يكن: لا خوفٌ على المسيرة بعد "الهضيبي"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٩:٤٩، ٨ أغسطس ٢٠١٠ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


"يكن": لا خوفٌ على المسيرة بعد "الهضيبي"

﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (إبراهيم: من الآية24)

بقلم د. فتحي يكن*

من دلائل الأصالة في الحركات والجماعات والتنظيمات، أنها لا تموت بموت مؤسسيها وقادتها؛ وإنما تنمو وتمتد وتزدهر.. ولَكَمْ قامت حركات وأحزاب هنا وهناك، ماتت بموت مؤسسها، وانتهت واندثرت وأصبحت أثرًا بعد عين.

وحركة (الإخوان المسلمين) هي من النوع الأول، هي من الأصالة بحيث إن استشهاد وموت قادتها لم يزدها إلا رسوخًا وشموخًا وامتدادًا في الأرض.

كيف لا، وهي امتداد للأمة التي وقع عليها القدر لإنـقـاذ العالمين، وهي المستخلفة في الأرض للشهود على البشرية، ولإقامة الحجة على الناس أجمعـين؟؟ ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ (النساء: 165)، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 143).

الأمة الإسلامية التي لم تمت بموت نبيها- صلوات الله وسلامه عليه- لا يمكن أن تموت بموت أحد من بعده كائنًا من كان، وصدق الله تعالى حيث يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران: 144).

في الثاني عشر من شهر فبراير عام 1949م تم اغتيال مؤسس الحركة ومرشدها الإمام "حسن البنا" جهارًا نهارًا- من قِبل الإنجليز والملك "فاروق"- وفي أكبر شوارع القاهرة.. وتُرك الفقيد ينزف قبل أن تصل سيارة الإسعاف لنقله إلى المستشفى؛ حيث وافاه الأجل قبل بلوغها.

وبعد منتصف الليل، تقدمت قافلة من عربات الشرطة في سكون الليل، لتصل إلى أحد شوارع الحلمية بمدينة القاهرة؛ حيث توقفت واندفع منها الجند بأسلحتهم لحصار الشارع كله.. وأمام بيت متواضع في منتصف الشارع، توقفت إحدى سيارات الشرطة، وتم نقل جثمان "البنا" بلمح البصر.. يطرق أحد الضباط الباب، فيفتح شيخ جاوز التسعين من عمره هو والد الشهيد "البنا"..

يدخل عدد من الضباط إلى البيت قبل نقل الجثمان للتأكد من عدم وجود آخرين في المنزل..يوجه الضابط المسئول تعليمات صارمة للشيخ: لا صوت، لا عزاء، ولا حتى أحد من العاملين بغسل الأموات ودفنهم، فقط أنت وأهل البيت، وفي تمام التاسعة صباحًا يجب أن يتم دفن الميت(!).

وبالرغم من الفجيعة والشيخوخة، قام الشيخ "عبدالرحمن البنا" بإعداد ابنه للدفن، ويطلع الصباح، ويصل الضباط والجنود في موعدهم مبتدرين الأب المفجوع: هلمَّ بابنك لتدفنه، فيصرخ الأب ذو التسعين عامًا: كيف لي بحمله؟! فليحمله الجنود! فيرفض الضباط، ويقولون: فليحمله أهل البيت(!).

وتحمل زوجته وبناته الجثمان، ويمشي خلفه والده، ومن تجرأ على السير في الجنازة كان المعتقل مآله.. تصل الجنازة إلى المسجد، فإذا به خاليًا حتى من خدمه، فيصلي الوالد ومن خلفه أهل البيت من النساء، ويقومون بإنزاله إلى قبره، ويعود الجميع إلى البيت في حراسة مشددة، هذه هي جنازة الإمام الشهيد "حسن البَنَّا".

هذا جانب من المشهد، وفي الجانب الآخر كان ملك البلاد- صنيعة الإنجليز "فاروق"- قد أجَّل الاحتفال بعيد ميلاده من 11 فبراير إلى 12 منه؛ ليحتفل مع من يحتفل بموت "حسن البنا"، ويروي أحد النافذين أنه شاهد احتفالات في أحد الفنادق في الولايات المتحدة الأمريكية، أقيمت ابتهاجًا بموت "حسن البنا"!

وإن كان الحقًّ ما يشهد به الأعداء أحيانًا، فإن مراكز الأبحاث في فرنسا وأمريكا اشتركت في وضع قائمة بأهم مائة شخصية أثَّرت في العالم في القرن العشرين، فكان من العالم العربي اثنان، هما: الإمام الشهيد "حسن البنا"، والآخر هو "جمال عبد الناصر".

