الأسرة في الإسلام .. دعامة المجتمع وأساس النهضة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١١:٥٣، ١٠ فبراير ٢٠١٤ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأسرة في الإسلام .. دعامة المجتمع وأساس النهضة

إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمون

تمهيد

أسرة.jpg

الأسرة في الإسلام ذات أهمية كبيرة ، حيث جاء الإسلام فقعّد قواعدَ ، وقنَّن قوانين ، من خلالها يمكنُ للأُسْرَةِ أنْ تتحوّلَ إلي سَاعِدٍ قوي لبناء المجتمع المسلم والأمة المسلمة .

والتعاليم الإسلامية التي أصّلها لتكوين الأسرة المسلمة وتحل أي مشكلات قد تعرض لها، نلحظ أنها لا توجد في أي قوانين مستحدثة بل لا تكاد توجد حتى في الأديان الأخرى كاليهودية والنصرانية .

ذلك لأن الإسلام دين كلي شمولي يهذب للبشرية سبلها ويعبد لها طرقها ، في كل ميادين الحياة ، في كل المجالات وشتي الاتجاهات ، لذا كان من البدهي أن يكون له قصبُ السبق في الحديث عن الأسرة وتكوينها ودعائمها والأسس التي ينبغي أن تقوم عليها .

واهتمام الإسلام بهذا الجانب كان سببا رئيسيا في نهضة المسلمين واجتيازهم لأصعب التحدّيات التي واجهتهم في تاريخهم العريق .

وهذا ما وصل إليه المبشرون والمستشرقون بعد دراسة متأنية لتاريخ المسلمين وأسباب نهضتهم ، وعلل تخلفهم.

لذا اهتموا اهتماما واسعا وبذلوا جهودا كبيرة لتنحية المسلمين عن هذا الجانب – الجانب الأسري في الإسلام- ، وعملوا علي تحوله من هدف ديني يعتقده المسلمون ويعملون علي تهذيبه وتزكيته وإروائه ، إلي جانب دنيوي يجب علي المسلمين أن يتبعوا فيه الأمم المتقدمة والحضارات الحديثة للحاق بها .. وأسسوا نظرية الفصل بين الدين والدولة وعملوا علي تطبيقها في مجتمعات وحياة المسلمين لهذا الغرض.

ومن المعلوم أن الحكومة الغربية في تطورها الأخير منتزعة من الصراع بين الكنيسة كسلطة إلهية حكمت وتحكم باسم الرب والإله وبين الجهة الأخرى المعادية لسلطان رجال الدين في مجالات الحياة المختلفة ، والتي حرصت علي أن تشق عصا الطاعة لهم .

وعلي أساس من الفصل بين الكنيسة والحكومة حدد الغربيون معني الدين فأرادوا به: التوجيه الروحي للأفراد ، كما حددوا معني الدولة ، والحكومة ، فقصدوا بهما: تنظيم العلاقات بين الأفراد.

واستعانوا في هذا التحديد بموقف المسيح في قومه ، وبطابع رسالته إلي شعب إسرائيل ، وهي رسالة المحبة ( المحبة بين ذوي القربى ) وقد كانت هذه الرسالة تحمل الدعوة إلي إعادة الصفاء بين النفوس التي مزقتها روح الحقد والاضطهاد . وبهذا كان الدين في تصور الغربيين مشتقا من طابع الرسالة التي جاء بها المسيح ، ومن الحال التي انتهي إليها النزاع بين الكنيسة والحكومة الغربية وأصبحت الروحية – أو الدعوة إلي صفاء النفوس كما يسمونها- مجال اختصاص الدين ، وكل ما خرج عن نطاق هذه الدعوة فليس من شئون الدين . وبناء علي ذلك قرر الغربيون المسيحيون أنه يجب لتحديد أي دين سابق علي المسيحية ، أو لاحق لها أن تُؤخذ في مفهومه خصوصية المسيحية وهي الوقوف عند حد الروحية وبهذا يخرج الإسلام عن طبيعة الدين – في زعمهم – لأنه ينظم العلاقات داخل الأسرة وبين الأفراد ويدخل في مجال الإصلاح البشري .

ولذا بذلوا جهدا ملحوظا ليطمسوا هويته ، ويزلزلوا مكانته .

ولا شك أنهم نجحوا في زلزلة كيان الأسرة المسلمة فأصبحت تشبه – إلي حد كبير – الأسرة في المجتمع الغربي في تمزقه وتفككه وشروده ، فانعكس هذا علي المجتمع المسلم كله.

ولكي يعود المجتمع المسلم إلي هويته الإسلامية وذاتيته الدينية ، لابد من البدء بالأسرة التي هي مكون من مكونات المجتمع المسلم .

ونجاحنا في ذلك الميدان لن يتأتي سريعا بل يحتاج إلي تؤدة وتمهل ، وقد أجمع المصلحون والمربون أن داء الأمة يكمن في شرود الأسر المسلمة وانزلاقها إلي التشبه بالمجتمع الغربي الذي لم يذق طعم الاستقرار الأسري يوما ما ، ولكن اختلفت وسائلهم لتقويم المعوج وإصلاح الفاسد في الأسرة المسلمة وهو ما ستتناوله هذه الدراسة بالتفصيل .


تعريف الأسرة

الأسرة لفظاً

جاء في المعجم الوجيز :( الأُسْرة : أهل الرجل وعشيرته . والأسرة : الجماعة يربطها أمر مشترك .) انتهي .
وجاء في لسان العرب لابن منظور : ( الأُسْرة : الِّدرع الحصينة ..
وأُسرة الرجل : عشيرته ورهطه الأدنون لأنه يتقوي بهم ، وفي الحديث : زني رجل في أسرة من الناس ، الأُسْرةُ : عشيرة الرجل وأهل بيته .) انتهي.
وفي تاج العروس لمرتضي الزبيدى :" والأُسرة ، بالضم : الدرع الحصينة ، قاله شمر ، وأنشد لسعد بن مالك جد أبي طرفة بن العبد :
والأسرة الحصداء والب
يض المكلل والرماح
والأسرة من الرجل: الرهط الأدنون وعشيرته ، لأنه يتقوي بهم ، كما قال الجوهري . وقال أبو جعفر النحاس : الأسرة ، بالضم : أقارب الرجل من قبل أبيه ، وشذّ الشيخ خالد الأزهري في إعراب الألفية ، فإنه ضبط الأُسْرة بالفتح ، وإن وافقه علي ذلك مختصره الحطاب وتبعه تقليدا ، فإنه لا يعتد به .) انتهي .
وقال الشيخ طنطاوي :" كلمة الأسرة –لغة- مأخوذة من الأسر بمعني الشد والقوة والتجمع والاتحاد .
ويقال : شد الله تعالي أسر فلان ، أي : قوَّاه وأحكم خلقه ، وهيأ له الأعوان الذين يؤيدونه وينصرونه .
يقال: جاء الطلاب إلي دور العلم بأسرهم ، بمعني جاءوا جميعا دون أن يتخلف منهم أحد.
قال تعالي: ﴿ نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ...﴾[ الإنسان :28 ] .
أي: نحن خلقنا الناس جميعا بقدرتنا ، ونحن الذين قوينا وأحكمنا خَلْقَهم ، بأن منحناهم العقل والسمع والبصر ، وربطنا بين أعضاء أجسامهم ربطا متقنا قويما." انتهي .
فالأسرة إذا تطلق علي أهل بيت الإنسان وعشيرته ، وأصل الأسرة الدرع الحصينة ، وأطلقت علي أهل بيت الرجل ، لأنه يتقوي بهم .


