الفرق بين المراجعتين لصفحة: «يوسف كمال»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
{{مقالة غير مراجعة أعلام}}
{{مقالة مراجعة أعلام}}




سطر ١٣: سطر ١٣:
== المولد والنشأة ==
== المولد والنشأة ==


'''ولد''' [[يوسف كمال]] بن محمد بن يوسف بمدينة الشهداء في محافظة المنوفية بمصر، في التاسع من شهر يوليو عام [[1932]]، وكان أول الأبناء الثلاثة لأسرة متوسطة حرصت شأنها شأن الأسر المصرية الريفية على تعليم أبنائها القيم والأخلاق والمحافظة على الصلاة. وقد اعتنى والده المزارع بتعليمه؛ إذ التحق -بعد أن نال الشهادة الثانوية عام [[1951]]- بجامعة القاهرة وتخرج فيها حاصلا على بكالوريوس التجارة في عام [[1955]] ليكون ترتيبه الأول على دفعته في شعبة الاقتصاد. وقد حصل على جائزتين في نفس العام، رشحته لهما الكلية: الأولى تكريما له لحصوله على أكبر مجموع في مادة الاقتصاد، أما الثانية فكانت لأنبغ طالب في مادة الاقتصاد، كما رشح من قبل الكلية لبعثة إلى الخارج، ولكن حال دونها اعتقاله بعد تخرجه بقليل.
'''ولد''' يوسف كمال بن محمد بن يوسف بمدينة الشهداء في محافظة المنوفية بمصر، في التاسع من شهر يوليو عام [[1932]]، وكان أول الأبناء الثلاثة لأسرة متوسطة حرصت شأنها شأن الأسر المصرية الريفية على تعليم أبنائها القيم والأخلاق والمحافظة على الصلاة. وقد اعتنى والده المزارع بتعليمه؛ إذ التحق -بعد أن نال الشهادة الثانوية عام [[1951]]- بجامعة القاهرة وتخرج فيها حاصلا على بكالوريوس التجارة في عام [[1955]] ليكون ترتيبه الأول على دفعته في شعبة الاقتصاد. وقد حصل على جائزتين في نفس العام، رشحته لهما الكلية: الأولى تكريما له لحصوله على أكبر مجموع في مادة الاقتصاد، أما الثانية فكانت لأنبغ طالب في مادة الاقتصاد، كما رشح من قبل الكلية لبعثة إلى الخارج، ولكن حال دونها اعتقاله بعد تخرجه بقليل.




سطر ١٩: سطر ١٩:


كان [[يوسف كمال]] من المعجبين بشخصية مرشد [[الإخوان]] الأستاذ حسن البنا فانضم [[لإخوان]] كلية التجارة في [[1951]] وهو العام الذي شهد ما يشبه الثورة والحركة الدائبة للحركة الطلابية ضد الاحتلال الإنجليزي، فأقيمت معسكرات [[الجهاد]] في كل جامعات مصر، حيث انتظم هو كواحد من هؤلاء الشباب الذين التحقوا في صفوف التدريب استعدادا للجهاد. وأذن الله عز وجل أن يرحل الاحتلال الإنجليزي في عام [[1952]]، ولكن تعلق [[يوسف كمال]] بالجهاد كان شديدا، فشارك في معسكرات [[الجهاد]] على ضفاف القناة عام [[1953]]، وحين وقع العدوان الثلاثي [[1956]] كتب من خلف القضبان إلى والده وأسرته يستحثهم على [[الجهاد]] وعن أمنيته أن يكون هو وإخوانه خارج السجن للمشاركة في [[الجهاد]].
كان [[يوسف كمال]] من المعجبين بشخصية مرشد [[الإخوان]] الأستاذ حسن البنا فانضم [[لإخوان]] كلية التجارة في [[1951]] وهو العام الذي شهد ما يشبه الثورة والحركة الدائبة للحركة الطلابية ضد الاحتلال الإنجليزي، فأقيمت معسكرات [[الجهاد]] في كل جامعات مصر، حيث انتظم هو كواحد من هؤلاء الشباب الذين التحقوا في صفوف التدريب استعدادا للجهاد. وأذن الله عز وجل أن يرحل الاحتلال الإنجليزي في عام [[1952]]، ولكن تعلق [[يوسف كمال]] بالجهاد كان شديدا، فشارك في معسكرات [[الجهاد]] على ضفاف القناة عام [[1953]]، وحين وقع العدوان الثلاثي [[1956]] كتب من خلف القضبان إلى والده وأسرته يستحثهم على [[الجهاد]] وعن أمنيته أن يكون هو وإخوانه خارج السجن للمشاركة في [[الجهاد]].


