واجبات المسلمين لدرء المحن

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
واجبات المسلمين لدرء المحن
الأستاذ مصطفي مشهور

فور وقوع أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن استنكرها علماء المسلمين في مختلف بلادهم من منطلق شرعي ، إذ أنه عمل غير مبرر بأي معيار ، إلا أنهم ومعهم كثيرون من العقلاء على مستوى العالم أجمع دعوا إلى البحث عن أسباب هذه الأحداث بجانب البحث عن هوية مرتكبيها ، واتفقوا على ضرورة أن تعيد أمريكا النظر في سياستها الخارجية .. إلا أنها استبقت التحقيقات ووجهت الاتهام إلى العرب والمسلمين ، وحشدت قواتها وأسلحتها الجبارة ، وساقت دول العالم صاغرة تحت التهديد والوعيد إلى تحالف عالمي في أبشع صور الإرهاب الدولي تحت شعار محاربة الإرهاب لحرب دولة أفغانستان الفقيرة الضعيفة المحتربة المنكوبة، كل ذلك دون أن تقدم دليلا واحدا على علاقتها أو علاقة تنظيم القاعدة بهذه الأحداث ، وكأنما تغني القوى والجبروت عن الحق والعدل ، فكانت دعواها كما قال أمير الشعراء:

ودعوى القوي كدعوى السباع
من الناب والظفر برهانها

واليوم 4 نوفمبر وبعد مرور نحو شهرين على وقوع هذه الأحداث, وبعد مرور نحو شهر على بدء الحرب العسكرية على أفغانستان والتي راح ضحيتها آلاف المدنيين قتلى وجرحى ،وملايين النازحين بلا طعام، ولا مأوى ،وعشرات المدن والقرى التي دمرت تنشر صحيفة الأخبار القاهرية عن الواشنطن بوست الأمريكية ما نصه: (ناشد روبرت مويلر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي جميع مواطني الولايات المتحدة تقديم يد العون والمساعدة من أجل العثور على المسئولين عن الهجمات البيولوجية ،بالجمرة الخبيثة ومدبري العمليات الإرهابية في واشنطن ونيويورك يوم 11 سبتمبر الماضي ، واعترف مويلر بأن المكافآت المالية التي تم رصدها لمن تقدم بمعلومات في هذا الشأن قد فشلت في تحقيق تقدم ملموس بالنسبة للقضية) ومعنى هذا الكلام أن الفاعلين حتى الآن لا يزالون مجهولين ، والسؤال الذي يفرض نفسه هو ما موقف أمريكا إذا انتهت التحقيقات إلى تبرئة العرب والمسلمين وإدانة جماعة أخرى أو دولة أخرى من غيرهم ؟ هل ستعلن نتائج هذه التحقيقات أم تخفيها وتستمر في حربها الظالمة المجنونة؟ وإذا أعلنت النتائج فماذا سنفعل للقتلى والمعاقين والمشوهين والجرحى ، والبلاد المحروقة والمنازل والمساجد والمستشفيات المدمرة ؟ وماذا ستفعل للعرب والمسلمين والإسلام الذين شوهت سمعتهم ووضعتهم في قفص الاتهام ، وأرهبت حكوماتهم وساقتها إلى مواقف تتصادم مع مشاعر شعوبهم ، وأحكام دينهم؟

