اتهامات وزارة الداخلية الكاذبة والرد عليها عام 1948م

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اتهامات وزارة الداخلية الكاذبة والرد عليها عام 1948م


إخوان ويكي

مقدمة

يتقدم موقع إخوان ويكي بهذه الوثائق الرسمية لإيضاح موقف السلطة من الإخوان في كل وقت متمثلة في وزارة الداخلية التي لا تكل عن إذاعة الأكاذيب والبيانات المضللة في كل زمن. فقد تقدم وكيل الداخلية عبد الرحمن عمار بك بمذكرة بتاريخ 8/12/1948 عن تاريخ الإخوان المسلمين وغايتهم ووسيلتهم، وطلب فى نهايتها اتخاذ التدابير الحاسمة لوقف نشاط هذه الجماعة التى تروع أمن البلاد فى وقت هى أحوج فى الداخل وجيوشها فى الخارج.

وقد اتخذ الحاكم العسكرى (النقراشي) من هذه المذكرة سببًا لإصدار الأمر العسكرى بحل جمعية الإخوان المسلمين ومصادرة أنديتهم وأموالهم وأملاكهم ونشاطهم فى جميع أنحاء البلاد، واعتقال رؤسائهم وكثير من أعضاء هيئتهم بالجملة فى كل مكان، وإعلان حرب عنيفة لم توجه إلى الصهيونيين لكنها وجهت للأبرياء من أبناء الوطن، فكتب حسن البنا يفند هذه الأكاذيب.

بطلان دعوى الإجرام والإرهاب

يقول وكيل الداخلية فى مذكرته:

ولقد تجاوزت الجماعة الأغراض المشروعة إلى أغراض يحرمها الدستور وقوانين البلاد فهدفت إلى تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة والإرهاب، ولقد أمعنت فى نشاطها فاتخذت الإجرام وسيلة لتنفيذ مراميها وأخذ سعادته بعد ذلك يستشهد ببعض الحوادث ويورد بعض أمثلة قليلة لهذا النشاط الإجرامي كما سجلته التحقيقات الرسمية، وذكر ثلاث عشرة حادثة كلها مردودة، ولا توصل إلى ما يريد سعادته من إدانة هيئة الإخوان المسلمين، ووصف نشاطهم القانونى المثمر بأنه نشاط إجرامي.
وهذا القول منقوض من أساسه فلم يكن الإجرام يومًا من الأيام من وسائل هيئة الإخوان المسلمين فإن وسائلهم ظاهرة معروفة: فهذه المحاضرات والدروس والرسائل والصحف والأندية والدور والمساجد والمنشآت ناطقة بأن وسائل هيئة الإخوان المسلمين لم تتعارض مع القانون فى يوم من الأيام. ويكفى للرد على سعادة الوكيل أن القانون حمى هذا النشاط عشرين سنة، ولم يستطع أحد الاعتداء عليه إلا فى غيبة القانون وفى ظل الحكم العرفى الاستثنائى الفردى البحث، والذى ينص الدستور فى المادة 155 بأنه إذا عطلت الحريات فان ذلك لا يكون إلا تعطيلاً مؤقتًا ينتهى هذا التعطيل بانتهاء الأحكام العرفية.

أما ما عدد سعادته من الحوادث فها هى ذى حقيقتها فى وضعها الصحيح:

أولاً: الجناية العسكرية العليا رقم 883 لسنة 1942 قسم الجمرك

وقد كان موضوع الاتهام فيها الدعاية للمحور، وشاء ذوو الأغراض أن يقحموا فيها الإخوان المسلمين، وادعى أحد المتهمين بأنه عرض على الأستاذ البنا شخصيًّا أنواعًا من السلاح والعتاد الألمانى، وأن الأستاذ البنا سر بذلك، ورحب بالحصول على هذه الأسلحة، وأن الوسيط فى ذلك أخوان من إخوان طنطا

وقد قبض عليهما فعلاً وقضيا فى السجن ثمانية أشهر ونصف وماذا كانت النتيجة بعد ذلك؟ كانت النتيجة أن كذب هذا المدعى نفسه حينما ضيق عليه المحقق الخناق، وهدده بالمواجهة وحكم ببراءة الأخوين براءة نقية واضحة كاملة، فهل تصلح مثل هذه النتيجة تكأة للاتهام أمام سعادة وكيل الداخلية، وهو من رجال القانون؟!

