يحيى الفسيل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
القاضي يحيى الفسيل


مقدمة

الاسم : يحيى بن لطف بن إسماعيل الفسيل

ولد في صنعاء بحارة الجلاء بتاريخ: 1345هـ

تاريخ الوفاة: 4من شعبان 1415هـ الموافق: 5/1/1995م

عدد الأولاد : عشرون منهم 13ذكور و 7بنات

والده: هو القاضي الحجة لطف بن إسماعيل الفسيل رحمه الله، كان عالماً عاملاً مجتهداً صداعاً بالحق ناصرًا للسنة النبوية مفنداً للبدع والتعصب الضيق ، أقام ثالث جمعة بصنعاء بجامع الحُرقان رغم معارضة الإمام يحيى الذي ظل يحاصر القاضي ويشرده من منطقة إلى أخرى حتى اضطره لبيع مكتبته فطبيعة الاستبداد لا تقبل النصيحة أو النقد البناء .

هذا الشبل من ذاك الأسد

لاغرابة إذا أن ينشأ عالمنا العامل القاضي الحجة يحيى بن لطف الفسيل في هذا الجو المليء بالصراع بين الحق والباطل بين السنة والبدعة بين النصيحة للحاكم والمطاردة .

انعكس جهاد والده رحمه الله على نشأته وسلوكه ظل يتململ في الدراسة الابتدائية وينتقل من مدرسة إلى أخرى ووالده يطلق له العنان ويساير رغبته دون إكراه أو لجوء إلى الأساليب التقليدية في قهر الأبناء على ما يرضونه وما لا يرضونه ورغم تلك المعاملة التاركة لرغبة الطالب يحيى تقرير مصير تعلمه إلا أن والده كاد أن يصل إلى درجة اليأس لولا ثقته بالله عز وجل ولولا فضل الله ورحمته التي تسوق المبشرات "عبر الرؤى الصالحة" التي تنقل عالمنا العامل من متبرم من الواقع إلى أداة تؤثر في تغيير الواقع.

الرؤيا الصالحة من الولد وعودة الأمل للوالد

القاضي يحيى الفسيل

رأى عالمنا العامل في منامه في فترة المراهقة والتململ من مدرسة لأخرى ما يبشر به والده المقيم المهاجر والمطارد العائد والمتردد إلى بيت الله الحرام العائد من حجه بالكتب القيمة وما أعاد إلى والده الأمل والى ، وخلفائه الراشدين وصحابته الأكرمين.

فقد (ص) أمته الترقب لمصلح يقتفي أثر الرسول رأى القاضي يحيى في منامه انه في قاع السُّهمان قرب منطقة متنة بني مطر واقف بجوار شجرة الجوز وإذا به يرى الرسول صلى الله عليه وسلم وبجانبه الخلفاء الأربعة عن يمينه ويساره وهو قريب منهم ويرى الناس بأعداد هائلة تذهب شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وإذا به يصيح فيهم أيها الناس أين تذهبون هلموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا رسول الله وهذا أبو بكر وهذا عمر وهذا علي وهذا عثمان رضى الله عنهم يصيح في الناس بأعلى صوته ورسول الله صلى الله عليه وسلم يراه ويبتسم إليه راضياً بما يعمله إلى آخر تلك الرؤيا الصالحة التي ساقها الله لمن كان أبوه صالحاً .

فلما قص تلك الرؤيا على والده تنفس الصعداء ووثق بان الله سيهيئ ابنه لدور ينتظره وتنتظره الأمة التي كانت بحاجة ماسة إلى دعاة العلم أكثر من حاجتها إلى رواته وكان المجتمع اليمني الذي تسوده آنذاك الصراعات المذهبية والتعصب الضيق بحاجة ماسة إلى من يعيد الأمور إلى مجاريها إلى المنبع الأصيل لكل المذاهب إلى الكتاب والسنة، وكان بحاجة كذلك وسط وجود الدعاة المنفرين إلى داعية حكيم يحمل من مضى على السلامة ويأخذ من كل شيء أحسنه، ويحسن عرض ما يدعو إليه (بالتي هي أحسن) .

