نجاح الدعوة بالإسماعيلية وانتشارها خارجها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٦:١٨، ٤ يناير ٢٠١١ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نجاح الدعوة بالإسماعيلية وانتشارها خارجها


الظروف السائدة بمصر قبل نشأة جماعة الإخوان (9)

من الآثار الطيبة لنشأة (جماعة الإخوان المسلمون) في الإسماعيلية أن ضاقت هُوَّة الخلاف بين الناس، واتسعت مساحة المنافسة في أعمال الخير، والتسابق في بناء المساجد، وإلحاق الفتيات بمجال التعليم، وكذلك الطريقة التربوية لمدرسة التهذيب ومعهد حراء، اللذين خرَّجا قادة قرآنيين، حملوا لواء الإسلام، حتى إن مراقب التعليم الابتدائي لم يستطع إلا الإجلال لهم، والانضمام إليهم!

الدعوة خارج الإسماعيلية

إذا كان الهدف من دعوة الإخوان بناء الأمة الإسلامية على غرار ما بناه السلف الصالح، فإن نجاح الدعوة في الإسماعيلية وامتلاكها لعديد من المشروعات التربوية والاجتماعية الناجحة كان معناه أن يسري هذا النور إلى كل صقع في هذا الوطن العزيز؛ تأديةً للرسالة، وتبليغًا للدعوة.

وإلى ذلك سعى الإمام "البنا" على بصيرة ونور؛ يتفحص الوجوه، ويتفرس الأخلاق، ويختار الوقت المناسب والبيئة المناسبة، وكان يهيئ الألفاظ التي سيعبر بها عن المعنى الذي يريده ويقصده، وكان يوضح غايته في جلاء ووضوح، وكان عفيفًا إذا دُعي إلى طعام، صبورًا على تبليغ الدعوة: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ (الأنعام: 90).

في (أبو صوير)

بعدما رسخت دعوة الإخوان بمدينة الإسماعيلية بدأ الإمام "البنا" ينظر إلى القرى والمدن المجاورة لنشر هذا النور به؛ ليعم الخير، وتكبر الفكرة؛ لتصل إلى القطر كله؛ بل العالم أجمع، فلم يمر عامان على تواجد الإمام "البنا" بالإسماعيلية حتى ذهب إلى قرية (أبو صوير) لتوصيل الدعوة إليها؛ وهي قرية صغيرة بها محطة للسكة الحديدية، وتبعد عن الإسماعيلية بنحو 15 كم، وفيها يقطن عمال المعسكرات المجاورة ومدرسة الطيران، وفيها أيضًا عدد من المزارعين والتجار.

زارها الإمام البنا، وراح على حسب منهاجه يتفرس الوجوه، حتى رأى الشيخ "محمد العجرودي"- يرحمه الله- وكان رجلاً وقورًا مهيبًا سمحًا، فيه صلاح، وله منطق عذب ولسان بليغ.. وكان في دكانه يبيع ويتحدث مع زبائنه، فتوسم فيه الإمام "البنا" الخير، فسلم عليه وجلس إليه.. وعرفه بنفسه وحدد له الغرض الذي جاء من أجله.

يقول الإمام "البنا" في مذكراته: "أخذت في حديثي ألفت نظره ونظر الجالسين في نقاط أساسية إلى سمو مقاصد الإسلام وعلو أحكامه، وإلى ما في المجتمع من فسادٍ وشرٍّ وسوءٍ، وأن ذلك ناتج عن تركنا وإهمالنا لأحكام الإسلام، ووجوب الدعوة إلى تصحيح هذا الوضع، وأننا سنكون آثمين إذا تراضينا عن هذا الواجب؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذل النصيحة فريضة واجبة، وإلى أن الطريقة الفردية وحدها لا تكفي؛ بل لابد من تكوين رأي عام يناصر هذه الفكرة، وجماعة من الطيبين في كل قرية يؤمنون بها، ويجتمعون عليها، ونسميهم (الإخوان المسلمين)".

