هكذا علمتني غربتي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٤:٥٩، ١٤ يونيو ٢٠١٦ بواسطة Sherifmounir (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''<center><font color="blue"><font size=5> هكذا علمتني غربتي</font></font></center>''' '''بقلم : سامر الحرباوي''' ==إهداء== *إ...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هكذا علمتني غربتي


بقلم : سامر الحرباوي


إهداء

  • إلى أبي الغالي وأمّي الحنون وإخوتي الأحبّاء...
  • إلى زوجة المستقبل وشريكة العمر...
  • إلى معلمي الفاضل الدكتور عبد العظيم فاروق جاد...
  • إلى الصديقين الحميمين جنيد منير و يوسف جوهري...
  • إلى أطفال الحجارة وأبناء الياسين...
  • إليكم جميعاً...

أهدي أوّل أعمالي

قال الإمام الشافعي رحمه الله:

سافر تجدْ عوضـاً عمن تفــارقه

وانصب فإنّ لذيذ العيش في النصبِ

إني رأيت وقـوف المـاء يفسـده

إنْ سال طـاب وإنْ لم يجرلم يطبِ

والأسد لولا فراق الغاب ما افترست

والسهم لولا فراق القوس لم يصبِ

والتبر كالترب ملقـى في أمـاكنه

والعـود في أرضه نوع من الحطبِ

مقدمة

سنون تنقضي وأعوام تمر، وكل واحدٍ منا يمضي في طريقه التي اختارها وارتضاها لنفسه، فقليل منا ماضٍ في طريق نهضة الأمة، وبعضنا يمشي في طريق أحلامه ومصالحه الشخصية، وكثيرون هم من يزحفون في طريق المجهول!!

قد تطول بنا الطريق، وقد تباغتنا المفاجآت وتلتقينا العقبات، فعلينا أنْ نعدّ العدّة، وأنْ نتزوّد بكل ما يلزمنا حتى نضمن إنهاء الطريق بسلام ونجاح..

طريقٌ بدأت ولا بدّ لها من نهاية، فاحرص أن تكون نهايتك مشرقة مشرّفة، واجعل نهضة الأمة دوماً أكبر همومك..

نحن في هذه الدنيا عابرو سبيل، نمضي في مشوار حياتنا، تتقاذفنا الأمواج تارة، وتحتضننا نسمات الهواء تارة أخرى، فيكون لنا من ذلك عبراتٌ وعظاتٌ، وخواطري هذه ليست حصيلة سنين غربة قضيتها خارج حدود وطني فحسب، فكلنا حتى في أوطاننا "غرباء" !!

سامر الحرباوي

أيّار، 2007

علمتني غربتي أن أكثر السفر والترحال

علمتني غربتي أن أكثر السفر والترحال، وأن أجوب بلاد الله لا من أجل المتعة بل من أجل العبرة، ففي ترحالك وتنقلك بين البلاد تزويدٌ لها بخبرات ما كنت لتحصل عليها وأنت بين أهلك، وفي ترحالك وسفرك تعويدٌ لنفسك على تحمّل المسؤولية واستقلالٌ بذاتك، فغربتك ستذيقك من حلاوتها ومرارتها، وقد تكويك أحياناً بنارها، ولكنّ في ذلك تهذيباً لنفسك، وصقلاً لها...

ستلتقي في سفرك بأناس من جنسيات مختلفة، ما كنت لتلتقي بهم في بلدك، وستتعامل مع هؤلاء، وفي ذلك فرصةٌ عظيمةٌ لك للتكيّف معهم، وتعلّم فنّ التعامل مع الناس على اختلاف ثقافاتهم ولغاتهم وأجناسهم، وذلك أمرٌ ليس بسهل، فكثيرٌ من الناس يعجزون عن التفاهم والتعامل مع أناس من جنسيات مختلفة، بل إن بعضهم يخشى حتى المحاولة!!

في غربتك ستلتقي بشخصيات كثيرة، وستقيم علاقات جيدة، وستحصل على فرص عظيمة، وستكتسب خبرةً ما كنت أبداً لتكتسبها لو لم تسافر...

سر في الأرض، وتعرّف على ثقافات الأمم، وإياك أن تسخر من عادات بلد من البلدان، أو أن تتكبر عليهم فتخبرهم أنّ عادات بلدك أفضلُ وأحسن، بل احترم عادات الشعوب كلها، فالله خلقنا شعوباً وقبائلَ لنتعارف...

علمتني غربتي أن لا أعيش بلا هدف

علمتني غربتي أن لا أعيش بلا هدف، وأن لا أعيش بمليون هدف، فمن عاش حياته بلا هدف كان كمن يفقد طريقه في الصحراء يتخبط هنا وهناك لا يعرف إلى أين المسير، ومن عاش حياته بالكثير الكثير من الأهداف ضاع في زحامها، وصار يجوب بينها، يحاول تحقيق هذا الهدف أو ذاك، ولكنه لن يستطيع، فقواه محدودة، والوقت مُدْرِكُه لا محالة...

كل حلقة من حلقات مسلسل حياتك سترسمها أنت بريشتك التي لم تستخدمها حقّ الاستخدام بعد، ففكّر لمستقبلك ملياً، ضع نصب عينيك بضعة أهداف، واسعَ لتحقيقها، عليك بالإلحاح بالدعاء إلى الله عز وجل، وعليك بالمثابرة والكفاح دون كلل أو ملل، لربما تتعثر في الطريق، ولربما تسقط من علٍ ، فإن لم يكن سقوطك قاتلاً ولن يكون، فإنه سيكون السّلم الذي تخطو عليه أُولى خطواتك، وحينها، أحلامك التي لطالما بانت حتى ظننت أنها في عداد المستحيل ستصبح حقيقة، حقيقةً تعيش حلاوتها وأجمل معانيها، لأنك قد بذلت مجهوداً كبيراً في سبيل نيلها، فهنيئاً لك إن ذقت حلاوة النجاح...

علمتني غربتي أن لا أستهين بقدراتي وإمكانياتي

علمتني غربتي أن لا أستهين بقدراتي وإمكانياتي، وأن أؤمن بقدرتي على النجاح، فالإنسان ذو طاقات كبيرة، وبمقدوره فعل الكثير، لولا أنّ تخوفه من الفشل، وظنّه بأنّه ليس الشخص المناسب ليقوم بهكذا عمل، يجعله لا يتقدم ولا يحرز شيئاً...

ثق بنفسك، وأعطها المجال لتعمل وتنجز، لا تخف أن تفشل، فالشخص الوحيد الذي لا يفشل هو الشخص الذي لا يحاول، فإنْ فشلت فاجعل من فشلك تحدياً لنفسك، وواصل رحلتك، وبتصميمك وعزيمتك وقوة إرادتك سيكون لك ما تريد...

تأكد أنَّ بمقدورك فعلَ شيءٍ ما دام غيرك قد استطاع فعله، وكن على يقين أنّ الإنسان المثابر المُجِد لا بدّ وأن يصل...

إنّ نفسك تحمل بين طياتها روحاً جبارة، فأطلق لها العنان، وتأكّد أنّ النتائج في نهاية المطاف ستكون مرضية، إن لم تكن رائعة...

لا حجّة لك إنْ قلت إنك لم تحصل على فرصتك وإنّ غيرك لم يساعدوك، فأنت من تملك زمام الأمور، وأنت الذي تصنع الفرص، ثق بروحك وأخرجها من سجن شكوكك وأوهامك وتخوفاتك، افعل ذلك فالمفتاح بيدك، افعل ذلك وسترى أنّ بمقدور هذه النفس فعل الكثير!!.

علمتني غربتي أن أحلم بالمستقبل

علمتني غربتي أن أحلم بالمستقبل، على أن يكون حلماً يمكن تحقيقه، أي لا تحلم بأمورٍ أنت متأكدٌ من استحالة تحقيقها، وليس في ذلك دعوةٌ للإحباط بل هي دعوةٌ للواقعية، احلم بما شئت ما دمت تثق بقدراتك وتؤمن بالروح القوية التي تعيش بداخلك، تلك الروح التي يحركها الأمل، والتطلع إلى المستقبل الأفضل.

حلّق في سماء نفسك، وارسم لنفسك مساراتٍ تقود خطاك حتى تنجو بنفسك من متاهات هذا الزمان، ارسم أجمل الصور، ولوّنها بأبهى الألوان، واحلُم بما شئت، فإنّ أحلامك هذه ستكون الدافع المحفّز الذي يحثك على مواصلة المسير كلما لاقتك عقبة وبات تحقيق الحلم حلماً، وستكون أحلامك أيضاً أشبه ما تكون بدفتر المذكرات، تعود إليه بين الفينة والفينة، لتستجمع قواك، وتجدّد العهد على مواصلة المسير...

حتى ولو لم تستطع تحقيق الحلم الذي قد حلمت به، فإنك لن تخسر الكثير، بل إنّ الخبرات التي اكتسبتها في مشوار أحلامك الأولى ستساعدك في بدء حلم جديد، وتفادي العثرات التي لاقيتها في ذلك المشوار، عليك بالمحاولة مرات ومرات، وسيكون النجاح حليفك بإذن الله، واعلم أنه وإن لم تنجح في تحقيق حلم قد حلمت به، فإنه يكفيك أنك قد عشت حلاوة ذلك الحلم، وشرف المحاولة وحده يكفيك!!

علمتني غربتي أن أخطّط للمستقبل

علمتني غربتي أن أخطّط للمستقبل، القريب والبعيد، وأنْ أضع النقاط على الحروف قبل القيام بأي مشروعٍ مهما كان صغيراً، فعدم التخطيط من أهم المشكلات التي تُضعِف مجتمعاتنا الإسلامية عامة، والعربية خاصة، لأنّ عدم التخطيط سيؤدي إلى عشوائية العمل، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف الأداء في نهاية المطاف.

خطّط قبل القيام بأي عمل، فالغدُ دائماً يحمل لك بين طياته من المفاجآت ما قد يدمر مشاريعك كلها ما لم تحسن التخطيط..

فنّ التخطيط لا يُولَد مع الإنسان، بل يحتاج الواحد منّا إلى وقت وخبرة حتى يتقن هذا الفن، فتَعَلُّمُه يكون تدريجياً، فحتى لو كنت مبتدئاً في هذا الفن، حاول أنْ تخطط، قد تحسن وقد تسيء، ولكنك ستتعلم من أخطائك، وسترتقي بمستواك وقدرتك على التخطيط، وكن متيقناً أنّ سوء التخطيط أفضلُ من عدمه.

ضعْ لنفسك خطة سنوية أو شهرية أو أسبوعية بحسب احتياجك، وضعْ فيها مشاريعك وواجباتك وأشياء أخرى تريد القيام بها، ثم ابدأ بتنفيذ مشاريعك، الأهم فالأقل أهمية وهكذا، واحرص على أن تأخذ عامل الوقت بعين الاعتبار، وبعد انتهاء الفترة المحددة لإنهاء مشاريعك التي خططت لها سلْ نفسك: هل حققت أهدافك المحددة في وقتها المحدد؟؟ ما هي المشاكل التي واجهتها؟؟ وكيف يمكن تفاديها؟؟ ما هي حسنات هذا المخطط؟؟ استفد من تجربتك هذه في خطتك القادمة، وستكون من الناجحين والمبدعين بإذن الله...

