وقفة لتصحيح مفهوم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
وقفة لتصحيح مفهوم


11 يناير,2015

- في هذا العصر وجدنا أن أصبحت كلمة الصليب رمزاً للعدوان وإراقة الدماء ، وأنها تستفز مشاعر المسلمين ، فيردون عليها بالعنف والدماء .

وهذا أمرٌ دخيل على شعوبنا الإسلامية ، وأصول وأسباب ذلك ترجع إلى الغرب الذى دوماً يحارب الشرق دون تفرقة ، وإذا رجعنا إلى تاريخنا نجد صحة هذا الأمر .

– عندما تم فتح بيت المقدس سلماً في عهد سيدنا عمر بن الخطاب ، كان عهد الذمة ينص على المحافظة على كنائسهم وصلبانهم ، فلكنائسهم – وكذلك لصلبانهم – الاحترام والحماية وعدم السماح لأحد أن يعتدى عليها بأى صورة من صور الاعتداء .

وهذا سيدنا عمر ، عندما عرض عليه البطريرك الصلاة في كنيسة القيامة – عندما حضر وقتها – رفض سيدنا عمر ، وصلى خارجها حتى لا يتذرع المسلمون في المستقبل فيستولون عليها بحجة صلاته فيها .

لم يكن رفض سيدنا عمر الصلاة داخل الكنيسة أن بها صلباناً وتماثيل ، ولكن كان الرفض لسبب آخر هو ضمان الحماية المستقبلية لها . فلم يكن هناك حساسية من وجود شعائرهم الدينية – وعلى رأسها الصليب – وهو يصلى هناك . ولم يكن عند البطريرك حساسية وهو يدعو سيدنا عمر للصلاة داخل كنيسة القيامة .

– ولابد أن نذكر وفد نجران من النصارى ، والذى زار المدينة المنورة ، وقضى بها أياماً في عهد سول الله صلي الله عليه وسلم ، وناقشهم رسول الله صلي الله عليه وسلم وعرض عليهم المباهلة فرفضوا .

وعندما جاء يوم الأحد ، طلبوا أن يُسمح لهم بالصلاة ، فسمح لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يُصلوا بصلبانهم وترانيمهم في المسجد النبوى الذى يصلى فيه المسلمون وهو ثانى الحرمين .

ولم يأمرهم صلي الله عليه وسلم بالصلاة خارج المسجد أو بالصلاة في أحد بيوت الأنصار .

ولهذا ذهب عدد من الفقهاء أنه إذا لم تكن للمسيحيين من أهل الذمة كنيسة في بلد ما يؤدون فيها شعائرهم ، جاز لهم أن يؤدوا ذلك في مسجد المسلمين – في غير وقت صلاة المسلمين – ولا حرج في ذلك .

– وإخواننا المسيحيين أهل الكتاب ، هم أمانة في أعناقنا ، وهم ذمة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، من أهانهم أو اعتدى عليهم أو على كنائسهم أو صلبانهم أو ظلمهم بأى نوع من أنواع الظلم ، فقد تعدّى على ذمة رسول الله صلي الله عليه وسلم وسيخاصمه ويقاضيه رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ماجاء في الحديث الشريف : ” من ظلم ذمياً أو انتقصه فأنا حجيجه يوم القيامة ” [ سنن أبى داود ].

– كما أن الإسلام أباح للمسلم الزواج من أهل الكتاب ، فإذا كانت زوجته مسيحية ، فعليه أن يحسن عشرتها ، وأن يمكنَّها من أداء شعائر دينها ، فيقوم بتوصيلها إلى الكنيسة كل أسبوع ، وينتظرها حتى تنتهى من صلاتها ويعود بها .

كما عليه أن يربى أولاده على حب أخواله والتواصل معهم وزيارتهم وحسن استقبالهم لأن هذا من صلة الرحم المأمورين بها .

كما للزوجة أن تعلق في حجرة نومها أو أي حجرة بالمنزل صورة الصليب والصور التي لها مكانة دينية عندها ، وأنه عند تناول الطعام مع أسرتها – الزوج والأولاد أو الأقارب – ترفع الصليب وتتلوا صلاتها ، ولا حرج في ذلك ولا حساسية أو تضايق من الزوج ، لأن هذا هو دينها وعليه أن يحافظ على أن تؤدى شعائر دينها – سواء داخل البيت أو خارجه – ولا يضايقها في ذلك .

– وإذا حدث في المجتمع المسلم تجرأ مسلمٌ منه فكسر صليباً أو قتل خنزيراً ، يتم عقوبته فوراً وتغريمه ثمن ما فعل ، لأنه اعتدى عليهم وعلى حقوقهم .

