وفاة الشيخ محفوظ نحناح خسارة للإسلام والمسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وفاة الشيخ محفوظ نحناح خسارة للإسلام والمسلمين

محمد المهدي ولد محمد البشير20/6/2003

لقد رحل الشيخ الفاضل محفوظ نحناح الرجل الأمة العالم الأديب والمفكر الإسلامي الأصيل، والمؤمن الصادق في إيمانه والمحاور البارع والسياسي الفذ ذي البصيرة النافذة والحكمة الراسخة والنظرة الصائبة والعقل المتقد فطنة وذكاء، والقدرة الفائقة على الاستقطاب والجمع والتكوين والتربية والإرشاد، والموازنة بين المصالح والمفاسد، واستشراف المستقبل، والشجاعة في اتخاذ القرارات الجريئة والصدع بكلمة الحق أمام الجميع، بعيدا عن الأفعال المتسرعة والانجراف خلف العواطف والانفعالات و ردود الأفعال، والصبر على الأذى والصفح عن الخصوم.

لقد أفل البدر المنير الذي كانت تزدان به سماء الجزائر منذ ستين سنة ، وانطفأ القبس المتلألئ الذي طالما أنار الطريق للسالكين واهتدى به الحيارى وثاب إليه المؤمنون، ليقتبسوا منه الإيمان والعلم والتقى، وانهد الطود الشامخ الذي كان المسلمون يلوذون به إذا ما ادلهمت الخطوب، و نضب المعين الثر الذي لا تكدره الدلاء - رغم كثرة الواردين- في صمت حزين بالنسبة إلى من عرفوه، و لكنه سعيد بالنسبة إليه؛ لأنه رحل إلى العالم الذي ظل يشد رحاله منذ ستين سنة ليصل إليه؛ وانتقل إلى الدار التي أمضى حياته كلها يبنيها لبنة لبنة، دار الآخرة و عالم الخلود الذي أعده الغفور الودود لعباده المؤمنين.

لقد توفي الشيخ محفوظ نحناح والأمة الإسلامية تائهة في بيداء مقفرة تلفها حناديس الظلام، وتتقاذفها أمواج متلاطمة في ليل بهيم، وأعداؤها يتربصون بها الدوائر و يحوكون المؤامرات للانقضاض عليها عند أول سانحة بسبب وبدون سبب، وهي في أمس الحاجة إلى كل ربان حاذق ودليل ماهر من علمائها الربانيين ودعاتها المخلصين وساستها العقلاء المجربين، الذين لا تهزهم العواصف الهوجاء، ولا تفزعهم التحديات الجسام، ولا تستدرجهم الاستفزازات المغرض،ة ولا تستخفهم المكائد الخبيثة إلى معارك مدمرة لقدرات الأمة - ماديا أو معنويا-

ولا يستعجلون قطف الثمار قبل نضجها، أو يقدمون على عمل غير مدروس دراسة متأنية، أو تصرف لم تحسب نتائجه حسابا دقيق،ا ويخطط له تخطيطا عميقا، لأنهم يهتدون بالوحي ومقاصد الشرع ويستنيرون بالعقل، و يعتبرون بالتاريخ وتجارب الأمم ، وقد كان الشيخ محفوظ نحناح من هذا الطراز النفيس من الرجال العظماء، الذين بدؤوا يرحلون عن عالمنا منذ عقد من الزمن وكأنهم جواهر كانت منتظمة في عقد فانفرط سمطه فتهاوت كالشهب. لقد رحل الشيخ محفوظ نحناح البطل الأشم الذي كان الجهاد بالفكر والقلم والمال والنفس وظيفته، والطبيب النطاسي الذي وهب نفسه لعلاج المسلمين، والحرب لما تضع أوزارها، وجراح الأمة الإسلامية تنزف دما، والمسجد الأقصى مازال أسيرا، وفلسطين الحبيبة مازالت سليبة، رغم أنه كان واحدا من أكبر من حملوا هم الأمة الإسلامية، وعملوا على تضميد جراحها ورد البسمة إلى شفتيها، لا لأنه ألقى السلاح اختيارا أو مل الجهاد والكفاح ولكنه لبا نداء الله وانتقل ليجني ثمار عمله الصالح.

لقد أحببت الشيخ محفوظ نحناح حبا كبيرا وذرفت عليه من الدموع ما لم أذرفه على أحد من أهلي لأنني ألفيته – رغم ما يقول شانئوه- رجلا من رجال الإسلام العظام ذا مناقب جليلة لا تحصى وشمائل جميلة، وعلم غزير، وعقل مستنير، وإيمان بالله قوي ، وثقة بأن المستقبل للإسلام، وحنكة سياسية نادرة ويقظة عالية وحس مرهف وتواضع جم " وقد رأيته سنة 2000 يؤذن لصلاة الجمعة ويقدم غيره ليصلي مكانه" واعتزاز كبير بانتمائه الحضاري، وغيرة شديدة على مقدسات الإسلام، وخاصة فلسطين التي كانت نقطة ارتكاز عمله وقطب تحركه.

وقد جعل مقر حركته مسجدا للعبادة والذكر، ومدرسة للعلم والفكر ، وملاذا للفقراء والمحتاجين ومنبرا للسياسة ، حيث اختط لنسه منهجا سياسيا متميزا قوامه الموازنة بين المصالح والمفاسد.

وإذا كان الشيخ محفوظ نحناح قد توفي إلا أن النور الذي بثه قد استقر في هذه الأرض، والغرس الذي زرعه قد استوى على سوقه، ولم تذهب جهوده سدا بل أثمرت جيلا جديدا يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبيا رسولا، وسيحمل الراية ويسير على الدرب ويحفظ العهد والوعد، ولن يضيع الأمانة أو يفرط في الوديعة حتى يحقق الأهداف التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لتحقيقها.

نم أيها الشيخ الجليل قرير العين فبلاد الإسلام من طهران إلى وهران، ومن جاكرتا إلى شنقيط، تثني عليك وتشهد لك بما قدمته للإسلام والمسلمين من خير عميم، والمسجد الأقصى وكل صقع يرفع فيه الأذان يناجي ربه في ضراعة وابتهال أن يغفر لك ويتجاوز عنك ويدخلك جنة الفردوس مع النبيئين والصديق والشهداء والصالحين وحسن ألئك رفيقا.

المصدر