كان التاجر الشيخ "محمد العجرودي" ومن معه ينصتون باهتمام لحديث الإمام الشهيد، وكل ما فهموه أنها دعوة إلى جمعية خيرية، وكان الرجل لطيفًا، فدعا الإمام "البنا" إلى تناول الغذاء؛ لكن "البنا" اعتذر، وأكد له ضرورة عودته لأعمال مهمة، فطلب "العجرودي" من "البنا" أن يلقي درسًا في المصلى الذي يقع على شاطئ البحر، ففعل لأن هذا هو المطلوب، وتجمَّع الناس، وأصغوا واستغربوا كيف بهذا الشاب الجميل الوجه (الأفندي) يستطيع أن يلقي وعظًا دينيًّا وهو ليس شيخًا، ولا واعظًا، ولا إمام مسجد! ومن إعجابهم طلبوا التردد وتكرار الزيارة، وتكررت الزيارة، وتأسست في (أبو صوير) شعبة للإخوان المسلمين، آلت رياستها فيما بعد إلى العالم الفاضل الشيخ "عبدالله بدوي"- ناظر المدرسة الأولية- فقد كان محبوبًا من الجميع، مقدَّرًا من كل الأهالي ولديه وقت فراغ يمكن أن يمضيه في خدمة الدعوة.

بيان شعبة الإخوان بالإسماعيلية عام 1937م

مسجد الإخوان في (أبو صوير)

لم يكن في (أبو صوير) سوى مسجد واحد هو (مسجد الحرون)، ومصلى صغير يقع على ترعة الإسماعيلية، لا يصلح بالطبع لصلاة الجمعة، وكان هناك رجل طيب هو الشيخ "إبراهيم أبو حريش"، وكان قد بدأ في بناء مسجد على نفقته الخاصة، لكن لأنه كان غير مقيم في البلد فقد تعثر في إكماله، ففكر رئيس الإخوان الشيخ "عبدالله بدوي" في أن يجعل من هذا المسجد مؤسسة كاملة للإخوان المسلمين، وتفاوض مع صاحبه الشيخ "إبراهيم حريش"، وكان الشيخ سمحًا كريمًا فوافق، وأقام الإخوان في (أبو صوير) المسجد، وألحقوا به ناديًا للإخوان، وجعلوا أمامه ميدانًا فسيحًا لتدريب الجوالة والمحاضرات الصيفية.

هكذا قامت مؤسسة الإخوان المسلمين في (أبو صوير)، وصارت مؤسسة نافعة، تشع بالهداية والنور في تلك البقعة المباركة.

الدعوة في بور سعيد

من قواعد العمل اللازمة لنشر الدعوة وترسيخ الفكر تربية قيادة محلية تحمل عبء الدعوة في دائرتها، ولقد كانت شعبة الإسماعيلية هي القاعدة التي تفرخ القيادات المحلية.

الأستاذ:أحمد المصري احد الستة المؤسسين للإخوان.

فالأخ "أحمد أفندي المصري" كان شابًّا في الثامنة عشرة من عمره، وكان أصله من (بورسعيد)، وجاء إلى الإسماعيلية في مهمة محدودة الزمن لبعض أعماله، كان خلالها يتردد على دار الإخوان، يستمع إلى ما يُلقَى فيها من دروس وتوجيهات، وما لبث أن بايع وأصبح من أخلص الإخوان وأفقههم في الدعوة.

وانتهت مأموريته في الإسماعيلية، وعاد إلى بلده بورسعيد، فحمل معه دعوته، ومثل الدعوة كمثل البذرة الطيبة الحية الكريمة، أينما غرست أثمرت.