المدرسة العلمية بصنعاء وتميز القاضي يحيى بالنمط الفريد:

شارك القاضي يحيى طلاب المدرسة العلمية في المنهج الدراسي الرسمي بما له وما عليه، وانفرد عنهم بنمط فريد ألا وهو استغلال أوقات الفراغ لحفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفظ بلوغ المرام ورياض الصالحين وغيرها، وكان شغوفاً بكتب الحديث ولافتاً لنظر العديد من أساتذته وزملائه مواجهاً العديد من النقاشات معهم ويواجه بشد الأزر من البعض والمضايقة من بعض ضيقي الأفق من المتعصبين وهو يمضي في طريقه مستعيناً بالله واثقاً بأنه على بصيرة من أمره.

ولما رأى احتدام النقاش أحيانا ممن يغالون بحب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على حساب بقية الصحابة الأخيار انبرى يوضح لهم أن علياً كرم الله وجهه، وأبا بكر الصديق رضى الله عنه، وعمر الفاروق رضي الله عنه، وعثمان ذا النورين رضى الله عنهم كلهم أشعة شمس واحدة هي الإسلام والإيمان، وكلهم تلامذة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحمل رسالة هي رحمة للعالمين.

إلى مدينة شهارة عالماً ومتعلماً

بعد تخرج القاضي يحيى رحمه الله من المدرسة العلمية عين مدرساً بالمدرسة العلمية بشهارة التي كانت تزخر بالعلماء والطلاب وبها وجد ضالته ليأخذ العلم طالباً من مشائخه وفي مقدمتهم خاله وشيخه القدوة الحسنة القاضي يحيى بن يحيى الأشول رحمه الله والذي كان يعد نموذجاً للعالم العامل ذي الأخلاق الرفيعة المقتفية لأخلاق صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم، وكذا العلامة محمد قطران وغيرهم من العلماء في تلك المنطقة التي كانت مراكز علمية مشهورة "شهارة ، والمدان، وهجرة معمرة"التي انتقل إليها خاله العلامة يحيى بن يحيى الأشول الذي ختم حياته العلمية بمعهد وقش العلمي ببني مطر بعد أن استدعاه القاضي يحيى الفسيل لينال طلاب المعاهد حظهم من العالم القدوة رحمه الله، ولم يسع القاضي عبد الله الحجري وهو رئيس للوزراء حينها إلا أن يبعث بفلذات كبده للدراسة بمعهد وقش العلمي وعلى رأسهم الأخ العزيز أحمد عبد الله الحجري محافظ تعز حالياً، وقد صحب القاضي يحيى رحمه الله العديد من زملاء التدريس والدراسة بمدينة شهارة من آل المتوكل، وآل الوجيه البعيدين عن التعصب والمعتدلين في آرائهم، وكانت فترة زاخرة بالأخذ والعطاء.

ولم تخل الساحة من بعض المتعصبين ذوي الأفق الضيق والذين كان القاضي رحمه الله يتصدى لهم بالحجة والحكمة مستشهداً بكلام علي بن أبى طالب كرم الله وجهه في نهج البلاغة والتي نص فيها بعض ما كتبه إلى معاوية بقوله: "بأن القوم الذين بايعوني هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، وهم المهاجرون، والأنصار، والتابعون لهم بإحسان، وهم القوم الذين إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان لله رضاء، فليس للغائب أن يختار، ولا للحاضر أن يستقيل" مستدلاً بذلك إلى نهج علي كرم الله وجهه في إلزامية الشورى ودحض مقولة الوصية والوراثة وهو المنهج الحق المؤيد بالأدلة القاطعة التي خصص الله لها سورة الشورى والتي أوردت صفة الشورى للمؤمنين بين فريضتين أساسيتين في قوله تعالى (والذين استجابو لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) فالشورى في فقه عالمنا العامل القاضي يحيى الفسيل رحمه الله هي صفة من صفات المؤمنين، ونتائجها ملزمة وليست معلمة كما ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء أن يبرروا للحكم الوراثي كأمر واقع سواء في العصر الأموي أو العباسي أو العلوي أو العثماني، وما أُتيت الأمة وتفرقت وذهبت ريحها إلا بعد أن أضاعت الشورى، وكانت هذه هي قناعة القاضي يحيى رحمه الله قناعة مبدئية مارسها سلوكاً حتى بعد قيام ثورة 26 سبتمبر.

