وقفات مع الأصول العشرين ( 2- 2 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
وقفات مع الأصول العشرين ( 2- 2 )


إعداد: وليد شلبي

مقدمة

نستكمل في هذا الجزء الحديث عن بقية الأصول العشرين التي وضعها الإمام الشهيد حسن البنا في ركن الفهم- أول أركان البيعة- لترسيخ معنى وحدة الفهم للقضايا العامة في نفوس الإخوان.

الأصل الحادي عشر

"وكل بدعة في دين الله لا أصل لها- استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه أو بالنقص منه- ضلالة تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدي إلى ما هو شر منها".

هذا الأصل يُعالج:

- ضرورة الالتزام بحدود الله بلا زيادة أو نقصان

- البدعة الحقيقية وماهيتها

- محاربتها بأفضل الوسائل

في هذا الأصل يؤكد الإمام الشهيد على ضرورة الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله، والوقوف عند حدود الله بلا زيادة ولا نقصان.

ولقد راجت البدع الضالة فأضعفت الأمة وأنهكتها بشدة، وقاوم البعض البدع ولكن بالتي هي أخشن وبغير الأسلوب الأمثل. فنهض الإمام يدعو الناس إلى المنبع الصافي كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-، ويحذرهم من البدع، وينكرها عليهم بالتي هي أحسن، والأسلوب الأمثل.

تعريف البدعة

لـغــةً: الاختراع على غير مثال سابق.

شرعًا: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه.

وذم البدع قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ (الأنعام: 159) وقد فسرها العلماء بأنهم أهل البدع. وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وكان- صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".

الابتداع بالزيادة والنقصان

إن الابتداع في الدين مذموم سواءً كان بالزيادة أو النقصان.

لأن في الزيادة: اتهام الشارع والشريعة بالعجز والنقص.

وفي النقصان: كفر ببعض الشريعة يؤدي بأتباعه إلى البوار والدمار.

من أمثلة الزيادة: إقامة الموالد، وبناء الأضرحة، والطواف حولها، والرهبنة.

ومن أمثلة النقص: تعطيل الجهاد، وتعطيل الحكم بما أنزل الله.

إنكار البدعة الدينية لا الدنيوية

لقد كان الإمام الشهيد دقيقًا في إنكار البدعة والدعوة إلى محاربتها.. عندما قيدها بأمرين:

- أن تكون في الدين.

- وألا يكون لها أصل في الشرع.

ذلك لأن المسلمين مطالبون بالاختراع والابتكار في أمور الدنيا في شتى المجالات لسد حاجاتهم، وتقوية أنفسهم، والقدرة على القيام بواجب الخلافة في الأرض وعمارتها.

ولقد كان الإمام الشهيد يحث إخوانه على أخذ الجديد النافع في أمور الدنيا كما في الإشارة الواردة في الأصل الثامن عشر.

محاربة البدع بالتي هي أحسن

إن واجبنا نحو البدع أمران:

أولهما: إنكارها ومحاربتها والقضاء عليها.

ثانيهما: اتخاذ أفضل الوسائل التي لا تؤدي إلى شر منها.

فالذي أمرنا بالإنكار هو الذي أمرنا بإحسان الوسائل ولا يصح شرعًا أن نُحارب بدعة بجلب شر أكبر منها.

يقول الإمام بن القيم رحمه الله: إنكار المنكر أربع درجات:

الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.

الثانية: أن يقل وأن لم يزل بجملته.

الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.

الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.

فالدرجتان الأوليان مشروعتان والثالثة: موضع اجتهاد والرابعة محرمة.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي. فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس، وسبي الذرية، وأخذ الأموال، فدعهم".

الأصل الثاني عشر

"والبدعة الإضافية والتَّركِيَّة والالتزام في العبادات المطلقة خلاف فقهي، لكل فيه رأيه، ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان".

هذا الأصل يُعالج:

- البدعة الحقيقة

- البدعة الإضافية

- البدعة التركية

- الالتزام في العبادات المطلقة

1- البدعة الحقيقة

هي التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم لا في الجملة ولا التفصيل. وهذا ما تحدثنا عنه في الأصل السابق.

2- البدعة الإضافية

هي ما كان لها أصل في الشرع أو كان سنة أو مستحبة في الأصل، ثم عرض له وصف أو هيئة أخرجتها عما حدده الشرع.

مثل:

- الجهر بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأذان.

- الجهر بقراءة سورة الكهف يوم الجمعة قبل الصلاة في جمع كأنها من شعائر الصلاة.

