نساء وبنات القادة الشهداء بفلسطين يتحدثن عنهم (1/2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نساء وبنات القادة الشهداء ب فلسطين يتحدثن عنهم (1/2)

حوار- ابتسام مصطفى

مقدمة

عرفناهم قادة أفذاذًا في مختلف الميادين الدعوية والسياسية والميدانية، الشيخ أحمد ياسين ، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ، المهندس إسماعيل أبو شنب ، الدكتور إبراهيم المقادمة ، القائد صلاح شحادة، كانوا جبالاً من الصمود والثبات، ورواسي من المواقف.

ولكن هل هذه الصفات هي سمات شخصية، أم سمات فرضتها ضرورات الحفاظ على القضية والنهج وعدم الخنوع والاستسلام؟

مَن يعرف أكثر من أقرب الناس إليهم؟ مَن يعرف علاقاتهم الإنسانية غير زوجاتهم وبناتهم؟! اللواتي كنَّ ينظرن إليهم بعين الحب والعطف والدفء العائلي.

كيف كان القادة في بيوتهم؟ وكيف كان تفانيهم في سبيل الله والوطن؟ هذا ما ستجيب عنه المقابلات التالية:

الشيخ الشهيد أحمد ياسين

1- الإمام الشهيد أحمد ياسين بعيون ابنته مريم مريم؛ إحدى كريمات الشيخ الشهيد أحمد ياسين ، تبلغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا، متزوجة ولها عدة أولاد, كانت الأقرب إلى أبيها تساعده في كل أموره قبل اعتقاله لأول مرة، ستحدثنا مريم عن البدايات وذكريات الأمس الجميل.

* كان دور والدك الشهيد مهمًا في حياة الأمة, كيف كان دوره في حياة أبنائه حين كانوا صغارًا وحتى أوصلهم إلى بر الأمان؟

كان أبي- رحمه الله- شخصية فذة، تجمعت فيها الكثير من الصفات التي قلَّما تجتمع في شخص واحد فكان هذا سببًا لقدرته على القيام بما قام به، عاش أبي لدعوته وأنفق جُلَّ وقته واهتمامه من أجلها كان يقضي معظم وقته في العبادة أو العمل، ورغم ذلك لم يهمل بيته إطلاقًا، فرغم انشغاله الشديد كان يغتنم أي فرصة ليسألنا عن أحوالنا وصلاتنا وعبادتنا يرسخ في نفوسنا القيم.. ربانا على حب الدين وأهمية العقيدة، ومن الذكريات الطريفة في ذلك الوقت أننا كنا نتباطأ عن القيام لصلاة الفجر فكان يطلب من أمي أن ترشَّ بعض الماء على وجوهنا حتى نقوم بسرعة!.
نحن ولله الحمد معظمنا منقبات وإخوتي جميعهم من أبناء الحركة الإسلامية، اهتم كثيرًا بتربيتنا وتعليمنا، وحين كبرنا اختار أزواجنا على أساس الدين والعقيدة فكانوا من خيرة الشباب، فمعظمهم اعتقل بسبب انتمائه لحركة حماس واثنين استشهدا خلال عملهم الجهادي.

* سبّبت حالة الشيخ الصحية وضعًا خاصًا للعائلة.. كيف كان ذلك؟

كان أبي يحتاج دائمًا لمن يساعده في كل الأمور كانت والدتي وأخواتي يقمن بكل احتياجاته حتى الوضوء وغيره، كان يستطيع في البداية التحرك قليلاً، ولكنه بعد سجنه عام 89 فقد القدرة على الحركة تمامًا، وعاد من السجن مريضًا جدًّا، كان دوري بالنسبة له قبل اعتقاله أنني كنت أساعده في إحضار ما يريد مطالعته من كتب وتنسيق أوراقه وغيرها من الأمور, فكنت أجلس بجانبه طوال الوقت في مكتبه، أكتب واجباتي المدرسية وألبي طلباته، لذلك كنت أحس أنني قريبة منه جدًا.
وحين خرج من السجن كانت حركته صعبة، ولم نستطع القيام بما كنا نقوم به تجاهه، فوفرت له الحركة مجموعة من المرافقين قاموا على خدمته وحراسته وبالذات بعد محاولة الاغتيال الأولى.

