تنفذ إلا بقرار منه ولذا فإنه غير مسئول مسئولية كاملة أمام الحكومة المصرية لأنها لا تعينه أوتقبله بمطلق سلطتها ، فالقول بأن المعاهدة قد ضمنت الحكم الثنائي في السودان هو قول لا يحمل قدرا من الحقيقة ، لأنها تركت الأمر كله في يد الحاكم العام يتصرف فيه كما يشاء ولا يعقب لحكمه .

فإذا قيل بعد ذلك أن المعاهدة تنص على أن الحاكم العام يعين الموظفين من المصريين والإنجليز فهو قول غير مفهوم لأن الحاكم العام غير ملزم أصلا وكذلك نسبة من يعينون من المصريين إلى زملائهم من الإنجليز غير محددة ولا مقررة .

(6) د. محمد صابر عرب : حادث 4فبراير1942 والحياة السياسية فى مصر .

(7) السابق .

(8) د. محمد حسين هيكل : مذكرات فى السياسة المصرية ، دار المعارف ، القاهرة ، 1990. ج1ص 325، 342.

(9) د. شوقي الجمل، د. عبد الله عبد الرازق : تاريخ مصرالمعاصر ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ،1997، ص 54 .

(10) عبد الرحمن الرافعى : فى أعقاب الثورة المصرية ج3 ص22.

(11) فى أعقاب الثورة المصرية ج2 ص229ـ 230.

(12) عبد العظيم رمضان : تطور الحركة الوطنية، الهيئةالمصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ج2 ص 777، 800.

(13) د. محمد صابر عرب : حادث 4فبراير1942 والحياة السياسية فى مصر .

(14) السابق .

(15 ) مجموعة رسائل الإمام حسن البنا ، طبعة البصائر ، دار التوزيع للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2003.ص 261.

(16) مجموعة رسائل الإمام حسن البنا،طبعة البصائر،دار التوزيع للنشروالتوزيع،القاهرة،2003، ص 453ـ 454.

(17) مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية (73) السنة الثالثة 7من ذى القعدة 1364 هـ / 13 أكتوبر 1945ص 29، و مجموعة رسائل الإمام حسن البنا ، طبعة البصائر ، دار التوزيع للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2003.ص 600.

(18)جريدة الإخوان المسلمين اليومية،السنة الثانية،العدد(401)،7 شوال 1366هـ / 23 أغسطس 1947 ص1.

(19)جريدة الإخوان المسلمين اليومية،السنة الأولى،العدد ( 403) 10 شوال1366هـ / 26أغسطس 1947،ص 1 .

(20) مجلة النذير العدد 4 السنة الأولى ، 1 ربيع الآخر 1357هـ / 20 يونيو 1938 ص 3ـ4.

(21)جريدة الإخوان المسلمين اليومية،السنة الأولى ،العدد(143)25 ذو القعدة 1365هـ / 20 أكتوبر 1946ص1 .