ويتصل بهذه القضية ما ذكره سعادة الوكيل من موافقة الأستاذ حسن البنا على تقرير لأحد إخوان طنطا وكتابته بخطه أنه مؤمن بما ورد فيه، وعرض الموضوع على هذه الصورة فيه انتقاص للحقيقة فلقد كان التقرير مطولاً، وكانت إشارتى عليه بالموافقة على بعضه وتعديل بعضه، ولو كان فى هذا التقرير ما يؤاخذ عليه لحوكم صاحبه، ولما صدر قرار المحكمة ببراءته، فقد كان أحد المتهمين المقبوض عليهما فى الجناية السابقة.

ثانيًا: الجناية رقم 679 لسنة 1946 قسم ثان بور سعيد

ويعلم الخاص والعام أن الإخوان المسلمين كانوا معتدى عليهم فيها، ولم يكونوا معتدين فقد أخذوا على غِرّة وحوصرت دارهم وحرق ناديهم الرياضى، ولم تثبت إدانة أحد منهم فى شىء، ولم يكن القتيل الذى قتل خصمًا من خصوم الإخوان، ولكنه كان صبيًّا فى الطريق - جعله الله لأهله ذخرًا - ولكن سعادة الوكيل يأبى إلا أن يجعله خصمًا من خصوم الإخوان ليوهم الناس أنهم يعتدون على خصومهم بالسلاح.

ثالثًا: بتاريخ 10 ديسمبر سنة 1946

ضبط بعض أفراد الهيئة بمدينة الإسماعيلية يقومون بتجارب لصنع القنابل والمفرقعات، وهى واقعة لا أصل لها بتاتا فيما أذكر. وأنى أسائل سعادة الوكيل: من هؤلاء الأشخاص، وهل حوكموا، وبماذا حكم عليهم؟ لأن الإخوان بالإسماعيلية معروفون كفلق الصبح، ولا أذكر أن أحدًا منهم وجه إليه هذا الاتهام فى يوم من الأيام.

رابعًا: والشخص الذى أدين فى قضية الجناية رقم 767 لسنة 694_ قسم عابدين بمناسبة حوادث 24/2/1946

لم يثبت أنه أمر بهذا من قبل الإخوان أو اشترك معه فيه أحد منهم، وقد كانت هذه الحوادث شائعة فى ذلك الوقت بين الشباب بمناسبة الفورة الوطنية التى لازمت المفاوضات السابقة، ولقد حدث بالإسكندرية أكثر مما حدث بالقاهرة، وضبط من الشبان عدد أكبر، وصدرت ضدهم أحكام مناسبة، ولم يقل أحد: إنهم من الإخوان المسلمين فتحميل الهيئة تبعة هذا التصرف لاحق فيه ولا مبرر له.

خامسًا: حادث اشتباك الجوالة بمأمور الوايلى يوم 29/6/1947

حادث عادى ولم يكن اعتداء بالمعنى الذى صوره سعادة الوكيل، فقد اعترض المأمور ورجاله سير طابور نظامى من جوالة الإخوان المسلمين، وأراد منعهم بالقوة واشتبك قائدهم، وأشيع بينهم أن المأمور قد مزق المصحف الذى يحمله أحدهم، فثارت نفوسهم ثم انتهى الأمر بالتفاهم كما تنتهى عادة مثل هذه الاحتكاكات بين الجمهور والبوليس فى أى اجتماع من الاجتماعات يتصرف فيه رجل البوليس بغير الكياسة واللياقة والمناسبة للموقف.

سادسًا: الجناية رقم 4726 لسنة 1947

ثبت أن الذى اتهم فيها غير مسئول عن عمله، وسقط الاتهام ضده ولازال فى المستشفى إلى الآن فما وجه الاستشهاد بها فى مذكرة رسمية، وهل تكون هيئة الإخوان مسئولة عن عمل شخص يتبين أنه هو نفسه غير مسئول عن عمله؟!

سابعًا: هؤلاء الخمسة عشر الذين ضبطوا فى 19/1/1948

بعضهم من الإخوان، ومعظمهم لا صلة له بالإخوان أصلاً، ولقد برروا عملهم بأنهم يستعدون للتطوع لإنقاذ فلسطين حينما أبطأت الحكومة فى إعداد المتطوعين، وحشد المجاهدين الشعبيين، وقد قبلت الحكومة منهم هذا التبرير، وأفرجت عنهم النيابة فى الحال، فما وجه إدانة الإخوان فى عمل هؤلاء خصوصًا، وقد لوحظ أنه نص فى قرار النيابة بأن الحفظ كان لنبل المقصد وشرف الغاية.