اجتمع "أحمد المصري" مع أصدقائه شباب بورسعيد الأطهار، الذين تأثروا بالدعوة تأثرًا كبيرًا، وكانت لشخصية "أحمد" القوية وإيمانه العميق وتضحياته في سبيل الدعوة الأثر الأكبر في التفاف أصدقائه حوله، فتألفت شعبة من الإخوان أخذت تتجمع في إحدى الزوايا أو الخلاوي المنتشرة في بورسعيد حينذاك عقب صلاة المغرب أو العشاء، فتقوى الرابطة بينهم، ويتذاكرون شئون دعوتهم الجديدة، ثم طلب الأخ "أحمد" من الإمام الشهيد زيارتهم في بورسعيد، فرحب الإمام بذلك، وكان ذلك في (غرة المحرم 1349هـ= مايو 1930 م).

أخذ الإمام "البنا" البيعة على الرعيل الأول من شباب بورسعيد على الجهاد في سبيل هذه الدعوة حتى يظهرها الله، وبدا للإخوان بعد ذلك أن يتخذوا لهم مكانًا خاصًّا، ونفذوا فكرتهم، وأجروا شقة متواضعة في شارع الميناء، كانت هي الدار الأولى للإخوان في بورسعيد، ولما كانت الاشتراكات التي تجمع من هذا النفر لا تفي بنفقات دار خاصة، وكانت القاعدة المعتمدة المقررة عند الإخوان ألا يطلبوا من الناس مالاً حتى يؤمنوا بالدعوة أولاً ويدركوا فضل البذل في سبيلها من تلقاء أنفسهم، فهم طلاب قلوب، لا جباة جيوب، فإن الإسماعيلية أم الدعوة، تكفلت بالإسهام في النفقات وسداد ما لا تفي به اشتراكات إخوان بورسعيد الفضلاء.

دخول "البحر الصغير" في الدعوة

أول الغيث قطرة ثم ينهمر، فلقد خرجت أضواء الفجر الصادق من الإسماعيلية إلى بورسعيد، فاستقبلتها بورسعيد، وأرسلتها بجاذبيتها إلى قرى البحر الصغير.

ففي إحدى حفلات الإخوان في بورسعيد بمناسبة مشاهدهم ومشاعرهم الدينية، حضر وفد من أبناء (البحر الصغير) من (الجمالية) و(المنزلة)، واستمعوا إلى المحاضرات العامة، ثم طلبوا توضيحًا أكثر، فناقشوا وتفهموا الدعوة، وخرجوا وهم على ذمة الوفاء بوعد صادق أنهم سيحملون أعباءها في منطقة (البحر الصغير)، وكان في هذا الوفد الأخ "محمود أفندي عبد اللطيف" من الجمالية، والأخ "عمر أفندي غنام" وكيل شركة (سنجر) بالمنزلة.

ولم يمض وقت طويل حتى وردت المراسلات تترى، وتطلب تأسيس أول شعبة للإخوان في (البحر الصغير) بالمنزلة، وقد رأسها فضيلة الشيخ الجليل "مصطفى الطير"- أحد علماء الأزهر المرموقين- ثم توالت الشُّعَب تُؤسَّس، وفُتحت بعد ذلك في الجمالية بمنزل "آل عبد اللطيف" شعبة جديدة، وبالمنزلة بمنزل "آل طويلة"، وشعبة ميت سلسيل بمنزل "أحمد المدني".

يقول الإمام الشهيد: "أخذت الدعوة تحتل مكانها في هذا الجزء الكريم من الوطن العزيز، وزرت هذه الشعب بعد ذلك في آخر أيام الإسماعيلية عن طريق بورسعيد زيارة كانت عظيمة الخير والبركة؛ إذ بعثت في النفس أملاً عظيمًا في النجاح، وبذلك انتهى العام الثاني للدعوة في الإسماعيلية، وقد أصبح لها مركز عام في الإسماعيلية، وشعبة في (شبراخيت)، وأخرى في (أبو صوير)، وثالثة في بورسعيد، ورابعة في (البحر الصغير)، ثم بدأت بعد ذلك هذه الشُّعَب في الانتشار بسائر القرى.