لم يكن دور[[ يوسف كمال]] فقط في الجامعة هو الانخراط في صفوف الجماعة والمشاركة في معسكرات الجهاد، ولكنه كان أشبه بمنظر طلاب [[الإخوان المسلمين]] بالجامعة لمواجهة الفكر الشيوعي الذي بدأ في التسرب إلى الجامعة، وقد أخذت هذه المواجهة صور المناقشات والمناظرات وكشف العيوب ونقاط الضعف في الفكر الشيوعي.
لم يكن دور[[ يوسف كمال]] فقط في الجامعة هو الانخراط في صفوف الجماعة والمشاركة في معسكرات الجهاد، ولكنه كان أشبه بمنظر طلاب [[الإخوان المسلمين]] بالجامعة لمواجهة الفكر الشيوعي الذي بدأ في التسرب إلى الجامعة، وقد أخذت هذه المواجهة صور المناقشات والمناظرات وكشف العيوب ونقاط الضعف في الفكر الشيوعي.
سطر ٥٧: سطر ٥٨:
'''1. إدراك لحقائق المعلومة والتحليل الاجتماعي في مجالاته المختلفة وهو ما يتطلب دراسة الحاضر لغرض المستقبل.'''
'''1. إدراك لحقائق المعلومة والتحليل الاجتماعي في مجالاته المختلفة وهو ما يتطلب دراسة الحاضر لغرض المستقبل.'''


'''2. إدراك الضوابط الشرعية التي تحكم الموقف الإسلامي في قضايا كل مجال من المجالات.'''
'''2.إدراك الضوابط الشرعية التي تحكم الموقف الإسلامي في قضايا كل مجال من المجالات.'''


والظاهرة بذلك تشمل واقعا عصريا من جهة ونصا شرعيا من جهة أخرى، وهذا يتطلب من الباحث أن يكون مستوعبا لأحدث ما انتهى إليه العصر في تحليل الظواهر الاجتماعية في مجاله، وأن يكون قادرا على أن يأخذ من الفقه ما يناسب ما جد من تغيرات حتى نصل العصر بالنص وحتى نواصل ما انقطع من مسيرة نهضتنا.
والظاهرة بذلك تشمل واقعا عصريا من جهة ونصا شرعيا من جهة أخرى، وهذا يتطلب من الباحث أن يكون مستوعبا لأحدث ما انتهى إليه العصر في تحليل الظواهر الاجتماعية في مجاله، وأن يكون قادرا على أن يأخذ من الفقه ما يناسب ما جد من تغيرات حتى نصل العصر بالنص وحتى نواصل ما انقطع من مسيرة نهضتنا.

مراجعة ١٦:٠٧، ٩ يونيو ٢٠١٠

مقالة-مراجعة.gif


توطئة

على الرغم من الزخم الإعلامي الذي حظيت به الحركة الإسلامية، خاصة في الربع قرن الأخير من القرن العشرين، فإنه انحسر تقريبا عن الأستاذ يوسف كمال محمد حيا وميتا، رغم كونه واحدا من أهم أعمدة الاقتصاد الإسلامي.