* واجه والدكِ في سجنه عام 1989 تهمة قيادة حركة حماس وتعرَّض لتعذيب جسدي ونفسي، كيف كان ذلك؟

في ذكرى قيام حركة حماس 14/12/ 1989 م تعرَّض والدي ومعظم قادة حماس للاعتقال، ووجهت له تهمة القيادة، ولكنه لم يعترف بذلك، أرادوا الضغط عليه أكثر فاستخدموا الضغط النفسي فقد جاءتنا بعد اعتقاله بثلاثة أيام رسالة مفادها أن له زيارة في سجن غزة المركزي، ذهبنا إلى هناك فأجلسونا نهارًا كاملاً دون أن نراه، في نهاية ذلك اليوم جاء أحد رجال المخابرات ونادى اسمي كي أدخل الغرفة، لم نكن نعلم أن هذا فخ لأبي؛ فقد كنا متلهفين لرؤيته، دخلت الغرفة فإذا بأبي في وضع صعب جدًا.
آثار الضرب والإرهاق والتعذيب الجسدي واضحة عليه، وبالذات نتف لحيته، وعلامات حريق بسبب إطفاء أعقاب السجائر في صدره، ولكنه كان صلبًا، رغم كل ذلك كانوا قد اعتقلوا أخي عبد الحميد معه في نفس الليلة ليكون تعذيبه وصوت صراخه وسيلة ضغط على أبي، ولم أكن أعلم أن إحضاري ورؤيتي لأبي كان للضغط عليه، فقد قالوا له: هذه ابنتك وسنفعل بها كذا وكذا، فلم ينطق بكلمة.. ثم قالوا لي: هل تريدين أن ترى زوجك؟ وكنت أعلم أن زوجي في سجن النقب يقضي حكمًا إداريًّا هناك لمدة ستة شهور، ولكنهم أحضروه أيضًا ليواجه مصير أبي في التعذيب وأخي كذلك.
وبعد ذلك أخرجوني إلى ممر طويل على جانبيه الكثير من الشباب مغمضي الأعين ومربوطي الأيدي، ورأيت بينهم أخي، والجميع يئن من الألم ثم سألوني بضعة أسئلة وبعدها أخرجوني ولكن أبي ظل قلقًا علي، وكذلك زوجي إذ لم يعلموا أني خرجت.

* بعد زواجك، كيف كانت علاقة الشيخ بعائلتك وأطفالك؟

بسبب ضيق بيت أهلي بنى لنا أبي غرفةً خاصة وتوابعها على سطح المنزل، كان حنونًا جدًا على أطفالنا، يغضب لو ضربنا أحدًا منهم، يمازحهم ويلاعبهم ويشجعهم على قراءة القرآن وحفظه ويخصص لهم الجوائز, وفي العيد كان يحرص على إسعادنا جميعًا حين نأتي إلى بيته، لم تمنعه ظروفه الخاصة ومشاغله من اهتمامه بأمورنا ومساعدتنا ماديًّا ومعنويًّا.
رحمه الله فقد كان القائد والمعلم والأب الحنون والزوج الرؤوف، ترك في حياتنا فراغًا كبيرًا.

الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

2- د. عبد العزيز الرنتيسي بعيون ابنته أسماء

استشهد القائد، ولكن كما يقولون (اللي خلف ما مات)، فقد ورثت صغرى بناته أسماء عينَيْ أبيها - ليس شكلاً فقط- بل تحديًّا وعزيمةً، فأثبتت أنها إحدى خنساوات العصر حين تلقت خبر استشهاد أبيها فوقفت بكل عزة إلى جانب أمها تتلقى التهنئة في بيت العزاء برغم صغر سنها وكونها المدللة عند أبيها!!

وكانت المحنة الثانية والضربة الموجعة لكل زوجة تحلم بالحياة السعيدة مع الزوج الذي التحق بكتائب القسام ليرتقي إلى العلا شهيدًا بعد استشهاد أبيها بأربعة أشهر ليتركها وحيدة هي وابنتها سارة (3 سنوات)، ولكنَّ من تربت على يدي القائد وقفت بعزة تتقبل التهاني باستشهاد زوجها وتصبّر المعزين!!

كنا نخشى أن ننكأ جراحها حين نواجهها بالسؤال، ولكنها كانت تبتسم بكل ثقة، وتشعرنا بالتفاؤل أمام هذه القوة وهي ترد على سؤالنا بأن تعرفنا بنفسها وبأفراد عائلتها؟

اسمي أسماء عبد العزيز الرنتيسي ، أبلغ من العمر 24 عامًا، متزوجة من علاء الدين الشريف الذي استشهد قبل فترة قليلة بتاريخ 17/8/ 2004 م، ورزقنا بطفلة اسمها سارة وعمرها الآن 3 سنوات، أدرس بالجامعة الإسلامية ب غزة في كلية التربية/ قسم رياضيات مستوى رابع.