الأسرة اصطلاحاً

وتطلق الأسرة في الاصطلاح علي رابطة الزواج التي يصحبها ذرية .
وهي : رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب علي أن يكونوا في معيشة واحدة .
وعرفها الشيخ طنطاوي – اصطلاحا- فقال :" وكلمة الأسرة تطلق علي الجماعة التي يربطها أمر مشترك بين أفرادها ، سواء أكان هذا الأمر يتعلق بصلة الرحم بينهم ، أم بصلة المصاهرة ، أم بغير ذلك .
كما تُطلق هذه الكلمة علي الزوجين ، وما يتولد عنهما من أولاد وأحفاد.." انتهي.


نسيج الأسرة

الأسرة المسلمة هى دعامة المجتمع المسلم ، ولا سبيل إلى أمة مؤمنة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتسوق الجماهير إلى بارئها وتنشر الخير فى كل البقاع إلا بأسرة مؤمنة مستقرة لأنَّ المجتمع ما هو فى الواقع ونفس الأمر إلا أسر عديدة؛ فإذا ما أذعنت كل أسرة على حدة لأوامر ربها كان من السهل إذَاَ التلاقى على هدف واحد؛وقد لفت القرآن الكريم الأنظار إلى هذا الجانب الهام فى حياة المسلمين ،فتراه يتحدث عن علاقة الرجل بزوجته وعلاقة المرأة بزوجها ،وعلاقة المرء بأبيه وأمه؛وأخيه...

ويضع الثوابت الكلية التى من شأنها أنْ تحل أى مشكلة قد تطرأ على علاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض ؛ويقنن المناهج العامة ،والأسس الشاملة التى تدعم استقرار الأسرة بل واندماجها فى المجتمع المسلم.

،فمثلاَ عن علاقة الرجل بزوجته ؛والزوجة بزوجها يقول الله تعالى "الرجال قوامون على النساء..."الآية34 من سورة النساء.

ففى هذه الآيات نرى مدى تأصيل القرآن لمبادئ من شأنها أن تعزز استقرار الأسرة وتحدد المرجعية التى ينبغى أن يُرجع إليها وقت المشكلات التى تطرأ على الكيان الأسرى وتبين قوامة الرجل فى بيته وكنهها...

وكل هذه الأمور ـ وغيرها ـ التى أََصَّلتها السورة الكريمة كفيلة أن تحفظ الأسرة المسلمة من كل شقاق يُؤدى إلى انهيارها؛وتديم الهدوء والاستقرار لها.

وسبب نزولها يعضد ما ذكرناه ،فقد ثبت عن الحسن البصرى أنه قال :جاءت امرأة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت :إنَّ زوجى لطم وجهى قال :بينكما القصاص فأنزل الله تعالى "الرجال قوامون على النساء..الآية "

وسبب نزولها يُشعر بأهمية استقرار الأسرة المسلمة؛فلو أباح القرآن القصاص من الزوج فى كل شيئ يعترى الكيان الأسرى ما استقرت حياة؛وما هدأت أسرة فجعل القرآن للراعى حرية التصرف فى كيفية تدبير أمور أسرته لأنه الأدرى بها والقادر على علاجها؛ وأوكل إليه فض المنازعات وحل المشكلات؛فليس من المستساغ إذاً أن يعاقب الرجل على هفوة قد تصدر منه وهو يقوم بمهامه كراعٍ للأسرة ومسئولها الأول.لكن إذا صارت معاملته السيئة دنيا وديدناً فالتعامل معه آنذاك له شأن آخر.

فقوامة الرجل ليست قوامة استبداد وتسلط،وليست قوامة عن قهر وغلبة،إنما هى قوامة مشاورة ومشاركة؛وهى لا تمنحه شيئاً زائداً عما فرضه الله له؛ولا تسلب الزوجة حقاً شرعه الله لها.

يقول العلاَمة أبو بكر بن العربى ـ رحمه الله ـ: "الزوجان مشتركان فى الحقوق .كما قدمناه فى سورة البقرة : "وللرجال عليهن درجة" بفضل القوامية ،فعليه أن يبذل المهر والنفقة ، ويُحسن العشرة،ويحجبها ويأمرها بطاعة الله؛وينهى إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام إذا وجب على المسلمين ؛وعليها حفظ ماله؛والإحسان إلى أهله ؛والالتزام لأمره فى الحجبة وغيرها إلا بإذنه،وقبول قوله فى الطاعات ."انتهى .

فتبين مما سبق أنَّ هذه الدرجة إنما هى الطاعة والولاية والنفقة والرعاية ، وهذا كفيل بأن يحفظ للأسرة استقرارها .

وعندما فهم نفر من الناس أنَّ قوامة الرجل مقرونة بالتسلط والاستبداد من غير وعى ؛وعندما أباحت بعض النساء لأنفسهن الترفع على الزوج وعدم المبالاة بهجره و إعراضه ؛صارت الأسرة كالقطيع الشارد ؛ وبعد أن كانا زوجين صارا ندين وهذا وحده يهدم كيان الأسرة من الأساس ومن ثم انهار المجتمع بأكمله ؛ وضلت الأمة طريقها ؛ لأنَّ الأسرة هى الركن الأساسى فى بناء كل نجتمع أو أمة... بل إنَّ القرآن الكريم قد أخبرنا بأنَّ الإنسانية كلها ، قد أوجدها ـسبحانه ـ بقدرته من أسرة واحدة ؛ قال تعالى : " يا أيها الناس اتقواْ ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساءً .." [النساء : 1] .

ومن سنن الله تعالى فى خلقه أنَّ المجتمع الذى تكثر فيه الأسر العاقلة الرشيدة ؛ ينشر فيه الخير والأمان والرخاء ؛ وأن تكون كلمته هى العليا ...

ومن أجل ذلك عنيت شريعة الإسلام بالأسرة أتم العناية وأكملها ؛ ووضعت لها من الأحكام والتشريعات والواجبات والآداب؛ ما يزيدها سعادة وقوة ؛ وما يجعل أفرادها متى اتبعوا هذه الإرشادات؛ يعيشوا فى أمان واطمئنان .

يقول الغزالى رحمه الله [ت : 1416 هجرى ] : "ولكى تنجح الأسرة فى أداء رسالتها يجب أن تهذب الطباع ، وتختفى الأثرة ، ويتمرَّن كل طرف على الإحسان والتعاون مع الطرف الآخر . " انتهى .

