نواب الإخوان يطالبون بفتح ملف الفساد من جديد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نواب الإخوان يطالبون بفتح ملف الفساد من جديد


2004-25-12

القاهرة- عبد المعز محمد

مقدمة

- الأسباب سياسة واقتصادية وفترة التسعينيات هي الأسوأ

- التقارير الرقابية تحذر: قضية فساد حكومية كل دقيقتين

- غياب الشفافية والحرية وراء زيادة معدلات الرشوة والمحسوبية

فجَّر سؤال برلماني قدمه نائب الإخوان المسلمين بالبرلمان المصري حسنين الشورة مصيرَ قضايا الفساد التي تم اكتشافُها في الجهاز الحكومي والإداري للدولة المصرية، والتي وصلت- طبقًا لما أورده النائب في سؤاله- أكثر من 72 ألف قضية في العام الواحد، بمعدل قضية كل دقيقتين.

النائب تساءل عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للقضاء على هذه الظاهرة؟! كما تساءل عن المعايير التي يتم بها اختيار المسئولين بأجهزة الدولة لإيقاف هذه الانحرافات؟! مشيرًا إلى أن قضيةَ الدكتور محمد إبراهيم سليمان والدكتور ممدوح حمزة فتحت ملفات فساد كثيرة داخل وزارة الإسكان المصرية، وهو ما يجعل هذا الملف من الملفات المهمة التي يجب على الحكومة وضعُها على رأس أولوياتها.

يأتي سؤال نائب الإخوان في وقتٍ أصبحَ الإعلانُ عن قضايا فساد كبرى في الصحف المصرية من الأمور المألوفة والطبيعية، ولعل هذا ما أدى في النهاية إلى أن تحتل مصر مرتبةً متأخرةً في تقرير منظمة الشفافية الدولية، وقد أكدت دراسة حديثة عن تاريخ الفساد وتطوره بمصر أنه لولا عدم اهتمام الدولة بمحاربة الفساد خلال المائة عام الماضية لكانت مصر ضمن أولى الدول المتقدمة في العالم، وقد أكدت الدراسة أيضًا- والتي صدرت عن جامعة عين شمس- أن الفساد في مصر مرَّ بعدة مراحل، منها فساد القصر والأحزاب قبل 23 يوليو 1952م، وفساد ما بعد 1952م.

وإذا تأملنا فساد ما بعد الثورة- تبعًا لرؤساء الدولة- سنجد أن الفساد اتخذ طابعًا مختلفًا بين فترة وأخرى، فخلال الحقبة الناصرية اقتصر الفساد على بعض رجال الحكم، خاصةً من العسكريين الذين تولَّوا وظائف مدنية، وظهرت قضايا مثل سرقة مجوهرات أسرة محمد علي، وتجاوزات لجان تصفية الإقطاع، ثم فساد إدارات بعض شركات القطاع العام.. إلا أنه تم التغاضي عنها.

وحين بدأ الرئيس السادات مرحلة الانفتاح- عقب حرب أكتوبر- بدأ الفساد يتحول من الرشوة والعمولات واستغلال الوظيفة في الإثراء غير المشروع إلى استغلال النفوذ والمحسوبية وانتشار الوساطة في كافة المجالات، وسمعنا الكثير من التجاوزات من أسرة الرئيس السادات نفسه، وقُدم شقيق الرئيس للمحاكمة في أول حكم الرئيس مبارك، كما تمت محاكمات لوزير الكهرباء الأسبق أحمد سلطان ووزير الطيران في قضايا عمولات، منها قضية شركة (لوكهيد) الشهيرة.

وحددت الدراسة أسباب الفساد في الحقبة الساداتية بالآتي:

- التحول السياسي والاقتصادي دون تهيئة القواعد الاقتصادية لهذا التحول.

- الانفتاح بلا ضوابط مما فتح الباب لمزيد من التجاوزات.

- تفجير طاقات الاستهلاك لدى المواطنين العاديين وظهور شراهة استهلاكية.

- فساد الإدارة الحكومية وهي مرض تاريخي في تطور البيروقراطية المصرية.

- تعدد التشريعات والقرارات الوزارية والبحث عن مسارات للتحايل على هذه التشريعات والأنظمة.

- غياب الديمقراطية الحقيقية وسيادة صورة ممسوخة للتعددية الحزبية الفاقدة للقدرة على الحركة، خاصةً فيما أعقب انتفاضة الجياع في 18 يناير 1977م.

