هكذا تُهتك العصم وتحلّ النقم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هكذا تُهتك العصم وتحلّ النقم

بقلم الأستاذ/ فتحي يكن

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾ (الصف: 5).. إنه لمشهد مخيف، يستوقف النفس البشرية من أن تزيغ وتنحرف، لما يترتب على ذلك من تداعٍ وانحدار، ثم استغراق في عالم الزيغ وطريق الانحراف.. إنه لا إزاغة من الله من غير زيْغ من النفس.. ليبقى الإنسان مالكًا

لقراره، مسؤولاً عن تصرفاته، محددًا الطريق الذي يريد بمحض إرادته، ومطلق اختياره، وهو مناط التكليف ومعقِد المسؤولية.. ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (الشمس: من الآية7 إلى 10).

وبقدر ما يكون الزيغ والمكابرة والاصرار- بالرغم من المنبهات والمذكرات والمنذرات- تكون الإزاغة، إذ هي نتيجة طبيعية لسوء الاختيار، وسفه النفس وهبوطها وإسفافها.

إنه ظلم النفس للنفس، أشارت اليه آيات بينات كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾ (غافر:31)، ومنها قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا﴾ (السجدة: 22)، وقوله: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (يونس: 44).

من الطبيعي أن من يختار طريقًا سيوغل فيه- باحثًا ومنقبًا ومستزيدًا، فالذي يهوى العلم يُقبل عليه بنهم، ويرتقي في سلم درجاته إلى النهاية، وكذلك شأن من ارتضى الزيغ والانحراف- فردًا كان أم جماعة أم دولة أم أمة- فإنه سيصل إلى مُنتهى الدركات، بلا مكابح ولا حدود ﴿فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ (الحج: 31).

الخطورة تكمن دائمًا في الزيغ الأول، فإن استساغته النفس، ألِفته وطلبته، واستسهلت ما بعده.. ولقد كان الإمام الشهيد "حسن البنا" رضوان الله تعالى عليه، يُوصي من جاء ليودعه من الشباب المسلم المسافرين إلى بلاد الاغتراب للدراسة أو للعمل، فيقول: "احذروا السيجارة الأولى، والكأس الأولى، والمرأة الأولى".

من هذه (الأولى) تكون بداية هتك العصم، أعاذنا الله جميعًا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وجنبنا الذنوب التي تهتك العصم، وتنزل النقم، وتمنع النعم.

كلنا يعلم أن من يرتكب الجريمة الأولى تهون عليه الثانية، وتصبح الثالثة والرابعة عنده غير ذي بال، وكلنا يدرك أن الجرعة الأولى من المخدر تفتح باب الإدمان.

من هنا كانت عناية الإسلام بالوقاية أكبر من عنايته بالمعالجة على قاعدة "أن درهم وقاية خير من قنطار علاج"، كما كان تحذيره من الصغائر خشية الوقوع في الكبائر، مصداقًا لقوله- صلى الله عليه وسلم-: "إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن لا يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه"، وفي الشعر:

لا تحقرن صغيرةإن الجبال من الحصى

المصدر