وتعاون الزوجين معاً ومعرفة كل منهما ما له وما عليه هو السبيل الوحيد ـ حقاً ـ لنجاح الأسرة المسلمة واستمرارها وتهيئة المناخ المناسب للقيام بواجباتها نحو المجتمع من تربية أجيال ؛ وتهذيب أفراد وتزكية ثقافات ونحو ذلك ...

يقول الله تعالى فى بيان اشتراك كليهما فى الحقوق والواجبات " ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف "[الآية من سورة البقرة :228 ] .

يقول العلامة السيد رشيد رضا : " هذه كلمة جليلة جداً جمعت على إيجازها ما لا يُؤدَّى بالتفصيل إلا فى سفر كبير فهى قاعدة كلية ناطقة بأنَّ المرأة مساوية للرجل فى جميع الحقوق ؛ وقد أحالى فى معرفة ما لهن وما عليهن على المعروف بين النَّاس فى معاشرتهم ومعاملتهم فى أهليهم ؛ وما يجرى عليه عرف الناس وهو تابع لشرائعهم وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم فهذه الجملة تعطى الرجل ميزاناً يزن به معاملته لزوجه فى جميع الشئون والأحوال ؛ فإذا هَمَّ بمطالبتها بأمر من الأمور يتذكر أنه يجب عليه مثله بإزائه ؛ ولهذا قال ابن عباس رضى الله عنهما : " إنِّى لأتزين لامرأتى كما تتزين لى " لهذه الآية ؛ وليس المراد بالمثلِ المثلُ بأعيان الأشياء وأشخاصها ؛ وإنَّما المراد أنَّ الحقوق بينهما متبادلة وأنهما أكفاء ؛ فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله لها ؛ إن لم يكن مثله فى شخصه ؛ فهو مثله فى جنسه ؛ فهما متماثلان فى الحقوق والأعمال ؛ كما أنهما متماثلان فى الذات والإحساس والشعور والعقل ؛ أى أنَّ كلاً منهما بشر تام له عقل يتفكر فى مصالحه ؛وقلب يحب ما يلائمه ويسر به ؛ ويكره ما لا يلائمه وينفر منه ؛ فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر ويتخذه عبداً يستذله ويستخدمه فى مصالحه ؛ ولا سيما بعد عقد الزوجية والدخول فى الحياة المشتركة التى لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين الآخر والقيام بحقوقه .

قال الأستاذ الإمام ـ قدَّس الله روحه ـ : " هذه الدرجة التى رفع الإسلام النساءَ إليها لم يرفعهن إليها دين سابق ولا شريعة من الشرائع بل لم تصل إليها أمة من الأمم قبل الإسلام ولا بعده " .

"وهذه الأمم الأوروبية التى كان من آثار تقدمها فى الحضارة والمدنية أن بالغت فى تكريم النساء واحترامهن ؛ وعنيت بتربيتهن وتعليمهن العلوم والفنون ؛ لا تزال دون هذه الدرجة التى رفع الإسلام النساء إليها ؛ ولا تزال قوانين بعضها تمنع المرأة من حق التصرف فى مالها بدون إذن زوجها ؛ وغير ذلك من الحقوق التى منحتها إياها الشريعة الإسلامية من نحو ثلاثة عشر قرناً ونصف ؛ وقد كان النساء فى أوروبا منذ خمسين سنة بمنزلة الارقاء فى كل شيئ كما كن فى عهد الجاهلية عند العرب أو أسوأ حالاً ؛ ونحن لا نقول أن : الدين المسيحى أمرهم بذلك لأننا نعتقد أن تعليم المسيح لم يخلص إليهم كاملاً سالماً من الإضافات والبدع ؛ ومن المعروف أن ما كانوا عليه من الدين لم يرق المرأة وإنما كان ارتقاؤها من أثر المدنية الجديدة فى القرن الماضى إذا كان الله قد جعل للنساء على الرجال مثل ما لهم عليهن إلا ما ميزهم به من الرياسة ؛ فالواجب على الرجال بمقتضى كفالة الرياسة أن يعلموهن ما يمكنهن من القيام بما يجب عليهن ويجعل لهن فى النفوس احتراماً يعين على القيام بحقوقهن ويسهل طريقه ؛ فإنَّ الإنسان بحكم الطبع يحترم من يراه مؤدباً عالماًبما يجب عليه عاملاً به ؛ ولا يسهل عليه أن يمتهنه أو يهينه ؛ وإن بدرت منه بادرة فى حقه رجع على نفسه باللائمة فكان ذلك زاجراً له عن مثلها " . انتهى .


الإسلام يُرغب فى تكوين الأسر واستقرارها

الأسرة هى الركن الأساسى فى بناء كل مجتمع وأمة ؛ واستقرار المجتمع لازم من لوازم استقرار الأسرة .

يقول الدكتور محمد عبد العليم : " يقول " وافى " : إنَّ نظام الأسرة ، فى أمة ما يرتبطارتباطاً وثيقاً بمعتقدات هذه الامة وتقاليدها وتاريخها وعرفها الخلقى ، وما تسير عليه من نظم فى شئون السياسة والاقتصاد والتربية والقضاء ، وما تمتاز به شخصيتها الجمعية .

وبزغت الأسرة فى فجر الإسلام لتبين للحضارات السابقة واللاحقة عليه أن البناء الاجتماعى الرائع الذى بدا واضحاً فى حياة المسلمين فى المدينة المنورة ؛ والذى انتشر منها إلى سائر الأمصار الإسلامية , باتساع دولة الإسلام الفتية ، هذا البناء المتماسك العظيم جادها من فوق سبع سماوات , من لدن حكيم عليم , ولم يأتها من اجتهادات البشر التى تخطئ وتصيب , وينبغى أن نعلم ونعلِّم أبنائنا أن الله تعالى قد أنزل فى هذه الأسرة تفصيلات دقيقة لم ينزلها فى أمر آخر من أمور الحياة المتعلقة بأمور المسلمين ولدينا فى القرآن العظيم سورة من أطول السور أخذت اسمها مما يتعلق بأمور الأسرة ؛ هى سورة النساء , نزلت تشريعاً إسلامياً يبين للمسلمين جميع ما ينبغى عليهم معرفته ..وفعله , فى كل أمور حياتهم مع الأسرة ـ والمرأة منها فى الصميم ـ فى فرح ، وفى حزن، فى حياة , وفى ممات , قبل الزواج وعند الزواج , فى رباط وحين ينفصم الرباط ..

ماللمرأة من حقوق وما عليها من واجبات , فى تعاملها مع زوجها , وتعامله معها , فى كل ما دق وصغر من حياتهما ، من أمور الماديات ، إلى أمور المشاعر والود والصفاء ، فى العلاقة بينهما ، وفى علاقات بينهما وبين أطفالهما .

