وحى رمضان .. قواعد الجزاء فى كتاب الله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٦:٣٨، ٤ يوليو ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وحى رمضان .. قواعد الجزاء فى كتاب الله

بقلم / الإمام حسن البنا


(وَأَن لَّيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى) [النبقلم / الإمام حسن البناجم: 39-42]. (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء: 15]. (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [الأنعام: 160].

(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)[الأنبياء: 47].

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124].

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) [الأعراف: 96]. (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].

فأول قواعد الجزاء فى كتاب الله أنه جزاء على العمل؛ فلا ظلم ولا محاباة، ولا عبرة بنسب أو مال أو جاه أو قرابة إلا أن يشاء الله (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) [هود: 46] (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَّشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ) [المائدة: 18]، وفى الحديث الصحيح يقول الحق عز وجل يوم القيامة: "يا بنى آدم وضعت نسبًا ووضعتم نسبًا، فقلتم: فلان ابن فلان، وقلت (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)؛ فاليوم أرفع نسبى وأضع نسبكم، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه فواهًا للمتواكلين".

وهذا الجزاء فيه فضل وعدل؛ فالسيئة بمثلها إلا أن يعفو الله ويصفح، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعين إلى سبعمائة إلى أضعاف لا يعلمها إلا الله (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 17]، ومن هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها ضوعفت بحسب نيته وأثرها، ومن هَمَّ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة؛ لأن العدول عن الشر خير، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، والله ذو الفضل العظيم.

وهذا الجزاء مستوعب دقيق يحيط بالذرة وما دونها وما فوقها (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7-8]، (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ) [يونس: 61].

وكما هو دقيق هذه الدقة محيط هذه الإحاطة؛ فهو شامل للأفراد والأمم ذكورًا وإناثًا فى شئون الدنيا وفى الآخرة؛ فالطاعة مهما صغرت تنفع صاحبها كفرد فى دنياه وآخرته، وتصلح الأمة كمجموع فى دنياها وفى عقباها، (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10-12].

جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله أن يدله على طريق المال، فأرشده إلى الاستغفار، وجاء آخر يسأله أن يدله على طريق الولد والذرية، فأشار عليه بالاستغفار، وجاء ثالث يشكو جدب الأرض واحتباس الغيث، فأمره بالاستغفار، وجاء رابع يطلب طريق الجنة فأوصاه بالاستغفار، وقرأ بعد ذلك الآية الكريمة: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) [نوح: 10].

فيا أيها الصائمون والصائمات والقائمون والقائمات، بهذا الكتاب الكريم والدين القيم لا مفر من الجزاء الحق عن العمل طيبه وخبيثه، وأنتم الآن فى شهر تضاعف فيه الحسنات، وتغفر فيه السيئات لمن شاء الله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]، وأنتم كذلك فى ظروف حرجة دقيقة تشملكم أفرادًا وأممًا.. فماذا تنتظرون؟.

أقبلوا على الله تعالى بصالح الأعمال، وكونوا معه يكن معكم (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].


المصدر : جريدة الإخوان المسلمين اليومية – السنة الأولى – العدد 89 – صـ3 – 18رمضان 1365هـ / 16أغسطس 1946م.