علمتني غربتي أن أكثر الدعاء والمناجاة

علمتني غربتي أن أكثر الدعاء ومناجاة الله عز وجل، وأن أتقرّب إليه بهذا الدعاء في كل وقت وحين، فإنْ كان لي حاجة سألته إياها، وإنْ كنت في كربة سألته الفرج، وإنْ كنت في حيرة سألته السداد والرشاد..

ادعُ الله عز وجل، تجدْه قريباً سميعاً مجيباً لدعائك، وإن كنت ذا حاجة فاسأل الله ولا تسأل الناس، فالناس لا يقدرون منحك شيئاً لم يشأ الله لك اقتناءه..

ادعُ الله، فدعاؤك سيخفف من مرارة أحزانك، وينسيك مصاعب غربتك، ويشعرك بالسكينة والطمأنينة، ودعاؤك سيجدد الأمل في نفسك، ويبعث فيها العزيمة، ويحثها على مواصلة المسير..

اجعل لك من أوقاتك هنيهات تذكر فيها الله عز وجل وتدعوه، فاسأله ما شئت وألحّ عليه بالدعاء، هو خلقنا وهو يتدبّر أمورنا ويرعانا، فمن لنا غير الله؟؟

علمتني غربتي أن أغتنم الوقت كله

علمتني غربتي أن أغتنم الوقت كله، وأن لا أضيع ثانية في غير منفعة، فعمرك أيها الإنسان قصير جداً، وعجلة الزمان تجري دونما وقوف، فستنقضي الأيام وستمر السنون، حتى تقترب عجلة زمانك من وصول آخر الطريق، والإنسان الغافل لن يشعر باقتراب نهاية رحلته إلا بعد فوات الأوان، فيلتفت إلى الخلف، ويحاول الرجوع بالعجلة إلى الوراء، ولو لبضعة أمتار، ولكن هيهات هيهات!! فيحاول حينها أن يخفّف سرعة العجلة، ولن يستطيع، عندها ستقف العجلة، وِقفة لا حراك بعدها أبداً، لقد مات ابن آدم!!

الإنسان العاقل هو الذي يقود عجلة زمانه ولا يجعلها تقوده، فإذا ما باتت نهايته قريبةً وقد رأى آخر الطريق، مضى في طريقه هادئاً مطمئناً واثقاً، فقد جدّ واجتهد، ولم يُضِع أوقاته دونما منفعة، فقد حان وقت الثواب والأجر، وهو لذلك يتوق أيّما توق.

كلما ازداد الإنسان علماً أو زادت مسؤولياته ازداد شعوره بأهمية الوقت، فبات يحرص عليه حرص الأم على رضيعها. اعلم أنّ اغتنام الإنسان لوقته من علامات رضى الله عنه، واعلم أنّ الواجبات أكثر من الأوقات، فاغتنم وقتك أيها الإنسان...

علمتني غربتي أن لا أحتكم إلى عقلي وحده

علمتني غربتي أن لا أحتكم إلى عقلي وحده في حكمي على الأمور أو اختياري للأشياء، فالعقل لا يستطيع بمفرده إطلاق الأحكام، والعقل يحلّل الأمور ويبني أحكامه على أساس علمه أو التجارب التي قد مر بها، ولكنه في ذلك يحتاج إلى القلب، لأنّ القلب بمقدوره فهم أمور ليس للعقل علمٌ بها، فالقلب دليل قوي للإنسان يستطيع من خلاله تمييز الأشياء واختيار أفضلها، والقلب الأبيض النقي لطالما كان شعلةً من نور تقود صاحبها إلى الخير.

البعض يزعم أنّ النساء هن اللاتي يحتكمن إلى قلوبهن، وأنه من العيب على الرجل أنْ يسأل قلبه!! وهذا زعم بعيد عن الحقيقة كل البعد، فعلى الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، أن يحتكم إلى قلبه وعقله حتى يصل إلى القرار الأفضل، بل إن الإنسان العاطفي هو الأفضل في اتخاذ قراراته، الأنجح في حياته، وليس في ذلك دعوة مني الى العاطفية البحته، بل هي إشارة مني إلى أهمية إدخال القلب إلى حلبة الحياة حكماً...

القلب، الذي يحسبه البعض لا يعدو كونه عضلة بحجم القبضة، هو ذو قدرات خارقة، يستطيع المرء من خلاله أن يرى أشياءَ ما كان له أن يراها إلا بقلبه، فعيون القلب أكثر بصيرة وأقوى رؤية من عيون الوجه !! بالقلب يستطيع الإنسان أنْ يبصرَ من حوله ويشعر بهم، ويعرف ما يجري في أعماق أعماقهم...

علمتني غربتي أن أستشير

علمتني غربتي أن أستشير بعض من أحسبهم أهلاً لذلك عند إقدامي على أمر ما، وأن أسألهم رأيهم وأطلب نُصحهم، فالإنسان قد يغفل عن بعض الأمور التي كان لزاماً عليه الانتباه لها عند إقدامه على ما قدم عزم عليه، فتكون غفلته سبباً في فشله، أو وقوعه في مشكلات ما كان ليقع فيها لو أنه استشار غيره في أمره...

شاوِر من تثق بهم قبل أن تُقدِم على مشروع جديد، فقد تكون خبرتك محدودة في هكذا أمور، وغيرك قد يحمل خبرة كبيرة في المجال الذي تودّ أن تبحِر فيه.

حتى وإن كنت ذا خبرة كبيرة، فهذا لا يعني عدم حاجتك لأناس تستشيرهم، فهم قد يرون الأمور من منظور آخر، يكون أفضل بكثير من منظورك أنت، استشرهم وادرس كلامهم جيداً ولن تخسر شيئاً، بل ستستفيد من خبراتهم وطريقة تفكيرهم في الأمور.

إذا طلبت النصح من أحدهم فسيشعر أنك تهتم برأيه وتقدّر خبرته في الحياة، فسيفرح للثقة التي منحته إياها، وتأكّد بأنه لن يبخل عليك بأي نصيحة أو مساعدة يستطيع القيام بها، وقد يرشدك إلى من يستطيع مساعدتك إنْ عجز عنها هو!!.

علمتني غربتي أن أداوم على الأمور التي أقوم بها

علمتني غربتي أن أداوم على الأمور التي أقوم بها، وأن أستمرّ في تطبيقها، لأنّ الانقطاع سيؤدي إلى ضعف الأداء، والتأخر في الارتقاء، وقد يؤدي إلى عدم إمكانية الوصول إلى المستوى المطلوب أو الهدف المرجو.

الاستمرارية تجعل القيام بأمر ما أمراً اعتيادياً، والاستمرارية تقلل من الجهد والعناء المطلوب للقيام بهذا الأمر لأنك قد اعتدت على القيام به، والاستمرارية في كل أمور حياتك ستكون عاملاً مساعداً في تنظيم وقتك، لأنك مداوم على القيام بأمور معينة في أوقات معينة، فينتظم وقتك، وينصلح حالك.

حتى تحقق هدفاً معيناً، عليك أن تقوم بخطوات معينة، لفترة معينة تنتهي بتحقيق ذلك الهدف، وهذا يتطلب منك الاستمرارية في ذلك العمل والمواظبة على تلك الخطوات، فبدونها يستحيل تحقيق الهدف، فكيف تحقق هدفاً قد توقفت أنت عن العمل لأجله؟!!

داوم على أمورك كلها، حتى وإن بدت صغيرة أو قليلة، فقليل دائم خيرٌ من كثير منقطع، استمر في أعمالك الخيّرة مهما بدت صغيرة، لأنها بجدّك ومداومتك عليها ستنمو وتكبر، وتصل أغصانها عنان السماء..

علمتني غربتي أن لا أيأس

علمتني غربتي أن لا أيأس، فاليأس يطفئ شمعة الأمل في الإنسان، ويثنيه عن مواصلة المسير، ويخلق له أجواء مظلمة يرى فيها كل شيء قد بات مستحيل التحقيق صعب المنال، فتنسد عليه منافذ الهواء، فلا يعود للحياة أي معنى..

اليأس شعور خطير قد يقتل صاحبه إذا لم يتخلص منه، والإنسان اليائس تراه دوماً عابس الوجه، كثير التذمر، سريع الغضب، ففي نَظَره، لم يعد بمقدوره فعل شيء، والحياة قد انتهت !!

كن مؤمناً بالله، ولن يدخل اليأس قلبك إن شاء الله، واعلم أن لك في هذه الحياة صولات وجولات، ستفوز ببعضها وتهزم في بعض، ولن تكون في هزيمتك نهاية لحياتك، بل اجعل منها الأمل الذي يزيد تصميمك على مواصلة رحلة الحياة.

كلما ضاقت بك الحياة أو انسدّت عليك منافذُ أنت كنت أحوج ما تكون إليها، فتذكر أن الله عز وجل معك، وفكر ملياً في تلك المنافذ التي قد سُدّت، فمن هناك ستجد الحل، وسيهيئ الله عز وجل لك طريقاً تنجو به مما أنت فيه، ولربما كان في انسداد ذلك المنفذ خيرٌ لك، وأنت لا علم لك بذلك!! فلا داعي لأن تيأس، واصبر فلك الأجر في ذلك، وأقبل على الله بالدعاء، وبتصميمك وعزمك وأملك المتجدّد ستتحقق الأحلام إن شاء الله..

علمتني غربتي أن لا أستعجل تحقيق شيءٍ

علمتني غربتي أن لا أستعجل تحقيق شيءٍ ما أو الحصول على شيءٍ ما، فمَن استعجل بالشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، واعلم أنّ رزقك مكتوب، فما عليك إلا أن تجتهد وتجدّ في الطلب، وأقبل على الله بالدعاء، واترك الباقي لله عز وجل فهو سيتكفل بك ويرزقك من حيث لا تحتسب، فمن لنا غير الله؟؟

والشخص الذي يستعجل أمور حياته يراه الناس أرعنَ عديمَ الصبر، وقد يستتفهه البعض، لأنّ استعجاله سيجعله دائم الكلام والشكوى، كثير القلق، دائم الحيرة، فيصبح محلّ انتقاد البعض.

النتائج تكون أحلى ما تكون في وقتها، فإنْ كنت طالباً على سبيل المثال وعرفت نتائجك، بطريقة ما، قبل زملائك، خسرت لذة الاحتفال بالنجاح مع زملائك، والطفل يولد ضعيفاً إذا وَضَعَته أمّه قبل إتمام الشهر التاسع.. كذلك هي أمور الحياة كلها، فكل شيء له وقت محدد، وكل شيء مكتوب ومقدر، فلا تكن عجولاً...