فلم يكن الرجل جامعا للنصوص ومصنفا ومبوبا لها كما فعل آخرون ممن كتبوا في هذه المساحة، ولكنه امتلك رؤية واضحة وأعمل عقله وعلمه في إطار منهج آمن به لحدود العقل ومعطيات الوحي. فكان مشروعه الفكري الذي ضم نحو أربعة عشر كتابا في الاقتصاد الإسلامي، وثلاثة كتب في الأعمال الفكرية، وواحد وعشرين كتابا في تفسيره الحضاري للقرآن الكريم الذي اختتم به أعماله العلمية.

ولم يعرف قيمة الرجل إلا مَن هم في مجال البحث والدراسة، فكان أساتذة الجامعات يدلون عليه ليكون عونا للطلاب في توجيههم وإعدادهم لرسائل الماجستير والدكتوراة والماجستير في الاقتصاد الإسلامي.


المولد والنشأة

ولد يوسف كمال بن محمد بن يوسف بمدينة الشهداء في محافظة المنوفية بمصر، في التاسع من شهر يوليو عام 1932، وكان أول الأبناء الثلاثة لأسرة متوسطة حرصت شأنها شأن الأسر المصرية الريفية على تعليم أبنائها القيم والأخلاق والمحافظة على الصلاة. وقد اعتنى والده المزارع بتعليمه؛ إذ التحق -بعد أن نال الشهادة الثانوية عام 1951- بجامعة القاهرة وتخرج فيها حاصلا على بكالوريوس التجارة في عام 1955 ليكون ترتيبه الأول على دفعته في شعبة الاقتصاد. وقد حصل على جائزتين في نفس العام، رشحته لهما الكلية: الأولى تكريما له لحصوله على أكبر مجموع في مادة الاقتصاد، أما الثانية فكانت لأنبغ طالب في مادة الاقتصاد، كما رشح من قبل الكلية لبعثة إلى الخارج، ولكن حال دونها اعتقاله بعد تخرجه بقليل.


محنة الاعتقال

كان يوسف كمال من المعجبين بشخصية مرشد الإخوان الأستاذ حسن البنا فانضم لإخوان كلية التجارة في 1951 وهو العام الذي شهد ما يشبه الثورة والحركة الدائبة للحركة الطلابية ضد الاحتلال الإنجليزي، فأقيمت معسكرات الجهاد في كل جامعات مصر، حيث انتظم هو كواحد من هؤلاء الشباب الذين التحقوا في صفوف التدريب استعدادا للجهاد. وأذن الله عز وجل أن يرحل الاحتلال الإنجليزي في عام 1952، ولكن تعلق يوسف كمال بالجهاد كان شديدا، فشارك في معسكرات الجهاد على ضفاف القناة عام 1953، وحين وقع العدوان الثلاثي 1956 كتب من خلف القضبان إلى والده وأسرته يستحثهم على الجهاد وعن أمنيته أن يكون هو وإخوانه خارج السجن للمشاركة في الجهاد.


لم يكن دوريوسف كمال فقط في الجامعة هو الانخراط في صفوف الجماعة والمشاركة في معسكرات الجهاد، ولكنه كان أشبه بمنظر طلاب الإخوان المسلمين بالجامعة لمواجهة الفكر الشيوعي الذي بدأ في التسرب إلى الجامعة، وقد أخذت هذه المواجهة صور المناقشات والمناظرات وكشف العيوب ونقاط الضعف في الفكر الشيوعي.

في عام 1954 شهدت جماعة الإخوان المسلمين حملة من الاعتقالات والمحاكمات من قبل ضباط ثورة يوليو، وشهدت العديد من أسر المعتقلين ارتباكا في حياتها المعيشية، فأخذت مجموعة من الإخوان على عاتقها جمع التبرعات وتقديم العون لهذه الأسر، وكان يوسف كمال واحدا من هؤلاء الذين جندوا أنفسهم لهذا الأمر؛ فاعتقل في 15/8/1955 فيما سمي بقضية "تنظيم التمويل" فمكث في السجن منذ ذلك التاريخ حتى 14 نوفمبر 1964، أي ما يزيد عن 9 سنوات بشهرين، وحين خرج لم ينعم بنسيم الحرية أكثر من 9 أشهر فدخل السجن ثانية مع شهر أغسطس من عام 1965 ليمكث به حتى أكتوبر 1968، ثم عاد إليه ثالثة في عام 1981 ليمضي فيه 4 أشهر.