* مَن أفراد عائلة الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي ؟

تزوج والداي عام 1973 ، أمي رشا العدلوني، ولي ثلاث أخوات هن المهندسة إيناس وسمر وآسيا وأخوان محمد ولديه طفل اسمه عبد العزيز وأحمد الذي تزوج منذ فترة بسيطة، أما عن أحفاد الدكتور فهم أربعة عشر حفيدًا.

* ما قبل الاعتقال الأول، كيف كانت علاقتكم بأبيكم؟ وما أبرز معالم شخصيته في تلك الفترة؟

كان أبي رحمه الله حنونًا جدًا علينا، يحاول ما أمكنه توفير احتياجاتنا، يعاملنا معاملة متميزة، لا أذكر أنه كان ينتهرنا بشدة كما يفعل الآباء، بل يعاملنا بحكمة ويستخدم معنا وسائل تربوية وسطًا بين التدليل والحكمة، أذكر أنه عندما كنت أخطئ بحق أحد من إخوتي كان يغضب مني ويظهر غضبه فأتضايق وأجلس وحدي لأبكي فأجده قد جاء ليراضيني.
كان يغيب كثيرًا عن البيت بسبب عمله كطبيب وانشغالاته المتعددة في الدعوة، ولكنه مع هذا كان دائمًا يخصص وقتًا لنا يكلمنا فيه عن شئوننا ويطمئن على دراستنا، وبالأخص أخواتي الأكبر مني، فقد كنت صغيرة في تلك الفترة.
هناك الكثير من المواقف التي توضح معالم شخصيته وخاصة كرمه، منها استضافته في بيتنا لأقاربنا واهتمامه بشئونهم، كذلك عطفه على جارة لنا لها أطفال صغار وحرصه على تلبية احتياجاتها.
ومنها أيضًا ما يدل على قوة شخصيته موقفة مع جنود الاحتلال الذين جاءوا لاعتقاله في بداية الانتفاضة الأولى وضربه لهم حين حاولوا الدخول لغرفة نومه، وكان يصرخ عليهم, وأذكر يومها كم شعرت بالفخر لأن أبي أقوى منهم، فقد كنا نحن الأطفال نعتقد أنه لا يوجد أحد أقوى من الجنود المدججين بالسلاح ولا يقوى أحد على التصدي لهم، ولكن أبي ضربهم وطردهم خارج الدار.. ورغم اعتقاله يومها إلا أنني شعرت بالفخر.

* غاب والدك طويلاً ما بين سجن وإبعاد كيف كانت مشاعركم في تلك الفترة؟

غياب والدي أحزنني كثيرًا، وكنت أتمنى دائمًا أن يكون معنا وبالذات في العيد، ولكن حكمة أمي وقوة عزيمتها هوَّنت علينا هذا الفقد بما كانت تبذله من جهود، وحين عاد أبي حاول جاهدًا أن يعوضنا عمَّا فقدناه من حنانه.
فقد تزوجت أخواتي وأبي ما زال في السجن، وأنا الوحيدة التي شَهِدَ والدي زواجها! وكان سعيدًا لذلك، كذلك كان يحب أبناءنا كثيرًا ويحملهم على كتفه ويصطحبهم معه ويشتري لهم ملابس العيد كانت حفيدته أسماء ابنة سمر (الحفيدة الأولى) شديدة التعلق به، وكان يحبها حبًا شديدًا.

* كيف كان القائد الرنتيسي في التزامه وعباداته؟

لقد كان قلبه موصولاً بالله عز وجل؛ قوامًا لليل صوامًا للنهار، يحرص على تلاوة القرآن الكريم، لسانه رطب بذكر الله عز وجل، ويستغل وقت فراغه لمراجعة ما حفظه من كتاب الله، وكان كثيرًا ما يطلب مني مساعدته في ذلك، وقد كانت لحظات ممتعة بالنسبة لي، والطريف هنا أنني كنت أترصد لوالدي أخطاءه وكنت أفشل دائمًا.

