نحناح.. داعية ظلمه الجميع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نحناح.. داعية ظلمه الجميع


كتب- عمر مهدي

توطئة

الداعية والمفكر الإسلامي الراحل الشيخ محفوظ نحناح ظلمه الجميع، معارضون ومحبون، وذلك لأسباب تتعلق في مجملها باختلافٍ في الرؤية، وفي الوقت الذي كان فيه صوت معارضيه عاليًا كان محبوه أو أنصاره يخافون إبداء التأييد له، سواء لنقصٍ منهم في فهم خلفياتِ قراراته وحركته السياسية والدعوية أو خشيةٍ من هجوم أصحاب الصوت العالي عليهم.

بعض معارضي ومؤيدي نحناح- رحمه الله- انطلق موقفهم ابتداءً من انتمائه الدعوي، بوصفه أحد أهم دعاة فكر الإخوان المسلمين، ليس في الجزائر فحسب بل في المغرب العربي والعالم أجمع.

أما الباقون فقد انطلق موقفهم- سواء المؤيدون (وهم قلة في وقته) أو المعارضة (وهم كثرة حينها)- من قراءتهم لمواقفه وقراراته الدعوية المصيرية.

نحناح قد يكون هو الداعية والمفكر الإسلامي الأكثر جدلاً في تاريخ الإخوان الحديث بعد الشهيد سيد قطب- رحمه الله- فإنْ كان قطب قد اختلف حول فكره الجميع- خاصة بعد وفاته- بين مؤيدٍ شديدٍ إلى حد التقديس ومعارضٍ أشد إلى حد التكفير فإنَّ نحناح لاقى نفس الموقف خاصة من المعارضة وهو حي، بينما جاء التأييد له بعد موته وانكشاف صحة مواقفه التي مال إليها والتي تدور كلها حول نبذ العنف من قاموس الدعوة داخل مجتمعاتنا الإسلامية أيًّا كانت المبررات.

داعية تسامح

يقول المفكر والداعية الإسلامي الشهير محمد أحمد الراشد: "إن ميزة محفوظ الكبرى تكمن في إيمانه الشديد الذي أبداه بوجوب الحفاظ على الشروط الدعوية المتكاملة وعلى الطبيعة التدريجية التربوية للعمل الإسلامي حين أهدرها عن عمدٍ أو نسيان مَن استحوذ على إعجابهم الصعود المفاجئ للصوت الإسلامي في الشارع الجزائري خلال مرسم واحد، لمَّا حدث الفراغ السياسي فملأته الخدمات الإسلامية".

ويضيف الراشد: "الميزة الكبرى الثانية لمحفوظ يوم حصل الاختلاط، وصيحت صيحات الثأر والهدم والدم، وأصاب الناسَ الرعبُ، فأبى محفوظ التورط، ولاذ بالعفاف والبراءة من الدم، والتمس أسباب السكينة والطمأنينة ليشيعها بين جماعته وعموم الناس، وآمن بالحوار والسلام، وثبت عند الرؤية الحضارية، ونَبَذَ العنف، وأدرك أن تراكم مفردات العمل الحضاري المنطلق من المعايير الإيمانية هو الكفيل بإنقاذ الجزائر من وهدتها، في خطة طويلة الأمد، لكنها مأمونة العواقب".

أما المفكر الإسلامي التونسي راشد الغنوشي فيقول عنه: "أعترف لهذا الرجل- أي نحناح- بسابقته في خدمة دعوة الإسلام على كل الجبهات منذ كان طالبًا في الآداب فأستاذًا جامعيًا لمادة التفسير، ودأبه على نشر مبادئ وقيم التجديد الإسلامي في الجزائر التي كانت يوم بدأ عمله قد استقلت حديثًا، وكان من شباب ثورتها الكبرى".

ويرى الغنوشي أن نحناح "قدم تصورًا هادئًا متسامحًا يعطي مكانًا واسعًا في الإسلام لكل ما هو إنساني وجميل وحديث.. من ديمقراطية وحقوق إنسان وذوق جميل ومال وتجارة وترفيه حلال وروح دعابة إلى حسٍ عميق تجاه المساكين والأرامل والعوانس، كما حفل خطابه بخصوصية نادرة في حركات التغيير عن الدفاع عن الدولة، وضرورة المحافظة عليها والخشية من الانفلات والفوضى".

ويقول الكاتب الصحفي الجزائري المقيم بالغرب- يحيى أبو زكريا- عن نحناح: "لقد كان نحناح يؤمن إلى النخاع بمشروع الدولة الإسلامية، لكن ليس عن طريق العنف والمواجهة بل عن طريق النضال السياسي، وخصوصًا في المجتمع الجزائري الشديد التعقيد والإرباكات".