وشعوره بعدم سلامة توجه بعض القائمين عليها وعدم سلامة الممارسات التي كانت تحصل من القوات المصرية مثل القتل والسحل ونتف الأظفار واللحى في السجون، واندفع القاضي يحيى رحمه الله باجتهاد منه ورؤيا شرعية لمواجهة تلك الممارسات التي تسيء للثورة والجمهورية ولاتعززها قبل أن يتصل به الجانب الملكي، فكان يقول للأمير محمد بن الحسين حينها بكل صراحة ووضوح لا تظنوا أننا نقاتل من أجل سواد أعينكم وإنما نواجه أفكاراًً دخيلة وممارسات خاطئة، فإذا انجلت فسنترك للشعب اختياره فالأمر شورى بين الأمة، وليست وراثة.

هكذا كان موقفه المبدئي يستنكر الممارسات الخاطئة التي استنكرها الأحرار من علماء اليمن ومشائخها وأعيانها أمثال الأستاذ/أبو الأحرار محمد محمود الزبيري، والشيخ الجليل عبد الله بن حسين الأحمر وغيرهم من الأحرار الذين عملوا على تصحيح مسار الثورة والجمهورية، وأعدوا مشروع الدستور عبر مؤتمرات عمران وخـمـر حتى أقــر الدستور مـن المجلس الوطني بعـــد حركة (5 نوفمبر 1967م) وبدأت ممارسة الشورى عبر أول مجلس رأسه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.

وبناء عليه فما استنكره الأحرار وصححوا مساره سلمياً، استنكره عالمنا العامل القاضي يحيى الفسيل بطريقته واجتهاده نظراً لصعوبة التواصل حينها وما أن بدا للقاضي يحيى الفسيل صدق التوجه لتصحيح مسار الثورة والجمهورية وسلامة النهج الجمهوري وبالأخص بعد أن حدد النظام الجمهوري موقفه من الشيوعية بعد أحداث أغسطس عام 1968م، وبعد استعلاء شريعة الله في الدستور الدائم، والذي نص بعد إقراره أن الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعاً .. عاد عالمنا العامل إلى صنعاء منادياً كل أبناء اليمن بلزوم السلم وإنهاء الحرب الأهلية بعد أن اطمأن إلى لطف الله باليمن وسلامتها من الأفكار الوافدة بادئاً حياة جديدة حافلة بالخير والإصلاح والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم

المعاهد العلمية

لقد كان عالمنا الفاضل رحمه الله يرى أن أعظم الأدواء وأشد المصائب تكمن في الجهل فما عُصىَ الله بأكثر من الجهل، فصب جل اهتمامه على التعليم، فالجهل آفة الشعوب والأمم، وقد شبه القرآن الكريم العلم والجهل بالنور و الظلمات، والظل والحرور، والأحياء والأموات من هذا المنطلق انطلق عالمنا القاضي يحيى الفسيل رحمه الله بكل جهده إلى نشر العلم والتعليم، وقد شعر ان الشعب اليمني قد عانى من الجهل الكثير، ورغم قيام الثورة وبداية انتشار التعليم العام في بعض المناطق غير أن فترة الحرب الأهلية، قد عمقت الجهل، وفقدان التعليم في الكثير من القبائل اليمنية، ومنها قبيلة خولان الأبية.

ورغم وجود بعض المدارس الابتدائية في المناطق القريبة من العاصمة إلا ان رواسب الحرب الأهلية، وتعميم بعض المفاهيم عن التعليم في الجانب الجمهوري بأنه يتجاهل العلوم الدينية، ويبث التعليم الحديث المستورد مع القوات المصرية، إضافة إلى تمنع القبائل عن أداء الزكاة لانعدام الثقة التي لا زالت بحاجة إلى الوقت لبنائها، فبدرت لعالمنا فكرة هيأ الله أسبابها ومناخها، فمصاحبته للشيخ الفاضل حسين علي الصلاحي ومصاهرته له قد أوجد الفكرة في إنشاء معهد علمي يستوعب الطلاب والمدرسين، ويكون محل قناعة لمن لديهم الزكاة في دعم المعهد منها.

وأبدى الشيخ الفاضل حسين علي الصلاحي استعداده لفتح المعهد في بيته، وفتح مدافنه( ) من حبوب الذرة وكأنها هدية من الله إليه، وبعد اختمار الفكرة التقى القاضي يحيى بالقاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري – حينها- وعرض عليه الفكرة فوافق عليها، وبدأ إنشاء المعهد العلمي بمسور خولان عام 1972م، وأقبل الأستاذ/ العلامة قاسم إبراهيم البحر ومعه نحو خمسين طالبَ علم من أبناء ريمة يرأسهم الأخ/ الفاضل محمد صغير المزلم.