علمتني غربتي أن أواجه مشاكل الحياة

علمتني غربتي أن أواجه مشاكل الحياة لا أنْ أهرب منها أو أخشى لقاءها، ففي هروبك من مرارة واقعك، ومن مشاكلَ قد تعترضك، دلالةٌ واضحةٌ على ضعف قدرتك على حل مشاكلك، وخوفك من عواقب تلك المشاكل.

حياة الإنسان لن تخلو أبداً من المشكلات، فإن بتّ أيها الإنسان تدير ظهرك لأي مشكلة تعترضك، وتغيّر مسار رحلتك إذا مرت بك أسراب قليلة من منغصات الحياة التي لا تنتهي، فاعلم أنك ستتأخر كثيراً في تحقيق أحلامك وطموحاتك وأهدافك، وقد لا تصل نهاية الطريق أبداً، فينتهي عمرك وأنت في منتصف الطريق!!

واجِه مشكلاتك بنفسك وحاول أن تحلّها بمفردك، ولا ضيرَ في أن تستعين بأحدهم إنْ دعتك الحاجة لذلك، واعلم أنّ في مواجهتك لمشكلاتك صقلاً لنفسك، فهكذا نفس، ستحمل فيما بعد شهادة خبرة في حلّ مشكلات الحياة، وستصبح مرجعاً لمن حولها من الناس يقصدونها كلما ضاقت عليهم دنياهم وأصابتهم بائسة.

قد يصعب الأمر عليك في البداية، لكنّ الخبرة التي تكتسبها في بداية الطريق ستكون كفيلة لإكمال الطريق بسرعة وإنهاء المهمة على أفضل وجه، فمَن كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، هاجم مشكلاتك ولا تجعلها تبدأ الهجوم واحرص على أن تحمل نفسك شهادة الخبرة تلك...

علمتني غربتي أن لا أحزن إذا أصابني مصاب

علمتني غربتي أن لا أحزن إذا أصابني مصاب أو حلّ بي بلاء، بل أقابل مصيبتي بالشكر والرضى والإقبال على الله عز وجل، فالمصيبة امتحان يمتحن الله عز وجل به عباده، فكن مؤمناً بقضاء الحكيم العليم وقدره، حتى تجتاز ذلك الامتحان.

وقد تكون مصيبتك إشارةً من الله عز وجل لك بأنك قد غرقت في ذنوبك ومعاصيك، فعندها عليك أن تفرح، لأن الله يحبّك، ويريد لك الهداية، فأقبل على الله نادماً تائباً.

لا تحزن لمصيبة أصابتك، فحزنك لن يرجع لك حبيباً فقدته أو مالاً خسرته، بل اجعل من خسارتك تلك انبزاغاً لفجر جديد، وميلاداً لأمل لا ينطفئ.

لا تحزن لمصيبة حلت بك، وانظر لمن حولك من الناس، سترى أنّ كلاً عنده مصاب، وكلاً عنده هموم، وستحمَد الله عز وجل على حالك، فمصاب غيرك قد يكون أقسى كثيراً من مصابك!!

لا تحزن، وأقبل على رب العباد، فكم سيفرح بك، ادع الله عز وجل، واسجد في الليل والناس نيام، ضع جبهتك على الأرض واقترب من الله، أشكُ له عِظَم مصابك، وجدد العهد معه على الخير، ستنهمر دموعك، وستهدأ بعدها روحك، وسيشع في قلبك نور جديد يعيد إليه الأمل، فتبدأ الحياة من جديد...

علمتني غربتي أن أراجع حساباتي

علمتني غربتي أن أخصّص من وقتي جزءاً قصيراً أراجع فيه حساباتي، وأعاتب فيه نفسي التي لطالما أذنبت وقصّرت، فقد يمرّ الإنسان بأمور تغير مسار رحلته، رحلةِ العمر، لربما نحو الأسوأ، فالرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فيمضي الإنسان في طريقه الجديد، ظاناً أنه قد أحسن الصنع، ولا يشعر بمرارة الحقيقة، حقيقةِ الضياع، إلا بعد فوات الأوان!!

اجعل لك من أوقاتك دقائقَ تخلو فيها بنفسك، وفكِّر فيما قد صنعت منذ آخر مرة خلوت فيها بنفسك، أأحسنت الصنع وأبليت بلاءً حسناً؟؟ أم أسأت إلى نفسك وإلى الآخرين؟؟ هل حققت شيئاً من أهدافك وأحلامك؟؟ أم أنك لم تفعل شيئاً سوى أنك مكثت تعدّ الدقائق والثواني حتى تنقضي لتبدأ يومك الجديد؟!!

اخلُ بنفسك كلما شعرت بالضيق، فهكذا شعور ينبع من معاتبة نفسية ومحاسبة ذاتية، فإنْ كنت ممن ينتابهم هكذا شعور، فهنيئاً لك، فما زال قلبك ينبض وما زالت روحك مليئة بالخير، ففكّر فيما صنعت، كافئ نفسك على أمور أحسنت الصنع فيها، وتعلّم من أخطائك، وجدِّد همتك على مواصلة المشوار، وجدِّد نيتك وأخلصها لله تعالى، افعل ذلك، وستشعر بالتجديد في حياتك، وستبدأ مرحلة التغيير في نفسك، التغيير نحو الأفضل...

علمتني غربتي أن أكون معتدلاً في أمور حياتي كلها

علمتني غربتي أن أكون معتدلاً في أمور حياتي كلها، وأن أتوسّط في كل شيء، فإنّ خير الأمور أواسطها، والله عز وجل قد جعلنا خيرَ أمة أخرجت للناس، أمةً وسطاً..

توسّطْ في كل شيء، وأعطِ كل ذي حق حقه، واعلم أنك عن ذلك مسؤول أمام الله عز وجل، فلا تفرط في الجري خلف متاع الدنيا وتنسى حق ربك، ولا تفرط في العبادة وتنسى حق أهلك، ولا تفرط في اهتمامك بنفسك وتنسى حقوق الناس من حولك، ولا تفرط في العمل وتنسى حق بدنك، بل كن معتدلاً في أمور حياتك كلها، فهكذا كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أعرض عن سنته فليس منه...

تعلَّم الوسطية في كل شيء، فلا تكن مسرفاً مبذراً ولا تكن مقتراً بخيلاً، ولا تكن شديداً يهرب الناس منك، ولا ضعيفاً يهزأ الناس بك، وقد صدق من قال: "لا تكن طريّاً فتعصر، ولا يابساً فتكسر"!!

علمتني غربتي أن أكون مسؤولاً عن أقوالي وأفعالي

علمتني غربتي أن أكون مسؤولاً عن أقوالي وأفعالي وكل شؤون حياتي، فالشعور بالمسؤولية يجعل الإنسان جاداً في حياته، مجتهداً في أعماله، حريصاً على تحقيق أهدافه.

واللامبالاة آفة يجب على الإنسان التخلص منها، فالإنسان اللامبالي لا يراقب أقواله وأفعاله، ولا يعمل حساباً لمستقبله، غيرُ جادٍ في حياته، يحسب كل شيء سهل الوصول والمنال، فتراه يضيع وقته، يتأخّر عن مواعيده، ويتناسى مسؤولياته، وبذلك لن يرتقيَ ولن يحقّق شيئاً من أهدافه.

الشعور بالمسؤولية يضمن للإنسان المواظبة والمثابرة والاجتهاد، فالشخص المسؤول دائمُ التفكير في كيفية تحقيق أحلامه، فيخطّط لذلك جيداً، ويحرص على عدم إضاعة وقته، ويضع أهدافه نصب عينيه ويبدأ مشواره، وبذلك سيكون وصوله إلى القمة أمراً حتمياً بمشيئة الله عز وجل.

احرص على القيام بمسؤولياتك تجاه نفسك وأهلك وأصحابك ومجتمعك وقبل كل ذلك تجاه ربك، واعلم أنك ستسأل أمام الله عن هذه المسؤوليات، فهل أنت مستعد للإجابة يومئذٍ ؟؟

علمتني غربتي أن أصمت

علمتني غربتي أن أصمت، وأن لا أتكلم إلا إن كان هناك حاجة لذلك، أو طلب أحدهم إليّ الحديث سائلاً رأيي ومعونتي، فمَن كَثُر كلامه كَثُر سقطه، والإنسان كثير الكلام يراه الناس أرعنَ، خصوصاً إن كان لا يتقن فنون الكلام!! وكثير الكلام يتحاشاه الناس لأنهم يعلمون تمام العلم أنه لا يكتم سراً، وكثير الكلام يتجنّبه الناس لأنه عادة ما يكون سبباً في وقوعهم في مشاكلَ هم أصلاً كانوا في غنىً عنها، لولا أنْ تكلم هذا الثرثار!

والصمت يزيد الإنسان وقاراً وهيبة، ويُعطي من أمامك انطباعاً بأنك إنسان حكيم تقيس الأمور بمقياس عقلي، فيقف من أمامك حائراً أمام صمتك، فإنْ كان عدواً أو خصماًً صَعُب عليه الإيقاع بك، فكيف يأخذ عليك كلاماً لم تنطقه شفتاك، فيزداد غيظه، فيحاول أن يستفزك ولكن هيهات هيهات، فأنت كما أنت، الإنسان الصامت الذي يصعب معرفة ما يجري في قرارة نفسه، وهو بكلّ من حوله شاعر وعالم.

الصمت يجعل من حولك يحتارون لأمرك، حتى يصبحوا متلهفين لمعرفة ما تحمله هذه النفس بين طياتها، وما تحمله تلك العيون التي قلّما رمشت في بحورها، فاصمت ولا تتكلم إلا اذا كان لغيرك بكلامك حاجةٌ أو دعتك إلى ذلك ضرورةٌ، وتلك الحكمة بعينها...

علمتني غربتي أن لا أغضب

علمتني غربتي أن لا أغضب، فالغضب يصيب عيون صاحبه بالعمى، فينطق كلاماً ويأتي بأفعال قد يندم عليها فيما بعد، والرجل الحقيقي هو من استطاع امتلاك زمام أموره في ساعة غضب.

والإنسان في ساعة الغضب، سيأتي بأشياءَ لم يكن ليفعلها في وضعه الطبيعي، وقد تظهر منه عيوب لطالما حاول إخفاءها، فهو، ساعة غضبه، ليس سيّد نفسه.

والناس بطبيعة الحال يتحاشون الإنسان سريع الغضب، وينفرون منه، لأنه في أي لحظة قد يثور بركاناً لا يمكن إخماده، وعندها لا بد لكل من حوله أن ينال شيئاً من حِمَم ذلك البركان.