هكذا كان الفساد خلال الحقبة الساداتية ظاهرةً مرتبطةً بالانفتاح بلا ضوابط وغياب الديمقراطية الحقيقة، ولكن حين جاء الرئيس مبارك للحكم أعلن مبدأ (طهارة اليد)، وقدم بعض قضايا الفساد لامتصاص السخط الذي تراكم تجاه حكم الرئيس السادات، مثل: قضية عصمت السادات (شقيق الرئيس الراحل)، وقضية رشاد عثمان (أحد رموز الحقبة الساداتية)، ثم قضية توفيق عبد الحي (المعروفة إعلاميًّا بقضية الأغذية الفاسدة) وقضية تجار العملة (المعروفة بقضية سامي علي حسن)، ثم أعقب ذلك فضيحة ما سمي بشركات توظيف الأموال.. في محاولة من الرئيس مبارك لأن يصفي حسابات الماضي وموروث الفساد عن كافة العهود السابقة.

أسباب أخرى

ولكن بعد مرور عِقدين من حكم الرئيس مبارك، ورغم تعدد الأجهزة الرقابية في مصر، بدءًا من مجلس الشعب، والرقابة الإدارية، والجهاز المركزي للمحاسبات، ومرورًا بمباحث الأموال العامة التابع للشرطة، وجهاز المخابرات العامة المصرية.. تعددت قضايا الفساد حتى تحول من مجرد ظاهرة محدودة إلى جزء من آليات الأداء السياسي والاقتصادي، وبعد أن كانت قضايا الرشوة واستغلال النفوذ تقدم صغار موظفي الدولة صار المتهمون وزراء ولواءات شرطة وكبار موظفي الدولة، مثل: قضية عبد الحميد حسن (محافظ الجيزة الأسبق)، وقضية يحيى حسن (محافظ المنوفية الأسبق)، وقضية ماهر الجندي (محافظ الجيزة الأسبق)، وقضية سكرتير وزير الثقافة، وقضية الدكتور محيي الدين الغريب (وزير المالية الأسبق)، وقضية رئيس مجلس إدارة الشركة القومية للأسمنت، وقصية عبد الوهاب الحباك (رئيس الشركة القابضة للصناعات الهندسية)، وقضية نواب القروض، وقضية الفساد الكبرى بوزارة الزراعة، وقضية الآثار المتَّهم فيها أمين عام الحزب الوطني بالجيزة، وقضية محمد الوكيل في التليفزيون..!!

وتمتد القائمة وتتسع ويتضخم عدد القضايا ويتضخم حجم الأموال، وتكثر القضايا لتصل إلى مئات الملايين في قضايا رؤساء شركات القطاع العام، وتصل إلى المليارات في بعض القضايا.. مثل قضية نواب القروض..!!

أما أسباب هذا التحول في منظومة الفساد من مجرد أحد مظاهر الأداء إلى آلية رئيسية من آليات العمل السياسي والاقتصادي- بالإضافة إلى أسباب الفساد خلال الحقبة الساداتية والممتدة خلال المرحلة التي تليها- فقد أكدت الدراسة أن أسباب تحول الموضوع إلى ظاهرة يرجع إلى:

- غياب الديمقراطية بمعناها الحقيقي المتضمن للتغيير وتداول السلطة، وقصر الديكور الديمقراطي على صحف للصراخ والإثارة، وما قضية (جريدة النبأ) وانتشار الصحف الصفراء إلا جزء من هذه الظاهرة، مع حصار الأحزاب داخل المقرات الحزبية وفقدانها للتواجد في الشارع، وفقدان الأمل في التغيير الديمقراطي عبر صناديق الانتخاب في ظل التزوير الفاضح والتدخل السافر في جميع الانتخابات البرلمانية والنقابية.

- التوسع في الحصول على القروض والمعونات الأجنبية وما سببته من إفساد لموظفي الدولة على جميع المستويات، واعتبار أداء الموظف العام لعمله شيئًا يستحق عليه المكافأة مهما كان مصدرها.

- سياسة الخصخصة وتحويل شركات القطاع العام إلى القطاع الخاص، وما يشوب هذه السياسة من فساد في تقييم الشركات بشكل فاضح لصالح بعض المستثمرين، سواء من الداخل أو الخارج، ولعل ما أُثير حول بيع بعض الشركات- مثل البيبسى كولا والمراجل البخارية وغيرها- لَدليل على إهدار جزءٍ من ثروة مصر لصالح بعض المصالح الضيقة.

- استمرار عجز الميزان التجاري، والتوسع في الاستيراد بلا ضوابط حتى وصل حجم الواردات إلى 17 مليار دولار في عام 2000/م1999؛ ليصل عجز الميزان التجاري إلى 11.4 مليار دولار لنفس العام.

- التوسع في الإقراض المصرفي بلا ضوابط حتى تضخمت مديونيات القطاع الخاص وهرب كثير من رجال الأعمال للخارج وعجز آخرون عن سداد ديونهم.