* كيف استفدتِ من والدك دعويًّا؟

(مفتاح القلوب أن تعامل الناس بخلق حسن كريم) هذه هي القاعدة الدعوية التي استفدتها من والدي، فأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر لا يأتي إلا بعد أن نكسب قلوبهم، لقد كان أبي يطبق هذا مع كل مَن عرف، ولذلك كان داعية ناجحًا.

* رحل والدك ولكنه ترك الكثيرَ من الذكريات في ذهن مَن أحبوه, ماذا ترك في مخيلة أسماء؟

هناك الكثير من الذكريات المحفورة في الوجدان فلا تنسى، ولكن يحضرني الآن مشهدان، أحدهما عندما كنت صغيرة أغضبت أمي مرة فضربتني، وكان لهذه الضربة مكانة في جسدي، فأخذت أنتظر والدي حتى عاد، فهرولتُ لأفتح له الباب وأشكي أمي له، وحينما رأى مكان الضربة فقال لي (أكيد تستاهلي)!
أما موقف اليوم الأخير فلن أنساه أبدًا، فقد جلسنا يومها نتحدث عن زواج أخي أحمد، وكان يداعب ابنتي سارة فتضحك بصوتٍ عالٍ، وكان يسرُّ كثيرًا لذلك، وحين كان يستعد للخروج لم أرَ يومها أجمل منه, بالفعل كان كأنه عريس يستعد للقاء عروسه رحمه الله.

الشهيد الدكتور إبراهيم المقادمة

3- د. إبراهيم المقادمة بعيون ابنته فاطمة

بِكر أبيها.. وحبيبة قلبه.. يصطحبها معه في مشاويره ورحلاته مع الأصدقاء، ولكنه غاب خلف القضبان!! فلم تعد تسكن بين أحضانه كما تعودت.. وانقضت الأعوام وكبرت فاطمة وتزوجت، وانتقلت إلى بيتٍ آخر وحين عاد!! هرعت إلى حضنه من جديد تبثه شوق سنين طوال.

* هكذا كانت حياة فاطمة وأبيها الدكتور الشهيد إبراهيم المقادمة.. فماذا تقول فاطمة عن والدها وحياته العائلية؟

تزوج والدي عام 1977 م من ابنة ابن عمه حين كان يدرس الطب في جامعات جمهورية مصر العربية فأمي ليس لها أقارب هنا في غزة .
نشأ والدي في بيئة متدينة صالحة مارست الجهاد أثناء النكبة فقد اشترى جدي من مصاغ زوجته بندقية ليدافع بها عن قريته, ورث أبي هذا الحب للوطن والدين باكرًا، واشتهر بقوة الشخصية, ذكر لنا مرة أنه كان ذا توجه إسلامي بالفطرة، فكان يذهب إلى المسجد وهو صغير ولم يكن أحد يؤمّ المساجد غير كبار السن بسبب الخوف من الملاحقات التي كانت تستهدف الإخوان المسلمين ، فكانت هذه تهمة كل شاب يرتاد المساجد, يذكر مرة أن والدته تشاجرت مع جارتها فعيَّرتها أن ابنها (خريج سجون)، وكان هذا الشاب مسجونًا بتهمة الانتماء إلى الإخوان في مصر ، فما كان منه إلا أن أقفل فمَّ والدته وأدخلها للبيت (رغم أن عمره لم يتجاوز بعد 12 سنة) غضبًا من النيل من هذا الشاب التقي والمشهور بحسن أخلاقه!

* متى اعتقل والدك أول مرة, وكيف أثَّر هذا الاعتقال على نفسيتك أنت وإخوتك؟

اعتقل والدي أول مرة في 1984 م في قضية السلاح التي اتهم فيها الإمام الشهيد أحمد ياسين وحكم عليه بالسجن 9 أعوام قضاها جميعًا.
أذكر قبيل اعتقاله بأيام كان يشعر بذلك، أخذنا أنا وأخي أحمد إلى السوق وكان العيد على الأبواب واشترى لنا ملابس العيد، وأوصى أمي أن تلبسنا إياها لو لم يكن موجودًا، وبالفعل لبسناها بعد أسبوعين وكان معتقلاً.
وقد عبَّر والدي عن حبه وحنانه لنا في قصائده التي كتبها في السجن توضح لهفة هذا الأب على أبنائه واشتياقه لمعرفة أخبارهم واهتمامه بتفاصيل حياتهم كما في قصيدة:

عام دراسي جديد

في غدٍ عام جديد

قد كبرنا يا أبي وافتقدناك طويلاً

مرَّ عيدٌ ثم عيدٌ ثم عيد

كم حلمنا أن ترانا دون قضبان الحديد

كثيرة هي المواقف التي أتذكرها عن حياة أبي قبل الاعتقال الأول رغم صغر سني وقتذاك (6 سنوات)، أذكر أنني مرضت مرة وكانت حرارتي مرتفعة فكان يبدي القلق الشديد وأبى أن يذهب للنوم رغم توسلات والدتي له فأمامه عمل صعب في الصباح، ولكنه كان يأبى إلا أن يشرف على علاجنا بنفسه.
وكان يتابع أخبار دراستنا رغم سجنه، ويسأل عن درجاتنا ويفرح جدًا حين يعلم أننا متفوقون أو حفظنا جزءًا جديدًا من القرآن.

* بعد خروجه من السجن كيف كان يوازن بين انشغالاته الكثيرة وواجبه تجاهكم؟

أكثر ما كان يبعده عنا هو الاعتقال، وخاصةً بعد خروجه من سجن الاحتلال ليسجن ويعذب ثم يطارد من قبل السلطة ثم يعود للسجن ثانية، ولكنه رغم ذلك كان يحاول أن يعوضنا أثناء وجوده بيننا عن هذا الفقدان, كنا نشعر بحبه وعطفه وحنانه فرغم أنني متزوجة ولي عدة أطفال إلى أنني كنت أشعر أنني أعيش طفولتي مرةًَ أخرى حين أذهب إلى بيت أبى من شدة لهفته عليَ, كان رحمه الله أبًا مثاليًا، حتى إنَّ أولادي كانوا متعلقين به جدًا، وأذكر مرةً أنهم أخفوا أحذيتهم حين جاء والدهم ليصطحبهم إلى المنزل وتوسلوا إليه أن يبقوا عند جدهم (فهو يشتري لهم الكثير من الحلويات)، وحين تعرَّض إصبع ابنتي لحادث اصطحبها إلى المستشفى بنفسه رغم خوفنا الشديد على حياته بسبب الظروف الأمنية، إلا أنه أبى إلا أن يطمئن عليها بنفسه!!
كذلك كان أخي المدلل أبو بكر والذي كان يبلغ من العمر 10 سنوات حين استشهد والدي لا يفارقه لحظة حين يكون في البيت ويبدي الغضب من كثرة انشغال والدي وخروجه إلى عمله حتى إنه كان يمسك بطرف (الثوب) الذي كان يلبسه والدي ويصمم على الخروج معه.
كان دائمًا يردد أنه يفرح حين يعود من المدرسة فيجد والدي موجودًا في البيت ويتناول الغداء معهم، وكان عمله الدعوي يقتضي منه إما أن يكون خارج المنزل وعنده اجتماع أو في المنزل مشغولاً، كذلك فكان أبو بكر يرفض الذهاب إلى الحمام حتى لا يخرج والده دون أن يراه!!
كنت قد تغيبت فترة عن الذهاب إلى بيت أهلي وإغلاق الطرق وحين وصلت وقت المغرب كان أبي خارجًا لاجتماع وحين سألته متى يعود؟؟
حدد موعدًا ثم فوجئنا بعودته قبل موعده فسألناه عن السبب؟ فقال لأنه بعد أن أنهى اجتماعه دعاهم صاحب البيت لتناول طعام العشاء فاعتذر والدي لوجودي عندهم في المنزل، فقال له عمو أبو محمد (الشهيد القائد عبد العزيز الرنتيسي ) مازحًا:

وأنا ابنتاي عندنا في البيت، ولكني سأبقى لأتعشى!!

فرد أبي:

ولكن هذه فاطمة!! ولي مدة لم أرها.

* اهتمام والدك بكم تعدى الجوانب العاطفية..كيف كان ذلك؟

رغم حنانه الشديد علينا إلا أنه كان أيضًا يهتم براحتنا في كل شيء، ويهتم بتفاصيل حياتنا الصغيرة، ذكرت أمامه مرةً أنه لا يوجد في بيتي ثلاجة لأحفظ بها الخضار، وكنا نتحدث عن شح الخضار والسمك في السوق، ففوجئت في اليوم التالي بأخي يحضر لي ثلاجة بناءً على طلب والدي, وكذلك حين تعرَّضنا أنا وزوجي لضائقة مالية استدان من صديق له ليساعدنا.
رحم الله والدي فقد كان مثاليًا في كل شيء.

نقلاً عن مجلة فلسطين المسلمة.

المصدر

للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.