وسرعة الغضب تختلف من شخص لآخر، فبعضنا يغضب لأي أمر اعترضه، وآخرون يَصْعُب إغضابهم، إلا أنّ الإنسان يستطيع ترويض نفسه، وهو لذلك يحتاج بعض الوقت، فيعتاد على التأني وامتلاك نفسه في ساعة الغضب، فإذا غضبت، فلا تبدأ الصراخ ولا تعتدِ على أحد، فبإمكانك استعادة حقك الذي غضبت لأجله بطرقٍ أُخرى سيحترمك الآخرون عليها، وستقي نفسك شر كلمات سوف تندم عليها بعد أن تعود إلى رشدك...

علمتني غربتي أن لا أكثر المزاح

علمتني غربتي أن لا أكثر المزاح، وأن أكون جاداً في تعاملي مع الغير ما استطعت، فإنّ كثرة المزاح تطيح بهيبة الإنسان، وتنتقص من قدره في عيون من حوله، فيرَوْنه شخصاً أرعنَ لعوباً.

والإنسان كثير المزاح تتقاذفه ألسن الناس، ويسهُل عليهم الاستهزاء به، أو التجريح في شخصه، أمّا إن كان الإنسان جاداً في تعامله مع غيره استحال على الناس التطاول عليه بأيّ صورة كانت.

المزاح أمر مستحسن على أن يكون مع الشخص المناسب، في الوقت المناسب، وبالكيفية المناسبة، واحرص أن لا تمازح شخصاً على مرأىً من أناس يكره هو أن يُمازَح أمامهم فقد يكون في ذلك سبيلٌ لهؤلاء للإيقاع بينكما، وقد يكون في ذلك سببٌ في هجر صديقك لك، فأنت لم تراعِ مشاعره ولم تحترم قدره.

اعلم أن المزاح في وقت المزاح شيئ جميل ومستحب، ولكنْ تذكر أنّ المزاح في غير موضعه لن يجلب لك سوى المتاعب، فلكلّ مقام مقال...

علمتني غربتي أن لا أكون بذيء اللسان

علمتني غربتي أن لا أكون بذيء اللسان فاحش القول، وأن لا أنطق إلا بخير، ففحش القول مخالف لتعاليم إسلامنا الحنيف، والمسلم يجب عليه أن يتحلى بأخلاق حميدة، فلا يقول إلا خيراً، ولا يفعل إلا خيراً.

والشخص "طويل اللسان" يتجنبه الناس ويبتعدون عنه، فطولُ لسانه قد يطولهم يوماً ما وإنْ كانوا أعزَّ أصحابه!!

فكّر قبل أن تنطق ببنت شفه، فإن لم يكن لغيرك بما ستقوله حاجة، أو ظننت ولو للحظة أن ما ستقوله سيؤخذ عليك، لما فيه من سفاهة أو فحش، فأبقه في صدرك، وأبقِ عليك هيبتك وقدرك.

انتقِ ما تقول، فلسانك بمقدوره نطق ما هو حسن مستحب، وما هو سيء مكروه، فاحرص على أن تنطق قولاً طيباً وكلاماً حكيماً يُرضي ربك ويحترمك عليه الآخرون.

إياك أن تسيء القول أو تسخر بأحد لتُضحِك مَنْ حولك، محاولاً إظهار نفسك بمظهر الشخص خفيف الظل، فتسيء للآخرين وتغضب الله من أجل إرضاء البعض، ولن يرضوا عنك وإن أظهروا لك الرضى، فسَتصغُر في عيونهم، وسيسهُل عليهم التجريح في شخصك، فاحفظ عليك لسانك، واعلم أنك مسؤول ومحاسب عن كل ما تقول، واجعل لسانك سلاحاً للخير...

علمتني غربتي أن أكون صبوراً

علمتني غربتي أن أكون صبوراً، فالصبر مفتاح الفرج، والإنسان الصبور يرى دوماً في صبره اقتراباً لظفره وتفريجاً لكروبه.

اصبر، فالقدر يحمل لك بين طيّاته الكثير من المآسي والمصائب والويلات، وانعدام الصبر سيكون سبباً في تحطيم نفسك وانقطاع أملك في مواصلة المسير..

اصبر، فبعض من حولك يحملون في صدورهم غلاً وحسداً سيكون سبباً في ظلمهم لك، وانعدام صبرك سيكون سبباً في تعاستك وبؤسك..

اصبر، فأنت بشر ونفسك مليئة بشهوات تسعى لإشباعها، وانعدام صبرك سيكون سبباً في وقوعك في المعاصي والمحرمات...

اصبر وصابر ورابط، فأعداء الدّين قد احتلوا بلادك وانتهكوا عِرضك ووضعوا بنادقهم في صدور أهلك، فانعدام صبرك سيكون سبباً في ذلّك وهوانك والموت أرحمُ من ذلك!!

اصبر، وتأكد أنّ الظلم لا يدوم، فستسطع شمس فجر جديد، تنسى فيه كل معاناتك...

اصبر واعلم أنّ في صبرك إرضاءً لخالقك الذي أمرك بالصبر، وصقلاً لنفسك التي يهذبها الصبر، ونيلاً لاحترام الناس الذين يَعْجَبون لعِظَم أمر الصبر!!

اجعل من صبرك الدرع الذي تتقي فيه غدر السنين، والعتاد الذي تقاوم به غدر المحتلين، اصبر حتى يعجز الصبر عن صبرك...

علمتني غربتي أن أسأل وأستفسر عن الأمور التي لا أفهمها

علمتني غربتي أن أسأل وأستفسر عن الأمور التي لا أفهمها أوْ لا أتقنها في مشواري التعليمي، ومشواري الحياتي على وجه العموم، وهذه ليست دعوة للفضولية، وإنما هي إشارة وتأكيد على أهمية الحرص على فهم ما يمرّ به الإنسان في حياته والإلمام بشتى العلوم، خصوصاً ما له علاقة باختصاصك.

إياك أن تخجل في طلب العلم، ظناً منك أنّ من حولك سيهزؤون بأسئلتك، أو أنك الوحيد الذي لا يعرف، وتأكّد أنّ ما يجري في ذهنك من أسئلة سيجري في ذهن أحدهم أو بعضهم ولربما كلهم في الوقت نفسه، لولا أنّ شعورهم بالحياء والخجل من طرح تلك الأسئلة منعهم من طرحها!!

تأكد أنّ الإنسان يدرس في مدرسة الحياة منذ ولادته وحتى الممات، واعلم أنه من ادّعى أو ظنّ نفسه على علم فقد جهِل، فلا تتردد ولو للحظة في طرح ما يخطر في بالك من أسئلة..

احرص على أن تسأل، واعلم أن علمك سيكون ثمرةَ سنينَ كثيرةٍ من الجهد والجدّ في القراءة والتعلم، فإن خجلت أنْ تسأل ما قد لاح في أفق بالك اليوم، فقد لا تستطيع أنْ تسأله غداً!!

علمتني غربتي أن لا أكذب مهما حصل

علمتني غربتي أن لا أكذب مهما حصل، وأن أكون صادقاً في أقوالي كلّها، فحبل الكذب، كما قال أهل الشام، قصير!! فإن كنت قد أخطأت أو أسأت فلا تكذب واعترف بخطئك، فإن فعلت ذلك كنت صادقاً وشجاعاً في عيون من حولك، وسيساعدونك في إيجاد مخرج لمأزقك، وإن لم تفعل، كنت مخطئاً كذوباً جباناً.

لا تكذب أبداً، واعلم أن حقيقة الأمر ستبان وتظهر ولو بعد حين، ولن تدوم كذبتك، وما يدريك، ربما لو صدقت في بداية الأمر لانتهت المشكلة عندها، ولربما اخفاؤك للحقيقة سيكون سبباً في خلق مشاكلَ جديدةٍ ما كانت أبداً في الحسبان!!

الإنسان الكذوب يتحاشاه القوم، لأنه ليس أهلاً للثقة، ومَن كان يقول لك الأكاذيب، فما الذي سيمنعه أن يقول الأكاذيب عنك أنت؟!

إياك والكذب، فالمؤمن، كما أخبرنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، لا يكذب، واعلم أن الكذّاب لن ينعم براحة البال أبداً، وسيبقى دوماً يحلم بكابوس ظهور الحقيقة!!

حذار والكذب، فإنّ الإنسان إذا اعتاد الكذب أصبح الكذب من شِيَمِه فصعُب عليه التخلص منه، وصار يجري في نفسه كما يجري الدم في عروقه، فيُكتب عند الله كذّاباً، ويراه الناس كذّاباً.

قد يكذب الشخص لا لأنّ الكذب من سماته ولكنْ لخوفه من عواقب انفضاح الأمر الذي كذب لأجله، ولكنْ تأكّد أنّ الكذب لنْ ينفعك ولنْ يغني عنك شيئاً، اصدق وتحمل نتائج أخطائك، وتأكّد أنّ النتائج ستكون أحسن بألف مرة إنْ صدقت القول، اصدق وانعم براحة البال وارتياح الضمير...

علمتني غربتي أن لا أتذمر

علمتني غربتي أن لا أتذمر، وأن لا أكثر الشكوى، فإنّ في ذلك دلالة على انعدام الصبر، واستعجال الأمور، وضعف العزيمة.

إياك وكثرة التذمر والشكوى لمن حولك من الناس، فإن فعلت ذلك، رأوا فيك شخصاً ضعيفاً، وملّوا الحديث معك وكرهوا مجالستك، بل هربوا إذا ما لحتَ لهم في الأفق!!

ليس عيباً أن تبوح بما في قلبك من مرارة أحزانك لبعض أصحابك، فالإنسان بطبيعته يرتاح لذلك لأنه يحسّ أنّ شخصاً حوله يشاطره أحزانه ويهتمّ لأمره، ولكنْ لا تُكثِر شكواك ولا تجعلها عادة، فذلك ليس من الحكمة في شيء.

إنْ ضاق صدرك من كثرة الهموم، وشعرت برغبة عارمة في البكاء، فاشكُ إلى الله، يكفيك حاجة السؤال إلى الناس، اشكُ إليه ضعف قوّتك وقلّة حيلتك، وأقبل عليه بالدعاء، وألحّ عليه ، فالله يحب عبده اللحوح، أقبل على الله، في كل وقت وحين، وتأكد بأنّ الله لن ينساك ...

علمتني غربتي أن لا أغترّ بنفسي

علمتني غربتي أن لا أغترّ بنفسي وأن لا أتعالَ على غيري مهما حصل، فالتواضع شرط أساسي في طالب العلم وسمة محمودة يجب توافرها عند الإنسان، فإذا اختال الإنسان على مَن حوله كرهوه وتجنبوه، فكيف لهم أن يحبوا الاجتماع بشخص يحسب نفسه خيراً منهم.

مهما تفوّقت، ومهما علت مرتبتك، فلا تتكبر على مَن حولك، خصوصاً أصحابك، لأنّ أصحابك هؤلاء هم الذين ساعدوك في مسيرتك حتى صرت إلى ما صرت إليه، فاحفظ لهم جميلهم، وأحسن إليهم.