المؤكد أنها ستدفن الحقيقة التي تعلمها من الآن ،إذ أن الحضارة التي تتزعمها هي حضارة انعدام الضمير، حضارة المصالح المادية لا المبادئ الأخلاقية ، الحضارة الميكيافيلية ، وليس أدل على ذلك من المليون طفل الذين ماتوا في العراق جراء الحصار ، ولا من موقفها الظالم والمنحاز من قضية فلسطين حيث تؤيد الإرهاب الصهيوني منذ حلوله في فلسطين ومذابحه الوحشية لأهلها العرب واستيلاءه على الأرض وطرده لشعبها ، ثم دعمه بالمال والسلاح وتأييده بالفيتو في مجلس الأمن وتأييده حتى الآن في عدوانه على أهلها الثائرين المنتفضين وقتلهم واغتيال قادتهم، بل واتهامهم بالإرهاب والتهديد بالتدخل المباشر لضرب المناضلين من أجل تحرير أرضهم (حماس والجهاد وحزب الله) وكذلك تأييد الصهاينة في الاستيلاء على مقدسات المسلمين والمسيحيين العرب ، ثم بعد ذلك تتساءل لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ إن الغرب هو الذي يصنع الكراهية بظلمه للعرب والمسلمين منذ احتل بلادهم وقسمها ومزقها ، واستنزف ثرواتها وحرص على تخلفها ، وساند حكومات تعادي شعوبها وتمارس القهر والقمع والفساد في إدارة البلاد ، بل إن الغرب هو الذي يجتر مخزون الكراهية منذ الحروب الصليبية ، ويشوه صورة الإسلام في المقررات الدراسية لأطفاله وتلاميذه ، وهو الذي يربطه بالتخلف والإرهاب في إعلامه ، وهو الذي يتخذه عدوا وحيدا وهدفا مقصودا لأحلافه العسكرية والسياسية ومنظماته الاقتصادية ، كما صرح بذلك قادته السياسيون والعسكريون ، ويقيم القواعد العسكرية على أرضه ، ويشعل الفتن والحروب بين جنباته ، ويمارس النصب والخداع السياسي وازدواجية المعايير في التعامل معه ، ثم يريدنا بعد ذلك أن نحبه ونهيم به:

ومُقّلب الأشياء ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار

وإذا كنا نطالب أمريكا بإعادة النظر في سياستها ، فإننا أحوج منهم إلى إعادة النظر في أحوالنا ، إننا نعيش كأمة منذ ما يقرب من قرنين في أحوال بائسة متردية ، نتجرع الهزائم ، ونثخن بالجراح ، ونزيف الدم لا يتوقف ، إضافة إلى التخلف العلمي والتقني والتراجع الاقتصادي والتفكك الاجتماعي ، والاستبداد السياسي ، كل هذه المصائب تقتضي من أهل العلم والفكر والرأي أن يهبوا لتشخيص الداء ووصف الدواء .

إننا أمة ذات رسالة قادت العالم نحو عشرة قرون ، وأقامت حضارة إنسانية أخلاقية مادية عادلة ، على هدى من وحي الله ومنهجه للبشر بمختلف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم بل وعقائدهم ، كانت أمة ودولة واحدة منيعة مرهوبة الجانب، حتى بدأت تتحلل من دينها وتبتعد عن شريعة ربها ، فشاع التظالم ، وتجمد الفكر ، وتوقف الاجتهاد ، وأهمل العلم ، وانتشرت المعاصي ، وساد التعلق بالدنيا والجري وراء الشهوات، فهزمها الغرب واستعمر بلادها ، ومزقها دولا ودويلات ، ونحى شريعتها، وروج أفكاره العلمانية ، ثم ترك الحكم للعلمانيين الذين تصادموا مع عقيدة الشعوب وتطلعاتها ، فحكموها بالبطش والطغيان ، ووهنت رابطة الإيمان من النفوس، فانفرد الغرب بكل دوله على حدتها يتلاعب بسياستها ويستغل خيراتها ، وإن شاء نكَّل وبطش بها بيد دولة هي أختها وجارتها .. هذا الواقع المر يستوجب أن نتساءل لماذا حدث ؟ وكيف نغيره؟

هذا أولا واجب علماء الإسلام الذين أدعوهم لدراسة هذا الواقع واقتراح المخرج منه، وأن يكون ذلك بتكوين اتحاد العلماء المسلمين مستقل عن كل الحكومات والأنظمة يتولى شرح الإسلام للناس ، والاجتهاد لحل مشكلات العالم الإسلامي المعاصرة في ضوء شريعة الإسلام ، والدعوة إلى تطبيقها في كل مجالات الحياة ابتداء من الشارع حتى مؤسسات الحكم.