وجاءت السنة النبوية لتوضح كل ذلك ، ولتنبيه المسلمين من خلال ضرب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للأمثلة الشارحة والموضحة والمبينة ، منه ـ صلى الله عليه وسلم ـللرجال ،بل حتى النساء حين طلبن منه , كما كن يذهبن لزوجاته , أمهات المؤمنين , وخاصة السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ يسألنهن النصح والإرشاد .

يقول واحد من كتابنا التربويين : " ويلاحظ أنَّ القرآن الكريم ما تولى بالتفصيل نظاماً كنظام الأسرة ، فالزكاة تبينها بإجمال ، فقال " آتوا الزكاة " .

والصلاة بينها بإجمال فقال " أقيموا " .

أما الأسرة فقد بينها تفصيلاً طويلاً ، وإن لم يكن مملاً [!!] ؛ لأنه بين إنشاء الزواج ؛ وبين متى يكون الطلاق والعلاقة بين الزوجين , والعلاقة بين الآباء وبين أبنائهم ، والأبناء بعضهم مع بعض ، وبين العلاقة بين القرابة جميعها ؛ ثم بين نظم الاقتصاد فى الأسرة بما لا يدع مجالاً لتفصيل بعده

يقول " التركى " : [ الأسرة ـ فى التشريع الاجتماعى الإسلامى ـ هى أساس المجتمع ، وهى المحصن الذى يتخرج فيه العظماء والمستقيمون ، ومن هنا فقد حدد الإسلام للأسرة أهداف تتصل بتكوين المناخ الاجتماعى الصالح وبإشباع الحاجات الضرورية ، وبخدمة المجتمع .

وبعد أن بينا أهمية الأسرة فى ثبات المجتمع واستقراره ، وأمنه وهدوءه ؛ فكان من البديهى إذاً أن يرغب الإسلام فى تكوين الأسرة المسلمة الهادئة المطمئنة عن طريق الزواج . فالإسلام اهتم بشكل لافت للنظر ببناء الأسرة وأسلوب تكوينها ، والنظم المؤدية إليها كالخطبة والزواج ، والعلاقات الأسرية ، وأساليب مواجهة المشكلات والخلافات الأسرية ، إنْ وُجِدت ، وأسلوب إنهاء العلاقة الزوجية إن استحالت الحياة الأسرية المتكاملة .


مراحل تكوين الأسرة

أولاً : الاختيار ، ثانياً : الخطبة ، ثالثاً : الزواج ، رابعاً  : الإنجاب .

أولاً : الإختيار

مِنْ أهمِّ مراحل تكوين الأسرة فى الإسلام مرحلة الاختيار ، وهو أهم عنصر فى ترسيخ استقرار الأسرة المسلمة ، فإذا ما تلاقت الطباع ، وتوافقت النفوس ، وتقاطعت الثقافات كان ذلك عامل قوى لمجتمع أمتن روابط بين أُسَره وأَشَد صلة وألفة بين أفراده . ولقد تحدث الشرع الحنيف عن هذا الجانب ـ جانب الاختيار ـ واعتبره العمود الفقرى الذى تقوم عليه الأسرة المسلمة .
وهذا الجانب هو ما يسميه الفقهاء بالكفاءة فى الزواج فى الدين والورع والعبادة وفى الأموال وفى الثقافات ونحو ذلك ...
فالإسلام يأمر الرجل أن يكون هدفه نبيل وغايته شريفة فيطلُب المرأة؛ ويختارها لدينها لا لجسدها ؛ ولورعها ونبلها لا لأموالها .
وليس معنى ذلك أنْ يتغاضى عن جمال المرأة !! كلاَّ بل أمرنا الإسلام أن نتزوج الجميلات ولكن الجمال المقرون بالخلق والدين .
بل إنَّ النبيَّ ـصلى الله عليه وسلم ـ أمَرَ المغيرة بن شعبة ـ وقد خطب امرأة ليتزوجها أن ينظر إليها وقال له : أنظرت إليها ؟ قال : لا فقال له النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما .
وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال خطب رجل امرأة فقال له النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : انظر إليها فإنَّ فى أعين الأنصار شيئاً .
فهذا كلام صريح وقطعى الدلالة من النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مشروعية البحث عن المرأة الجميلة المحترمة المتدينة فى ذات الوقت .
ذكر ابن كثير فى البداية والنهاية أنَّ النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ تزوج امرأة من بنى غفار فدخل بها ، فأمرها فنزعت ثوبها ، فرأى بها بياضاً من برص عند ثدييها ؛ فانماز رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : [خذى ثوبك ] وأصبح فقال لها : " ألحقى بأهلك " فأكمل لها صداقها .
وقال الواقدى : أعتق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ريحانة بنت زيد وكانت عند زوج لها وكان محباً لها مكرماً فقالت : لا أستخلف بعده أحداً أبداً ، وكانت ذات جمال.
فلمَّا سبيت بنو قريظة ، عرض السبى على رسول الله ـ صلى الله غليه وسلم ـ ؛ قالت : فكنت فيمن عُرضَ عليه فأمر بى فعزلت فأرسل بى إلى منزل أم المنذر أياماً حتى قتل الأسرى ؛ وفرَّق السبى ؛ فدخل علىَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتجنبت منه حياء ، فدعانى فأجلسنى بين يديه ، فقال : " إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله لنفسه " فقلت : ـ إنى اخترت الله ورسوله ، فلما أسلمت أعتقنى وتزوجنى ، وأعرس بى فى بيت أم المنذر .
قال : وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معجباً بها ، وكانت لا تسأله شيئاً إلا أعطاها وقد كان يخلو بها ويستكثر منها .
فالإسلام لم يمنع أن تُطلب المرأة لجمالها ، ولكن هذا إذا كان الجمال مقترناً بالشيم الأخرى التى من شأنها أن تذلل العقبات التى قد تطرأ على حياة الأسرة المسلمة . فالإعجاب وحده لا يكفى ـ ولو بلغ قمته ـ .
قال الله تعالى : " ولا تنكحوا المشركات حتى يُؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم .."
فالإسلام يضع الإعجاب والحب ضمن عناصر اختيار الزوجة ، المهم أن لا يكون هو العنصر الوحيد الذى تقوم عليه الأسرة المسلمة .
ولا شك أن الإعجاب والحب من عوامل استقرار الأسرة المسلمة إذا كان هذا الحب نابعا عن عقيدة دينية ـ والإنسان بطبيعته محب للجمال ـ وعلم الرجل أنه إذا لم يتزوج امرأة جميلة كان ذلك سبباً فى فتنته .
والصحابة رضوان الله عليهم حرصوا على الزواج من النساء الجميلات واعتبروا ذلك سداً منيعاً وحصناً حصيناً ضد الفتن .
روى ابن ماجة فى سننه ـ بسنده ـ عن علقمة بن قيس ، قال : كنت مع عبد الله بن مسعود بمنىً فخلا به عثمان فجلست قريباً منه فقال له عثمان : هل لك أن أزوجك جارية بكراً تذكرك من نفسك بعض ما قد مضى ؟!
فلما رأى عبد الله أنه ليس له حاجة سوى هذا أشار إلىَّ بيده ، فجئت وهو يقول : لئن قلت ذلك ، لقد قال رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
وهذا مقبول من الصحابة ومن سار على نهجهم ممن خاف على دينه وأراد أن يتجنب الفتن ما ظهر منها وما بطن .
والنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو القائل : " لَمْ نَر للمتحابين مثل النكاح " . وقال ابن حزم الأندلسى ـ رحمه الله ـ : " وليس العشق بمنكر فى الديانة ولا بمحظور فى الشريعة ؛ إذ القلوب بيد الله " وقال : " وقد أحب الكثير والكثير من الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين . " وقال : " وقد أحب من الصالحين والفقهاء والمحدثين فى الدهور الماضية ، والأزمان الخالية من قد استغنى بأشعارهم عن ذكرهم " .
وقال : وقد أحب عبيد الله بن عتبة بن مسعود وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وقد ورد من خبره وشعره ما فيه الكفاية " . وقال : " وقد جاء من فتيا ابن عباس ما لا نحتاج معه إلى غيره حين قال : هذا قتيل الهوى فلا عقل ولا قود .