لا تختل أو تتكبّر على الناس حولك أبداً، واعلم أنه إنْ كنت تظنّ أنك ذو مرتبة بين الناس، فتأكد أنّ الناس هم من أعطوك تلك المرتبة، فالسيّد لا يكون سيداً إلا بقومه، فإنْ تكبّرت على الناس هجروك ونفروا منك، وتركوك حتى لا يظلّ لك أحدٌ تختال عليه إلا نفسك !!

تذكّر أنك لا تعدو كونك إنساناً، من سماته النقص، واعلم أنك مهما فعلت فإنك ستبقى ذلك المخلوق الضعيف الذي لا يستطيع العيش بمفرده ويحتاج دوماً إلى من حوله، فأبقِ على من حولك، وتذكّر أنه مَن تواضع لله رفعه، وأنّ الله عز وجل قد ناداك وأمرك أن لا تختال في الأرض، فمهما فعلت فلن تعدو كونك " إنساناً" ...

علمتني غربتي أن أقبل النصيحة

علمتني غربتي أن أقبل النصيحة، وأن لا أتعالَ وأتكبر ظناً مني أني لا أحتاج النصح من أحدهم، فكلّنا خطّاء، وكلنا أحوج ما نكون إلى النصح.

قد ترى أنّ النصيحة جاءت في غير مكانها، فأنت غير ملزم بتنفيذ تلك النصيحة، ولكنْ على الأقل، أعطِ الشخص الذي طرق بابك ناصحاً أُذُناً صاغية، واشكرْه على اهتمامه وادعُ له بالخير في ظهر الغيب.

اقبل النصيحة، فقد يكون من جاءك ناصحاً أكثر منك وعياً ودرايةً في أمور الحياة، وقد يعلم أموراً لا عِلم لك بها، وقد يرى الأمور بمنظور آخرَ، مختلفٍ عن منظورك أنت، فاستمع له، وفكّر فيما قال، ولك بعدها حريةُ الاختيار.

عليك أنت أيضاً بنُصح الغير، فالدين النصيحة، فإنْ رأيت أحدهم بحاجة إلى نصيحتك فلا تبخل عليه بها، أقبلْ عليه بقلبك، وأشعِرْه بأنك تريد له الخير كلّ الخير، أخبِرْه بما يجول في قرارةِ نفسك، وقدِّم له عِللاً وتفسيراتٍ لكلّ ما تقول، وتأكّد بأنه سيفرح بنصيحتك كثيراً؛ لأنه يرى فيك الآن صديقاً حميماً حريصاً على مصلحته ومنفعته...

علمتني غربتي أن لا أتدخل في أمر لا يعنيني

علمتني غربتي أن لا أتدخل في أمر لا يعنيني، وأن لا أحشر أنفي في أمور لا شأن لي بها، فإنّ ذلك تطفّل على أمور الناس، واختراق لحدودهم وحرماتهم، وإنْ كانوا قد تناقشوا و تجادلوا في أمرٍ على مرأىً منك ومسمع، فأمسك عليك لسانك، ولا تنبس ببنت شفه، ولا تتدخل إلا إذا طُلِب إليك ذلك، فإنْ حشرت أنفك في ما لا يخصّك، سيواجهك الناس بالهجر والعتاب، هذا إذا لم تنلْكَ ألسنتُهم بالسّباب والشتائم.

لا تتدخل في أمور لا تعنيك حتى لو كنت تنوي الإصلاح وفعل الخير، فقد يكون تدخلك سبباً في تضخيم المشكلة وإخراجِها من حيزها الصّغير إلى متّسع كبير، فتكبُر المشكلة وتتفاقم ويتعذّر حلُّها بسبب تطفلك!!

حتى وإنْ ظننت أنّ المسألة قد تعنيك بشكل أو بآخر، وشعرت أنّ وجودك أو تدخّلك في الموضوع غيرُ مرغوب فيه، فلا تتدخّل، واعلم أنّ في تجاهلك للأمر خيراً لك، فإنْ كان مَن حولك لا يرغبون بسماع رأيك، فكيف تجبرهم أنت على سماعه!!

حتى وإنْ فتحوا المجال لتطفّلك، وتركوك تتكلم حتى تنهيَ كلامك، فكن على يقين أنّ كلامك لن يعنيَ لهم شيئاً ولن يُؤخَذ بعين الاعتبار، فكيف يأخذون بكلام قد فُرِض عليهم فرضاً وهم له كارهون!! احرص على أنْ لا تتدخل في شؤون غيرك كما لا تحب أنْ لا يتدخل أحدهم في خصوصياتك، واحفظ ماء وجهك!!

أن تكون لي في طيّات نفسي "غرفة صغيرة" لا يَطرق بابها سواي

علمتني غربتي أن تكون لي في طيّات نفسي "غرفة صغيرة" لا يَطرق بابها سواي، فمهما كان صديقك حميماً وقريباً، فلا بدّ أن يكون عندك أسرارك الخاصة التي لا يجب أنْ يطلع هو عليها، فلا تخبره بكل ما يصول ويجول في نفسك، خصوصاً إذا لم تكن له بذلك حاجة...

والثقة لا تلغي الحيطة، فكن دائما مستعداً للأسوأ، ومن الممكن أن يفشيَ صديقك سرَّك لا غدراً بك وإنما محاولةً منه لمساعدتك على سبيل المثال، لأنّ له نظرةًً في الأمور تختلف عن نظرتك، فتكون محاولته هذه سبباً للإطاحة بك!!

الثقة شيء جميل، نبنيه في سنوات طوال، فإذا كان حولَك من تثق بهم ويثقون بك، ستعيش بأمان وستنعم بالراحة لأنك تعلَم أنّ مَن حولك سيكونون عوناً لك إذا ما واجهتك عقبةٌ مِن عقبات الحياة التي لن تنتهي، ولكنْ ارسم حدوداً لنفسك لا يمكن لغيرك اختراقها، لأنّ معرفة صديقك بكلّ تفاصيل حياتك وأسرارك قد تنتقص مِن قدرك في عينيه، ولربما أصبحت إهانته لك، جاداً كان أم مازحاً، أمراً اعتيادياً، وأنت ،على ما أظن، في غنىً عن كل ذلك.

علمتني غربتي أن لا أناقش جاهلاً

علمتني غربتي أن لا أناقش جاهلاً في أيّ موضوع كان، وأن لا أعطيه الفرصة ليبدأ النقاش، فمهما ناقشت الجاهل أو حاورته، فلن يعقل شيئاً ولن يقتنع، فكيف تُقنِعه بأمور هو لا يعلم أبعادها ولا حتى أبسط أساسياتها، إياك ومناقشته، فإنْ فعلت، فسيلازمك صداع يزول باختفاء ذلك الجاهل، فستحاول أن تبرّر له وتفسّر وتوضّح، وهيهات أنْ يعقل شيئاً.

والجاهل قد يستخدم في نقاشه ألفاظاً سوقية، وعباراتٍ تافهةً، وقد يبدأ السّباب والشتائم لمجرد أنك لم تقتنع بأفكاره الفذّة!! هذا إنْ كان الحظُّ حليفَك ذلك اليوم، لأنه إذا لم يكن، فسيُضطر ذلك الجاهل إلى استخدام القوّة لإقناعك برأيه!! فهو جاهل، فلا تلومنّ إلا نفسك إنْ كانت بعضُ اللكمات والصفعات نهايةً لنقاشكما!!

لا تناقش جاهلاً أو أحمقَ، فالمارُّ بكما لن يقدرَ على التفريق بينكما، ومناقشة الجاهل الأحمق قد تُضطر من أمامه إلى استخدام ألفاظ تتناسب مع مستواه الفكري لعلّه يعقل شيئاً ولن يعقل.

هذه ليست دعوةً للتكبر والتعالي على الناس، ولا دعوةً لتجنب النقاشات، فتجنبك الجاهل ليس تكبراً وإنما هي الحكمة بعينها، والنقاش الهدّام الذي لا يبني شيئاً لا حاجة لنا به، فالجاهل لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم، قد وجب طردُه!!

علمتني غربتي أن لا أكون أنانياً

علمتني غربتي أن لا أكون أنانياً محبّاً لنفسي فقط، وأن أحبّ الخير للناس مِن حولي، بل أؤثرهم على نفسي، ففي ذلك سبيلٌ للشعور بالأخوّة الإسلامية الحقّة، وطريقٌ لبناء مجتمع يسوده الخير والعطاء.

إياك والأنانية، فهي مرض يصيب نفس الإنسان، فيمسي الإنسان يريد امتلاك كل شيء وحده، ولو على حساب الآخرين، فيسعى جاهداً ليحوز على كل ما طالت يداه، دون أدنى اهتمام بالناس مِن حوله، متناسياً أنّ المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وبانتشار الأنانية في مجتمع ما، تتفكك الروابط بين أفراده، وتضعُف أواصره، فيصير عرضةً لتفشي الأمراض والآفات الاجتماعية التي تدمّر ذلك المجتمع.

تمنّ الخير للناس كما تتمناه لنفسك، وساعدهم في الحصول عليه، ستنعم نفسك بالرضى، وستقوى علاقتك مع مَن حولك من الناس، فيحبونك ويحرصون على مساعدتك كما ساعدتهم.

ادعُ للناس في ظهر الغيب، وتمنّ لهم كل خير وتوفيق، سيستجيب الله دعاءك، وسيعطيك مثلَ ما سألت لهم، وسيرضى الله عنك ويحبك.

تخلّص من الأنانية، واحرص على مساعدة الغير والتفكير بهم، وهذه ليست دعوة لإهمال النفس، فلنفسك عليك حق، وإنما هي دعوة لتسويع نطاق التفكير فيشمل مَن حولك مِن الناس، ولو أنّ كلّ إنسان فكّر في مساعدة الناس مِن حوله لصلح حالنا وتبدّل إلى أحسن حال...

علمتني غربتي أن أبتسم في وجه كل إنسان ألقاه

علمتني غربتي أن أبتسم في وجه كل إنسان ألقاه، وأن أبدأه السلام، فالبسمة ذاتُ قدرة سحرية عجيبة، تجعل من يلقاك يفرح بلقياك، وترتاح نفسه لرؤيتك، لأنه يعلم أنّ هكذا بسمة لا تخرج إلا من شخص ذي قلب أبيضَ كالثلج، فيقابلك البسمة بالبسمة، السّلام بالسّلام، والإحسان بالإحسان، وبذلك يحبّك كلّ من حولك، ويكنّون لك كلّ احترام وإعجاب وتقدير.

مستحيل أن تبتسم في وجه شخص ولا يفرح، بل سترتاح نفسه، فالبسمة التي ترتسم على شفتيك ترسم في مخيلته عنك صورة مثالية، صورةَ الشخص المسالم المحبّ للجميع، وهذه حقيقتك، فليس بمقدور أيّ إنسان أن يبتسم هكذا بسمة، بسمةً نابعةً من أعماق القلب، فقد يحاول شخص الابتسام تملقاً ومداهنةً ولكنّ بسمته المصطنعة ستكون واضحة للجميع، حتى لأقلّ الناس خبرة في الحياة، ولن تجديَ بسمته شيئاً لأنه يُظهر غير ما يبطن.