– واستمر ذلك الأمر طوال تاريخ المسلمين ، لكن بدأت الحساسية على يد الحملات الصليبية ، والتي كونت مليشيات تتزيَّن بزىّ الصليب وترفعه وتقوم بأبشع المجازر والمذابح ضد المسلمين وضد الأطفال والنساء باسم الصليب ، وبالتالي تكونت عند الشعوب الإسلامية هذا الخوف وتلك الحساسية .

ثم لما جاء الاستعمار الغربى ، عمَّق هذه الحساسية ليضمن التفرقة بين مواطني البلد الواحد ، وظهرت الكتابات والتصرفات الاستعمارية التي تتكلم عن سيطرة الصليب على الهلال ، أو تطالب باستكمال أهداف الحروب الصليبية .. وقابل ذلك رد فعل عند طوائف من المسلمين ، لم يقتصر على المعتدين وما تستروا به من دعاوى ألصقوها بالصليب وإنما امتد إلى نظرتهم إلى الصليب والكنيسة ، ونسوا التفرقة بين مواطنيهم وإخوانهم في الوطن وبين المعتدين المتجاوزين في حق دينهم ووطنهم . وهذا التطرف أخذ يغذيه البعض من أبناء كلا الفريقين وهما شركاء في الوطن الواحد .

والمتطرفون المسلمون نسوا عقد الذمة وتعهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والذى يلزمنا حتى يوم القيامة ، ونسوا أن مصر فُتحت صلحاً بالعهد الذى قام به عمر و بن العاص t مع المقوقس حاكم مصر واعتمده الخليفة عمر بن الخطاب t ، وأن لهم حق المواطنة لأنهم إخواننا الذين نشأنا معهم في وطن واحد ، وأغلبنا من أصول واحدة ، وحقوق الجيران – وهى حقوق هامة – لا يجوز لمسلم التفريط فيها ، وتشمل المسلم وغير المسلم ، ثم حقوق الحماية والرعاية والبرّ والقسط في المعاملة ، وهو ما يلزمنا به الإسلام ، وعهد الذمة .

إن العلاقة الاجتماعية من التآخى والتراحم والبرّ والتعاون التي عاش عليها الشعب المصرى طوال مئات السنين بين أفراد كلا الديانتين ، لهى نموذجاً رائعاً لتطبيق معانى الإسلام وتعاليم المسيحية والتي يريد أعداء هذا الوطن والعناصر المتطرفة تدميرها .

– عندما يخرج المسيحيون إلى الشارع يرفعون الصليب وهذا حقهم ، أو يطلبون رفع الظلم عنهم ، نرى فريقاً من المسلمين يصاب بالحساسية والتصرفات غير السوية ، وينسى أن عليه حمايتهم وحماية هذا الصليب الذى يرفعونه ، وأن يسعى إلى رفع الظلم عنهم .

وكذلك بالنسبة لإخواننا المسيحيين حيث منهم – وهم قلة – من يريد أن يحوّل العلاقة الأخوية إلى صراع مستمر وإلى فرض الهيمنة والسيطرة والاستقواء بالخارج .

فهذا التطرف أخذ يغذيه البعض من أبناء كلا الفريقين وهما شركاء في الوطن الواحد ، وإن ما يفعلونه من أقوال وأفعال ليؤدى إلى التنازع والتفرق وإراقة الدماء ، وهذا يرفضه كلاً من الدين الإسلامي والمسيحى ومصلحة الوطن .

وعلاج تلك الأفعال المتطرفة عند كلا الفريقين يكون بالحوار والرجوع إلى هذه الأصول في الدين الإسلامي والمسيحى ، وأن يعلو صوت أصحاب الرؤية الصحيحة المعتدلة ، وألا يكون هناك أي تساهل لمن يخرج عن القانون ، مع رفع كل أسباب المظالم وإقامة العدل .

إن الإسلام يؤكد على معنى المواطنة وعدم التفريق بين أبناء الوطن الواحد ، ويتضح هذا المعنى في آيات القرآن عندما تحدثت آياته عن الجرائم التي ارتكبها فرعون : ” إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ” ( القصص : 4 ) .

ومن المعلوم أن بنى إسرائيل لم يكن أصلهم من مصر ، وإنما سكنوا تلك الديار ، ومع هذا اعتبرهم القرآن أنهم من أهلها ، ورفض تماماً أن ينقسم الشعب إلى شيع وطوائف مثلما فعل معهم فرعون ، سواء كان ذلك بحجة اختلاف الدين أو النشأة أو اللون أو الجنس أو العصبية .

ثم يحرم القرآن استضعاف طائفة من الشعب أو انتقاص حقوقها أو الضغط عليها مهما كان السبب .

وعلى هذه المعانى يتربى المسلمون ويحرصون على الوحدة الوطنية ، بل يجعلون لها قداسة دينية ، لكنهم لا يشترونها على حساب دينهم وثوابتهم ، إنما بالعدل الإنصاف والرحمة .

المصدر