الأُسُسُ التى يُبنى عليها الاختيار:

ووضَعَ الإسلام أُسُساً قويمة أَوْجَبَ عَلى الإِنسَان أَنْ يأْخُذَها فى عين الاعتبار حين قدومه على اختيار الزوجة.

فروى ابْنُ مَاجَةَ بسندهِ عَنْ أَبى هُريْرَة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " تنكح النساء لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " .

وروى بسنده عن جابر بن عبدالله قال : تزوجت امرأة على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلقيت رَسُولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : أتزوجت يا جابر ؟! قلت نعم قال أبكراً أو ثيباً ؟! قلت : ثيباً قال : فهلاَّ بكراً تلاعبها ؟قلتُ : كنَّ لى أخوات فخشيت أن تدخل بينى وبينهن قال : فذاك إذن .
وروى بسنده أن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " عليكم بالأبكار فإنًّهن أعذب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير " . وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وإن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير " .
وهكذا نرى أنَّ النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بَيَّن للرِّجَالِ طريقةَ الاختيار ووضع منظومة كاملة ينبغى للإنسان أَنْ يُراعيها عند اختياره من دين وجمال وبكارة ونحو ذلك... وهذا كله من دعائم استقرار الأسرة وأحرى لدوام هُدوئِها واستمرارِ معيشتها .

ونخْلُصُ من ذلك أنَّ أُسس الاختيار تتمثل فى :

1- الدين
2- البكارة
3- الجمال
4- المال
5- النسب
6- الإعجاب
ولقد وضعناه فى جملة الأسس والشُّروط التى ينبغى أن تُؤخذ فى عين الإعتبارِ وَقْتَ الاختيارِ لما ذكرناه آنفاً من قَّوْلِ النبِّى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَمِنْ فِعْلِه ولما روى من فعل كبار الصحابة رضى الله عنهم .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : روى الخرائطى بسنده أنَّ أبا بكر الصديق رضى الله عنه مَرَّ فى خلافته بطريق من طرق المدينة فإذا بجارية تقول :
وهويته من قبل قطع تمائمى
متمايساً مثل القضيب الناعم

وكأن نور البدر سنة وجهه

يَنْمى ويصعد فى ذؤابة هاشم
فدق عليها الباب فخرجت إليه فقال :ويلك أحرة أنت أم مملوكة؟ قالت : مملوكة يا خليفة رسول الله ، قال : فمن هويت ؟! فقالت بعدما بكت بكاءاً شديداً :
وأنا التى لعب الغرام بقلبها
فبكت لحب محمد بن القاسم
فاشتراها أبو بكر من مولاها وبعث بها إلى محمد بن القاسم بن جعفر بن أبى طالب وكان وضيئاً جميلاً ؛ وقال : هؤلاء فتنَّ الرجال ؛ وكم قد مات بهن من كريم ؛ وعطب عليهن من سليم
ومن ذلك ما حُكى أنَّ سليمان بن عبد الملك بن مروان كان غيوراً على النساء جداً ، حتى أنه رُبَّما سفك دم من ظنَّ أنه نظر لبعض محاظيه نظر عشق . فاتفق له أن أحضر مُغنياً فى بعض الأيام وكان فى النهار ، فأجلس المغنى تحت السرير وأمره أن يغنى واستلقى على ظهره على السرير ؛ وكانت معه جارية تروح عليه من شدة الحر ، فأخذه النوم ، فرفع المغنى رأسه على حين غفلة فرأى الخليفة قد نام ؛ والجارية تُرَوِّح عليه فتأملها فوجدها كالشمس فى راجعة النهار ، فافتتن بها ، ولم يقدر على التكلم خوفاً من الخليفة ؛ فانهملت دموعه ؛ وهاج ولوعه ، فأخذ قرطاساً وكتب فيه ، شعراً من الكامل :
إنى رأيتك فى المنام ضجيعتى
مسترشفاً من ريق فيك الباردِ

وكأننا وكأننا وكأننا

بتنا جميعاً فى فراش واحد
ثم ألقاه عليها فأخذته وقرأته وكتبت له فيه ، من الكامل :

خيراً رأيتَ وكلُّ ما أَمَّلتَهُ

ستنالُه منى برغم الحاسد

وتبيت بين خلاخلى ودمالجى

وتحُلُّ بين مَراشِفى وسواعدِى
ورمت القرطاس إليه ، فالتقفه الخليفة قبل أن يصل إليه فلما قرأه احمرَّت عيناه وكاد يتميز غيظاً ، وقال : ما الذى حملكما على ما صنعتما ، أحُبُّ قديمُ بينكما ؛ أم عشق خامركما هذه الساعة ؟ فقالا : بلى والله فى هذه الساعة ، ولم يكن لنا به عهد قبل ذلك . وانهملت دموعهما ، فلما رأى منهما ذلك رقَّ لهما ، وقال للمغنى : خذها ولا تعد تقاربنا .


ثانياً: الخطبة

وبعد مرحلة التفكير السليم والاختيار تأتى مرحلة الخطبة ؛ ولمَّا كان عقد الزواج فى الإسلام يُعتبر من أعظم العقود خطراً وأجلها شأناً وأرفعها مكانة ؛ لأنه يرد على أعظم مخلوق فى الأرض ألا وهو الإنسان الذى كرمه الله تعالى بقوله : " ولقد كرمنا بنى آدم ... " [سورة الإسراء : 70 ].
وَلمَّا كَانَ الشَّأْنُ فى هذا العقد هو الدوام والاستمرار فإنَّ هذا يقتضى ألا يقدم أحد الطرفين على الارتباط مع الطرف الآخر برباط الزوجية المقدس إلا بعد أن يكون على بينة من أمره ؛ وإلا بعد أنْ يعرف الكثير من عادات شريك حياته وطباعه وسلوكه وأخلاقه حتى يضمنا حياة كريمة هادئة ترفرف على جنباتها أعلام الحب والوفاء والسعادة والاستقرار ، وحتى لا يؤدى التسرع فى الارتباط إلى أوخم العواقب لكلا الطرفين أو لأحدهما ، لذلك كان تشريع الخطبة فى الإسلام لتحقيق هذا الهدف النبيل والمغزى العظيم .