أما المفكر الإسلامي الدكتور توفيق الواعي فيقول: "كان الرجل يضبط حركته بالوعي، ودعوته بالموضوعية، وأساليبه بالواقعية، فلا استعجال حتى تنبت البذرة وتعظم الشجرة وتنضج الثمرة، ولا تقاعس عن العمل والإخلاص والحركة، وهو بهذا كان تلميذًا نجيبًا لدعوة الإخوان المسلمين وللشيخ البنا رحمه الله".

وتقول عنه صحيفة أخبار الخليج في تقديرٍ لها عقب وفاته في شهر يونيو 2003م: "كان من أنشط مَنْ عَمِلَ على توثيق العلائق على المُستويات الإسلاميّة والقوميّة مع المشرق العربيّ، وتضييق الغربة بين مغرب الوطن العربيّ ومشرقهِ منذ كان في جامعة الجزائر، حتى إنَّ خصومًا لهُ كانوا آنفًا يتهمونهُ زورًا وبهتانًا بـ"الهوى الـمَشرقيّ"، وأنَّ انشغالاته بقضايا المشرق الغربيّ كانت أغلبَ عليهِ من الاهتمام الحميم بالشأن الوطنيّ الجزائريّ".

وتضيف الصحيفة: "لقد اعتاد النحناح- رحمهُ اللهُ- في كلّ مُحاضرة أو ندوة- في الجزائر أو في الخارج- أن يملأ جيوبهُ بفصوص الحلويّات الصغيرة المُغلَّفة حتى إذا علا الصياحُ وعلت هتافاتُ الاحتجاج ضده أخذ يُمنةً ويُسرةً يرمي الجمهور الشابَّ بهذه الحلويّات، وهو يبتسمُ ابتسامتهُ العريضة المُعتادة المُتهلّلة بالتفاؤل".

صحة موقفه

نحناح الذي لم يجد مدافعين أقوياء عنه حينما كان على قيد الحياة بسبب مواقفه الرافضة للعنف اعترف الكثيرون حاليًا داخل الجزائر وخارجها- سواءً بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة- بصحة مواقفه وقراءته الصحيحة للمستقبل.

فالانتقادات الرئيسية التي وجهها له الآخرون كانت بسبب رفضه لانتهاج العنف المسلح داخل المجتمع المسلم أيًّا كانت المبررات للحصول على الحق وأيًا كانت ممارسات السلطة، ورأى نحناح أنَّ السلطة ذاتها في مجتمعاتنا الإسلامية مع فسادها إلا أنَّ هناك أشخاصًا عقلاء بل ومخلصون يمكن التحاور معهم مقابل تيار الاستئصال الموجود داخلها.

فتيارات العنف في [[مصر[[ والجزائر وبعض الدول الأخرى انقسمت إلى فريقين فريق تراجع عن العنف تمامًا وأبدى ندمه عليها واعترافه بخطأ التجربة مثل الجماعة الإسلامية في مصر، وبعض تيارات الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر.

معتقلو جماعة الجهاد في مصر

أما الفريق الآخر فقد أوقف العنف دون أن يعترف بخطأ التجربة مثل تيار الجهاد في مصر، وبعض تيارات السلفية الجهادية في الجزائر، فيما عرف بعد ذلك بـ"الجبهة الإسلامية العالمية ضد الصهيونية والصليبية".

إذن المحصلة النهائية لتيارات العنف التي رفضت رؤية نحناح كانت التوقف عن العنف سواءً الاعتراف بخطأ التجربة أم لا، ولكن في النهاية توقف العنف لفشله في تحقيق النتائج المرجوة بل انكشف الكثير من الأخطاء التي ارتكبها أنصار العنف- مع وجود أخطاء بل وجرائم أكبر من الأنظمة الحاكمة- سواءً في الجزائر أو غيرها من البلدان العربية والإسلامية.

والآن وبعد مرور عامين على وفاة الشيخ نحناح يجب أن يعيد البعض قراءتهم لمواقف الشيخ وقراراته، وآثارها الإيجابية على المدى القريب أو المتوسط على مستقبل الإسلام والجزائر في آنٍ واحد.

نحناح لم يكن معصومًا من الخطأ ولكن منتقديه أيضًا لم يكونوا على صواب عندما كالوا الاتهامات للشيخ سواءً بسبب موقف مبدأي من الفكر الذي يمثله الشيخ أو لقراءتهم الخطأ لمواقفه ورؤاه واستئثارهم هم فقط - من وجهة نظرهم- بالصواب دون غيرهم.

