وثيقة جنيف تشكل نعياً لخيار المفاوضات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وثيقة جنيف تشكل نعياً لخيار المفاوضات

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

يتنازع الشارع الفلسطيني خياران ، خيار يمثّل السلطة و هو خيار المفاوضات ، و خيار يمثّل فصائل المقاومة الفلسطينية و على رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماسو هو خيار المقاومة .

و هذان الخياران يعكسان المواقف الاستراتيجية لكلّ طرف ، و الموقف الاستراتيجي الذي يتّخذه طرفٌ ما إنما يريد أن يحقّق من ورائه أهدافاً محدّدة ، فإذا لم يكن هناك هدف محدّد و واضح المعالم عندئذ يصبح هذا الخيار خياراً عدمياً عبثياً فاشلاً ، لأن أصحاب هذا الخيار لا يعرِفون ما الذي يريدون تحقيقه ، و أما إذا كان الخيار الاستراتيجي له أهداف واضحة و محدّدة و ثابتة فيكون خياراً جدياً قادراً على تحقيق أهدافه و لو بعد حين .

و إذا قلنا إن خيار المقاومة يهدُف إلى حماية الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني من التآكل و الضياع ، و يسعى إلى تحرير كامل التراب الفلسطيني المغتصب منذ عام 1948م ، و حتى يتمّ ذلك يحرُم التنازل عن أي شبرٍ من فلسطين ، أو عن أيّ حقٍّ من حقوقنا الوطنية المشروعة ، نلاحظ هنا أن هناك أهدافاً واضحة تمثّل العدالة من جانب ،

و من جانب آخر تنسجم مع شرعنا الإسلامي الذي يراعي صيانة كرامتنا ، و يحترم ثقافتنا و مفاهيمنا و مشاعرنا الوطنية ، هذه الأهداف قد لا يتحقّق جميعها دفعة واحدة ، و لكن ما من شكٍّ أن بعضها يمكن أن يتحقّق في زمنٍ قياسيّ قصيرٍ فيشكّل مرحلة من مراحل التحرّر الوطني ، و البعض الآخر قد يحتاج إلى جهدٍ أكبر و زمنٍ أطول و المستقبل وحده كفيلٌ بتحقيقه ، فالانتصار يولّد الانتصار ، و لكن هذا الخيار من شأنه أن يحمي الحقوق الوطنية المشروعة من شراهة التنازلات على طاولة المفاوضات إلى أن تتحقّق الأهداف كاملة غير منقوصة .

و لكن أصحاب خيار المفاوضات في ظلّ الواقع المهزوم الذي تعيشه الأمة ، و في ظلّ التفوّق العسكري النوعي الذي يتمتّع به العدو ، و في ظلّ المتغيّرات الدولية التي لا تعمل لصالح القضية الفلسطينية و عدالتها ،

و في ظلّ انحياز ما يسمّى بالمجتمع الدولي الكامل لصالح الإرهاب الصهيوني و العدوان الصهيوني و الاحتلال ، يرون أن مثل هذه الأهداف غير قابلة للتحقيق ، و أن الذين يتمسّكون بهذا الخيار عدميّون عبثيون و لن يحقّقوا في النهاية إلا الفشل و الدمار ، و لا يفوتهم أن يذكّرونا بالمثل القائل "الكف ما بيلاطم مخرز" ، متجاهلين المأزق الحقيقي الذي يعيشه الاحتلال بسبب المقاومة الفلسطينية التي أفقدته أمنه و استقراره ، مما يجعل خيار المقاومة خياراً واقعياً قادراً على تحقيق أهدافه ، خاصة أن أصحاب خيار المفاوضات لم يثبُتوا يوماً على هدفٍ محدّد .

فقبل أوسلو كان هدفهم تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ، و بعد أوسلو أصبح هدفهم إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة في الضفة الغربية و قطاع غزة ، ففي كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمفاوضات النهائية مع "الوفد الصهيوني" يوم 8/11/1999 م حدّد ياسر عبد ربه رئيس الوفد الفلسطيني المعايير التالية التي تمثّل سقف المفاوض الفلسطيني :

- انسحاب (إسرائيل) إلى حدود الرابع من حزيران 1967م وفقاً لقراري مجلس الأمن 242 و 338 .