- أداء الأذكار بعد الصلاة بصورة جماعية .

3- البدعة التركية

هي أن يترك المرء شيئًا أحله الشرع تدينًا. كأن يحرم شيئًا حلالاً.

مثل:

- ترك الزواج بحجة التقرب إلى الله بإكثار العبادة.

- ترك أكل لحم الحمام تعظيمًا له.

4- الالتزام في العبادات المطلقة

وهي كأن يلتزم المسلم بعبادة لها أصل مشروع ولكنه يحدد بها مكانًا معينًا أو زمانًا محددًا أو عددًا بعينه. مثل قراءة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ 100 مرة بعد الفجر أو في أي وقت معلوم، أو قراءة سورة الكهف كل يوم جمعة بطريقة معينة. وهي كالبدعة الإضافية سواء بسواء.

تفاوت درجات البدع

البدع ليست على درجة واحدة فقد قرر العلماء أن البدع تتفاوت أحكامها ورتبها فمنها ما هو كفر، ومنها ما هو معصية ليست بكفر أو يختلف فيها، ومنها ما هو معصية ويتفق على أنها ليست بكفر، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو من الكبائر، ومنها ما هو من الصغائر.

الموقف الحكيم للإمام البنا

الإمام الشهيد حسن البنا

نظر الإمام الشهيد في أقوال العلماء الراسخين فوجد تصنيفهم لهذه الأنواع من البدع (الإضافية والتركية والالتزام في العبادات المطلقة) في دائرة المسائل الاجتهادية، والراجحة والمرجوحة التي يتناصح فيها بلا إغلاظ ولا جفاء. وتناقش تحت ظلال الأخوة والمحبة في الله.

فقرر الإمام الشهيد أن هذه الأنواع خلاف فقهي، وبذلك تتألف القلوب، وتتوحد الصفوف. ومع هذا بين أنه لا مانع من مناقشة المسائل التي تندرج تحت هذه الأنواع بالدليل والبرهان تحت ظلال المحبة والإخاء.

أما موقفه العملي فقد حرص على الثابت الواضح الصافي من السنة، والبعد عما فيه خلاف. وقد تجلى ذلك فيما كتبه في المأثورات.

الأصل الثالث عشر

"ومحبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة إلى الله تبارك وتعالى، والأولياء هم المذكورون بقوله تعالى ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ (يونس: من الآية 63)، والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية، مع اعتقاد أنهم رضوان الله عليهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا في حياتهم أو بعد مماتهم فضلاً عن أن يهبوا شيئًا من ذلك لغيرهم".

هذا الأصل يُعالج:

- حب الصالحين من الحب في الله

- احترام الصالحين والثناء عليهم

-من هم أولياء الله؟

- ما هي الكرامة وشرائطها الشرعية؟

- الاعتقاد بأن الذي يملك الضر والنفع هو الله وحده

محبة الصالحين قربة

لقد حث الإسلام على حب أهل الخير، وذكرهم بالجميل وعدّ ذلك من القربات والأعمال الصالحة. ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ (56)﴾ (المائدة)، وقال صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب" فواجب المسلم أن يحب الصالحين ويقدرهم حبًّا واعيًا متزنًا فلا جفاء ولا غلو. فإن عداء الصالحين وبغضهم جرم خطير.. قال تعالى في الحديث القدسي "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب"

من هم الأولياء؟!

عرف الإمام الشهيد الأولياء بتعريف القرآن ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ (يونس: 62، 63).. فالولي: هو كل مؤمن تقي، وقد عرفهم القرآن بهذا التعريف في العديد من الآيات منها قوله تعالى﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ (البقرة: من الآية 257) وقال تعالى ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (محمد: من الآية 11).

شروط الولاية

1- التمسك بكتاب الله والسنة.

2- الاقتداء بأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله.

3- أن تزن الأفعال والأقوال بميزان الكتاب والسنة.

وصدق من قال: إذا رأيت الرجل يمشي على الماء، ويطير في الهواء، ويترك ما أمر الله ورسوله فاعلم أنه ساحر أو شيطان.

ثبوت الكرامات للأولياء

للناس في الكرامات مذاهب ثلاثة:

1. فريق يكذب بوجود ذلك لغير الأنبياء.

2. فريق لا يفرق بين الكرامة الإيمانية والخوارق الشيطانية، فالجميع عندهم أولياء.