والآن وبعد أكثر من 13 عامًا على العنف في الجزائر، وإزهاق أرواح أكثر من 150 ألف جزائري بيد السلطة وأنصار العنف معًا واستنزاف موارد الدولة يثور التساؤل الأكثر طرحًا هل كانت رؤية نحناح وتفضيله لبقاء الدولة والإسلام معًا أمام مخططات دولية ومحلية بل وإقليمية استغلت العنف لتفتيت إحدى أهم بلدان العالم الإسلامي وأكبرها مساحة أم أنصار العنف الذي كان هناك الكثير من الوسائل الأخرى للضغط بها تعبيرًا عن رفضهم لسياسة ما أو استرداد حق يعلم الجميع أن نحناح نفسه وحركته كانوا أحد صانعيه.

نحناح في سطور

- ولد الشيخ محفوظ نحناح في 28 يناير من عام 1942م بمدينة البليدة- جنوب الجزائر العاصمة.

- تلقى تعليمه في المدرسة الإصلاحية التي أنشأتها الحركة الوطنية للدفاع عن الذات العربية الإسلامية، ومقاومة التغريب ثم حصل على الليسانس (الإجازة) في الآداب وعلم النفس الصناعي بالجزائر.

- شارك في ثورة التحرير المباركة وهو في ريعان شبابه.

- بعد التحرير كان نحناح أشد المعارضين للخط الاشتراكي الذي اتخذه الرئيس هواري بومدين- والفرنسة التي اتبعها النظام- فعارض نحناح قانون الثورة الزراعية الفاسد عام 1971م في الجزائر، واعتبره قتلاً لروح الإبداع والمبادرة الحرة، وعارض ميثاق ودستور عام 1975م؛ لأنه جاء دون استشارة الشعب، فضلاً عن أنه جاء ليكرس الحرب على قيم المجتمع وأصالته وتراثه الثقافي والفكري، فاتهمه النظام الدكتاتوري الشمولي بمحاولة تحريض الشعب على العصيان، ومحاولة قلب نظام الحكم، فأُلقي القبض عليه، وحُكم عليه بالسجن خمسة عشر عامًا وأُطلق سراحه عام 1981 ثم أُعيد اعتقاله عدة مرات بعد ذلك.

ويقول الشيخ راشد الغنوشي "تعرَّض- الشيخ- لصنوفٍٍ من التعذيب وأمضى بضع سنوات في غياهب السجون؛ حيث أمكن لي- الغنوشي- التخفي مع أسرته لزيارته بالمستشفي خلال تلك الفترة بمدينة "الأصنام" التي تعرضت خلال وجوده بسجنها إلى زلزال شديد ترك الشيخ فجأة في العراء وقد تساقط كل ما حوله وفر من بقي على قيد الحياة بينما ظل هو ساكنًا هادئًا في انتظار عودة السجن والسجانين".

- تقلَّد منصب مدير مركز التعريب بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة.

- كان من بين المساهمين في تنظيم التجمع الإسلامي الكبير بالجامعة المركزية عام 1982م وصاغ بيان التجمع المذكور، ودعا عام 1989م إلى تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية برئاسة الشيخ أحمد سحنون لإيجاد مرجعية دينية للجزائريين، وكان أحد أعضائها إضافةً إلى الشيخ عباسي مدني وغيره من العلماء، وبعد الانفتاح السياسي ترأس جمعية الإرشاد والإصلاح الوطني التي تأسست في عام 1988م بالاشتراك مع الشيخ محمد بوسليماني الذي اغتالته الجماعة الإسلامية المسلحة عام 1994م.

- أنشأ حركة المجتمع الإسلامي حمس يوم 30 مايو 1991م وتولى منصب رئاستها وانتخب أول رئيس له.

- ترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت بالجزائر في نوفمبر 1995م والتي فاز فيها الرئيس الأسبق اليمين زروال، وحصل على المرتبة الثانية بقوة ثلاثة ملايين صوت حسب النتائج الرسمية المعلنة.

- كتب في كل ما يعالج أمراض أمته، فكتب في كثير من الموضوعات الشائكة من أمثال:

"المنهج الدعوي والمنهج الدموي" "الحركة الواعية بين الفجر الصادق والفجر الكاذب" "الحركة الواعية وإرادة التغيير".

- توفي محفوظ نحناح في يونيو 2003م إثر مرض عضال دام عدة أشهر وخلفه في رئاسة حركة مجتمع السلم الشيخ "أبو جرة سلطاني".

المصدر