احرص على تبسّمك دوماً، حتى إنْ كنت مهموماً أو متضايقاً، ابتسم ولن تخسر شيئاً، بل ستبتسم لك الحياة، سيأتيك كلُّ أولئك الذين لطالما ابتسمت في وجوههم، ويفعلون المستحيل لإعادة تلك البسمة، التي يحبون رؤيتها، إلى محيّاك.

علمتني غربتي أن لا أجعل المال أكبر همي

علمتني غربتي أن لا أجعل المال أكبر همي، ولا مقياساً أقيس به الناس من حولي، فالمال وسيلةٌ وليس غايةً، والفقير قد يصير غنياً إذا كدح وتعب، والغني قد يمسي فقيراً في غمضة عين!! ولن يغني عنه ماله شيئاً.

المال لا يستطيع جعل الإنسان سعيداً، فكثيرٌ من الأغنياء شقيٌ تعيسٌ على الرغم من عظم ثروته، وكثيرٌ من الفقراء سعيدٌ فرِحٌ على الرغم من فقره..

لا تجعل المال حَكَماً عند حكمك على الآخرين، فالمال لا يصنع الرّجال، بل الرّجال هم مَن يصنعون الأموال، والرّجل تقاس رجولته بأخلاقه وشِيَمه لا بأمواله وثرواته..

إنّ خير ما يتركه الوالدان لأبنائهم بعد وفاتهم تربيةٌ حسنةٌ وأخلاقٌ حميدةٌ يتخلقون بها ، وليس أموالاً يتنعمون بها، فكلّ ذلك النعيم قد يزول، ولا يبقى للإنسان إلا خُلُقُه...

ليس عيباً أن تجمع المال فتقتات وتعيل أسرتك وتنعم بحياتك، ولكنْ إياك أنْ تجعل المال غاية ترنو إليها، فلو كان للإنسان جبل من ذهب لتمنى الآخر، فكن قنوعاً واعلم أنّ صحتك وراحة بالك وارتياح ضميرك ستضمن لك سعادتك ولن تضمنها كنوز الأرض لك!!

علمتني غربتي أن لا تكون لي طريقة واحدة في التعامل

علمتني غربتي أن لا تكون لي طريقة واحدة في التعامل أُعامل بها جميع مَن أعرف، فالناس يختلفون اختلاف أصابع اليد في طولها، فمنهم الطيّب حسن الخُلق الذي تكسب صحبته بالكلام الحسن، ومنهم اللئيم الذي لا ينفع معه الكلام الحسن، ومنهم عدو لا يرى فيك أيّ حسن!!

عامل الناس كلاً حسب طبعه، واعرف مع من تتعامل، وحاول أن تعامل من أمامك بالطريقة التي يحب، ونادِه بالاسم الذي يحب، بذلك تتقي شرّه، هذا إنْ لم تكسب ودّه وقلبه..

التعامل مع الناس فنٌّ يصعُب على الكثيرين اتقانه، فكم مِن شخص مخبره طيب وجوهره أصيل لطالما وقع في المشاكل، لسوء تعامله مع الغير، أو لسوء فهمه للغير؟؟

عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، واحرص على أنْ تعامل الجميع باحترام، وتذكّر دوماً أنّ مَن أمامك إنسان، أقولها لأنّ البعض ينسون هذه الحقيقة عندما يتعاملون مع غيرهم!! فمن أمامك هو إنسان، قد يخطئ وقد يصيب، وقد يسيء وقد يحسن، فعامله باحترام، وإياك أن تجرحه بكلامك مهما حصل وتذكّر أنّ جرح السيف يلتئم، ولكنّ تجريح اللسان قد لا يلتئم!!.

علمتني غربتي أن أُحسن إلى الناس ما استطعت

علمتني غربتي أن أُحسن إلى الناس ما استطعت، وأن لا أردّ يداً طلبت العون، ولا شخصاً طلب المساعدة، فالإحسان إلى الناس أسهل طريق لامتلاك قلوبهم، فإنْ أحسنت لأحدهم أحبّك، وأبقى إحسانك في قلبه وذاكرته وردّه إليك متى سنحت له الفرصة، بل إنه سيظل يرتقب اللحظة التي يرد إليك فيها معروفك ليقول لك: شكراً !!

أحسِن إلى الناس مهما كانت ظروفك، حتى إن كنت متضايقاً أو حزيناً، فمجرد إحسانك سيُدخل إلى قلبك بهجةً تُنسيك شيئاً، ولو القليل، مِن مرارة أحزانك.

أحسِن إلى الناس، كما تحبّ أن يحسن الناس إليك، فكما تدين تدان، والإنسان بطبيعته عاطفيّ لا ينسى الإحسان وحُسن المعاملة.

قد تلتقي يوماً بشخص يقابل إحسانك بالإساءة ونكران الجميل، فذاك هو اللئيم، فلا تُعره اهتمامَك، واحتسب أجرك عند الله عز وجل، وتذكّر أنّ المؤمن لا يُلدَغ من جحر مرتين...

علمتني غربتي أن أتجنب الظلم

علمتني غربتي أن أتجنب الظلم، فالله عز وجل قد حرّم الظلم على نفسه وجعله محرّماً بيننا، فالظلم عواقبه وخيمة على نفسيّة الأفراد، وعلى استقرار المجتمعات..

إنّ في اتباعك الهوى وطريق الضلال ظلماً لنفسك، وإنّ في إهمالك لصحتك وبدنك ظلماً لنفسك، وأنت عن كل ذلك محاسب ومسؤول، فإياك والظلم...

إنّ في إساءتك وإيذائك للآخرين ظلماً لهم، وإنّ في سرقتك وغشك للآخرين ظلماً لهم، وإنّ في غيبتك للآخرين وإفسادك بينهم ظلماً لهم، وستُسأل عن ذلك يوم القيامة، فإياك والظلم…

إنّ في إهمالك لواجباتك تجاه أمتك، وإهمالك للآمال المرجوّة منك في نصرة دينك ونهضة أمتك، ظلماً كبيراً لها، فكلنا مسؤولون عن نصرة ديننا، فإياك والظلم..

الظلم يؤدي إلى قهر الأفراد، مما يؤثر سلباً في عطائهم لمجتمعهم، وبالظلم تتفشى الجرائم في المجتمع، فيتزعزع استقراره، ويؤدي ذلك في النهاية إلى انهياره...

علمتني غربتي أن لا أتسرع في حكمي على الأمور

علمتني غربتي أن لا أتسرع في حكمي على الأمور، وأن أتريث قبل أن أطلق الأحكام، وأن لا أظنّ بالناس سوءاً، فقد يكون الأمر على غير ما ترى، وقد يكون للأمر أبعادٌ لا علم لك بها، وقد تظلم من حولك بإطلاق هكذا أحكام، وفي معظم الأحيان، فإن عاطفة الإنسان الزائدة هي التي تدفعه إلى التسرع، ظناً منه أنه المقصود بما قد قيل أو حصل.

فعلى الإنسان أن يتروّى قبل حكمه على الأشياء ،فقد يكون تسرعك سبباً في كراهية الناس ومجافاتهم لك؛ لأنك ظننت بهم سوءاً.

وما يدريك، فمن المعقول أنهم قد قاموا بما قد قاموا به، أو قالوا ما قد قالوه في محاولة منهم لمساعدتك، ولكنك، في استعجالك للأمور قد خسرت محاولاتهم لمساعدتك، كما خسرت قدرك عندهم !!

فكّر ملياً قبل أن تنطق ببنت شفه، ولا تُطلق العنان لمخيلتك لتحلّق بك بعيداً في عالم لا وجود له أصلاً، لولا أنّ كثرة شكّك وعاطفتك الزائدة دفعتك لدخول هذا العالم.

حتى لو بتّ غير قادر على تفسير ما قد جرى، لا تتعجل !! نعم لا تكن عجولاً!! اطرق باب هؤلاء، واطلب تفسيراً عمّا قد حدث، فإنْ كان تقديرك للأمور صحيحاً فإنّ هؤلاء سيقفون إجلالاً لك على عظمة موقفك وقدرتك على التصرف في هكذا أمور، وسيستميحونك عذراً على ما قد بَدَرَ منهم، وستتسنى لك فرصةٌ للدفاع عن نفسك إذا ما قد وُجّهت لك اتهامات أو معاتبات، وإن كنت قد أخطأت في تقديرك للأمور فإنك لم تخسر شيئاً، على العكس من ذلك، سيحترمك من حولك، وقد يكون ذلك الوقت، وقد تروّيت أنت وتأنّيت، الوقت المناسب لتعرف الحقيقة وراء كل ما جرى، وسيتأكد الجميع عندها من حرصك على إبقاء العلاقات معهم، فيزدادون تمسكاً بك وحباً لك، فقد أضحيت أنت الرابح في كل الأحوال، لأنك لم تتسرع في حكمك على ما يجري حولك من أمور...

علمتني غربتي أنْ لا أخاصم أحداً مهما حصل

علمتني غربتي أنْ لا أخاصم أحداً مهما حصل، وأن لا أنام ليلة إلا وأنا على يقين بأنْ ليس هناك شخص غاضب مني أو مستاء، فمهما كان الشخص أمامك سيئ الطباع، حاول أن تعينه على إيجاد طريق الصواب، فنحن في نهاية المطاف دعاة لله، ومن خالط الناس وصبر على أذاهم خير ممن لم يفعل، فحاول جهدك أن تتقرّب من هذا الشخص، دعه يحبك حتى يتأثر بك، فالمرء لا يتأثر إلا بمن أحب، واجعل افعالك وأعمالك هي القوة الدافعة في إصلاحه، ولا تُكثر عتابه وإظهاره بمظهر المذنب وإظهار نفسك بمظهر الشيخ الجليل الذي ملأ بحور الأرض تقوى، فإنّ معظم الناس، إن لم يكن كلهم، ينفرون من هكذا شخصية، بل ويصرّون على المعصية ويجاهرون بها إذا رأوا هكذا إنساناً.

خالطه في حلّه وترحاله، واجعله يُعجب بأخلاقك، سيكون الأمر صعباً عليك ولكنْ لك الأجر إن شاء الله، فإن انصلح حاله كان خير صديق لك وعوناً في كل حين.

وإنْ أيقنت أنْ لا جدوى من هذا الشخص العاصي، وأنه مصرٌّ على الإساءة، فحاول أن تتجنّبه وتبتعد عنه دون أن تظهر له ذلك، وإياك أن تخاصمه، فقد يكون محبوباً في وسط يعجّ بالمسيئين أمثاله، فينقلب الجميع ضدّك، ينهشون لحمك ولا يتركون كلمة سيئة إلا ونعتوك بها.

