وقفات إيـمانية في حياة الإمام ابن الجوزي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وقفات إيـمانية في حياة الإمام ابن الجوزي

اكلفوا من الأعمال ما تطيقون

يقول ابن الجوزي: ولقد شاهدت رجلاً بجامع المنصور وهو يمشي كثيراً.

سألت: ما السبب في ذلك؟!

فقيل لي: حتى لا ينام.

وهذه كلها حماقات أوجبتها قلة العلم،لأنه إذا لم تأخذ النفس حظها من النوم،اختلط العقل وفات المراد من التعبد.

لماذا تأثر بعبدالوهاب الأنماطي وأبي منصور الجواليقي؟

يقول ابن الجوزي:لقيت مشايخ... أحوالهم مختلفة،يتفاوتون في مقاديرهم في العلم،وكان أنفعهم لي في صحبته العامل منهم بعلمه، وإن كان غيره أعلم منه.

ولقيت جماعة من علماء الحديث يحفظون ويعرفون،ولكنهم كانوا يتسلحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح وتعديل، ويأخذون على قراءة الحديث أجرة،ويسرعون بالجواب لئلا ينكسر الجاه وإن وقع خطأ،ولقيت عبدالوهاب الأنماطي، فكان على قانون السلف،لم يُسمع في مجلسه غيبة.

وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق بكى واتصل بكاؤه،فكان وأنا صغير السن حينئذ يعمل بكاؤه في قلبي،وكان على سمت المشايخ الذين سمعت أوصافهم في النقل.

ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي، فكان كثير الصمت شديد التحري فيما يقول متقناً محققاً، وربما سئل عن المسألة الظاهرة التي يبادر بجوابها بعض غلمانه، فيتوقف فيها حتى يتيقن، وكان كثير الصوم والصمت فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما.

فهمت من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول.

"وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون" 24 (السجدة).

"والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" 74 (الفرقان).


وقفات إيمانية في حياة الإمام ابن الجوزي

"احذر أن تتعدى حدود الله.. فتهون عنده وعند خلقه"

ما أجمل أن يسجل العلماء بعض المواقف في حياتهم،وكيف جاهدوا أنفسهم والدروس التي استفادوها مما رأوا وسمعوا، فالناس يتعلمون بالعمل أكثر مما يتعلمون بالكلام.

ولقد قمت بتلخيص كتاب "صيد الخاطر" لابن الجوزي، فكان أهم ما وقفت عنده طويلاً واستفدت منه المواقف التربوية التي تعرض لها، وهاكم بعضاً منها ملخصاً مع تصريف يسير:ابن الجوزي يجاهد نفسه خوفاً من غضب الله وثقة بأنه محاسب على كل صغيرة وكبيرة.

يقول: تراعنت عليَّ نفسي في طلب شيء من أغراضها،بتأويل فاسد فقلت لها:بالله عليك تصبَّري، إذا هممت بفعل فقدري حصوله ثم تأملي عواقبه، وما تجنين من ثمراته، فأقل ذلك الندم على ما فعلت، ولا يؤمن أن يثمر غضب الحق عز وجل وإعراضه عنك.

ثم اعلمي أيتها النفس أنه ما يمضي شيء جزافاً،وأن ميزان العدل تبين فيه الذرة، فتأملي الأموات والأحياء، وانظري إلى من نشر ذكره بالخير أو الشر.

إن الله سريع الحساب:

يقول ابن الجوزي:

"أطلقت نظري فيما لا يحل لي ثم كنت أنتظر العقوبة، فألجئت إلى سفر طويل، لا نية لي فيه، فلقيت المشاق".

قلت: وأنا بدوري أهدي هذا الموقف للعاكفين على الفضائيات والمجلات والأفلام والأغاني والصور، وما فيها من فتنة وفساد.


علماء يداهنون الظَّلمة من أجل الدنيا

يقول ابن الجوزي: وقد رأينا جماعة من العلماء يغشون الولاة لأجل نيل ما في أيديهم، فمنهم من يداهن ويرائي،ومنهم من يمدح بما لا يجوز، ومنهم من يسكت عن منكرات، إلى غير ذلك من المداهنات، وسببها الفقر،فعلمنا أن كمال العز والبعد عن الرياء يكون في البعد عن الولاة الظلمة، ولم نر من صح له هذا إلا في أحد رجلين:

من كان له مال كسعيد بن المسيب، كان يتجر في الزيت وغيره، وسفيان الثوري كان له بضائع، وكذلك ابن المبارك.

من كان شديد الصبر، قنوعاً بما رُزق، وإن لم يكفه كبشر الحافي، وأحمد بن حنبل.

ومتى لم يجد الإنسان كصبر هذين ولا كمال أولئك فالظاهر تقلبه في المحن والآفات وربما تلف دينه.

