إمبراطورية الشرِّ.. وخطاب الإفك

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٠:٠٠، ٧ يوليو ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إمبراطورية الشرِّ.. وخطاب الإفك
رسالة من الأستاذ محمد مهدي عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين

بقلم:الاستاذ محمد مهدي عاكف

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبينا محمد المبعوث رحمةً للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، ورضي الله عن التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد..

لا يمكن لصاحب قلب نابض بالإنسانية وعقلٍ واعٍ للواقع أن يقبل الرضوخ لمعايير الشر التي يسعى بوش لفرضها على الدنيا، مستندًا إلى منطق القوة الغاشمة وفلسفة اليد الحديدية؛ ليتحكم من خلالها في مصير الإنسانية تحت دعاوى الـ"الحرية"!!

إن ذات اليد التي تغتال يوميًا العشرات، وتريق دماء البراءة الصغيرة في المدن والقرى، وتهتك أعراض الحرائر بدعوى التحرير- سواءً في العراق أو أفغانستان- وهي ذاتها التي ترفض مجرد الإدانة لجرائم الصهاينة في فلسطين، وتسعى لفرض شرعية على سرقة وطن وتزوير هوية أمة.. هذه اليد هي ذاتها التي امتدت إلى الإنجيل لتُقسم عليه قَسَم الفترة الرئاسية الأمريكية الجديدة، متخذةً منه مصدر إجازة لجرائمها في حق الإنسانية، بينما راح صاحبها يقول في حديثه الإذاعي الأسبوعي: "إن قَسَم الرئيس وهو يحلف اليمين واضعًا يده على الإنجيل تجربةٌ تدفع إلى التواضع، وتذكِّر بالأمانة الكبرى والمسئولية الجسيمة التي يتحمَّلها الرئيس، وإنني مع تقديري العميق لتأييدكم ووعيي للتحديات والفرص القائمة توَّاقٌ لبدء العمل في ولاية جديدة"..!!

والعمل الذي يتحدث عنه بوش مقرون بلا شك بآلة "الحرية" التي تدور مجنزراتها لتسحق من قف دون مصير الحرية الأمريكية الذي صدَّر به خطابه الرئاسي، الذي ألقاه في 17/1/2004، قائلاً: "مصير الحرية على أرضنا يرتبط أكثر فأكثر بنجاح الحرية في البلدان الأخرى"، ثم راح يستلهم روح وكلمات سابقِه جون كندي التي تقول "سندفع أي ثمن.. ونرفع أي حِمل.. ونتحمل أية مصاعب.. ونساند أي صديق.. ونواجه أي عدو؛ حتى نضمن بقاء الحرية ونجاحها".. وهكذا تتحول الحرية إلى أداة في يد "نيرون" القرن الحادي والعشرين، الذي يسعى إلى إحراق العالم كله، زاعمًا أن "نيران الحرية" ستنير الوجود!!

فيا أيها الإنسان

على امتداد المعمورة يوجِّه الإخوان المسلمون إليك كلمات الحقيقة؛ ردًا على وعود السراب، ومن أجلك نسطِّر هذه الجُمل لمواجهة خطاب الإفك الذي (يحسبه الظمآن ماءً..)، فلقد سوَّل لـ"بوش" شيطانُه حتى ظن أن الأرض قد خلَت إلا منه، فراح ينصِّب نفسه مبعوثَ العناية الإلهية، معطيًا لذاته الحق في أن يقول ما يشاء ويفعل ما يريد، بل إنه وسَّع دائرة قدراته لتشمل حتى النوايا بقوله "هناك قوة واحدة في التاريخ يمكنها كسر الكراهية والإحساس بالظلم، وكشف النوايا المسبقة للطغاة، ومساندة آمال الجديرين بالاحترام والمتسامحين"، وكأن سِجِلاَّت التاريخ تفتح صفحةً سوداءَ منه لتنسخ منها نسخةً عصريةً يهتف "بوش" عبر سطورها في صروح البيت الأبيض (أنا ربكم الأعلى)، ويردف.. (أنا أُحيي وأميت)، لكنَّ نواميس الكون الثابتة تردُّ دومًا ﴿فَإِنَّ اللهَ يَأْتِيْ بِالشَّمْسِ مِنَ الَمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ (البقرة: 258)، وساعتها لن تكون النتيجة سوى العجز والضعف وعدم القدرة حتى على حماية النفس.