أبقِ على علاقة سطحية لك به، لا من باب ضعفك، فأنت بقوة إيمانك أقوى منهم جميعاً، ولكنّ الإنسان بطبيعة الحال يستاء إذا علم أنّ أحدهم أو بعضهم مستاء منه وإنْ كان واثقاً بأنه على صواب وأنهم مخطئون، وهكذا شعور قد يؤثّر في الإنسان سلباً ويعيقه في شتى مجالات حياته، فيبقى دائما يفكر في سبيل إرضاء الناس من حوله، لأنه طيّب لا يقوى على إيذاء الآخرين، وأنّى لك أيها الإنسان أن ترضيَ الجميع، تالله ما قدرت ولو حرصت...

علمتني غربتي أن لا أتردّد في تقديم الاعتذار

علمتني غربتي أن لا أتردّد في تقديم الاعتذار لشخص أسأت إليه، أو اعتديت عليه بأيّ شكل كان، فبتقديمك الاعتذار إعلام لصاحب الحق بأنك تعترف بخطئك، وأنك مستعدّ لتصحيح هذا الخطأ، فلن يكون من هذا الشخص إلا أن يقبل اعتذارك، فتكبُر أنت في عينيه، ويتأكّد من حرصك على إبقاء المودة بينكما، ولن يتردّد هو في الاعتذار لك إن أساء إليك بعد ذلك، فإن أخطأت بحقّ أحدهم، فلا تتكبر، فبكلمة صغيرة لن تكلّفك الكثير، تعود المياه إلى مجاريها، فما عليك إلا أن تدنو من صاحبك وتقول له :" آسف"..

حتى لو اختلفت مع أحدهم، وكنت واثقاً أنه المخطئ، فلا تنتظر منه اعتذاراً، فقد لا يأتيك معتذراً، لا لأنه لا يعترف بذنبه، ولكنه إمّا أن يكون عزيز النفس، أو يكون خجولاً لا يستطيع مواجهتك بالأمر، فابدأه السلام، نعم افعلها أنت!! ستشعر بفرحة ولذّة ما بعدها لذّة، وسيحترمك هذا الشخص وسيعلم عِظَم الشخص الواقف أمامه، ولن يعيد الكرة ويسيئ إليك مرة أخرى، فهو لن يرضى أن يعيش الموقف نفسه فيذوب خجلاً أمام عظمة نفسك...

من الطبيعي أن تختلف مع أحدهم، فالحياة لم ولن تخلو يوماً من الشّجارات والمنغّصات، ولكنْ حاول أن تتحاشى ذلك ما استطعت لتنعم براحة البال، فإن حصل واختلفت مع أحدهم فاحرص على أن تكون السبّاق إلى الخير و أصلِح الأمور بسرعة، لأنّ طول البعد يخلق في القلب جفاءً قد يصعب التخلص منه، فحافظ على أصحابك، وأبقِ على علاقات جيدة مع الجميع، واحرص دوماً أن تكون الساعي إلى الخير، فتصلُح أمور حياتك، ويحترمك كلّ من حولك...

علمتني غربتي أن لا أنتظر مقابلاً لخير فعلته

علمتني غربتي أن لا أنتظر مقابلاً لخير فعلته أومعروف صنعته، وأن لا أنتظر حتى أقل كلمات الشكر والثناء، بل اعمل الخير ولا تنتظر أيّ مقابل، وحبذا لو لم يعرفك من صنعت إليه ذلك المعروف إن استطعت، وبذلك يكون أجرك عند ربك أعظم، وهل تبغي شيئاً أعظم مِن رضى الله عليك ؟؟

اصنع المعروف مع كل انسان احتاج مساعدتك وعونك، وتذكّر أنه كما تدين تدان، وأنّ الله عز وجل لن يضيع أجرك وسيحتسبه لك في ميزان حسناتك..

ستشعر بلذّة كبيرة وشعور رائع، عندما تفعل الخير، خالصاً لوجه الله تعالى، لا تريد به إلا وجهه، وتمضي في طريقك، عابرَ سبيل، لا تريد أن ترفع رأسك كي لا ترى عيناً ممتنة أو لساناً شاكراً..

واذا صنع أحدهم إليك معروفاً فاشكره، ولو بنظرة تُشعره بأنك لن تنسى له موقفه الرائع ومساعدته لك، اشكره، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، اشكره واحرص على أن تردّ إليه معروفه وحسن صنيعه...

علمتني غربتي أن لا أفرح لمصيبة إنسان

علمتني غربتي أن لا أفرح لمصيبة إنسان ولو كان خصماً، وأن لا أُظهر له شماتة أبداً، وما يدريك، فقد تكون أنت التالي!! فتنالك في الغد بعض لكمات الدهر، أو قد تنهال الدنيا عليك وتُوجعك ضرباً، فاعلم أنك لن تحب أبداً أن ترى شماتة في عيون من حولك، فاحرص أن لا يرونها يوماً في عينيك...

إن أصابت مصيبةٌ شخصاً يكرهك، وما أكثر مصائب الدهر!! فاقترب منه وحاول أن تخفّف عنه همّه، لا تخف أن يطردك، لن يفعلها لأنه وقتها سيكون بحاجة أيّ إنسان ليقف بجانبه في محنته، فضمّه بقوة، وامسح الدمع من عينيه، بمنديلك أنت لا بمنديله هو، عندها سينصلح حاله كثيراً، وسوف تسافر نظراته في عينيك، فيحاول الوصول إلى تفسير لما قد جرى، وسينتهي به المطاف، واقفاً أمام شخص قد أساء فهمه وأخطأ الحكم عليه لفترة طويلة، فيعضّ أصابعه ندماً، ويُقبِل عليك بقلبه ويخبرك بكل ما تقاذفه عقله عنك من صور جعلَته يظن أنك شخص لا يُطاق...

تأكّد أنّ هذا الشخص سيصبح صديقاً حميماً لك، ولن ينسى لك موقفك هذا أبداً، وسيحرص على إبقاء علاقة حميمة معك، لأنك في عينيه الآن شخصٌ معدنه أصيل لا يستطيع التفريط فيه...

علمتني غربتي أن لا أستخفّ بأيّ إنسان

علمتني غربتي أن لا أستخفّ بأيّ إنسان مهما بدا ضعيفاً أو غيرَ ذي قيمة، فلا تحكمنّ على إنسان من شكله الخارجي، أو من الوهلة الأولى، فالإنسان بمخبره لا بمظهره، وصحيح أنّ الشكل الخارجي قد يعكس، إلى حد ما، نفسية الشخص، ولكنْ لا تجعل ذلك الحكم الفيصل في حُكمك على شخص ما، فعليك أن تخالطه أولاً وأن تتعامل معه حتى تكتشف حقيقته المخبّأة في ثنايا نفسه وطيّاتها، وقليلٌ هم أولئك الذين لديهم مَلَكة الإصابة في الحكم على الأشخاص من أوّل نظرة، وللخبرة والتجربة في ذلك نصيب وفير.

وقد يكون الشخص الماثل أمامك ضعيفاً حقاً، وأنت بين الناس أعلى مكانة وأرفع منـزلة منه، لعلمٍ تعلمته أو لمالٍ امتلكته أو لنسبك العريق !! ويكون هذا الضعيف المسكين أحسن عند الله منك بألف مرة.

إن تخاصمت يوماً مع أحدهم، واجتهد أن لا تفعل، فلا تحقرنّ خصمك ولا تستضعفه، فالبعوضة تدمي مقلة الأسد، فخذ حذرك من خصمك حتى لو ظننت أنه غير قادر على إيذائك..

اعلم أنّ الناس عند الله سواء، وأنّ المقياس الوحيد الذي اتخذه رب العباد للتفريق بينهم هو التقوى، فإن كنت تقياً فهنيئاً لك منـزلتك يوم القيامة، ودعْ عنك الناس، فهم لا يغنون عن أنفسهم يوم القيامة شيئاً، أفسيغنون عنك أنت ؟!!

علمتني غربتي أن أهتمّ بانتقاء الزوجة

علمتني غربتي أن أهتمّ بانتقاء الزوجة التي ستكون شريكةً لحياتي وأمّاً لأبنائي، فنكوّن معاً أسرةً مثاليةً متدينةً، فالأسرة هي اللبِنة الأولى في المجتمع والخطوة الأولى في طريق النهضة..

احرص على أن تختار من ترتضي دينها وخُلقها قبل جمالها ونسبها، وتذكّر أنك تريد بناء أسرة تنشئ جيل الصحوة الذي يكون سبباً من أسباب النهضة، وهكذا أسرة تحتاج إلى مربّية أجيال ذات شخصية واعية متفهمة، تتحلى بأخلاق حميدة، تحرص على الحفاظ على أسرتها وتربية أولادها تربية إيمانية، فينشؤون على طاعة الله عز وجل، ويتحلّون بأخلاق حميدة، فبهؤلاء يصلح المجتمع وتقوى أواصره.

لا يصلُح المجتمع إلا بصلاح الأُسَر المكوّنة له، وهذا يتطلب من الواحد منّا البحث الجاد لاختيار زوجته التي يؤمن أنّ بمقدوره معها بناء تلك الأسرة المنشودة ، ولو أنّ كلّ أسرة اهتمت بتربية أولادها تربية سليمة، وجعَلَتهم يدركون هموم الأمة، ويضعون نصرة ديننا ونهضة أمتنا نصب عيونهم، لتبدّل حالنا وتغيّر، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...

علمتني غربتي أن أحرص على طلب العلم

علمتني غربتي أن أحرص على طلب العلم، وأن أنهل من ينابيعه ما استطعت، فطلب العلم فريضة أمَرنا بها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فاجتهد في طلب العلم، على أن يكون علماً نافعاً، ولا تطلب العلم من أجل شهادة تحصل عليها أو منصب تتقلده، بل اجعل نيّتك في طلب العلم خالصة لله عز وجل.

العلم يؤثّر في شخصية الإنسان إيجاباً، فالشخص المتعلّم تراه أكثر وعياً في أمور الحياة، أقدر على حل مشاكلها، أفضل في تعامله مع الناس من حوله...

العلم شرطٌ أساسي وجوهري من شروط النهضة، وعاملٌ مهم يجب الأخذ به في سبيل صنعها، فبدون العلم يسود الجهل المجتمعات، وتعيش في غياهب الظلمات، فتبيت غير قادرة على الاعتماد على نفسها، فتمدّ أيديها إلى غيرها من المجتمعات، التي ستمد لها يد العون، وتستعبدها!!

بدون العلم، لن نبنيَ مجتمعاتنا، ولن نحقق اكتفاءً ذاتياً، وسنبقى تحت رحمة الشعوب الأخرى، ودميةً بأيديهم يحركونها كيف يشاؤون، فعلينا جميعاً أن نجدّ ونجتهد في طلب العلم، لأنّ نهضتنا بدونه ستكون في عداد الأموات!!

علمتني غربتي أن أتخلّق بأخلاق حميدة

علمتني غربتي أن أتخلّق بأخلاق حميدة، وأن أشرب من نبعها الصافي ما استطعت، فالأخلاق الحسنة هي أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة، وحبيبنا المصطفى محمد، عليه صلوات ربي وسلامه، إنما بُعث ليتمّم مكارم الأخلاق..

