هل يخرج الإخوان المسلمون من جلدهم؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هل يخرج الإخوان المسلمون من جلدهم؟

3 سبتمبر 2009

بقلم: ضياء رشوان

منذ أن عقد الإخوان المسلمون مؤتمرهم الخامس عام 1938 الذى ألقى فيه مؤسسهم ومرشدهم الأول حسن البنا رسالته الأشهر والأهم من بين كل رسائله والتى حدد فيها بوضوح طبيعة جماعته والمقومات المنهجية والحركية لها، لم تعرف الجماعة خلافات كبيرة خلال العقود السبعة التالية حول ما حدده لها «الإمام الشهيد» الذى لقى مصرعه مغتالا بعد ذلك المؤتمر بنحو عشر سنوات.

فقد كان الرجل محددا للغاية حين قال فى رسالته «إن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنظم شئون الناس فى الدنيا والآخرة، وإن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحى مخطئون فى هذا الظن، فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف».

ومن هنا فقد أطلق البنا تعريفه الشهير للإخوان المسلمين باعتبارهم «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية».

وقد استند البنا فى تعريفه الواسع المتعدد الأبعاد للجماعة إلى ما رأى أنه «شمول معنى الإسلام» الذى أكسب فكرتها «شمولا لكل مناحى الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحى، وهم فى الوقت الذى يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعا ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعا».

على هذه الأرضية النظرية ــ العملية التى وضعها مؤسس الجماعة فى أهم رسائله، ظلت صفوفها طوال العقود السبعة السابقة ملتحمة حول هذا التعريف المتعدد لطبيعتها وأنشطتها التى توزعت بالفعل وبدقة كما حددها المرشد المؤسس بين الدعوة والسياسة والتربية والثقافة والعمل الاجتماعى والرياضة والاقتصاد، لتصل فى النهاية إلى الجماعة بصورتها الحالية التى نعرفها اليوم فى مصر.

فقد ظلت الجماعة ــ مشروعة أو محظورة ــ طوال تلك السنوات هى مركز حركة الإخوان المسلمين وهى الإطار التنظيمى الوحيد الذى يجمعهم ثم يوزع بعد ذلك حركتهم وأنشطتهم بين تلك المجالات التى حددها الإمام المؤسس لهم، دون أن يستقل مجال منها بصورة تنظيمية أو حركية عن المركز ــ الجماعة، بل ظلت جميعها خاضعة لها بصورة مطلقة.

ولا شك أن الإخوان نجحوا خلال هذه العقود الطويلة خاصة فى الثلاثة الأخيرة منها فى أن يشكلوا هيئات وكيانات جديدة فى المجالات المختلفة التى نشطوا فيها أو أن يسيطروا على أخرى كانت قائمة فيها، إلا أنها جميعا ظلت متداخلة ومتقاطعة ضمن المفهوم المتعدد الشامل للجماعة الذى وضعه البنا لها والذى يجعلها مركزا حيويا لها جميعا، باعتبارها مجرد أنشطة وليست هيئات مستقلة عنها.

إلا أن الوضع لم يكن نفسه فى عدد كبير من فروع الجماعة المنتشرة فى نحو خمسين دولة بالعالم، حيث راحت مجالات عمل الجماعة تنفصل عن بعضها البعض ليس بصورة وظيفية كما هو الحال بالجماعة المصرية بل بصورة تنظيمية أعطت لكل منها استقلاله شبه التام عن المجالات الأخرى، خاصة فى المجالين السياسى الذى عرف أحزابا سياسية عديدة عبرت عن فكرة الإخوان السياسية، والاجتماعى الدعوى الذى امتلأ بجمعيات وكيانات أهلية تعبر عن بقية أنشطة الإخوان غير السياسية.