ثالثاً: الزواج

الزواج فى الشرع هو عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة وينظم تعاونهما ويُحدد ما لكل منهما من حقوق وما عليه من واجبات ويكون هذا العقد بلفظ النكاح أو التزويج ، واشتهر استعمال كلمة الزواج فى اقتران الرجل بالمرأة على سبيل دوام الأسرة واستقرارها .

يقول العلامة عبد الفتاح أبو غدة : ـ

والزواج فى الإسلام مُرغَّب فيه أتم الترغيب ؛ ومحضوض عليه أكد الحض ؛ إلى جانب أنه أمر فطرى مركوز فى الطبيعة الإنسانية ؛ يسعى الإنسان إليه بدافع الفطرة ؛ وهو شطر هام كبير من الحاجة الأصلية فى هذه الحياة ، محقق لاكتمال الذات ، وإنشاء الذرية ، وبقاء النسل والنوع الإنسانى ، وعمارة الكون .
وقد أمر الشرع الحنيف بالنكاح أمراً أكيداً لمن خشى العنت والزنا وعدَّه بعض الأئمة والفقهاء من قسم العبادات ، لما يترتب عليه من استمرار النسل الصالح فى الوجود ؛ وتلقيه الإسلام عن الآباء ، وتبليغه إلى الأبناء ، وهكذا حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، ولما له أيضاً من آثار طيبة على سلوك الإنسان فى طهره وعفافه وكمال دينه واستقرار نفسه ، وسلامة خواطره .
وذلك أنَّ غريزة الشهوة إذا استيقظت فى الإنسان العَزب ، شتت عليه الفكر والرأى ، وأقلقت منه العين والنفس ؛ وقد تزحزحه عن الجادَّة والاستقامة ؛ وتهوى به إلى السقوط فى هوَّة الرذيلة والهلاك .
فلذا كان الزواج ـ إلى جانب أنه متعة مشروعة ـ أمراً أساسياً وحاجة أصلية من حاجات الإنسان فى الحياة ، يصعب عليه التخلى عنها إلا لشوق غلاب محرق ؛ أو لتعلق شديد بعزيز غال على النفس جداً ، يفوق تعلقها بالزواج ...
ومن السهل أن ندرك أن التبتل والانقطاع عن الزواج اختياراً لشدة من أكبر الشدائد فى حياة الإنسان ، يفقد بها الأنس الروحى ، والسكون النفسى ، ويتحمل معها مشاق العزوبة ، فى شئون الطعام والشراب والنظافة وخدمة البيت والمسكن ، ويُحرم بسببها من رعاية المرأة وحنانها عند نزول الأمراض والأسقام عليه ؛ وفى وقت حلول الشيخوخة ومتاعبها لديه ، وهذه شدائد متراكمة ، ومشاق متعاظمة ، هذا ولم يرد نص صحيح عن الشارع الحكيم يشجع على العزوبة ؛ لأن الزواج هو الوسيلة الوحيدة لبناء الأسرة الفاضلة القوية ، التى تبني ولا تهدم ، وتصلح ولا تفسد ، وتعمر ولا تخرب وتتعاون مع غيرها على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان .
وهو الطريق الأمثل والأقوم الذى اختاره الله لبقاء النوع الإنسانى وجعل بقدرته ورحمته الرابطة التى ربطت بين الزوجين من أقوى الروابط وأعمقها وأشرفها وأكثرها تمازجاً وتلاصقاً . ويكفى لتصوير عمق الروابط العاطفية والنفسية والجسدية قوله تعالى " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن .." [البقرة : 187 ] .
فهذه الجملة الكريمة تصور سمو العلاقة التى بين الزوجين ، تصويراً بلغ النهاية فى اللطافة والرقة والدقة وتعانق الروحين ، فهى تشير إلى أن كلاً من الزوجين يميل إلى صاحبه ويكون فى شدة القرب منه كالثوب الساتر له والملاصق لبدنه .
كما يكفى لتصوير قوة المحبة والرحمة بين الزوجين قوله تعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " [ الروم : 21 ] .

ويمكننا أن نُجمل فوائد الزواج وأهميته فى الآتى :

1 ـ الزواج يوجد الأسرة ويحقق بقاء النوع الإنسانى لأنه وسيلة للتناسل والتوالد وظهور جيل بعد جيل ؛ يُعمِّر الحياة ويقوم بالخلافة عن المولى سبحانه وتعالى ولا يقال إنَّ ذلك يمكن أن يحقق عن طريق الاتصال غير المشروع وهو الوجه الذى يبغضه الشارع ، وذلك يستلزم التظالم وسفك الدماء وضياع الأنساب واختلاطها كالحيوان ، فالزواج حصانة من الانحدار إلى درك الحيوان وحفظ الأخلاق والأعراض ، وصيانة للإنسان من الآثام والأمراض ووقاية من الشحناء والبغضاء.
2 ـ إن التزواج هو عماد الأسرة الثابتة المستقرة التى تُحاط الحقوق والواجبات فيها بتقديس دينى ، يشعر الشخص فيه بأنه رابطة مقدسة تعلو بإنسانيته ، فهو علاقة روحية نفسية تليق برقى الإنسان وتسمو به عن دركة الحيوانية التى تكون العلاقة بين الأنثى والذكر فيها هى الشهوة البهيمية فقط ، بل إنَّ العلاقة الزوجية هى فى حقيقتها سكن النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر ، فهى كما قال الغزالى [المتوفى 505 هجرى ] فى فوائد الزواج : ـ " فيه راحة للقلب وتقوية له على العبادة ، فإنَّ النفس ملول ، وهى عن الحق نفور ، لأنه على خلاف طبعها ؛ فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يُخالفها جمحت وثارت ، وإذا رُوِّحت باللذات فى بعض الأوقات قويت ونشطت ، وفى الاستئناس بالنساء من الراحة ما يزيل الكرب ؛ ويروح القلب ؛ وينبغى لنفوس المتقين استراحات بالمباحات .
ومن هذا يتبين أنَّ أغراض التشريع الإسلامى من الزواج نبيلة سامية وأنه مظهر من مظاهر الرقى البشرى الذى يلائم طبيعة الوجود ، ويتفق كل الاتفاق مع حياة العالم الاجتماعية ، إذا أريد تهذيبها والسير بها صعداً إلى معارج الكمال فإن يكن فى حياة بعض المسلمين ما يؤاخذ عليه ، فليس سببه تعاليم دينهم ، ولكن السبب الحقيقى أنَّ هؤلاء قد انحرفوا عن جادة هذه التعاليم ، وقطعوا كثيراً مما أمر الله أن يوصل وأفسدوا فى الأرض جرياً وراء الغريزة الحيوانية غير آبهين بما اصطنعت لها الشريعة من تهذيب .