وكانوا بمثابة الباكورة المباركة في طلب العلم والاجتهاد فيه، وشجعوا أبناء المنطقة على العلم، وبدأت الدراسة وتطوع عدد من المدرسين منهم الأستاذ الفاضل عبد الله قشوه ومن أبناء عدن الأستاذ/ محمود شيخان، والأستاذ/ الفاضل علي عبد الإله محمد، والأستاذ/ عبد الله علي الحمزي، والأستاذ/ حسين أحمد الآنسي، وخرجوا من صنعاء متطوعين، وبدأ نشاط المعهد بعمل الوحدة الوطنية بين مدرسيه وطلابه من أول وهله، واقبل عليه الطلاب من المنطقة وغيرها، وبحسن الأداء من المدرسين المتطوعين بكل إخلاص وتفاني نجح المعهد بحمد الله، وأثمر.

فما مرت سنتان إلا وطلابه في العلوم الشرعية واللغة العربية متميزون عن غيرهم، حيث يساوي طالب سادس ابتدائي طالب الجامعة في اللغة العربية حسب شهادة اللجان الزائرة للمعهد من مكتب التربية والتعليم – حينها- وظلت الدراسة بالمعهد طوعية، وعلى نفقة الشيخ حسين الصلاحي من مدافنه، ومساعدة الجمعية العلمية بمرتب رمزي للأستاذ/ قاسم البحر عبر الأخ الفاضل/ أحمد محمد الأكوع أمين عام الجمعية – حينها- ومرت فترة أكثر من سنة، والأمر على الشيخ حسين الصلاحي، والعمل الطوعي، ولم يتجاوب من لديهم الزكاة لدعم طلب العلم، بسبب الدعاية المضادة التي أشاعها بعض المتعصبين الذين كرهوا أن ينتشر العلم، وأن يتعلم أبناء القبائل وأبناء المهن الشريفة حسداً وضيق أفق واستمر العطاء في المعهد، واشتهر.

لا يخاف في الله لومة لائم

رغم ما اتسم به عالمنا الفاضل رحمه الله من الحكمة في الدعوة إلى الله بالأسلوب الحكيم الذي يبشر، ولا ينفر، وييسر، ولا يعسر، ويعرف كيف يخاطب المدعو بما يحبب إليه الخير ويصونه، من اللوم و التبكيت مصحوبا بالدعاء بالتوفيق لكنه في المقابل لا يسكت على باطل مهما كلفه من ثمن فمن عظم الخالق في نفسه صغر ما دونه في عينه ونقتصر على بعض المواقف المشهودة التي قل نظيرها في قول كلمة الحق دون التفات إلى أي إحراج سياسي أو غيره (فالله أحق أن تخشوه أن كنتم مؤمنين) .

ويروى عن الشيخ حميد العذري أثناء زيارتهم للسودان في عهد الرئيس جعفر نميري، فقد تحدث النميري عن إقامته للحدود وجلده لشارب الخمر وقطعه لأيدي السرق والمرتشيين فانبرى القاضي يوضح له أنه ينبغي أن يدرأ الحدود بالشبهات، وأن يتحرى في ذلك، وأن ما يقوم به يجافي مقاصد الشريعة ، فالتفت النميري إلى من حوله من العلماء يسألهم عن حديث القاضي الفسيل فأقروا ما قاله مؤكدين أنهم لم يجدوا الفرصة لنصحه، فغضب لتأخر النصيحة عنه وأجل شجاعة عالمنا وصراحته.

سفره إلى تونس وفرنسا

فقد سافر فقيدنا مع الرئيس إبراهيم الحمدي إلى تونس وفرنسا وأثناء مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس التونسي بورقيبه جاءت راقصة تدور بين المدعوين وعالمنا مطرق برأسه إلى الأرض وإذا بالراقصة تتقدم إليه وتهز رأسه، لتلفت نظره، كما فعلت مع الآخرين، فاندفع عالمنا اندفاع الغاضب، وأخذ الصحن الذي أمامه وهوى به على الراقصة الخليعة قائلاً هل يصح هذا في بلد مسلم وتوجه الى القادة الحاضرين وبينهم بورقيبة قائلا هكذا تهدرون أعراض شعوبكم وتزعمون أنكم تقاتلون إسرائيل والله أن جهادكم قبل إسرائيل هو الأولى ، فحدثت الربكة في المأدبة وتألم الرئيسان لما جرى وجاء بعض التونسيين إلى القاضي يحيى وهو مغضب بباقة ورد يعتذرون إليه ويحلفون أن ذلك لم يكن منهم ولا في برنامج المأدبة وان الذي فعل ذلك هو أحد السفراء الحاضرين.