لقد حاول بوش أن يستخدم في خطابه "خطاب الإفك" تعبيرات وردية، وأن يقدم عروضًا حالمةً لسيناريوهات شيطانية، تخلط- كما يقول الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي ديفيد بروكس- "المثُل العليا والقيم بالممارسات المغرقة في المادية، وتجاور السامي والدنيِّ جنبًا إلى جنب"، ويضيف: "إن المثُل العليا التي جرى الترويج لها لا تزيد عن كونها قِناعًا أخلاقيًا زائفًا قُصد منه التعمية والتغطية على سعي أمريكا وراء ثروات النفط وعائداته وأمواله، علاوةً على إخفاء مطامع الهيمنة والسيطرة والروح العدوانية التي تقف وراء شن الحروب"، ولئن كان يكفي أن يشهد شاهد من أهلها إلا أن الأصل لا ينفك عن الواقع ﴿قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ومَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (آل عمران: 118).

ألقى "بوش" خطابه مرسلاً، مطلِقًا فيه عبارات رنانة، مثل الحرية (كررها 27 مرة) والتحرر (15 مرة) والطغاة (5 مرات) والعدالة (5 مرات) والله (3 مرات).. لكنه أسقط من كلماته العراق المنكوب بجنوده، وأفغانستان المحترق بقواته..!! كما لم يُشِر إلى الوسائل التي يمكنه أن يستخدمها لنشر حريته المزعومة ومحاربة الطغاة، الذين ظلت الإدارة الأمريكية تدعمهم لعقود طويلة.

وحريٌّ بنا هنا أن نسوق عبارات لـ"آيفو دالدر"- مستشار الرئيس كلينتون السابق للسياسة الخارجية والخبير حاليًا في معهد بروكنجز بواشنطن- الذي قال:

"لم يقدم بوش في خطابه مثالاً على كيفية تحقيق هدف نشر الحرية ومكافحة الطغيان.. فهل سيقدِم على استخدام التدخل العسكري لنشر الديمقراطية؟!".. الإجابة بلا شك نعم، خاصةً وأن خطاب بوش قسَّم العالم بشعوبه إلى: حرة "صديقة" وطغاة "مارقين وأعداء"؛ ولذا كان تجييش الرأي العام الأمريكي نحو خيار العدوان بزعم حمايته من الإرهابيين؛ حتى لا يستيقظوا على يوم كـ"يوم النار"، وهو الاسم الجديد الذي تفتقت عنه قريحة "بوش" ليكون اسمًا لحادث الحادي عشر من سبتمبر؛ حيث قال "جاء يوم النار.. وقد أدركنا وقتها إمكانية تعرضنا لهجوم ورأينا أعمق مصادرها"؛ ولذا ليس مستغربًا أن 60% من إجمالي المشاركين في استطلاع للرأي أجرته مجلة (الأزمنة الحربية) الأمريكية شمل ثلث القوات المشارِكة في احتلال العراق أكدوا على أن "الحرب على العراق تستحق كل ما أهدر فيها من جهد وأرواح وأموال"؟!

فيا أيها الحكام

حكامَنا.. بني جلدتنا.. الذين يتحركون رافعين أعلام أوطاننا العربية والإسلامية.. قد نختلف معًا، غير أننا لا ننفصل عنكم ولا تنفصلون عنَّا، ولا تقبلون لشعوبكم مصيرًا كمصير العراق ومن قبله بلاد الأفغان.. إن اختلافنا شأن داخلي، ويجب أن يبقى كذلك، كما أنه لا يغير معنى الانتماء أو يهزَّ عُرى الوطنية.. أمَا وقد أصبحنا في خندق واحد لمواجهة طاغية يسعى لفرض أطماعه على الجميع هاتفًا ﴿مَا أُرِيكُمْ إلا مَا أَرَى ومَا أَهْدِيكُمْ إلا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: 29) فلتعلموا أننا نخاف عليكم تمامًا كما نخاف على أنفسنا..!!

إن خطاب "بوش" جسَّد أطماعًا في ثرواتنا ومقدراتنا، ورسم سياسات لمصالح كونية لبلده تسعى لتفكيك المنطقة وإعادة رسم خريطتها من جديد، كما حمل نزعات تبشيرية تحمل مؤشرات على محاولات صبغ الحرب بصبغة دينية.. هذا كله دليل جازم على دنوِّ المواجهة والهيمنة على أوطاننا- التي تُظلل الجميع حكامًا قبل المحكومين- بدعوى الحرية وحجة نشر الديمقراطية لإحلال السلام الأمريكي.