المرأة في الشرق والغرب

البداية من المرأة

إذا أراد الإنسان أن يعرف مدى استقرار الأسرة فى المجتمع الغربى وإلى أين وصلت فى سموها وتألقها .. فلينظر إلى حالة المرأة عندهم ؛ لأنَّ المرأة هى العمود الفقرى لأى أسرة تنشد الإستقرار .
يقول الدكتور سعيد صوابى : " وبقليل من التأمل فى واقع الحياة يبدو لنا أهمية صلاح المرأة واستقامتها علماً وخلقاً وسلوكاً داخل الأسرة ، ثم فى المجتمع الكبير ، فبمقدار صلاح المرأة فى الأسرة يكون غالباً صلاح النشء والذرية فيها ؛ وبمقدار فسادها يكون غالباً فسادهم ؛ يُضاف إلى ذلك ما لها من تأثير بالغ على الرجال زوجاً كان أو أباً أو أخاً؛ وأهمية صلاح المرأة لصلاح الأسرة أكثر من أهمية صلاح الرجل لصلاحها ، وذلك لأن المرأة تستطيع أن تكون ذات أثر فعال مرشد أو مفسد فى تكوين أخلاق الأطفال وطباعهم وعاداتهم ، أكثر من الرجل بكثير ، لعدة أسباب منها : ـ ما وهبها الله من عاطفة جياشة متدفقة ؛ ولين فى الطبع ، وقابلية للاندماج والمشاركة فى أمور الصغار على مقدار طبائعهم ونفوسهم ، مما له أثر كبير فى اكتساب حبهم وإحراز ثقتهم ، حتى يتخذوها قدوة لهم فى أقوالها وأعمالها وأخلاقها وسائر تصرفاتها ؛ ومنها واقع ملازمتها لأطفالها فى أكثر أوقات نشأتهم ؛ وهم ما يزالون بعد فطرة نقية ، وعجينة لينة ، قابلة للتكيف والتشكل ، فما طبع فيها من خير جفت عليه ، وما يطبع فيها من سوء كذلك ، ثم يعسر بعد ذلك التغيير والتبديل ، متى صلب عود الطفل .... ولذلك كثيراً ما نلاحظ أولاداً فاضلين مهذبين ، ثم نبحث عن سر ذلك فنعلم أن لهم أماً مربية فاضلة ، تقية مهذبة ، وإن لم يكن أبوهم على مثل ذلك ، ونلاحظ أولاداً فاسدين منحرفين ثم نبحث عن سر ذلك فنعلم أن لهم أماً منحرفة فاسدة ، وقد يكون لهم آباء صالحون فاضلون .
والمرأة فى المجتمع الغربى فى غاية الإهانة والإذلال ، فالمرأة عندهم كسقط المتاع وكالسلعة التى تبدل وتباع وتشترى ؛ فالحضارة التى تبيح الشذوذ الجنسى الآثم والاختلاط الجنسى الآثم ـ تحت بند الحرية ـ حضارة لا يجدر بها أن تحترم النساء أو تكرمهن فضلاً عن تأسيسها لأسرة آمنة مطمئنة .
وإذا كانت هذه الزلاَّت هى الحضارة والتقدمية والحرية من منظورهم فما هى الحيوانية إذاً؟!
إننا لا نرى أبداً أنَّ الغرب أصَّل تأصيلاتٍ من شأنها أن تدعم الأسرة وتحافظ على استقرارها، بل إنه نزل بالأسرة من الرابطة المقدسة التى هى لبنة قوية من لبنات المجتمع إلى الانفكاكية والانهزامية أمام التيارات المادية والإلحادية المتصاعدة .
إن الغرب نزل بالمرأة من أعلى مقامات الحرية التى شرعها الإسلام إلى حضيض العبودية ومستنقع الرذيلة ، فجعلها تبحث عن إشباع نزواتها المتأججة بكل السبل وبشتى الوسائل .
وامرأة تلهث خلف غريزتها لترضى شهوتها لا تفكر مجرد التفكير أن تؤسس أسرة أو تبنى بيتاً أو تربى أجيالاً ولا يُنتظر منها ذلك .
إنها جاهلية العصر الحاضر وعبودية هذه القرون ، ما الفرق بين أنْ يعبد الإنسان عجلا أو وثناً وبين خضوعه لشهوة وسجوده لظالم ؟!
يقول الغزالي رحمه الله : " إن الحرية ليست حق الإنسان أن يتحول حيواناً إذا شاء ، أو يجحد نسبه الروحي إلى رب العالمين ، أو يقترف بالأعمال ما يوهى صلته بالسماء ويقوى صلته بالتراب ، فإن الحرية بهذا المعنى لا تعدو قلب الحقائق ؛ وإبعاد الأمور عن مجراها العتيد . بل الواقع أنك لن تجد أعبد ولا أخنع من رجل يدعى أنه حر ، فإذا فتشت فى نفسه وجدته ذليلاً لشهواته كلا، رُبما كان عبد بطنه أو فرجه ، وربما كان عبداً لمظاهر يرائي بها الناس ، أو لمراسم يظنها مناط وجاهة ، فإذا فقد بعض هذه الرغائب رأيته أتفه شيء ولو كان يلي أكبر المناصب ، بل لو كان ملكاً تدين له الرقاب . الحرية المطلقة لا تنبع إلا من العبودية الصحيحة لله وحده .
وأعود فأقول إنَّ المرأة صارت عندهم لغرائزها وشهواتها .. صارت عبداً لنداء الجنس ، وأصبحت تباع وتشترى .. وتبدل الرجال كما تبدل الأثاث والمتاع .!!
بل إن ممارسة الجنس هناك له أربابه والقائمون عليه ، وصار تجارة يتكسب من ورائها رجال ومؤسسات تدر عليهم بالربح الثقيل .
ولم يقفوا عند ذلك بل عملوا على تصدير إفكهم إلى العالم كله ، فبدلاً من أن يهدوا البشرية إلى صوابها ويلهموها رشدها ويأخذوا بها إلى بارئها صاروا يدلون العالم إلى ضلاله ويأخذون بيده إلى طريق الهاوية حيث قال تعالى :ـ ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) .
يجب أن تعلم الأمم فى الشرق والغرب أنَّ هذه الحضارة فقدت عذريتها قبل أن تفقد قيمها وأخلاقها التي زعمت أنها ما قامت إلا عليها .
وتحكمت فى رجالها الأهواء ولو على حساب الدين ، والأثرة ولو بإلغاء المبادئ والقيم الإنسانية المتعارف عليها .
إنهم اقترفوا آثاماً كفيلة بأن تهدم أُمماً ومجتمعات فضلاً عن أن تهدم أسرة من أفراد.