ولما علم الرئيس إبراهيم الحمدي بذلك غضب واستدعى وزير الخارجية عبد الله الاصنج وكان مع الوفد وقال له لا بد من قطع العلاقة الدبلوماسية مع دولة ذلك السفير، وإذا بالأصنج يصحب القاضي يحيى ويلاطفه ويطلب منه أن يهدئ الرئيس الحمدي ويذكره بعواقب قطع العلاقة واتفقا على الأكتفاء برسالة احتجاج شديدة اللهجة وكتبت رسالة احتجاج إلى دولة ذلك السفير، وما عاد الوفد إلى صنعاء إلا ورسالة الاعتذار من تلك الدولة قد وصلت إلى منزل القاضي يحيى موضحين بأنهم قد عزلوا ذلك السفير وأبعدوه من عمله بتونس .. الله أكبر .. من حفظ الله حفظه .. ومن نصر الله نصره .. ومن احترم نفسه وعلمه جاءه الاحترام.

دوره فى تأسيس التجمع اليمني للإصلاح ومعركة الدستور

لقد كان للقاضي يحيى الفسيل رحمه الله دور عظيم، وهو في اللجنة الدائمة عضواً منتخباً سواء أيام الحوار الوطني، وكتابة الميثاق الوطني، وفتوى علماء اليمن حول الميثاق التي صوت الشعب في ضوئها، أو مواقفه في جلسات اللجنة الدائمة والتذكير بالسير على الميثاق في كل مجالات الحياة والحث على إزالة الربا وإيجاد البنوك الإسلامية وكان مع زملائه من رجال الحركة الإسلامية والمشائخ والأعيان داخل المؤتمر الشعبي العام ولجنته الدائمة يخوضون الغمرات للتوضيح بشمولية المنهج الإسلامي لكل جوانب الحياة, وكان العلمانيون يتقزمون وتتلاشى أطروحاتهم أمام الطرح القوي بالمنطق والموضوعية،.

وكل ذلك ونحن في إطار المؤتمر الشعبي- التنظيم السياسي لكل أبناء اليمن في الشمال حينها- ولكن بعد إعلان الوحدة والسماح بالتعددية السياسية حسب مشروع الدستور لدولة الوحدة، فقرر ومعه رجال الحركة الإسلامية وكبار مشائخ اليمن وأحرارها من مختلف الفئات، أنه لابد من إقامة تنظيم عقائدي سليم، فكان عالمنا من طلائع مؤسسي التجمع اليمني للإصلاح.

وكان واحداً من الثمانية عشر الأولين الذين أسسوا التجمع بالعهد بمنزل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وما دامت الأحزاب المتعددة التوجهات سترفع راياتها، فلا بد للإسلام من رفع رايته، وكان يرى فقيدنا رحمه الله أن هذا سبيل المؤمنين، ويستدل بقوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).

كان ذلك الشعور عند المباغتة بإعلان التعددية الحزبية قبل أن يتم الحوار من قبل الإصلاح مع مختلف الأحزاب، وتحويله من تعددية مناهج - المذمومة بقوله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) - إلى تعدية برامج، بعد أن أقر الجميع بأن الإسلام عقيدة وشريعة، وتضمن قانون الأحزاب بأن أي تنظيم أو حزب يجب أن لا تشمل برامجه أو لوائحه أو أهدافه ما يتعارض مع الإسلام عقيدة وشريعة.