من هنا فإن ما أثير مؤخرا عن رغبة عدد من قيادات وأعضاء الجماعة فى مصر فى تأسيس جمعية أهلية للإخوان فى مصر تقوم بالوظائف والأنشطة غير السياسية التى حددها لهم مؤسسهم الراحل مع الدعوة فى نفس الوقت لتقليص الأنشطة السياسية، إنما يعد فى أحد جوانبه تطورا طبيعيا مماثلا لما عرفته أغلب فروعها خارج مصر خلال السنوات الأخيرة وإن اتخذ فى النهاية شكله المصرى المتميز عنها. فهذه الدعوة المزدوجة تعبر فى الحقيقة عن تمايزات أعمق بداخل صفوف الإخوان المسلمين حول طبيعة الجماعة وأنشطتها بعد سبعين عاما من التعريف الذى وضعه لها مؤسسها وفى ظل التغييرات التى طرأت عليه بفروعها خارج مصر.

فهناك اتجاه موجود بداخلها يرى فيما عرفته الفروع من تمايز شبه تام بين الأنشطة وأوعيتها التنظيمية خاصة السياسى منها وغير السياسى مثالا نظريا وعمليا لما يجب أن تحتذيه الجماعة فى مصر بغض النظر عن أى ظروف ضاغطة عليها، فتفصل بين كيان اجتماعى ــ دعوى يتخذ شكل الجمعية الأهلية وآخر سياسى يتخذ شكل الحزب السياسى.

أما الاتجاه الثانى فهو يرفض رفضا تاما الخروج ولو الطفيف عما حدده الإمام المؤسس لطبيعة الجماعة المتعددة الأنشطة والمجالات ويرى فى غير ذلك إنهاء عمليا لها ولرسالتها الشاملة. ويأتى الاتجاه الثالث لكى يتخذ مكانا متوسطا بين الاتجاهين السابقين، حيث يوافق على فكرة تأسيس جمعية أهلية وحزب سياسى إلا أنه يجعل منهما مجرد جناحين تابعين لمركز واحد يهيمن عليهما ويحدد حركتهما وهو الجماعة التى لا مجال عملى أو نظرى بحسب رؤيته لحلها والتخلى عن وجودها.

ومع كل ذلك تبقى حقيقة أن هذه الاتجاهات الثلاثة على اختلافها قد استندت إلى نفس الحقائق والمعطيات الواقعية التى عرفتها علاقة الجماعة بالدولة منذ عام 1995 وحتى اليوم.

فقد قرأت جميعها فى تصاعد الضغوط السياسية والأمنية الكثيفة التى تمارسها الدولة على الجماعة منذ عام 1995 خلال العامين الأخيرين بعد نجاحها المفاجئ فى الانتخابات البرلمانية عام 2005 تهديدا حقيقيا لها ولوجودها نفسه.

وتزايد الشعور بهذا الخطر خلال الشهور الأخيرة توقعا لما ينتظر مصر من تغييرات حاسمة فى نظامها السياسى خلال العامين القادمين وخصوصا فيما يتعلق بتشكيل البرلمان القادم وشغل منصب رئاسة الجمهورية، وما يمكن أن يصعده هذا من ضغوط على الجماعة.

وربما يفسر هذا الشعور بزوغ الدعوة الأخيرة إلى تشكيل جمعية أهلية للإخوان وتقليص العمل السياسى، ولكن تظل الحقيقة الأبرز التى ستحدد مسار الجماعة الفعلى هى توازنات القوى بين الاتجاهات الثلاثة السابقة بداخلها.

والأكثر رجحانا هو أن أقواها حتى اليوم هو الاتجاه الثانى الذى يمثله شيوخ الجماعة وقادة هيئاتها التنظيمية والتى غالبا ستتحطم على أبوابها كل أفكار واقتراحات الاتجاهين الأول والثالث بالفصل بين أنشطتها ومجالاتها، على الأقل حتى تمر المرحلة الانتقالية التى تنتظر مصر خلال العامين القادمين.

المصدر