3. فريق (وهو الصواب) يثبت الكرامة لأولياء الله، ويميز بينها وبين الخوارق الشيطانية لأهل الفجور.

يقول ابن تيمية "ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري على أيديهم من خوارق العادات، في أنواع العلوم والمكاشفات. كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها.

وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة. وهي موجودة فيها إلى يوم الدين".

الشروط الشرعية للكرامة

هل كل خارق للعادة يُعد كرامة، ويُعد صاحبه وليًّا؟

فالخارق للعادة إذا كان صاحبه مؤمنًا تقيًا، متبعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا، فهذا الخارق يُعد كرامة، ويُعد صاحبه وليًّا.

أما إذا جرى الخارق للعادة على يد من يأتي المنكرات ويرتكب المحرمات، فهذا الخارق من الأحوال الشيطانية وصاحبه من أعداء الله.

فالخلاصة: أن شرط الكرامة وسببها الإيمان والتقوى ومتابعة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

الأولياء لا يملكون نفعًا ولا ضرًا

بين الإمام رحمه الله أن الأولياء لهم الاحترام والثناء، ولا يجوز أن يُعتقد فيهم شيء من صفات الألوهية كالضر والنفع، لأنهم عبيد لله رب العالمين. فالضار النافع هو الله لا أحد سواه. ولا يملك أحد أن يجلب لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا ولا أن يدفع عن نفسه ولا غيره ضرًا. وهذا ما نطق به القرآن في وضوح وجلاء. ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (يونس: 107) وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 188) وبهذا يكون الإمام الشهيد قد أرشد إلى الفهم السديد الذي يحفظ صاحبه من الإفراط والتفريط، وهذا منهج القرآن.

الأصل الرابع عشر

الإمام الشهيد حسن البنا فى أحد المؤتمرات

"وزيارة القبور أيًّا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة، ولكن الاستعانة بالمقبورين أيًّا كانوا ونداؤهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وسترها وإضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها، ولا نتأول لهذه الأعمال سدًا للذريعة".

هذا الأصل يُعالج:

- سد الذرائع أمام معكرات صفو العقيدة

- المغالاة في حب الصالحين

- زيارة القبور سنة مشروعة

- الكيفية المأثورة للزيارة

- عدم الاستعانة بالمقبورين

- الحلف بغير الله

زيارة القبور سنة: فهي ترقق القلب، وتزكي النفس لأنها تذكر بالآخرة، وزوال الدنيا الفانية قال الرسول صلى الله عليه وسلم "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة".

صفة زيارة القبور: عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية".

أما ما يفعله من لا علم له من التمسح بالأضرحة وتقبيلها والطواف حولها والسجود على أعتابها.. فهو زيارة بدعية محرمة.

حرمة الاستعانة بالأموات

الاستعانة لا تكون إلا بالله لا أحد سواه ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (الفاتحة: 5) قال صلى الله عليه وسلم "إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فستعن بالله".

الدعاء والاستعانة لا تكون إلا بالله ﴿وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ﴾ (يونس: 106) ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ (الأحقاف: 7).

وكذلك حرم الإسلام تشييد القبور.

وهذه الأمور المنكرة حرمت لأنها:

*تضليل للعوام * وتبذير للأموال * وإعادة للجاهلية الجهلاء.

لا نتأول سدًّا للذريعة

لقد حرص الإسلام على حماية عقيدة التوحيد من أي شائبة، لذلك سد كل الذرائع المكدرة لصفوه. من أجل هذا أنكر الإمام الشهيد أن يُتأول لهذه المبتدعات المنكرة بأي تأويل يسوغها، فإن الله غني عنها شكلاً ومضموناً، لأنها لا تخلو من الضرر الشنيع مهما حسن قصد صاحبها.

قد يتساءل البعض: لماذا لم يصف الإمام الشهيد هذه الأعمال بالشرك؟

يقول الشيخ محمد عبد الله الخطيب: إن هذا من حكمته رحمه الله، ورفقه وتلطفه في دعوة الآخرين. فهو رحمه الله لم يُقصر في بيان عظم هذا الجرم ولكن برفق وتلطف. فوصف الأعمال بأنها ” كبائر “ ثم أتبعها بـ"تجب محاربتها" ثم "أنكر" أن يُتأول لها سدًّا للذريعة.

فهل تحقق المقصود بهذا الأسلوب أو لا؟ اللهم نعم.

الأصل الخامس عشر

الإمام الشهيد حسن البنا وهو يخطب فى أحد الؤتمرات

"والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة".