- تخلي الدولة عن تقديم العديد من الخدمات العامة، خاصةً في مجالَي التعليم والصحة، وانتشار التعليم الخاص والمستشفيات الخاصة، وما تمثله من ضغوط على ميزانية الأسرة المصرية.

- انتشار الواسطة والمحسوبية، وسيادة الشعور بأن القانون لا يطبَّق إلا على الفقراء، بينما الاستثناءات هي من نصيب العائلات الحاكمة التي يزداد نفوذها لتشكل دوائر الثروة والحكم في مصر، ولتعمل بشكل خارج عن القانون وفوق القانون.

- سيادة الشعور بالاغتراب لدى المواطن العادي، وبأن القانون لا يطبَّق سوى على الفقراء، وظهور قضايا فساد بين القضاة؛ مما يؤدي إلى شعور بغياب العدالة وضعفها وسقوط قطاعات واسعة من الشباب فريسةَ البطالة والمخدرات.

لكل هذه الأسباب تحول الفساد من ظاهرة عارضة في مصر إلى جزء أصيل من آليات النظام السياسي والاقتصادي.

تقارير النيابة

على جانب آخر فما زالت تقارير الأجهزة الرقابية- وخاصةً النيابة الإدارية- تُصدر تقاريرَها عن قضايا الفساد في المصالح الحكومية المصرية، والتي وصلت لحد أن أصبحت مصر تشهد قضيةَ فساد كل دقيقتين؛ مما يمثل كارثةً حقيقيةً على الأوضاع، وطبقًا لآخر تقرير للنيابة الإدارية فإنه قد بلغ عدد قضايا الفساد المالي والإداري- داخل أجهزة الحكومة- 63.269 قضية لعام 2003م.

كما كشف التقرير عن ارتفاع معدل قضايا الفساد داخل قطاعات التعليم والطيران والبترول والإعلام، حققت النيابة في 63 ألفًا و10 قضايا، وتم ترحيل 259 قضيةً للعام التالي، وكشفت إحصائياتها الرسمية أن معدل الفساد بالحكومة جاء بواقع 211 قضيةً في اليوم، أي 35 قضيةً في الساعة، أي بمعدل قضية فساد كل دقيقتين، بما يشكِّل صورةً مخيفةً تؤكد مدى تغلغل الفساد في دوائر حكومة "الحزب الوطني" جدًا.

ويمضي التقرير الرسمي قائلاً: "إن قضايا الفساد المالي تمثلت في إهدار ملايين الجنيهات من المال العام، والاستيلاء عليه، والتلاعب في المناقصات والمزايدات والمشتريات وأعمال المخازن، وعدم إحكام الرقابة على أعمال الميزانية، والمبالغة في أوجه الإنفاق الحكومي التي تُكلف الخزانة العامة للدولة ملايين الجنيهات، مثل الإفراط في استعمال سيارات الحكومة وشرائها، وكافة أوجه الإنفاق في الوزارات والهيئات بشكل يؤدي إلى إهدار المال العام.

كما كشف تقارير هيئة الرقابة الإدارية أن عدد البلاغات التي جرى التحقيق فيها- فيما يتعلق بالتربح غير المشروع لمسئولين حكوميين يعملون في هيئات خاصة- تصل إلى نحو 600 بلاغ، كما قبض على حوالي 100 مسئول بدرجة وكيل وزارة قاموا باستغلال نفوذهم والحصول على ما يقرب من مليار جنيه كإتاوات.. وتشير تقارير أخرى أن متوسط عدد البلاغات تجاه المسئولين الذين يستغلون نفوذهم في فرض إتاوات وصل إلى 120 بلاغًا رسميًّا خلال عام 2002م فقط.

هروب رجال الأعمال

وكانت مصر قد شهدت في منتصف التسعينيات حالات هروب لرجال أعمال استولَوا على أموال البنوك، وهو ما عُرف وقتها بالهروب الكبير، وطبقًا لما جاء في النشرة الاقتصادية لوزارة الاقتصاد عام 2000م فإن جملةَ ما منحته البنوك من قروض يصل إلى 207 مليار دولار، منها حوالي 20 مليارًا تعثَّر أصحابها في سدادها بنسبة 6% تقريبًا؛ مما جعل بنوك القطاع العام تزيد من مخصصات رغم مركزها المالي لمواجهة الديون المشكوك فيها إلى 27 مليار دولار طبقًا لتقرير البنك المركزي عن الفترة من يوليو إلى سبتمبر عام 1999م.