الدكتوراة في السجن

تميز يوسف كمال بالمحافظة على الوقت واستثماره في القراءة، في الأوقات التي كان يسمح له فيها بذلك في فترة الاعتقال، فكان يمضي معظم الوقت المسموح به في المكتبة، ويعرف عنه أنه كان يجمع الورق الملقى على الأرض في ساحة المعتقل، فإذا ما كانت الأوراق فارغة استغلها في الكتابة وإن كانت مطبوعة كانت فرصة للقراءة والاطلاع، وقد كتب أنه اطلع من أجل مناقشته في بحث لنيل درجة الدكتوراة في مطلع الستينيات على نحو 500 كتاب بين العربية والإنجليزية في مجال الاقتصاد والفلسفة والتاريخ والفقه والتفسير والحديث، وكان رحمه الله قد وفق لإنجاز أول أعماله البحثية بعنوان "الأمة الإسلامية.. أصولها الفلسفية والاقتصادية"، وقد وقع هذا البحث في 1000 صفحة مكتوبة بخط اليد. وفي عام 1963 خاطب الجامعات المصرية لمناقشة بحثه هذا لنيل درجة الدكتوراة، أسوة بمنح بعض خريجي كلية العلوم وقتها درجة الدكتوراة دون حصولهم على درجة الماجستير فرفضت كل الجامعات حينها.

وكان قد حرص قبل إقدامه على هذه الخطوة على أن يمر بالخطوات الإجرائية بالجامعات للانتظام في سلك الدراسات العليا؛ فكتب إلى كلية التجارة جامعة القاهرة في أكتوبر من عام 1958 للالتحاق بالدراسات العليا وهو خلف القضبان، فأرسلت إليه الكلية بعدم قبوله بسبب استحالة المشاركة في التدريبات العملية التي تتطلبها الدراسة في هذه المرحلة.

ولكن بعد أن قرأ في إحدى الجرائد عن منح بعض طلاب كلية العلوم درجة الدكتوراة شجعه ذلك على تقديم بحثه الذي أنجزه داخل السجن للمساواة بأمثاله؛ فردت كلية المعاملات والإدارة بجامعة الأزهر -كلية التجارة حاليا- بما نصه: "والكلية مع تقديرها الكامل للمجهود الذي بذل في إعداد البحث لا تستطيع أن تقوم بأعمال مخالفة للقوانين واللوائح؛ إذ لا يجوز مناقشة بحث بمرحلة الماجستير أو الدكتوراة إلا بعد إجراءات معينة". وأيضا كان رد كلية التجارة جامعة عين شمس بأن لوائح الكلية لا تسمح بذلك. وقد أضاف إلى إنجاز هذا البحث وقراءاته المتعددة حفظه للقرآن الكريم داخل السجن.


الوظائف التي عمل بها

بعد الإفراج الأول له في عام 1964، عمل في شركة المقاولون العرب كمحاسب، إلى أن أحيل للمعاش في عام 1992، إلا أن ذلك لم يمنعه من العمل في وظائف أخرى بعد حصوله منها على إجازة بدون أجر، فعمل لست سنوات محاضرا بقسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة، جامعة أم القرى خلال الفترة من عام1980م1986م، أشرف خلالها على العديد من الرسائل العلمية لطلاب الماجستير والدكتوراة. كما سافر كأستاذ زائر بالأكاديمية الإسلامية للعلوم والتقنية ببيشاور في باكستان عام 1990 لمدة عام واحد. وعمل أستاذا للاقتصاد الإسلامي بالدراسات العليا في جامعة عين شمس خلال الفترة من 19871997، وعمل بنفس الوظيفة بجامعة الإسكندرية خلال الفترة 19951999، وقد شارك في مناقشة العديد من الرسائل العلمية الخاصة بالماجستير والدكتوراة بجامعتي الإسكندرية وعين شمس فيما يتعلق بجانب الاقتصاد الإسلامي، كما عين خبيرا اقتصاديا بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي.