هذا الأصل يُعالج:

- الدعاء مخ العبادة

- التوسل والوسيلة المجمع عليها والمختلف فيها

- رأي العلماء في الدعاء إذا قرن بالتوسل بأحد من خلقه

صورة المسألة

المسألة التي يعنيها الإمام الشهيد في التوسل هي: قول المرء: اللهم إني أسألك بجاه فلان أو حقه أو نحو ذلك. أي أن يكون التوجه إلى الله لا سواه ومع هذا التوجه توسل إليه تبارك وتعالى بفلان.

حكم هذه الصورة

بين الإمام الشهيد أن هذه الصورة من المسائل الاجتهادية أي في دائرة الراجح والمرجوح التي يدلي فيها كل فريق بحجته. وهذا معنى قوله (خلاف فرعي). ولا يترتب على اختيار أي رأي فيها فساد اعتقاد أو زيغ أو ضلال. وهذا معنى قوله: (وليس في مسائل العقيدة) وما ذهب إليه الإمام الشهيد هو ما اتفق عليه أئمة العلماء.

التوسل المختلف فيه بين العلماء

1- التوسل إلى الله بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه. أجازه البعض إذا كان بمعنى الشفاعة. كما في حادثة استسقاء عمر بالعباس.

2 ـ وأجازه البعض وإن لم يكن بمعنى الشفاعة، بل بمعنى التوسل بجاه الوسيلة نحو القسم على الله بنبيه صلى الله عليه وسلم. إلا أن العز بن عبد السلام خصه به صلى الله عليه وسلم.

3- أجازه البعض على إطلاقه كالإمام السبكي وغيره.

4- منعه الإمام بن تيمية والألباني وغيرهم.

ولقد أجمع العلماء على عدم معاقبة من يفعل ذلك قال ابن تيمية: "وأما القسم الثالث مما يسمى توسلاً وهو الإقسام على الله عز وجل بالأنبياء والصالحين أو السؤال بأنفسهم، فإنه لا يقدر أحد أن ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ثابتًا، لا في القسم أو السؤال به، ولا في القسم أو السؤال بغيره من المخلوقين.

وإذا كان في العلماء من سوغه، فقد ثبت عن غير واحد من العلماء أنه نهى عنه، فتكون مسألة نزاعية كما تقدم بيانه، فيرد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله ويبدي كل واحد حجته كما في سائر مسائل النزاع.

وليس هذا من مسائل العقوبات بإجماع المسلمين بل المعاقب على ذلك معتد جاهل ظالم. فإن القائل بهذا قد قال ما قالت به العلماء، والمنكر عليه ليس معه نقل يجب إتباعه، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة" الفتاوى 1/285- 286.

يقول الشيخ محمد عبد الله الخطيب: أما الراجح في هذه الصورة فموضوع آخر لم يتعرض له الإمام الشهيد لأنه بصدد الكلام على أصول يبايع عليها، ويلتزم بها، ومن ثم يجب أن تكون من المتفق عليه، والذي يمكن الاتفاق عليه أنها مسألة خلافية. ولا مانع من التحقيق العلمي في ظل الحب بالله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب، والتكفير والتفسيق.

ومن ذلك يتضح:

1)أن التوسل بالأنبياء والصالحين بمعنى الإقسام بهم أو السؤال بهم خلاف فقهي يسوغ الاجتهاد فيه.

2)أنها تخضع للصواب والخطأ لا الكفر والإيمان.

3)ليس هناك دليل قاطع في الجواز أو المنع، فالاختلاف فيها لا يترتب عليه فساد اعتقاد.

4)أجمع المسلمون على أن المسألة لا يُُعَاقب عليها. ومن يُعاقِب فهو معتد ظالم جاهل.

الأصل السادس عشر

"والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية، بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها، والوقوف عندها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء".

هذا الأصل يُعالج:

- هيمنة الشرع على السلوك

- العرف الخاطئ

- الخداع اللفظي

- منع التحيّل

- العبرة بالمسميات لا بالأسماء

في هذا الأصل يقرر الإمام الشهيد هيمنة الشرع على السلوك، وأنه هو الحكم لا أعراف وعادات الناس، ويدعو الإمام الشهيد إلى معرفة المراد من الألفاظ والمصطلحات الشرعية حقيقة ومضمونًا.

تعريف العرف

هو ما ألفه المجتمع واعتاده وسار عليه في حياته من قول أو عمل، والعرف والعادة بمعنى واحد عند الفقهاء.