وتمر الأيام، وتتابع المحن في مسيرة هذه الجماعة المباركة، وتتكرر المشاهد والصور والمواقف؛ أفواج تُقدَّم إلى حبال المشانق من أمثال الشهداء: "عبدالقادر عودة"، و"محمد فرغلي"، و"سيد قطب"، وغيرهم.. بينما تُساق أفواج أخرى إلى غياهب السجون، بالرغم من وسطية منهجها ومواقفها المتأنية الحكيمة؛ ليتأكد أنها أم الساحة الإسلامية بلا منازع، والأكثر إخافة لأعداء الإسلام، وأن الإسلام هو المستهدف، كائنًا ما كانت الراية المرفوعة، والاسم المعتمد والشعار المعتمد!

وبالرغم من المحن المتلاحقة التي لم ينزل مثيلها على حركة من الحركات في العالم، فقد استعصت حركة (الإخوان)- بفضل الله وحفظه- على معاول الهدم، ومؤامرات الشرق والغرب، ومكائد أعداء الله أجمعين، وغدت ملء عين العالم وسمعه وبصره، بعد أن بلغت الآفاق، وغدت الحركة الإسلامية العالمية، وعلى امتداد العالم.

واليوم- وبعد مرور أكثر من نصف قرن على وقائع جنازة الإمام الشهيد "حسن البنا"- فإن موقف السلطات المصرية هو هو، إزاء تشييع المرشد السادس للإخوان المسلمين؛ المستشار "مأمون الهضيبي"، فدون مراعاةٍ لحرمة الأموات والأخلاق والأعراف باشرت- كعادتها- قواتُ الأمن المصرية أساليبها القمعية، بالتضييق على جموع (الإخوان)، ومنعهم من الوصول إلى القاهرة للمشاركة في تشييع الجنازة التي انطلقت من مسجد (رابعة العدوية) بضاحية مدينة نصر- شرق القاهرة- إلى مقابر أسرته بمحافظة القليوبية.

ففي محافظات بورسعيد والإسماعيلية والشرقية تمَّ منع المئات من سيارات (الإخوان) من الخروج للمشاركة في تشييع الجنازة، كما تمَّ تشديد إجراءات الأمن وفرض طوق أمني شديد على مداخل القاهرة والتدقيق في هُويات القادمين إليها، وبالرغم من كل ذلك، فقد شارك في التشييع قرابة نصف مليون شخص، بحسب تقارير العديد من مراكز الإحصاء والبحوث والإعلام المحايدة!

وهكذا تمضي حركة (الإخوان المسلمين) صامدة قوية راسخة، وتنتقل راية القيادة- برغم تلاحق المحن وضراوة التحدي- من يدٍ أمينة إلى أخرى أمينة؛ لتتأكد سنة الله في بقاء ونماء واستمرار الشجرة الطيبة والكلمة الطيبة، المعنية بقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (إبراهيم: 24- 25).

أما بالنسبة للقيادة الجديدة، فقد قرر مكتب الإرشاد لجماعة (الإخوان المسلمين) أن يقوم الأستاذ "محمد هلال" (83 عامًا) عضو مكتب الإرشاد بجماعة (الإخوان) بمهام المرشد العام؛ طبقًا للائحة (جماعة الإخوان المسلمين)، التي تنص على أن يتولى أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنًّا المسئوليةَ في حالة غياب أو وفاة المرشد؛ وذلك لحين الانتهاء من إجراءات انتخاب المرشد العام الجديد.

والأستاذ "محمد هلال" محامٍ، من مواليد 18/8/1920م، تخرج من كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، وانضم الى (الإخوان) العام 1943م، وتمَّ اعتقاله في العام 1948م وإلى العام 1950م، ثمّ أُعيد اعتقاله مرّةً أخرى من الفترة من 1965م إلى عام 1971م؛ وبهذه المناسبة نود أن نطمئن الغيارى، ونقول للمصطادين بالماء العكر، الذين سودت أقلامهم المرجفة الحاقدة صفحاتِ معظم الصحف اللبنانية والعالمية، أن لا خوفٌ على المسيرة بعد "الهضيبي".

فالحركة بكل أجيالها استمرت بعد "حسن البنا"، وبعد "حسن الهضيبي"، وبعد "عمر التلمساني"، وبعد "حامد أبو النصر"، وبعد "مصطفى مشهور"، وستستمر- بعون الله- قوية هادرة بعد "مأمون الهضيبي".. أَنْ تتناغم الأجيال وتتنافس في بلوغ الأفضل والأمثل عبر مـُـناخ شوري حقيقي وشفاف، فإنه عينُ المطلوب: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ (المطففين: 26).

فالحمد لله على ما أعطى، وله الرضا على ما أخذ.. ومع العين الدامعة، والقلب المحزون، لا نقول إلا ما علمنا ربنا عز وجل: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة: 156- 157)، صدق الله العظيم، وصلى الله تعالى على نبيه الكريم، والله أكبر ولله الحمد.