ثامنًا: والجناية رقم 1407 لسنة 1948 كوم النور

كان الاشتباك فى حادثتها لأسباب عائلية بحتة لا صلة لها بالرأى، وإن كان كل فريق من الفريقين ينتمى هيئة من الهيئات، وكثيرًا ما يقع مثل هذا الاشتباك فى القرى بين من لا صلة لهم بحزب أو هيئة.

تاسعًا: وما نسب إلى الأستاذ الشيخ محمد فرغلي فى المذكرة

لا زال رهن التحقيق، ومن الإنصاف انتظار ما يسفر عنه، ولكن المعروف رسميًّا وعند الجميع أن الشيخ محمد فرغلي هو رئيس معسكر النصيرات أولاً، ومعسكر البريج ثانيًا بجوار غزة، وأنه تطوع للجهاد من فبراير سنة 1948 إلى الآن.

ولازم متطوعى الإخوان فى هذه المنطقة طوال هذه الفترة، وأسندت إليه قيادتهم وأقرته قيادة الجيش المصرى على ذلك، كما أن فضيلة الشيخ محمد فرغلي كان من أنصار المجاهد الكبير عبد القادر بك الحسينى، وكان ممن يسهلون له مهمة الحصول على ما يريد فالاتهام قبل التحقيق ظلم صارخ، وقد سألت الشيخ فرغلى النيابة ثم أفرجت عنه، وإن كان الأمر العسكرى قد صدر بعد ذلك باعتقاله.

عاشرًا، حادى عشر: أما ما يتصل بحوادث كفر بدارى ومنية البرامونى

فالثابت والمعروف أن أساس النزاع وأصل الاتهام فيها أن عمدة كل منهما يريد ألا تقوم فى القرية أية جماعة يكون لها مظهرًا وكيانًا وكلا العمدتين صهر للآخر وخطتهما فى ذلك واحدة، وقد كان الإخوان هدفًا لاضطهادهما اضطهادًا قاسيًا ولولا ما فى أنفسهم من إيمان لما ثبتوا له ساعة من نهار.

ثانى عشر: خطابات التهديد

التى ذكرها سعادة الوكيل تحدث فيها سعادته مع الأستاذ صالح عشماوي، ورد عليه مدير الجريدة رسميًّا بخطاب مسجل نفى فيه بشدة هذا الاتهام، ورجاه أن يقف موقفًا حازمًا مع هذه الشركات التى تتهم المصريين بالباطل، وإنا لنرجو أن يتفضل سعادته ببيان مقدار هذه الأموال التى امتصها الإخوان بالفعل وسعادته يعلم تمام العلم أن الإخوان ليسوا هم الذين يحسنون امتصاص أموال الشركات أو غير الشركات.

ثالث عشر: وحادثة تفتيش محلة موسى

مأساة تستحق الدراسة والرثاء، فقد كان الإخوان عامل تهدئة لنفوس هؤلاء المظلومين المجروحين الذين يستغيثون ولا مغيث، فاتهموا بالإثارة والتحريض وقبض على أربعة منهم من خيرة الشباب، واستمروا فى الحبس أربعين يومًا تحت التحقيق دون مبرر مكبلين بالحديد بين طنطا وكفر الشيخ. وماذا كانت النتيجة بعد ذلك؟ أفرجت عنهم النيابة بلا ضمان، فهل هذه إحدى الحجج التى يريد سعادة وكيل الداخلية إدانة الإخوان بها ووصفهم بالإجرام.

إثارة الشغب

وقد انتقل سعادته بعد ذلك إلى اتهام الهيئة بإثارة الشغب فى معاهد التعليم، وهى تهمة باطلة يشهد ببطلانها الأساتذة أولاً، ورجال الأمن بعد ذلك لو خلوا إلى أنفسهم، واستنطقوا ضمائرهم غير متأثرين باتجاه خاص، ولقد كان كثير من الناس يعيبون على طلبة الإخوان الإغراق فى الهدوء، والمبالغة فى الانصراف إلى الدرس، فيجيبون بأن واجبهم الأول أن يكونوا طلابًا، ولقد تخرج فى ظل الدعوة مئات الطلاب من مختلف المعاهد، فكانوا من أوائل الناجحين فى شهاداتهم، وكانوا من أفاضل الموظفين فى أعمالهم.