مثال العرف العملي: تقسيم المهر إلى معجَّل ومؤجل.

مثال العرف القولي: إطلاق اسم اللحم على غير السمك، ولفظ الولد على الذكر دون الأنثى.

العرف الصحيح والفاسد

العرف الصحيح: ما لا يُخالف نصًّا من نصوص الشريعة، ولا يفوت مصلحة معتبرة، ولا يجلب مفسدة راجحة.

مثل: تعارف الناس على ما يقدمه الخاطب إلى مخطوبته يعتبر هدية ولا يدخل في المهر.

العرف الفاسد: هو ما كان مخالفًا لنص الشارع، أو يجلب ضررًا، أو يدفع مصلحة.

مثل: استعمال العقود الباطلة كالاستقراض بالربا من البنوك أو الأفراد.

موقفنا من العرف الخاطئ

واجب المسلم أن يطوع كل سلوكه الظاهر والباطن لمنهج ربه ومقاصد الشريعة، وهو وقاف عند حدود الله لا يتجاوزها مهما كان، ويزن كل الأمور بميزان الشرع.

وللناس عادات مستقرة في حياتهم منها ما يجنح إلى الإفراط ومنها ما يجنح إلى التفريط. وواجب المسلم تجاه هذه الأعراف ألا يجنح معها بل يلزم وسطية الشرع، وحقيقته الثابتة.

مثال: تعارف بعض الناس على أن يخلو المرء بمخطوبته ويخرج معها.. بلا ضوابط. وتعارف البعض الآخر على أن المرء ليس له أن يرى مخطوبته.. بل يكفي الإخبار.

والموقف الشرعي السديد هو: إباحة النظر إلى المخطوبة، والتعرف عليها، ومحادثتها بلا تبذل ولا ليونة، بل بالأدب العف، في النور بلا خلوة مريبة.

الحذر من الخداع اللفظي

يلجأ يعض المضللين إلى خداع الجماهير بإطلاق ألفاظ وعناوين براقة فتكون النتيجة أن يوقعوهم في الرذيلة وينفروهم من الفضيلة. (العبرة بالمسميات لا بالأسماء).

أمثلة:

 تسمية الحجاب العفيف: تخلف وتأخر وكفن.

 تسمية السفور والتبرج: رقي وتقدم.

 رفع راية الذكر فوق أعمال الدراويش من الرقص والهوس.

 رفع راية تكريم الأولياء فوق بناء القباب، والسجود على الأعتاب.

 تسمية التعامل الربوي زورًا باسم المضاربة وتسمية الربا بالفائدة.

إن الاسم القبيح لا يضر الحق الصحيح والاسم الجميل لا يبيح الباطل السقيم.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن كثيرًا من المؤسسات المزورة المضللة ترفع رايات حسناء (أخوة، مساواة، عدالة، حرية، علم، إيمان، تقدم..) وهي فساد وشقاء للإنسانية.

مثل: المؤسسات العلمانية اللادينية، وأندية الماسونية والروتاري....

فينبغي الحذر من هذه الشعارات الزائفة الجوفاء، والنظر في سلوك أهلها وبرامجهم الحقيقية للوقوف علي حقيقتهم.

الأصل السابع عشر

"والعقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعًا وإن اختلفت مرتبتا الطلب".

هذا الأصل يُعالج:

- العقيدة أساس العمل

- عمل القلب وعمل الجارحة

- تحصيل الكمال في كليهما مطلوب

العقيدة أساس العمل

إن الإيمان بالله، وسلامة الاعتقاد هو أساس كل شيء وبدونه لا قيمة للعمل مهما بدا جميلاً وكثيرًا، لأنه قائم على فراغ، ويتجه إلى ضلال.

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾ (الفرقان: 23) ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (النور: 39)، وعلى قدر قوة العقيدة، وعمق الإيمان، وصدق اليقين تكون ثمار العمل ونضجها. فواجبنا تعميق جذور الإيمان الصافي، والعقيدة السليمة في النفوس لتأتي الأعمال صحيحة مقبولة.

عمل القلب وعمل الجارحة

إن القلب أشرف الأعضاء، فهو محل أصل الإيمان، ويتوقف عليه صلاح بقية الأعضاء أو فسادها، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا وأن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله ألا وهي القلب".

لذلك كانت أعمال القلوب أفضل من أعمال الجوارح. فالتوكل على الله، واليقين بالله، والخوف من الله... أفضل من الذكر، والإنفاق، وإماطة الأذى عن الطريق وفي كل خير.