الإرهابي الكاذب "جورج بوش"

يا حكامَنا.. تعلمون ونعلم أن "بوش" ساق سيناريو "يوم النار" ليُعيد للأذهان تورط متهمين عرب ومسلمين فيه؛ حتى يتسنَّى له أن يدلل على أن منطقتنا بؤرةٌ لأنواع مختلفة من الطغيان والظلم وثقافة الكراهية والعنف واللاديمقراطية، ومن ثمَّ تكون هذه هي منصَّة قفز الوحش الأمريكي نحو أوطاننا.

من منطلق هذا الواقع نذكِّركم بأن الركض خلف سراب المعونات الأمريكية المرهونة بـ"الإصلاح الأمريكي الصنع" ليس إلا أولى درجات الهاوية التي لا قاع لها، فعودوا إلى متاريسكم "الشعوب" التي بها تقوَى ظهورُكم.. إلجأوا إليها واحتَموا بها لتحملوها وتحملكم إلى الاعتصام بحبل الله ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا﴾ (آل عمران: 103).. واعلموا أن في أوطانكم خلقًا كثيرًا لا يعلم عددهم إلا الله الذي لن يسأل أيًا منهم يوم القيامة إلا عن نفسه.. أما أنتم فعنهم جميعًا بين يدي بارئكم سوف تُسألون، فسارعوا إلى ذات البين ﴿وأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ (الأنفال: 1)، وأعلِنوا لأمتكم نهجًا حقيقيًا للإصلاح يتسقُ وآمالَ الشعوب وطموحاتها، ويحقق نهضة أوطاننا ورقيَّها لتكون قادرةً على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تستهدف عقيدة الأمة وأخلاقها وخصوصيتها الثقافية ومعالم تراثها الحضاري.

ويا جموع المسلمين

هذا "بوش" قد بدت أنيابُه من صُفرة ابتسامته، وواقعه في فلسطين وأفغانستان والعراق والسودان يؤكد صدق قول الله: ﴿وإذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ (البقرة: 205) يصوغ مخططه:

- "البرتوجونزاليس" صاحب نظرية حق أمريكا في اعتقال وتعذيب من تشتبه فيهم دون إبداء أسباب.

- "دونالد رامسفيلد" صاحب نظرية اليد الحديدية لأمريكا، التي تضرب دون أن تعمل حسابًا لشيء.

- "بورتر جوس" المدير الجديد للمخابرات الأمريكية، الذي قرر تكوين فرق اغتيالات خارج أمريكا.

فلتكن المواجهة بإعلان نموذج "الحرية الإسلامي" ضد حرية "بوش الاستعمارية".. حرية تحفظ للإنسان حق الاعتقاد ﴿لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ويُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 256).. حرية تصون للنفوس حقَّها في الحياة ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: 32).. حرية تحدد للإنسان مسؤلياته "كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته".. حرية تضع حدودًا للخلاف ﴿وإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإن بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ (الحجرات: 9).. حرية مرهونة بقوة الإعداد الذي يؤازرها ويحميها ﴿وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ (الأنفال: 60).. حرية مرجعيتها ربانية﴿اللهُ الَّذِي أَنزَلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ والْمِيزَانَ ومَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ (الشورى: 17).. حرية حاكمها أصل مرن ﴿إنْ أُرِيدُ إلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ومَا تَوْفِيقِي إلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88).

هذه ثوابتنا التي نسعى إليها، والتي تكفل للبشرية السعادة، والتي نؤمن بأن المستقبل لها ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ (الصف: 8).

ويا أيها الرئيس بوش

أود أن أبعث برسالة خاصة إليك، وهي أن الحرية المحمولة على أسنَّة الرماح، والديمقراطية المصبوغة بالدم، وحقوق الإنسان المنتهَكَة في فلسطين والعراق وأفغانستان وجوانتانامو.. أقول هذا كله مرفوض بكل المقاييس، وعليكَ أن تُراجع نفسَك وتعودَ إلى مفهوم الحرية الصحيح، التي لا تتحقق إلا بالحوار البنَّاء وإعطاء الحقوق إلى أصحابها، والدعوة إلى السلام الحقيقي الذي لا يفرق بين الشعوب.. والله أكبر ولله الحمد.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

القاهرة

في: 23 من ذي الحجة 1425هـ

الموافق 3 من فبراير 2005م.