رؤيته الفكرية

القارئ لمؤلفات الأستاذ يوسف كمال يجد وضوح الرؤية التي عمل في إطارها، ويظهر هذا في مقدمات كتبه، شأنه في ذلك شأن الأعمال العلمية الجادة التي توضح منهج الباحث أو المؤلف في تناوله للموضوعات التي تحتويها كتبه ومؤلفاته، ويمكن أن نبلور تلك الرؤية فيما يلي:

أولا- الإيمان بالغيب مصدر المعرفة:

فالمنهج الإسلامي له منهج للمعرفة لا يعرفه العصر وهو التسليم بالغيب، فالله أرسل الرسل رحمة منه لهدايتنا إلى ما نعجز عن معرفته من حقائق الكون وحركة الحياة... فإذا أنذر الله بمحق الربا كان ذلك يقينا لا يغيره ضغوط الواقع، وإذا حذر الرسول الكريم من أن يكون بأسنا بيننا شديدا إذا عطل الحكام شريعة الله، كان متغيرا معتدا به في تحليل أسباب الحروب والخلافات مع عدم إغفال غيرها من العوامل.

ثانيا- التحرر من التعميم والإغراق في التفاصيل معا:

فلا بد للكشف عن هدي الله في تنظيم حياتنا الاجتماعية من التحرر من العموميات ذات الصبغة الأدبية والحماسية والانتقال إلى الدراسات العلمية الجادة، كما أن الحديث في المرحلة الأولى يكون عن قواعد كلية ورؤية عامة وتأتي التفاصيل في مرحلة لاحقة بعد بلورة الرؤية العامة، وكان يرى أن صناعة الرؤية الكلية ليست ضد البحث الدقيق ولكن نرتب الأولويات فنحن نحتاج إلى معلومة عريضة في هذه المرحلة في كل مجال أكثر من حاجتنا إلى معلومة متخصصة تخصصا دقيقا.

ثالثا- العصر والنص معا:

فالتعرض للأنظمة الاجتماعية في الرؤية الإسلامية يحتاج- في رأيه- إلى عدة أمور:

1. إدراك لحقائق المعلومة والتحليل الاجتماعي في مجالاته المختلفة وهو ما يتطلب دراسة الحاضر لغرض المستقبل.

2.إدراك الضوابط الشرعية التي تحكم الموقف الإسلامي في قضايا كل مجال من المجالات.

والظاهرة بذلك تشمل واقعا عصريا من جهة ونصا شرعيا من جهة أخرى، وهذا يتطلب من الباحث أن يكون مستوعبا لأحدث ما انتهى إليه العصر في تحليل الظواهر الاجتماعية في مجاله، وأن يكون قادرا على أن يأخذ من الفقه ما يناسب ما جد من تغيرات حتى نصل العصر بالنص وحتى نواصل ما انقطع من مسيرة نهضتنا.

رابعا- التمسك بالثوابت وعدم الانسياق وراء التبرير:

كان يوسف يرى أن هناك محاولات ماكرة لتحريك ثوابت الإسلام ليقترب أكثر ما يمكن من النموذج الغربي للحياة وقوانينها، وهي محاولات تتميز بالتخطيط الطويل الذي قد يستغرق أجيالا متعاقبة، وعليه يجب الحذر من المنطق التبريري؛ فلا نجهد العقل والنص لإضفاء الشرعية على أدوات الغرب أو فلسفته دون أن نترك الإسلام يعبر صراحة عما يريد.