والنفاق والكبر والحقد والبخل أخطر من الشتم والسرقة والضرب وكلاهما مر وضر.

كلاهما مطلوب

إن واجب المؤمن أن يسعى للتخلق بشُعب الإيمان، التي جمعت كل الأعمال، أعمال القلوب وأعمال الجوارح، ولا يجوز له الاكتفاء بأحدهما. فالله سبحانه أمر بالتوكل عليه، والاستعانة به والخوف منه والرجاء فيه.. وأمر كذلك بالصلاة والزكاة والصوم والذكر.. قال تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (الأنفال: 2، 3، 4).

فمهمة المسلم أن يجد ويسعى للكمال في كل الأعمال مركزًا على أعمال القلوب، بادئًا بها، غير مهمل ولا مستهين بأعمال الجوارح، لكن مراعيًا للترتيب والأولويات، مقدمًا الأعلى على الأدنى.

قال صلى الله عليه وسلم "الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها: قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الدين القائم بالقلب من الإيمان علمًا وحالاً، هو الأصل، والأعمال الظاهرة هي الفروع، وهي كمال الإيمان. فالدين أول ما يبنى من أصوله ويكمل بفروعه".

والخلاصة أن الإسلام دين إيمان وعمل.

 الإيمان يمثل العقيدة والأصول التي تقوم عليها شرائع الإسلام وتنبثق منها فروعه.

 العمل يمثل الشريعة والفروع التي تعتبر امتدادًا للإيمان والعقيدة.

 والإيمان والعمل أو العقيدة والشريعة كلاهما مرتبط بالآخر ارتباط الثمار بالأشجار أو ارتباط المسببات بالأسباب والنتائج بالمقدمات.

يقول الأستاذ/ جمعة أمين:

التبرك بالقبور

يتضح لنا أهمية العقيدة ولا خلاف على ذلك وينبغي التركيز عليها كاملة دون التركيز على جانب دون آخر.

فلماذا نتكلم عن شرك القبور- وهذا خلل في العقيدة ويجب تصحيحه- ولا نتكلم عن شرك التشريع وشرك السياسة وشرك الهوى وشرك المحبة وشرك الاقتصاد في حب الله.

فالشرك في العقيدة لا يقتصر على شرك العبادة وحده ولكن على كل الأنواع السابقة.

الأصل الثامن عشر

"والإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها".

هذا الأصل يُعالج:

- الإسلام والعقل

- التفكر في الآفاق

- احترام العلم والعلماء

- الترحيب بكل صالح نافع

- الحكمة ضالة المؤمن

الإسلام يحرر العقل

إن العقل من أعظم نعم الله على الإنسان فبه يدرك ويميز، ويفهم ويستنبط، ويبتكر ويخترع، ويبني ويعمر... فحرر الإسلام العقل من قيود الأوهام والخرافات والكهنوت، فحرم الإسلام إتيان العرافين والكهنة. وحرر الإسلام العقل من معتقلات التقليد والهوى لإغراقها لصاحبها ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ (البقرة: 107) ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص: 50).

لقد حرر الإسلام العقل من قيوده، ولم يكتف بذلك، بل رغب في النظر في الكون، وحث على التدبر والتفكر في المخلوقات وذلك:

- للتعرف على عظيم قدرة الله تبارك وتعالى وحكمته.

-القيام بواجب الخلافة في الأرض وعمارتها.

- الاستفادة مما سخره الله لنا من مخلوقات وطاقات.

والنصوص التي تحث على النظر كثيرة منها ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُون﴾ (يونس: 101) ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ* وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ* وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ* وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ* رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ (ق: 6: 11).

الإسلام يرفع قدر العلم والعلماء

لقد كرم الإسلام العلم، ورفع قدره، أي علم نافع يحقق القيام بواجب الخلافة في الأرض وعمارتها، ويكون مصدر قوة وتمكين وخير للمسلمين وللإنسانية. قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾، ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾.

وقال صلى الله عليه وسلم "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة"، وقال: "العلماء ورثة الأنبياء".

الإسلام يرحب بالصالح

إن الإسلام جاء ليحقق للناس كل مصلحة، ويبعد عنهم كل مفسدة في الدين والدنيا.

يقول ابن القيم: "فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها" إعلام الموقعين.

لذلك فإن الإمام الشهيد يلفت أفهام بني الإسلام إلى هذه القاعدة العظيمة، التي تسهم في رقيهم مع محافظتهم على أصالتهم. مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها".