وظل فقيدنا رحمه الله يواصل الجلسات بمنزل الشيخ عبد الله، عند اللقاء بالمؤسسين من مختلف المناطق اليمنية، ويحضر أخذ العهود من الحاضرين، ويلقى كلمته بعد افتتاح الجلسة بمنزل الشيخ عبد الله، وكان الحاضر المستمر إلى جانب القاضي العلامة يحيى الشبامي في كل الجلسات حتى تم الإعلان عن التجمع، وتم اختياره نائباً لرئيس الهيئة العليا في الفترة التحضيرية وآتت تلك الجهود ثمارها فما إن أحس عالمنا العامل وإخوانه من علماء اليمن بما يدور من تآمر على الشريعة الإسلامية من خلال فرض الدستور العلماني بالقوة والتهديد بأن من يعارض الدستور يعارض الوحدة، للإجهاز على هيمنة الشريعة الإسلامية حسب الدستور الدائم السابق، فانبرى عالمنا رحمه الله ليوضح ثغرات الدستور، وجمع العلماء للتوقيع على الملحوظات التي تبين الثغرات في الدستور، والنصح بها للقيادة، وللشعب.

وكان الموقف الأجل والأعظم لعالمنا العامل القاضي يحيى الفسيل الذي رفع به رؤوس العلماء عالياً في اللقاء بكلية الشرطة مع الأخ الرئيس الذي التقى فيه بالعلماء لسماع آرائهم قبل التوقيع على اتفاقية الوحدة كان موقفاً رائعاً وسط سيل من التهم الموجهة إلى من ينتقد مثالب في الدستور، أنه عدو للوحدة وعميل إلخ.. تلك الضجة المهيلة.

ووسط هذا الجو المليء بالإرعاب، والتخويف، والتخوين، لمن يعارض أي نقص في الدستور, وفي جو ابتليت فيه السرائر والنفوس، والمواقف، لعدد من العلماء قالوا كلمة الحق، وعدد قليل ضعفوا وجاملوا في هذا الجو الذي تظهر فيه المصداقية في الإيمان، ويتضح من يخشى الله أكبر من خشية البشر، يقف عالمنا العامل بحكمته المعروفة قائلاً: "والله لو كنت مجاملاً أحداً لجاملت الأخ الرئيس لما بيني وبينه من المودة.

ولكن هذا دين لا يحتاج إلى المجاملة وأشهد الله أن في هذا الدستور ما يخالف شرع الله، وفيه كفر وإذا أردتم أن تحكمونا بغير شرع الله فوالله إن باطن الأرض خير لنا من ظاهرها" فضجت القاعة بالتكبير، وارتفع رصيد علماء اليمن عالياً في قول كلمة الحق في أحلك المواقف، والظروف، بل قال بعض العلماء من الشام لما سمعوا الشريط الكاسيت، وكلام القاضي يحيى الفسيل .. بكوا ..

وقالوا: بيض الله وجه علماء اليمن الذين رفعوا رؤوس العلماء في العالم الإسلامي عالياً، وتكررت المواقف لعالمنا بعد الوحدة أمام الأخ الرئيس وعلي سالم البيض، وسالم صالح، وحيدر العطاس، حينما تمت المقابلة لوفد العلماء، وقرأ الوالد أحمد الشامي ملاحظات العلماء التي كتبها الوالد محمد بن محمد المنصور .

وقال القاضي يحيى رحمه الله مخاطباً القادة: كيف تولون على الأمة بعض الوزراء وهم يشربون الخمر، ويوظفون الكاسيات العاريات في مكاتبهم.

ثم قال: لا تظنوا أن الشعب اليمني سيخضع لأهوائكم سنخرج القبائل، ونجاهدكم حتى النصر أوالشهادة، وهذه المواقف هي التي دفعت مجلس الرئاسة بعد المسيرة المليونية التي نظمها الإصلاح، -وكانت مسيرة حضارية- أن يصدروا بياناً تضمن أن أي قانون يتعارض مع الكتاب والسنة فهو باطل سابقاً ولاحقاً فقيل لهم اعملوا البيان مقدمة للدستور فرفض علي سالم البيض.

وقال: تريدون أن تلووا أيدينا، وصبر الناس، وبالحكمة، والمجاهدة السلمية، ومحاكمة مصنع الخمر، وقول كلمة الحق، في المناظرة التلفزيونية وإقامة الحجة في مجلس النواب، ولو من عدد قليل فان عاقبة الصبر بعد بذل كل الجهود كانت خيراً، وحصلت التعديلات الدستورية، وأعليت كلمة الله وعادت الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع بفضل الله وعونه ونصره، لأن العلماء من أمثال فقيدنا قد بذلوا كلما بوسعهم (ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوي عزيز) .