خامسا- توفير الوفرة والتزكية معا:

الهدف من المشروع الإسلامي ليس هو تحقيق الوفرة العادية فقط وإنما تزكية النفس وإسعادها أيضا، فلا بد ليتحقق التوازن والاستقرار ورغد العيش أن ينمو الإبداع المادي في حضن القيم الإيمانية {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:77)

سادسا- العلاج الجذري:

إن علاج الخلل في حياتنا لا يكمن في إجراءات سطحية قصيرة الأجل بل في إصلاحات أساسية تذهب إلى جذور علل المجتمع، والعلاج بالطرق الروتينية المعهودة قد يواجه أعراض الخلل ولكن لا يقضي على أسبابه.

سابعا- التسليم والاجتهاد معا:

ليس من المقبول أن نتهرب من عناء البحث بدعوى أن مطلق التسليم لحكم الله يكفي، وأن المقارنات والتأمل في أحوال غير المسلمين وتفهم إنجازاتهم أمر يدل على ضعف الإيمان؛ فنحن أمام واقع فيه السلبيات والإيجابيات وأمام عالم سبقنا في الكشف عن السنن وحقق كثيرا من الإنجازات ونحن أحق بهذه الإنجازات وأهلا، فلا بد من كشف السلبيات وتحديد علاجها من وحي هدي الله وطاعته، وهذا يتطلب بذل الجهد والبحث، أما الاعتزال والمفاصلة وترك فهم ما الذي يريده الإسلام حتى تقوم دولته فإنه عجز يجعل الباطل يزداد قوة والحق يزداد تراجعا.

ثامنا- وضوح المشروع الإسلامي وأصالته:

حيث نبه على ضرورة وضوح المشروع الإسلامي بأبعاده النهائية حتى يسترشد بها في التطبيق، فإذا كانت هناك ظروف صعبة تمر بها الأمة ونقدر ذلك، فإنه من الخطورة بمكان مع قبول مرحلة التطبيق عدم وضوح المشروع الإسلامي منذ البداية حتى لا يتلون الإسلام نفسه فيصبح الحرام يوما حلالا وتصبح الدعوة الإسلامية معرضة للسخرية من قبل الأعداء، وحماقات المعطلين، ونحن بهذا الإدراك والوعي لا نصادر التيسير ولكن نصادر التحريف.

تاسعا- إذا لم تتحقق الاستجابة فلماذا الجهد؟:

وكان يقول: قد يحاجج البعض أن برامج الإصلاح المطلوبة لا يستجاب لها ونحن نرفض هذا المنطق لأن واجب الدعوة والبلاغ قائمان ولكن على علم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 108). ثم إنه بدون هذا الجهد سوف نواجه مأزقا إذا قامت دولة الإسلام، وتؤدي الضغوط إلى معايشة الواقع لا تغييره كما حدث في تجارب معاصرة، وعندئذ يفقد الإسلام فاعليته في إحداث التغيير وينطفئ نور إعجازه بعجز أهله، خصوصا إذا استدرجنا التطبيق دون توافر الخبرات والمناهج فيفقد الناس حماسهم للمشروع الإسلامي.


مشروعه الفكري

يمكن أن نقسم مؤلفات الأستاذ يوسف كمال إلى ثلاثة أقسام حسب مجالات اهتمامها، وهي:

أولا- الاقتصاد الإسلامي: وقد ضمت مؤلفاته في هذا المجال نحو أربعة عشر كتابا، اتسمت بوجود مشروع متكامل للجوانب الاقتصادية، حيث تناول مبادئ الاقتصاد الإسلامي من خلال مؤلفيه "أضواء على الفكر الإسلامي" و"أصول الاقتصاد الإسلامي"، ثم تناول اقتصاديات المشروع والأفراد في فقه الاقتصاد الخاص، وأفرد للاقتصاد العام أو ما يسمى الاقتصاد الكلي مؤلفا خاصا به، وأكمل الدائرة بفقه الاقتصاد النقدي ليكون بذلك قد وفّى وجود مشروع متكامل للنظرية الاقتصادية في المشروع الإسلامي. كان بجوار ذلك له مؤلفات في قضايا أخرى تشغل المختصين بالاقتصاد الإسلامي واحتياجات المجتمع، إذ أصدر الزكاة وترشيد التأمين المعاصر، والمصرفية الإسلامية لينظر ويقوم تجربة البنوك الإسلامية التي شهدتها الساحة الإسلامية منذ منتصف السبعينيات، كما ألف كتاب الاقتصاد الإسلامي بين فقه الشيعة وفقه السنة.

ثانيا- الأعمال الفكرية: واهتمام وقراءات يوسف كمال في الفلسفة جعلته معنيا بالجانب الحضاري للإسلام ومقارنته بالحضارات والفلسفات الأخرى، وقد أصدر في عام 1986 كتابه مستقبل الحضارة، ثم منهج المعرفة من القرآن الكريم في عام 1987. وواجه ظاهرة تغليب العصر على النص ومحاولة إعمال العقل في النصوص القاطعة من قبل بعض المفتونين بالغرب فألف "العصريون معتزلة اليوم" ليواجه السائرين إلى الطريق الصحيح ويبين مجالات الاجتهاد وحدود العقل ونطاق إعماله.

ثالثا: التفسير الحضاري من القرآن الكريم: كان القرآن الكريم ذا نصيب وافر من اهتمام يوسف كمال من حيث حفظه ومدارسته، فقد كتب من سجن قنا إلى والده في عام 1957 في أحد خطاباته، بعد أن سلم عليه ودعا له وسأله الرضا:

"أعلم يا والدي العزيز ما تفكر فيه الآن، وأنك كنت تتمنى أن أكتب إليك من بعثتي التي رشحت لها، وأن أزف إليك بشرى حصولي على الدكتوراة في الاقتصاد السياسي، ولكن اعلم أيها الرجل المسلم أنني حصلت على حياة تفيض فيها رحمة الله وأشعر فيها بالقرب من الله. إن الدرجة العلمية التي حصلت عليها هنا هي نصف القرآن حفظا وتجويدا، فقها وتفسيرا. والدي العزيز، إنك قلت إنك استودعتني الله فالجأ إليه وارض بقضائه يمدك بما تريد ولو بعد حين". واستكمل يوسف كمال مسيرته مع القرآن فأتم حفظه وأطال النظر والدراسة فيه وانشغل في السنوات الخمس الأخيرة من عمره في تفسيره الحضاري للقرآن الكريم فأنتج واحدا وعشرين كتابا تناولت هذه الكتب موضوعات مختلفة، منها: النظام الاجتماعي والاقتصادي للأمة (من سورة البقرة)، والأساس الأخلاقي للأمة (من سورة آل عمران)، حقوق الأمة وواجباتها (من سورة المائدة)، حقوق الإنسان وواجباته (من سورة النساء)، سنن الحضارات (من سورة الأنعام)، العلاقات الدولية (من سورتي الأنفال والتوبة).

وفيما يتعلق بنهج الرجل في معالجة القضايا العامة كان يقول: هناك باب في الفقه يسمى فقه البلوى، وهو ما يحتاجه المصلح في علاج مشكلاتنا العامة، وهو فقه يختلف عن فقه العافية، فما لا يدرك كله لا يترك كله، ولا بأس بالتدرج في معالجة المشكلات العامة ولكن الأهم أن نبدأ بالعلاج. أما فيما يخص الفتاوى الخاصة التي كان الناس يحملونها إليه فقد كان يميل للتيسير على الناس.

هكذا كانت حياته إلى أن توفي صباح السبت 21 من شهر جمادى الآخرة 1425هـ الموافق 7 من أغسطس من عام 2004م. رحمه الله.


المصدر : إسلام أون لاين