فعليك يا طالب العلم بالاجتهاد في جمع المال للغنى عن الناس، فإنه يجمع لك دينك.

فما رأينا في الأغلب منافقاً في التدين ولا آفة طرأت على عالم، إلا بحب الدنيا.

وغالب ذلك الفقر، فإن كان له مال يكفيه ثم يطلب بتلك المخالطة الزيادة، فذلك معدود في أهل الشره خارج عن حيز العلماء.

قلت: ولا يتعارض هذا مع بعض العلماء الذين خالطوا الحكام وأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر وتصدقوا بأموالهم على الفقراء وطلاب العلم مثل الزهري مع عبدالملك ابن مروان.


ومن يتق الله يجعل له مخرجاً

يقول ابن الجوزي: ضاق بي أمر أوجب غماً لازماً دائماً وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل وجه، فما رأيت طريقاً للخلاص، فعرضت لي هذه الآية:

"ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب" (الطلاق).

فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج.

فلا ينبغي لمخلوق أن يتوكل إلا على الله، فالله عز وجل كافيه، فيقوم بالأسباب ولكن لا يعلق قلبه بها.

احذر أن تتعدى حدود الله فتهون عنده وعند خلقه:

يقول ابن الجوزي: لقد رأيت من أنفق عمره في العلم إلى أن كبرت سنه، ثم تعدَّى الحدود، فهان عند الخلق، فكانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة علمه، وقوة مجادلته، ولقد رأيت من كان يراقب الله عز وجل في صبوته "أي في شبابه وميله إلى الله" مع قصوره، بالإضافة إلى ذلك العالم، فعظم الله قدره في القلب، حتى علقته النفوس، ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير.

هل تتأخر إجابة الدعاء بسبب المعاصي؟

يقول ابن الجوزي: نزلت فيَّ شدة، وكاثرت من الدعاء أطلب الفرج والراحة وتأخرت الإجابة، فانزعجت النفس فصحت بها:ويلك، تأملي أمرك، أمملوكة أنت أم مالكة؟! أما علمت أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، فإذا طلبت أغراضك، ولم تصبري على ما ينافي مرادك فأين الابتلاء؟.

ثم قلت لها: إنك قد استبطأت الإجابة وأنت سددت طرقها بالمعاصي كأنك ما علمت أن سبب الراحة التقوى:"ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب" (الطلاق).

وقلت لها: إنك تطلبين ما لا تعلمين عاقبته،وربما فيه ضررك،"وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" 216 (البقرة).


لا تظاهر مسلماً بالعداوة، فقد تحتاج إليه

يقول ابن الجوزي: مما أفادتني تجارب الزمان أنه لا ينبغي لأحد أن يظاهر بالعداوة أحداً ما استطاع، فإنه ربما يحتاج إليه مهما كانت منزلته.

وإن الإنسان ربما لا يظن الحاجة إلى مثله يوماً ما، لكن كم من محتقر احتيج إليه، فإذا لم تقع الحاجة إلى ذلك الشخص في جلب نفع وقعت الحاجة في دفع ضر.

ولقد احتجت في عمري إلى ملاطفة أقوام، ما خطر لي قط وقوع الحاجة إلى التلطف بهم.


كتاب مفتوح إلى الرئيس الحريري

يكن: لتجنيب الحكومة ولبنان المزيد من مساجلات فضائح العمالة والخيانة بين وزراء وآخرين

وجه النائب السابق الداعية الدكتور فتحي يكن الكتاب التالي الى رئيس الحكومة الاستاذ رفيق الحريري :

"ألا يكفي ما يجري في الحياة السياسية اليومية من مساجلات،وما تتعرض العلاقات الرئاسية من صراعات، وما تمتلئ به الساحة اللبنانية من فتائل تفجير وقنابل موقوتة؟

ألا يكفي هذا وغيره ..حتى يضاف إلى ذلك كذلك،ما تنقله وتتناقله وسائل الاعلام ـ بشكل يومي ـ من تبادل اتهام عمالة لإسرائيل وخيانة عظمى، بين الوزير بقردوني وعدد من المسؤولين والنواب؟؟

ألا يدرك المسؤولون أن كل ذلك إنما يصب في خانة هز الولاء بالدولة ومؤسساتها،وإضعاف الشعور بالانتماء الوطني،وزعزعة ثقة المواطن بنفسه وبمن حوله.؟؟

إن كانت هنالك ثمة ملفات ذات منحى خياني بحق هذا أو ذاك، فلتتحرك الأجهزة القضائية المختصة،ولتضع يدها عليها،حسماً للقيل والقال والعبث بأمن الوطن والمواطنين. "

وبانتظار مبادرتكم الحاسمة في هذا الخصوص مع خالص التحيات ..

في 24/6/2003

د. فتحي يكن

المصدر