خاتمة

رحم الله فقيد العلم والعمل، والدعوة، والخلق، والجهاد، والحياء، والعزيمة، والحكمة، والتواضع الجم، رحل عن يمن الحكمة والفقه، وقد ترك البصمات المشرقة والمضيئة في حياته وبعد مماته، عن زوجات ثلاث يشهدن على عدله، وعلى خلقه، وحسن عشرته، وبنين وبنات عشرين يدعون الله له، وتدركهم رعاية الله وعن ما يقارب من مليون طالب وطالبة بالمعاهد العلمية ومدارس التحفيظ، عليهم له دين وهو حق الدعاء للعلم الذي ينتفعون به، ولقد حزن الشعب لفقدانه، وجاءت التعازي من العديد من الهيئات الإسلامية العالمية، وحق لشباب الأمة اليمنية والعربية والإسلامية أن يقرأوا صفحات للعلماء العاملين، والدعاة القدوة، وحق للشعوب أن تتعرف على أعلامها الهداة المهديين.

فالله عز وجل قد جعل لخليله إبراهيم لسان صدق في الآخرين فما تتم الصلاة من كل مسلم إلا وقد صلى بعد الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذكر (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ولما ذكر الله عز وجل مناقب أنبيائه ورسله وما أكرمهم به ذكر في الأخير الأمر لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهم في مكارم الأخلاق ((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )) إن حياة فقيدنا الفاضل العلامة يحي بن لطف الفسيل كانت حافلة وشاملة بمكارم الأخلاق ولم نقتصر في هذه السطور إلا على بعض نماذج بارزة في الصبر والنصيحة والمجاهدة ومزج العلم بالعمل وهي النقطة الأهم ورغم أن الساحة اليمنية والعربية والإسلامية بحمد الله مليئة بالعلماء والدعاة والمجاهدين الذين جعلهم الله مصابيح هداية، فقد كان لفقيدنا القاضي يحي الفسيل جوانب حية وعظيمة يقتدى به فيها وأهمها:

1.ترجمة الأخلاق الإسلامية إلى واقع وسلوك تمثل في التواضع وحسن العشرة وغيرها.

2.أسلوبه في الإقناع بالدليل والحكمة وعدم التجريح للآخرين وحمل المخالفين مذهبياً على السلامة .

3.الجمع بين حسن مخاطبة الحكام ونصيحتهم، وقول الحق لا يخاف في الله لومة لائم.ٍٍ

4.الاستعانة بالله في كل أحواله، فقد كان شعاره كلما جاء طارئ "نستعين بالله".

5.الهمة العالية والعزم والثقة بعون الله وعدم اليأس من أي عمل يقوم به.

6.الاعتدال واستيعاب الواقع وإنزال النصوص في مواضعها مع مراعاة الواقع الذي تنطبق عليه فإذا رأي حماساً زائداً خفف منه بأدلة وإذا رأي وهناً أو ضعفاً شد من أزر صاحبه.

7.ثرة الخشية من الله واتهامه لنفسه بالتقصير المستمر حتى لا يتطرق إليه الشيطان ببعض الغرور فيحبط العمل (( والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)).

8.محاولة اقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في أخلاقه في التحمل، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس، وكثرة التخوف والحذر ليصل إلى زيادة الرجاء عند الاحتضار، وتلك أهم المميزات الناتجة عن ولعه الشديد، وولهه بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم منذ البداية، وأحب درس إليه في رياض الصالحين، وبلوغ المرام، وكتب الحديث على الإطلاق، ولكنه أوتي الحكمة من الله في حسن الفهم لنصوص الكتاب والسنة لينتج عن حسن الفهم المزج بين العلم والعمل، وليخلص إلى حمل هم أمة بأسرها، ويترجم معنى (لا إله إلا الله محمد رسول الله) بحق فلا خوف في نفسه إلا خوف الله، ولا رجاء إلا لرحمة الله وفضله ولا قدوة له إلا من جعله الله أسوة حسنة، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.

رحم الله فقيدنا حياً، وميتاً، ومبعوثاً، ومرافقاً، لمن أحبهم في الله وأسكنه جنة عرضها السماوات والأرض، إنه نعم المولى ونعم النصير

للمزيد

وصلات داخلية

وصلات خارجية

مقالات متعلقة