الأصل التاسع عشر

"وقد يتناول كل من النظر الشرعي والنظر العقلي ما لا يدخل في دائرة الآخر، ولكنهما لن يختلفا في القطعي، فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالإتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار".

هذا الأصل يُعالج:

- النظر الشرعي والعقلي

- الفرق بين النظرية العلمية والحقيقة العلمية

علاقة الأصل بسابقه: بعد أن بين الإمام الشهيد موقف الإسلام من العقل والعلم وتكريمه للعقل وحثه على العلم النافع وتقديره لأهله، بين هنا أن للعقل دائرة بحث ونظر وكذلك الشرع وأن حقائق الشرع لا تتصادم مع حقائق العلم.

المراد بالنظر الشرعي: يراد بالنظر الشرعي ما تتضمنه نصوص القرآن والسنة من أحكام الحلال والحرام في كل مجال سواء كانت العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات.. وما تضمنته من مسائل الكون والحياة والعلوم المختلفة كالطب والفلك والزراعة.

المراد بالنظر العقلي: يراد بالنظر العقلي ما يُتوصل إليه عن طريق البحث والملاحظة والتجربة والاستقراء والاستنباط والتحليل في مسائل الكون والحياة والعلوم المختلفة... وغيرها من المسائل الدينية والدنيوية.

للشرع دوائر خاصة: ويختص بها الشرع دون العقل كالغيبيات (الجنة والنار، والملائكة..) والتحليل والتحريم فهذه مجالات لا يفتي فيها العقل ويؤسسها إنما يفهمها ويفسرها.

للعقل دوائر خاصة: مثل كثير من أمور الدنيا والكون والحياة التي تخضع للملاحظة والتجربة والاستقراء فيستنبط منها قوانين علمية في الكيمياء والفيزياء والنبات، تساعد على كثير من الاكتشافات العلمية والمخترعات.

دوائر للشرع والعقل: هي مجالات قطعية لا مجال فيها للتأويل والتردد مثل: الإيمان بالله تعالي واليوم الآخر والرسل وفضل شرع الله على ما سواه. فهذه مسائل قد تحدث عنها كتاب الله وسنة رسوله، وشهد بها العقل بالملاحظة والمشاهدة والأدلة السليمة.

مواقفنا من القضايا العلمية

1- لا مانع من ربط الحقائق العلمية الصحيحة بالحقائق الشرعية الصريحة، فهذا سبيل لزيادة الإيمان.

2- يؤول الظني من القضايا العلمية ليوافق القطعي من النصوص الشرعية.

3- إن كانت النصوص الشرعية ظنية والقضايا العلمية ظنية وقفنا في صف النصوص الشرعية لأنها تنزيل العزيز الحميد حتى تستقر القضايا العلمية على حال، إما الثبوت أو الانهيار.

أمثلة ونماذج

1- حقيقة شرعية وحقيقة علمية: مراحل خلق الإنسان في بطن أمه.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾ (المؤمنون: 12، 13) ونفس الحقائق القرآنية هي هي ما توصل إليه علماء الأجنة.

2-حقيقة شرعية ونظرية علمية: خلق آدم ونظرية دارون.

قال تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)﴾ (الحجر) وهناك بعض النظريات السقيمة الزائفة في خلق الإنسان تزعم أن الإنسان متطور عن سلالة من الحيوانات. وهذه النظرية تتعارض مع الحقيقة الشرعية، فواجب على المسلم أن يأخذ بالحقيقة الشرعية ويضرب بالنظرية العلمية الظنية عرض الحائط.

3-حقيقة علمية وشرعي ظني: كروية الأرض.

فقد أثبتت التجارب العلمية بالبراهين القاطعة أن الأرض كروية. وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الأرض ممدودة منبسطة وإلى أنها كروية. فقال تعالى ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ وفي مثل هذه الحالة نحمل الظني الشرعي على الحقيقة العلمية. ويجدر الإشارة إلى أن انبساط الأرض وامتدادها لا يتعارض مع كرويتها وذلك لأن التعبير يوضح حالتها وصورتها التي يراها الناس وهي ولا شك تُرى مبسوطة ممدودة. أما شكلها فهي كالدحية (كروية بيضاوية).

الأصل العشرون

"ولا نكفِّر مسلمًا أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض- برأي أو بمعصية- إلا أن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر".