والحوادث التى ذكرها سعادة الوكيل لا تنتهى أبدًا إلى ما يريد ولا تُسْأَلُ عنها هيئة الإخوان المسلمين، فقد كان ولا يزال معلومًا أن عنصرًا جديدًا طرأ على المعاهد والمدارس بعد الحرب الماضية كان له أثر عميق فى توسيع الخلاف، وتعميقها بين الطلاب، واستغلال التعصب للحزبية السياسية أسوأ استغلال، ودفع المواقف إلى العنف والاحتكاك، والله يشهد والمنصفون أن طلاب هيئة الإخوان المسلمين كانوا هم أكبر ملطف لحدة هذه الظاهرة

وأول المناهضين لها، والواقفين فى وجهها، وفى كل هذه الحوادث كان أعضاء هيئة الإخوان المسلمين فى موقف المدافع دائمًا، ولازالت جميعا تحت التحقيق، ومن الثابت أن الطالب الذى استشهد فى مدرسة شبين الكوم هو أحد طلاب الإخوان المسلمين وقد أخفت المذكرة عمدًا هذه النقطة ليظهر الإخوان بمظهر المعتدى مع أنهم المعتدى عليهم..

وعرضت بعد ذلك إلى حادث الخازندار بك وكل ذنب الإخوان المسلمين فيه أن أحد المتهمين أشاع أنه سكرتير خاص للأستاذ البنا مع أن هذه الصلة لم تثبت فى التحقيق، وإن أصرت المذكرة على وصفها بالثبوت مع أنه على فرض ثبوتها فلا يمكن أن تتخذ سببا لإدانة هيئة الإخوان المسلمين.

وقد حمل سعادة الوكيل - فى مذكرته - الإخوان المسلمين تبعة حوادث 4/12/1948 فى الجامعة وكلية الطب وحوادث 6/12/1948 بالمدرسة الخديوية، مع أن المعروف أن هذه الحوادث بدأت مظاهرات سلمية بمناسبة موقف حاكم السودان العام من مصر والمصريين، وبعثة المحامين

ثم تطورت بعد الاحتكاك برجال البوليس إلى تلك النتائج المؤسفة حقًّا ولم يكن دور الإخوان فيها أظهر من دور غيرهم من الطلاب والمقبوض عليهم الآن معظمهم من غير الإخوان، ولم يعلن بعد قرار الاتهام، ولم يثبت أن لهيئة الإخوان يدًا فى التحريض على هذا الذى حدث فتحمل الإخوان هذه التهمة سبق لكلمة القضاء.

حادث سيارة الجيب

أما حادث سيارة المتفجرات فقد ضبط فيه عدد كبير من الشباب من مختلف الهيئات ولازال التحقيق يدور فيه بتكتم شديد ويقول وكيل الداخلية: (إن ملابسات هذا الحادث كشف أن جماعة من الإخوان المسلمين يكونون عصابة إجرامية.. إلخ) ومقتضى هذا القول لو أن الأمور تسير فى حدودها الطبيعية أن تنتظر الحكومة نتيجة التحقيق، فإذا ثبت على هؤلاء المقبوض عليهم أخذوا بجرمهم، ومن غير المعقول أن تؤخذ الهيئة بتصرفات بعض أعضائها

وتقول المذكرة نفسها: "إنهم كونوا من أنفسهم عصابة أخرى تتنافى أغراضها ووسائلها مع أغراض الجماعة ووسائلها القانونية السليمة" ومن هذه المناقشة الهادئة يتضح لكل منصف أن جميع هذه الحوادث العادية الفردية لا يمكن أن تكون دعوة الإخوان بهذا اللون، وقد مكثت عشرين عامًا صافية نقية، أو تنهض دليلا على أنهم عدلوا عن وسائلهم القانونية إلى وسيلة إجرامية، وبالتالى لا يمكن أن تكون بمفرداتها أو بمجموعها وقد حشدتها المذكرة هذا الحشد المقصود سببًا فى هدم بناء إصلاحى ضخم جنت منه مصر والبلاد العربية والإسلامية أبرك الثمرات

بل إن الدليل القاطع الدامغ ينادى ببراءة الإخوان المسلمين من هذا الاتهام، فهذه دورهم وشعبهم وأوراقهم وسجلاتهم ومنشآتهم وقد وضعت كلها تحت يد البوليس فى جميع أنحاء المملكة المصرية، فلم يعثر فى شىء منها على ورقة واحدة تصلح أن تكون دليلاً أو شبه دليل على هذا الانحراف المزعوم، بل لم تجد الحكومة أمامها إلا المدارس تقدمها للمعارف والمشافى والمستوصفات تقدمها لوزارة الصحة، والمصانع والمعامل تقدمها لوزارة الصناعة والتجارة، وكفى بهذا شرفًا وإشادة بمجهودات الإخوان الإصلاحية النافعة لهذا الوطن العزيز. (1)

ولقد انعكس آثار ذلك القرار على كتائب الإخوان في فلسطين حيث يقول الأستاذ كامل الشريف:

وفي ليلة حل جماعة الإخوان المسلمين 8 ديسمبر (كانون الأول) 1948م طُلب إلى الإخوان تسليم جميع الأسلحة ومعدات الحرب، وكان هذا الإجراء قد اتخذ خشية من الحكومة السعدية أن يقوم الإخوان بحركات انتقامية في الميدان، ولم يكن الإخوان دعاة فتنة، ولن يختموا جهادهم بضرب وجوه المؤمنين من إخوانهم وزملائهم، بل إن الإخوان أعلنوا مواصلة القتال حتى ينتهي الجيش من مهمته وتعود فلسطين أرضًا عربية.

