(الست أم منديل) و(الأخ بأكن له)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢١:٤٦، ١٧ أبريل ٢٠١١ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات) (حمى "(الست أم منديل) و(الأخ بأكن له)" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
(الست أم منديل) و(الأخ بأكن له)

19 يونيو 2009

بقلم: عماد الدين حسين

قبل أسابيع قليلة سأل محاضر فى أكاديمية تدرس الإعلام أحد الطلاب عما يعرفه عن سيدة الغناء العربى أم كلثوم، فرد الطالب بعد تلعثم أنها «الست أم منديل»..

انتظر المحاضر من الطالب أن يكمل الإجابة، لكن الطالب أصيب بالخرس، لأن كل معلوماته عن أم كلثوم أنها الست أم منديل، ما يعنى أنه رآها بسرعة وهى تغنى فى التليفزيون ممسكة بمنديلها الشهير.

قد نتقبل هذا الجهل بشأن أم كلثوم أو أى علم آخر من طالب فى معهد صرف صحى أو فى إعدادية أزهرية أو دبلوم بريد، أو استورجى، لكن من طالب يقترب من التخرج ويستعد ليصبح صحفيا فتلك هى الكارثة.

الكارثة الأكبر هى أن حالة هذا الطالب المثيرة للغثيان والبؤس والقرف، وكل ما هو محزن ليست فريدة أو استثنائىة، لكنها للأسف الشديد صارت حالة شبه عامة، والأكثر أسفا أن بعض الصحفيين الممارسين خصوصا فى الجيل الجديد لا يختلفون كثيرا عن «الطالب أبو منديل» والسبب تعليم آخذ فى الانهيار وتقاليد مهنة تهبط إلى الحضيض.

رأيت بأم عينى قبل التحاقى بـ«الشروق» صحفيا يكتب كلمة مجاملة.. هكذا «مجاملتنا»، وآخر يكتب كلمة صراحة هكذا «صراحتا»، والتنصت أصبح «تنصط»، وزميل بلغ به الفجر «بضم الفاء» أن يكتب عبارة تقول «أقدم عددا من المحامون على التظاهر»، وآخر يكتب كلمة جثث هكذا «جسس».

نوادر الصحفيين الجدد لا تتوقف عند حد، وحالة التراجع فى التعليم وإهمال اللغة العربية أصابت الصحفيين قبل غيرهم فى المجتمع، لكن إحدى النتائج الرئيسية لهذا المستوى البائس أننا فقدنا «الريادة» التى ما يزال البعض يظن أننا نملكها.

ولمن لا يصدق ذلك عليه أن يجرى عملية حسابية بسيطة لتصنيف الجنسيات فى وسائل الإعلام العربية خصوصا الخليجية.. كنا كمصريين نشكل أكثر من 75٪، صرنا لا نزيد على 25٪، والعدد آخذ فى التناقص، والسبب الرئيسى لذلك ــ طبقا لتجربة ــ هو هبوط وتراجع المستوى المهنى، وليس وجود مؤامرة إسرائيلية أو قطرية أو حتى موريتانية.

الصحفيون لا يتوقفون عن انتقاد عيوب الآخرين لأن هذا دورهم.. وآن الآوان أن يعترفوا أن مستوى الجيل الجديد ينحدر بسرعة، وعلى النقابة والمؤسسات الكبرى أن تبادر بسرعة لعمل دورات تدريبية جادة وحقيقية لإعادة تأهيل الصحفيين على الكتابة السلسة والبسيطة والمفهومة، وبعدها يمكن الحديث عن أخلاقيات المهنة، والخبر المكتمل وميثاق الشرف الصحفى.

«الديسك» أو المطبخ الصحفى لن يكون قادرا طوال الوقت على عمل الشربات من الفسيخ، فالمنطقى توافر حد أدنى من الماء وبعض السكر ولون أحمر لصناعة الشربات، وواقع الحال الصحفى يشير للأسف أن جزءا كبيرا من مأساة الصحافة المصرية صارت محكومة فى بعض مؤسساتها بصحفيين يتباهون بجهلهم.. أحدهم تفاخر بأنه لم يقرأ لحسنين هيكل معتقدا أن ذلك سيرضى من عينوه، فى حين أن الحكومة التى اختارته يفترض أنها تريد منه أن ينظف الغسيل لا أن يزيده قذارة.

فى الماضى كان معدومو المعلومات والموهبة واللغة قلة، مثل زميل تشاجر مع رئيس له فى الجريدة وعندما عاتبه بقية الزملاء قال لهم «والله إننى أكن له»، وانتظر الزملاء أن يكمل الجملة لكنه لم يفعل، لأنه كان يعتقد أن الفعل «يكن» متعد ويكفى ويزيد للدلالة على حبه لرئيسه الذى تشاجر معه.

وما بين الطالب أبو منديل.. إلى الزميل «بأكن له» فإن آخر نفق الصحافة المصرية يبدو بلا ضوء.

المصدر