ليس الجمال جمال الشكل والوجه والمظهر، بل إنّ الجمال الحقيقي هو جمال النفس و عذوبة الروح، بأخلاقها وشيمها وأدبها، فتأثير جمال الشكل في التعامل مع الأفراد محدود الأثر، وقد يزول ذلك الجمال، ولكنّ جمال النفس والروح يبقى ويدوم، وهو المقياس الوحيد للحكم على الناس، وهو السبيل الوحيد لنيل حبّ الناس وتقديرهم وإعجابهم، وهكذا جمال تبقى بصماته راسخة واضحة على جدران المجتمع.

احرص أن تكون جيد الخلق حسن الطباع في كلّ مكان تتواجد فيه، حتى يتأثر بك الناس من حولك، واحرص أن تقدّم بخُلُقك الصورة المثالية للإسلام إذا ما عاشرت وتعاملت مع غير المسلمين، فقد يكون ذلك سبباً في اعتناقهم للإسلام.

بالأخلاق تسمو الأمم، وترتقي المجتمعات، لأنّ الأفراد إذا تحلّوا بأخلاق حميدة كانوا عناصرَ بناءةً في المجتمع، وساد الحبّ والعدل والتكافل والخير، وتلاشت الجرائم والرذائل، فينشغل الجميع في بناء المجتمع لا في محاربة الفساد، وبذلك تقوى شوكة ذلك المجتمع، فيصعُب الاعتداء عليه، ويتطوّر ويتقدم وينهض...

علمتني غربتي أن أنتقيَ أصحابي

علمتني غربتي أن أنتقيَ أصحابي، وأحسن اختيار رفاقي، فالمرء، كما علمنا الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام، على دين خليله، والواحد منّا يتأثر برفاقه كثيراً؛ لأنه يقضي معظم أوقاته معهم، فيتخلّق بخلقهم ويسلك سُبُلهم.

عليك بالصحبة الحسنة، وصاحبْ من يُرتضى خلقه ودينه، فإذا ما اعترض الشيطان طريقك وحاول النيل منك، وجدت صديقك إلى جانبك، ولقيت منه كل حرص ودعم وعون.

اعلم أنّ من يجاملك ويَستحسن أفعالك كلّها حتى وإن علمك مخطئاً ليس بالصديق الجيّد، والصديق الحقيقي هو من يخبرك بأخطائك، ويذكّرك بهفواتك، وينصحك إذا ما رآك بحاجة إلى نصيحته..

احرص على أن تهتم بأصحابك وأن تكون وفياً معهم وأن تكنّ لهم كل احترام، سيحبونك وسيعاملونك بالمثل، وستكون صحبتكم أخوّة حقيقية، أخوّة في الله..

احرص أن تصاحب من كان نصرة الدين همّه، ونهضة الأمة واجباً يسعى لتحقيقه، لأنّ مثل هؤلاء يكونون على قدر من المسؤولية والعلم والإيمان، فتتآخى نفوسكم، وتتعاهد أرواحكم على المضي في طريق النهضة...

علمتني غربتي أن أسعى دوماً للإصلاح بين الناس

علمتني غربتي أن أسعى دوماً للإصلاح بين الناس، وإشاعة الودّ والمحبة بينهم، فإن فعلت ذلك نلت رضى الله سبحانه وتعالى، وأحبّك الناس من حولك، وكانت أعمالك النبيلة تلك سبيلاً في إصلاح المجتمعات وتقوية أواصرها.

أصلح بين أصحابك إن اختلفوا وقد علمت بأمرهم، واحرص على أن تكون ساعياً بالخير، تطمئن النفوس وتضمد الجروح.

إن طرقوا بابك يريدونك حَكَماً فاحرص كل الحرص أن تسمع الأطراف كلّها، واحرص أن يكون حكمك منهياً للمشكلة لا مشعلاً لنار الفتنة..

إياك وأن تفرح عند تخاصم الآخرين، أو أن تسعى للإفساد بينهم بالغيبة والنميمة، فقد تمضي الأيام وتنقضي، وتنصلح الأحوال بينهم، وتبقى أنت خارج اللعبة، مسودّ الوجه، مطروداً مذموماً..

أصلح بين الناس ما استطعت، واحرص على إشاعة الحب والخير في البيئة التي تعيش فيها، ستبتهج روحك، وسيفرح بك الناس من حولك وسيكونون عوناً لك عند الشدائد، وتأكّد أن سعيك بالخير والإصلاح لبِنة من لبِنات كثيرة، مجتمعاتنا هي أحوجُ ما تكون إليها في سبيل رقيّها وتقدّمها ونهضتها..

علمتني غربتي أن أتعاون مع غيري على الخير

علمتني غربتي أن أتعاون مع غيري على الخير، فقد أمرنا الله عز وجل أن نتعاون على البر والتقوى، وعلّمنا الحبيب المصطفى أنّ المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص..

تعاون مع غيرك في أمور الحياة، ولا تخشَ أن ينتقص ذلك من أجرك أو كسبك، بل انظر للموضوع بشمولية أكبر، فبالتعاون يعمّ الخير على الجميع...

بالتعاون يشعر الإنسان بمسؤولية أكبر، لأنّ غيره قد بات طرفاً في اللعبة، وإحسانه أو إخفاقه سيؤثر في كل من تعاون معهم، الأمر الذي يجعله أكثر شعوراً بالمسؤولية، وأكثر جداً واجتهاداً ومثابرةً..

وبالتعاون يُشجع بعضنا بعضاً على مواصلة المسير، ويذكّر بعضنا بعضاً بالأهداف التي تصافحت أيدينا وتعانقت أرواحنا من أجل تحقيقها..

التعاون يضمن للعمل الجماعي نتائج أفضل من العمل الفردي، لأنّ في تعدّد الأطراف في العمل الجماعي تعدّداً للخبرات، فما يعرفه غيرك قد لا تعرفه أنت، وبذلك تزداد الخبرات، وتتساعد الطاقات لبلوغ الهدف المرجو...

وفي التعاون أيضاً تقليل للجهد المبذول من الأطراف المشترِكة، فإذا كان العمل فردياً كان عليك أن تقوم بكل شيء بمفردك، وفي ذلك صعوبة بالغة، فبالتعاون يتقاسم الجميع أعمالهم كلٌّ وفقاً لخبرته وقدرته وإمكانيته، وذلك يضمن نتائج أفضل في وقت أقصر...

بالتعاون تقوى أواصر المجتمع، فتقوى شوكتهم، ويصعُب الاعتداء عليهم، وبالتعاون تتقدم المجتمعات، وتنهض الأمم...

علمتني غربتي أن أتجنّب العنصرية

علمتني غربتي أن أتجنّب العنصرية، وأربأ بنفسي عن الطائفية، فنحن أخوة في الله، والرابطة التي تجمعنا كمسلمين موحّدين أقوى بكثير من رابطة الدم والقرابة، فإياك ثم إياك والعصبية القبلية، وإياك أن تنصر أخاك إن علمته ظالماً، بل انصحه وأرشده حتى يعود إلى صوابه.

إياك والعنصرية، فالمسلمون أخوة مهما اختلفت لغاتهم وأجناسهم، وتلك الحدود التي تقسم جسد الأمة الإسلامية وتفتك بها إنما هي من تدبير أعداء هذا الدين، فقد باتوا يزرعون بين أبناء أمتنا هذه الأمراض؛ لأنهم على يقين بأنها تضمن لهم التفرقة بين المسلمين، فقد حمل الغرب دوماً راية " فرّق تسُد" في تنفيذ خططهم الإستعمارية في بلادنا الإسلامية، وكان ذلك سبباً في نجاحهم.

بالعنصرية يهتمّ كلّ قوم لأمرهم، ولا يهتمون لأمور الناس من حولهم، بل قد يقتتلون من أجل مصالحَ دنوية، أو ظناً من بعضهم أنهم أشرف نسباً من بعض، وبذلك يضعف جميعهم، ويصبحون فريسة سهلة لأي عدو!!

إنّ طبيعة النفس البشرية تميل إلى الانخراط والاختلاط بأهلها وأقربائها، وقد يشقّ عليها الاختلاط بغيرهم، ولكنّ الإنسان الذي يعرف معنى الأخوّة الإسلامية الحقة يدرك تماماً عظمة الشعور بهكذا أخوّة...

تعلّم المعنى الحقيقي للأخوّة الإسلامية، فستكون بحاجة ذلك في المرحلة المقبلة، مرحلة التغيير، قف مع إخوانك المسلمين، أياً كانت لغاتهم وجنسياتهم وألوان بشراتهم، قفوا صفاً واحداً، فالدين واحد، والهدف واحد، وهو نصرة هذا الدين...

أن يكون هدفي الأول في الحياة هو نهضة الأمة

علمتني غربتي أن يكون هدفي الأول في الحياة هو نهضة الأمة، وأن أسعى جاهداً لأكون عنصراً فاعلاً في سبيل تحقيقها، وأن أكون أحد جنود تلك الجحافل التي تمشي بخطىً ثابتة واثقة نحو تحقيق تلك الغاية المرجوة..

اعلم أنّ نهضة أمتنا أمرٌ حتمي، وأنّ النصر أمرٌ لا بدّ منه، فاحرص أنْ تكون شريكاً في صناعة النهضة، وطرفاً مشرّفاً في تلك المعادلة الصعبة...

قد ذاقت أمتنا من الهوان، ونالت من الويلات ما تنفطر له القلوب، وتدمع له العيون، فقد بتنا نُهان فوق أرضنا، وانتهِكت أعراضنا، وسُلِبت مقدّراتنا وخيراتنا، كل ذلك والغرب يقول إننا إرهابيون!!

إرهابيون لأننا نرفض الذل والهوان، لأننا ندافع عن ديننا وأرضنا وعِرضنا، لأننا رفضنا العبودية والاستسلام، لأنّ عروقنا ما زالت تنبض، وقلوبنا تخفق بقول "لا إله إلا الله".

إذا ما قورنت أمتنا الإسلامية بباقي الأمم، أبكاك حال أمتنا، وقد بِتنا ضعفاءَ لا نقدر على فعل شيء، فقد وُضِع علينا من القيود والأغلال ما يضمن ذلك...

ألم يحن الوقت لتحطيم تلك القيود؟ ألم يحن الوقت لميلاد فجر جديد؟ ألم يحن الوقت لنتنسّم رائحة الحرية ونذوق طعم الكرامة؟ تالله إنّ الوقت قد حان، فهات يدك أخي، والْحَقْ بالركب، فرحلتنا طويلة ومحفوفة بالمخاطر، هات يدك أخي ولنمض في سبيل نهضتنا، نقدّم في سبيلها كل غالٍ ونفيس، هات يدك أخي وامضِ معنا، وانظر أمامك، سترى النصر يلوِّح بيده من بعيد!!.