- لا يمكن حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين إلا بناءاً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

- أن القدس في قلب الصراع في الشرق الأوسط ، و القدس الشرقية هي أرض احتلت عام 1967م ، و لا بدّ من التعامل معها بناءاً على قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة ، مع ضمان حق الجميع في الوصول إلى الأماكن الدينية .

- أن النشاط الاستيطاني هو نشاط غير شرعيّ بموجب اتفاقيات جنيف ، و بموجب العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي ، و لا يمكن أن يشكّل - في حال من الأحوال - مبرّراً للاستيلاء على الأرض .

و هكذا فإن سقف المفاوض الفلسطيني بعد أوسلو قد شطب حقّ الفلسطينيين في 78 % من وطنهم ، و بذلك فقد ألغى حقّنا التاريخيّ و القانوني و الدينيّ في فلسطين .

أما الموقف الصهيوني فقد كان واضحاً في لاءات باراك الشهيرة التي أطلقها عند انتخابه رئيساً لوزراء العصابات الصهيونية ، لا لعودة و تقسيم القدس ، لا لعودة اللاجئين ، لا للانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران عام 1967 ، مع إصراره على الاحتفاظ بثلاث تجمّعات استيطانية كبرى تمثّل أكثر من 80 % من مجموعة المستوطنات في الضفة الغربية .

و بعد قراءة واعية لوثيقة جنيف لا بدّ أن نتساءل :

ألم تكن هذه الوثيقة ترجمة دقيقة للاءات باراك ؟!

، فقد شطبت حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين ، و قد ضمِنت للصهاينة الاستيلاء الكامل على القدس شرقيّها و غربيّها ، كما أكّدت على عدم الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 ، و أعطت للصهاينة الحقّ بالاحتفاظ بمعظم التجمّعات الاستيطانية ، كما أعطتهم الحق باستباحة أجواء الضفة الغربية و قطاع غزة .

من كلّ ذلك يتبيّن لنا أن المفاوض الفلسطيني قد تنازل في أوسلو عن أربعة أخماس فلسطين و ذلك بالتنازل عمّا تمّ احتلاله عام 1948 ، و أما في جنيف فقد تنازل عن بقية فلسطين ، و ذلك بالتنازل عن السيادة عمّا تمّ احتلاله عام 1967 ، فبالإضافة إلى التنازل عن القدس و عن الأراضي التي اغتصبتها المستوطنات ، فقد حرمت الفلسطينيين من أيّ سيادة على ما تبقّى من أراضي الضفة الغربية و قطاع غزة ، في الوقت الذي حفظت فيه للسلطة دوراً وظيفياً بالسيادة على التجمّعات السكنية الفلسطينية دون الأرض و السماء ، و لئن سألت المفاوض الفلسطيني لماذا قبلتم بهذه التنازلات الخطيرة ؟

أجابك بلا تردّد بأن الجانب الصهيوني لا يمكن أن يقبل بأقلّ من ذلك !!! ..

و الآن و قد تبيّن أن سقف وثيقة جنيف هو السقف الصهيوني السابق ، و أن غاية ما يمكن أن يصل إليه المفاوض الفلسطيني هو ما يمكن أن يقبل به الجانب الصهيوني ، فلا غرابة إذن و قد رفض كلّ من شارون و بيريز هذه الوثيقة و أن الخطوة القادمة ستقود المفاوض الفلسطيني للقبول بما هو أدنى من السقف الصهيوني السابق ، فيخرج علينا قائلاً إن الواقعية تقول إن الكثافة السكانية الفلسطينية الحالية في الضفة الغربية و قطاع غزة تشكّل خطراً على الكيان الصهيوني ،

و بالتالي لا يمكن أن يستقيم معها حلّ يمكن للجانب الصهيوني أن يقبل به ، فلا بدّ من وضع حدٍّ للخطر الديموغرافي على الكيان الصهيوني ، و لا بدّ إذن من القبول بسياسة الترانسفير للفلسطينيين ، لأنه ليس في إمكان الجانب الصهيوني أن يقبل بأقلّ من ذلك , أليست السياسة فن الممكن؟!!!!!! ..

و بعد كلّ ذلك ألا ترون معي أن وثيقة جنيف تشكّل نعياً لخيار المفاوضات ؟! ..

المصدر