ودعوتي للجماعات الإسلامية أن تلتقي على معالي الأمور ، وقضايا وحدة الأمة وقوتها وعزتها ، وأن تتعاون فيما اتفقت عليه ويعذر بعضها بعضا في الفرعيات المختلف فيها ، وأن تدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والقدوة الطيبة ، وأن تسعى لتربية الأمة وتغييرها من الداخل عملا بالقانون الإلهي الخالد (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وأن تلتزم بأحكام الشرع في نهجها لإقامة حكم الإسلام .. ودعوتي للحكومات الإسلامية أن تثوب إلى رشدها وتؤوب إلى ربها وتعود إلى شعوبها ، تستجيب لتطلعاتها وتطلق حرياتها وتحترم إرادتها ، فليس ثمة طريق لعزة هذه الحكومات إلا بذلك ، فالشعوب هي مصدر القوة للحكومات ، بقوة عقيدتها وقوة ترابطها وقوة تضحياتها ، ثم لابد بعد ذلك من سلوك سبيل الوحدة على مستوى الأمة العربية ثم الإسلامية ، الوحدة الاقتصادية ، والتكامل العلمي والوحدة التشريعية والتعاون الصناعي والتقني والعسكري تمهيدا للوحدة السياسية ، لحمل رسالة الإسلام دعوة وتطبيقا ، وإقامة حضارته واقعا حيا ، لإقامة الشهادة على العالم ، وإلا فستظل دول الغرب تتلاعب بهذه الحكومات لعب الصبي بدميته ، وترعبها رعب الحمل من الذئب.

ودعوتي للشعوب المسلمة أن تستقيم على دين الله ، وتلتزم بأحكامه وأخلاقه على مستوى الأفراد والأسر والمجتمعات، وأن تتجاوب مع العلماء والدعاة ، وأن تطالب حكوماتها وتضغط عليها بكل الوسائل المشروعة من أجل تطبيق الإسلام في كل جوانب الحياة.

ودعوتي إلى العلماء والمفكرين والكتاب أن ينتهزوا فرصة إقبال كثير من الغربيين على دراسة الإسلام للتعرف على حقيقته، وحضارته ، أن يشرحوا ذلك في أسلوب سهل ميسر يناسب طريقة تفكيرهم ويترجم إلى مختلف اللغات ، ونحن على يقين أن ذلك سيشرح صدور الكثير منهم لهذا الدين لأنه دين الفطرة ودين العقل ، ودين الواقع والحياة الذي يجمع بين الدنيا والآخرة ، والروح والعقل والمادة ، الفرد والمجتمع .. ودعوتي إلى إخواننا المسلمين في الغرب أن يصبروا على ما يلحق بهم من أذى ، ويستمسكوا بحقوقهم ، وأن يعتزوا بدينهم ويلتزموا به أخلاقا وسلوكا ومبادئ ، ويقابلوا السيئة بالحسنة ، ويكونوا قدوة حسنة لدينهم ينشرونه بلسان الحال إضافة إلى لسان المقال.

ودعوتي للجميع في هذه المحن التي تتوالى على المسلمين في فلسطين وأفغانستان أن يعربوا عن استنكارهم لهذه الحروب الإرهابية ، وأن يضغطوا بما استطاعوا من أجل وقفها ، وألا يساعدوا ما يسمى - كذبا - بالتحالف من أجل محاربة الإرهاب ، وأن يتبرعوا لإخوانهم المنكوبين بالقصف الظالم أو بالنزوح عن الديار ولا سيما في شهر رمضان حيث أدعو للتقشف في النفقات والتبرع بالفائض وإخراج الزكاة لهم ، كما أدعو لدوام الدعاء والابتهال إلى الله سبحانه في كل الأوقات أن ينصر المجاهدين المظلومين ، وأن يخذل الطغاة المتجبرين ، وأن يقي المسلمين مكر الكذابين المخادعين من السياسيين ، كما أدعو لاستحضار نية الجهاد لتحرير المقدسات وديار الإسلام وتطهيرها من الصهاينة المعتدين (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)