يحجون والناس راجعة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


كنت أظن أن مهرجان الاحتفال بالسلام قد انفض وتم تجاوزه، خصوصًا أننا فى العام الثلاثين لتوقيع اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني شهدنا مذبحة غزة. ووجدنا أن مليونًا ونصف المليون فلسطينى فى القطاع أصبحوا يعيشون تحت الحصار، ويمنع عنهم الغذاء والدواء والتيار الكهربائى ليس ذلك فحسب.

وإنما فى ظل «السلام» واصلت إسرائيل توسيع مستوطناتها وأقامت جدارها الوحشى، وذهبت بعيدا فى تهويد القدس باختصار فإننا بعد ثلاثين عاما من عقد اتفاق السلام بين مصر و الكيان الصهيوني، و15 عاما من توقيع اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين واتفاقية وادى «عربة» بين الأردنيين والإسرائيليين.

أدركنا أن مصطلح «السلام» قد تحول إلى مخدر للعرب، يتبادلونه فيما بينهم ويتعاطونه بين الحين والآخر، لكى يدغدغ مشاعرهم ويغيبهم عن الوعى، فى حين تتسارع خطى الإسرائيليين فى محاولة التمدد والتمكين وتغيير الحقائق على الأرض.

ما دعانى إلى استدعاء هذه الخلفية أننى قرأت فى صحيفة الأهرام (عدد 10/ 3) خبرا عن إنشاء «مركز سيناء لاستراتيجية السلام»، تم تقديمه بعبارة غامضة ذكرت أن الهدف منه هو العمل «من أجل نظرة مستقبلية تعتمد على التنمية والأمن القومى».

وهو ما ذكرنى بالتشبيه المتداول فى لبنان عن أناس ذهبوا لأداء فريضة الحج، فى وقت الرجوع منه، أعنى أننا حين اكتشفنا أن الكيان الصهيوني استغفلتنا بعقد اتفاقات السلام، وجدنا نفرا من بنى جلدتنا آثروا الاستعباط والاستمرار فى تسويق البضاعة المغشوشة، وهو أمر يثير أكثر من سؤال حول جدية هذه الخطوة والأهداف الحقيقية لها.

ومدى البراءة فى تلك الأهداف، وتكتسب تلك الأسئلة أهمية أكبر حين نلاحظ أن فى الإسكندرية معهدا أو مركزا لدراسات «السلام» من مخلفات المهرجان سابق الذكر، يقال إنه مختص بالترويج لشىء مطاط اسمه ثقافة السلام.

ولم أفهم الفرق بينه وبين المركز الجديد الذى ذكر الخبر المنشور أنه معنى باستراتيجية السلام. كما لم أفهم كيف يمكن أن تنهض بهذه المهمة مجموعة من كبار الموظفين لا علاقة لأى واحد منهم بالاستراتيجية، وربما أجادوا إلقاء «السلام» على الآخرين.

لا أستبعد أن تكون المسألة مجرد فرقعة جديدة تحاول إحياء المهرجان القديم. ولن أستغرب إذا ما احتفت بالمركز الجديد المقام فى العريش بعض الجهات الغربية، التى تغدق التمويل لأى نشاط يرفع راية السلام، ليس فقط لإلهاء العرب بتلك الأنشطة بعدما انفصلت عن جوهر السلام.

الذى أصبح الآن أبعد منه فى أى وقت مضى، ولكن أيضا لاستخدامها فى تغطية عملية التطبيع مع إسرائيل وامتصاص حساسيات العرب ونفورهم من الجرائم والمظالم التاريخية التى أنزلوها بحق الفلسطينيين، وتوجسهم من التهديدات الإسرائيلية لأمن ومستقبل العالم العربى. الأمر الذى يعنى أن العملية كلها تصب فى المصلحة الإسرائيلية بالدرجة الأولى.

إن ما نحتاجه الآن حقا فى الشأن الخارجى ليس كيانات جديدة تنخرط فى لعبة سلام موهوم، وإنما نحن أحوج مانكون إلى أوعية جادة تعمل من أجل تعزيز الصمود والتضامن مع الشعب الفلسطينى، وتعزيز وحدة الصف العربى وتوثيق الروابط مع العالم الإسلامى، ومع أصدقائنا فى العالم الخارجى.

إذ تلك كلها حلقات تعزز رصيدنا ومواقعنا فى أى مفاوضات جديدة حول السلام المشرف والعادل. لكن بعض الناشطين لا يزالون يراهنون على السلام المغشوش، رغم أن التجسيد الوحيد له على الأرض انكشف وانتهى بكارثة. ألم تكن العبَّارة المشئومة التى غرقت بألف وثلاثمائة مواطن مصرى تحمل اسم «السلام 98»؟!


المصدر : نافذة مصر