وأرسل المرشد العام خطابًا مع أحد الإخوان يقول فيه:

"إنه لا شأن للمتطوعين بالحوادث التي تجري في مصر، وما دام في فلسطين يهودي واحد يقاتل فإن مهمتهم لم تنته بعد". ثم يختم الرسالة بوصية طويلة للإخوان بالتزام الهدوء وحفظ العلاقات الطيبة مع إخوانهم وزملائهم من ضباط الجيش وجنوده.

ويقول كامل الشريف:

إن أحد الإخوان العائدين إلى الميدان أخبره بأن نفرًا من شباب الدعوة توجهوا للأستاذ البنا عند طغيان موجة الاعتقالات وسألوه عن رأيه في هذه الحركة، واستأذنوه في المقاومة حسب الطاقة، ولكن الرجل حذرهم من هذا، وبيّن لهم أن الانجليز هم السبب، وأنهم هم الذين أوحوا إلى النقراشي بحل الإخوان والتضييق عليهم، على أمل أن يقاوموا
فيغتنم الإنجليز الفرصة للتدخل المباشر في شؤون البلاد، ونحن أحرص من هؤلاء الحكام على مستقبل هذا الوطن وحرمته، فتحملوا المحنة ومصائبها، وأسلموا أكتافكم للسعديين ليقتلوا ويشردوا كيف شاءوا،حرصًا على مستقبل وطنكم، وإبقاءً على وحدته واستقلاله، وصدع الإخوان بالأمر وتحملوا مصائب المحنة في صبر وجلد!!. (2)

ثم يضيف الأستاذ كامل الشريف قوله:

وبينما كان الإخوان يعملون بهمة وإخلاص في تموين (الفالوجا) ومعاونتها على تحمل آلام الحصار ويستميتون في الدفاع عن مناطق (بيت لحم) و(الخليل)، إذ روع العالم الإسلامي نبأ القرار الغاشم الذي أصدره (النقراشي باشا) وحل بموجبه هيئة (الإخوان المسلمين) في مصر، وكان طعنة نجلاء وجهها الانجليز على يد صنائعهم من المستوزرين، إلى ظهر الشبيبة الإسلامية المحاربة، وجن جنون الإخوان عند سماعهم هذا النبأ، غير أن الأوامر التي وصلتهم بعد ذلك من (المرشد) الشهيد كانت تأمرهم بالتزام الهدوء والإخلاد إلى السكينة.
ولن يتصور أحد عظم الكارثة التي يمكن أن تقع لو ركب (الإخوان) رءوسهم، وقاموا بأي إجراء طائش، إذ كانوا هم وحدهم يدافعون عن منطقة من أكبر المناطق والعدو يحيط به من كل جانب وينتظر الفرصة ليبتلع هذه المدن الغنية الواسعة، وقدر الإخوان عظم الخطر، فقهروا عواطفهم واكتفوا بإرسال برقية إلى كبير الأمناء بقصر عابدين ضمنوها سخطهم الشديد لصدور هذا الإجراء الظالم.
ثم عكفوا على أداء واجبهم من جديد وكأن شيئًا لم يحدث حتى انتهت الحرب وأعلنت الهدنة وبدءوا يغادرون أسر اليهود ليقعوا مرة أخرى في أسر (السعديين) وقدّر لهم أن يلبثوا في الأسر الآخر عامًا كاملًا، قضوه بين معسكرات الاعتقال في (رفح) و(العريش) حتى انهارت قوائم العهد الأغبر بما حملت من أوزار وآثام، وبدأ المجاهدون يستردون حرياتهم المفقودة شيئًا فشيئًا...!!. (3)

المراجع

(1) فهمي أبو غدير: رسالة قضيتنا، الطبعة الأولى، سنة 1978م.

(2) أنور الجندي: حسن البنا الداعية الإمام والمجدد الشهيد . دار القلم . 1421هـ - 2000م . ص274 – 276.

(3) كامل الشريف: الإخوان المسلمين في حرب فلسطين . ص 171

إقرأ أيضا