هذا الأصل يُعالج:

- قضية التكفير

- حكم الناطق بالشهادتين

- أصحاب الذنوب والكفر الأصغر

- الكفر والجهل بالعقيدة والعذر بالجهل

- الجماعة ليست شرطًا للإيمان

- ومن لم يحكم بما أنزل الله

- مفهوم الكفر والإيمان

- لا تكفير برأي أو معصية

- أنواع الكفر

أمران هامين

أولاً: موقف الإسلام من التكفير

لقد حذر الإسلام من تكفير شخص بعينه دون تيقن من كفره، لأن التسرع في التكفير أمر خطير على صاحبة وعلى المجتمع وعلى الدعوة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".

قال أبو حامد الغزالي: "والذي ينبغي أن يميل المسلم إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم". المحجمة: ما يحجم به وقيل: قارورته.

ويقول ابن تيمية: "من ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة".

ثانيًا: كلام الإمام الشهيد في هذا الأصل يختص بما يُخرج المسلم من الإسلام

قصد الإمام الشهيد أن ينكر على الغلاة في التكفير تكفيرهم لمن وحدوا الله، وآمنوا برسوله، ورضوا بالإسلام دينًا، وأدوا فرائض الله... ومع ذلك حُكم عليهم بالكفر لأسباب أهون من أن تُخرج صاحبها من الإسلام كالخطأ في رأي اجتهادي، أو معصية دون الكفر الأكبر.

لا تكفير برأي أو معصية

 المرء لا يكفر بالمعصية ما دامت دون الشرك الأكبر قال تعالى ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ (النساء: 48).

 كذلك لا يُكفر مسلم بسبب رأي خطأ في مسألة اجتهادية تحتمل وجهات نظر سواء كانت عقيدة أو فقه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

 ويعلق ابن تيمية على هذا فيقول: "وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العلمية ومازال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية".

متى يكفر المسلم؟

بين الإمام الشهيد جملة أسباب من أتى بشيء منها كان مستحقاً للتكفير:

1- الإقرار بكلمة الكفر: كأن يقول أنه يكفر بالله، ولا يقر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فمثل هذا قد حكم على نفسه، ولا حظ له في الإسلام.

2-إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة: هناك أمور متواترة قطعية مشهورة معلومة للأمي والعالم بلا بحث ولا اجتهاد، وذلك كوجوب الصلاة والزكاة، وحرمة الزنا... فمن أنكر ذلك فقد خرج من دائرة الإسلام.

3-تكذيب صريح القرآن: كأن يكذب شيئًا دل عليه القرآن بكل صراحة ووضوح لا لبس فيه ولا احتمال.. كأن ينكر أن هناك نبيًّا اسمه إبراهيم أو إسماعيل....

4-التفسير الباطل بكل حال: القرآن الكريم نزل بلغة العرب، فهو يُفهم بها لا بسواها، فمن أعرض عن تفسير القرآن بالقرآن وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة الكرام، ولغة العرب، وفسره بهواه فليتبوأ مقعده من النار. ذلك لأن هذا الأسلوب ذريعة لينكر الثابت، ويثبت المنفي، ويحل الحرام ويحرم الحلال. كأن يفسر نعيم الجنة وعذاب النار بأنها أمثال وخيال وليست حقائق ثابتات. وكأن يفسر خاتم النبيين بغير آخر النبيين.

5-إتيان عمل لا يحتمل إلا الكفر:وذلك كمن يفر إلى الكفار ويعاونهم ضد المسلمين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين﴾ وكأن يستهزئ بالله وآياته ورسوله والإسلام.

الحمد لله رب العالمين

من الجدير بالذكر أن الجماعة قد تعرضت لابتلاء خطير كاد يعصف بها لولا أن ثبتها الله، وهيأ لها رجالاً ربانيين لا تؤثر المحن مهما عظمت على رؤيتهم للأمور ببصيرة نافذة ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (الأنفال: 29) فلم يوقعهم الرضا في الباطل، ولم يخرجهم الغضب عن الحق فحفظهم الله على أيدي المرشد الأستاذ/ حسن الهضيبي- رحمه الله- من فتنة التكفير في أعقاب محنة 1965م، فحافظ على الجماعة من الانزلاق في المنعطفات بفضل تربية الإمام الشهيد وما أصَّله للجماعة. ودرس القضية دراسة دقيقة عميقة مبصرة في كتاب (دعاة لا قضاة) ووضع لها ضوابطها الشرعية الكلية.

وإذا علم الأخ المسلم دينه في هذه الأصول، فقد عرف معنى هتافه دائمًا (القرآن دستورنا والرسول قدوتنا).


المصدر