وقد أكدت دراسةٌ للدكتورة سلوى العنتري- مدير البحوث بالبنك الأهلي المصري- أن القطاع الخاص يحصل على 52% من القروض بلا ضمانات من الجهاز المصرفي؛ استنادًا عليى سلامة المركز المالي، وتشير الدراسة إلى أكبر 20 عميلاً يحصلون على 10% من جملة التسهيلات والقروض الممنوحة من البنوك، وأن 250 رجل أعمال حصلوا على 36% من جملة التسهيلات والقروض للقطاع الخاص، وأن نسبة القروض المتعثرة تعدت نسبة 20% من إجمالي القروض.

كما كشفت الدراسة أن حجم الديون المعدومة في الجهاز المصرفي بلغت 5 مليارات جنيه، ومع تعثر مشروعات رجال الأعمال- نتيجة أزمة الركود التي كانت متوقعةً- توسع البعض الآخر في مشروعات دون وجود الخبرات الكافية، وبدأ العديد من رجال الأعمال يعاني شبح الإفلاس وعدم القدرة على سداد قروض البنوك؛ فاختفى البعض، وهرب البعض الآخر إلى الخارج، وقد رصد د. حمدي عبد العظيم- رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية- أن 36 مليار دولار خرجت من مصر أو هُرِّبت منها خلال عام 1998م فقط، منها تحويلات بنكية، وشهادات إيداع دولية، وتحويل عمليات استيراد، منها 25 مليار دولار في صورة خفية.

بينما أكد الدكتور عزيز صدقي- رئيس الوزراء المصري الأسبق- أن الرقم يصل إلى 170 مليار دولار، في حين ذهب الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في حلقاته لقناة الجزيرة أن المبلغ وصل إلى 300 مليار دولار، وقد افتتح رجل الأعمال توفيق عبد الحي مسلسل الهروب عام 1982م إثر فضيحة استيراد 1426 طنًا من الفراخ الفاسدة وبيعها للمصريين بجانب 25 قضية نصب واحتيال وإصدار شيكات دون رصيد، بعد أن حصل على 45 مليون دولار من ثلاثة بنوك كبرى بلا أية ضمانات أو مستندات، وعندما استدعته النيابة اكتشفت هروبه إلى سويسرا، وبعد ذلك كشفت التحقيقات أنه كانت له صلات ببعض المسئولين.

وفي عام 1987م كان الهروب الثاني للسيدة هدى عبد المنعم، والتي أسست شركة (هيدكو مصر) للإنشاءات والمقاولات عام 1986م، ولقِّبت فيما بعد بالمرأة الحديدية، ومن خلال حملةٍ صحفيةٍ ضخمةٍ تسابق المصريون في حجز دورهم في مشروعات المرأة الحديدية، والتي تمكنت بالفعل من جمع 45 مليون جنيه، وطلبت من المسئولين وقتها شراء مساحات كبيرة من الأرض قرب المطار، ووافق المسئولون على الرغم من حظر البناء في تلك المنطقة ودفعت 30% من قيمة الأرض، وأنشأت عددًا محدودًا من المباني، وبعد حملة صحفية لكشف قضية البناء في مناطق محظورة وطالبت باإزالة المباني بدأ الحاجزون في تقديم بلاغات للسلطات، ولتهدئة الموقف وقَّعت هدى عبد المنعم العديد من الشيكات دون رصيد، وعندما أصدر المدعي العام قرارًا بمنعها عن السفر بعد أن وصلت مديونيتها إلى 30 مليون جنيه وفرض الحراسة على أموالها ومحاكمتها فوجئ الجميع بهروبها إلى الخارج في ظروف غامضة.

واستمر مسلسل الهروب فهرب جورج إسحق حكيم- صاحب أشهر محلات إطارات وبطاريات للسيارات- في يونيو عام 1994م، بعد أن استولى على 60 مليون جنيه من بنوك الدقهلية والخليج ومصر، وهرب عبد الغني عطا- رئيس الشركة القومية للأسمنت- بعد أن استولى على 70 مليون دولار أثناء عمله بالشركة، وهرب رجل الأعمال محمد الجارحي بعد أن استولى على الملايين من أموال البنوك.. إلا أنه اتفق مع بنوك المصرية على تنازلها عن مبلغ 200 مليون جنيه من فوائد الديون حتى يتمكن من السداد، والشيء نفسه حدث مع رجل الأعمال المصري عادل فهمي والملقَّب باسم "دوارف" نسبةً إلى ماركة سمك التونة التي يمتلكها؛ حيث سافر إليه ممثلو البنوك في فبراير عام 1999م والتقوا به في لندن؛ للوصول إلى تسوية ديونه، وفيما بعد أعلن وزير الاقتصاد يوسف بطرس غالي أن محفظة القروض تبلغ 200 مليار جنيه والديون التي على مارك دوارف لا تؤثر فيها، ثم جاءت قضية نواب القروض الذين استولوا على مليار و650 مليون جنيه، ثم قضية هروب رامي لكح.

المصدر