انهيار المجتمع الغربى

ولكي لا يكون كلامنا أقرب للكلام الفلسفي الإنشائي أو السفسطى العقلي فنؤثر أن ندعمه بأدلة وبراهين .
يقول الدكتور عبد الله ناصح علوان : (" جاء فى كتاب الإسلام والسلام العالمي للشهيد سيد قطب : ( أنَّ نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الثانوية فى أمريكا بلغت فى إحدى المدن 48 فى المائة " ) انتهى .
وفى نقل علوان عن سيد قطب تصحيف وتحريف وعبارة الأستاذ سيد قطب كالآتي : " ودع عنك تدلى الإنسانية فى الفاحشة ، وارتكاسها فى البهيمية ، وانتكاسها إلى مثل فوضى الحيوان ونزواته المطلقة العنان" !!
فأما خرافة التهذيب والتصريف النظيف باللقاء والحديث فليسألوا عنها نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الثانوية الأمريكية وقد بلغت فى إحدى المدن 48 من المائة . وأما البيوت السعيدة بعد زواج الاختلاط المطلق والاختبار الكامل فليسألوا عنها نسبة البيوت المحطمة بالطلاق فى أمريكا ، وهى تقفز فترة بعد فترة كلما ازداد الاختلاط وكلما تم الاختبار!! وهذه النسبة المخيفة تمضى فى هذه الخطوط ...؛ والبقية تأتى من البيوت المحطمة تحت مطارق الشهوات الجامحة ، والرغبات المتقلبة ، والقلق الجانح ، الذى يثيره تقلب العواطف فى المجتمع المختلف ، الذى تلوح فيه للأزواج والزوجات مزايا جديدة فى نساء جدد ورجال فينفلت هؤلاء وهؤلاء إلى صيد جديد ، وتتأرجح البيوت فى مهاب الريح ؛ كلما لمح زوج أو لمحت زوجة بارقة لامعة فى شخصية جديدة ؛ كما لو كان الزوج أو كانت الزوجة قطعة أثاث أو رباط عنق أو زياً جديداً فى عالم المودات !!
لقد آن أن تراجع البشرية تلك النظرات الخيالية الخاوية . انتهى

ويقول الدكتور علوان : ـ ونقلت جريدة الأحد اللبنانية فى العدد 650 عن الفضائح الجنسية فى الجامعات والكليات الأمريكية ما يلى:

الطلاب يقومون بمظاهرة فى جامعات أمريكا يهتفون فيها نريد الفتيات .. نريد أن نرفه عن أنفسنا .
وذكرت الصحيفة أن هجوماً ليلياً قام به الطلاب على غرف نوم الطالبات ، وقاموا بسرقة ثيابهن الداخلية .
قلت : انظر بالله عليك إلى هذه الحضارة المعوجة هل تصلح أن تنهض بالبشرية إلى بر الأمان ؟!! كيف وهى تفتقد إلى أدنى التعاليم المتعارف عليها فى المعايير الأخلاقية .
ونقلت الجريدة عن المربية الاجتماعية مرغريت سميث حديثاً قالت فيه : " إنَّ الطالبة هنا فى أمريكا لا تفكر بعقلها بل تفكر بعاطفتها الجنسية فقط ، إنَّ أكثر من 60 فى المائة من الطالبات سقطن فى الامتحانات وتعود أسباب الفشل إلى أنهن يفكرن فى الجنس أكثر من دروسهن وحتى مستقبلهن .. " انتهى .
قلت : ودائماً ما أقول وأكرر بأن هذه الحضارة مصيرها لا محالة إلى زوال لأنها حضارة لم تتمسك بأهداب الفضيلة ، بل وإن دولها تتسابق إلى الكفر والإلحاد .


الإسلاميون وبناء الأسرة "الإخوان المسلمون أنموذج"

الإمام حسن البنا في إحدى الكتائب التربوية

أولي الإسلاميون عموما والإخوان المسلمون خصوصا الأسرة عناية خاصة ، وتفلسفوا في رصد التحلل الأسري السائد في المجتمع ، ودرسوا التجربة الغربية دراسة جيدة ، في نظرتها للمرأة وانعكاسات ذلك علي الأسرة في المجتمع الغربي .

فالإمام البنا أنشأ قسم الأخوات المسلمات وأسند الإشراف عليه إلي الشيخ محمود محمد الجوهري ، وما لبث أن انتشرت فروع القسم في كل أنحاء الإقليم المصري وامتد إلي خارج مصر .

ففي عام 1932م ، تأسست أول فرقة للأخوات المسلمات ، تحت إشراف المركز العام للإخوان المسلمين ، والذي ضم سنة 1948م خمسين فرعا يضم خمسة آلاف سيدة ، وتمّ حل هذا التنظيم النسائي في العام نفسه لكن استمر نشاطه ، كذلك تم تأسيس جماعة السيدات المسلمات التي قادتها زينب الغزالي منذ سنة 1937م ، وكانت عضوا فاعلا في الاتحاد النسائي من قبل ، ثم اندمجت بتنظيمها هذا مع التنظيم النسائي لجماعة الإخوان سنة 1948م بعد مبايعتها للإمام الشهيد حسن البنا .

فنحن ننظر إلي المرأة كفرد مهم فاعل في بناء المجتمع ، وتقويم ثغراته ، وكجزء لا ينفصل أبدا عن نسيج المجتمع . فالمرأة عندنا تشارك في صناعة القرار ، وتقرير المصير ، وتختار –كالرجل تماما- من يتولي أمورنا ويقود زمامنا .

لكننا نؤمن أن المرأة لها مهمة أساسية بعد كل ذلك ، لا ينبغي أن تقصر فيها ، هذه المهمة هي تنشئة الأجيال وتربية الرجال ، فهذه مهمة لا تقل قيمة عما ذكر . بل إن الأمة من غير امرأة راشدة تتفنن في تربية صبيانها وغرس لبنات الأخلاق ، وبذور الثوابت في أفئدتهم ، هي أمة هالكة لا محالة .

بل إننا نزعم أن المرأة هي المجتمع كله ، وليست نصف المجتمع كما يردد البعض ، لأن المرأة إذا فسدت أو تخلت عن مهمتها فسد المجتمع بأكمله ، وإذا صلحت صلح المجتمع بأكمله ، والواقع المشهود خير دليل علي ذلك .

إن الرجل الكبير في تصرفاته وأفعاله وطريقة تفكيره بل ومعتنقه الفكري والثقافي ومنهجيته ، إنما يعود في الأساس إلي تلك القيم التي رسختها فيه الأم حال صغره . ومن هنا علمنا أهمية دور المرأة في المجتمع وتغيير مساره . فلا مانع أن تشارك المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية وأن تدلي بدلوها ، بجانب مهمتها في البيت.

وكلام الإمام المؤسس حسن البنا يجب أن يُفهم في هذا السياق ، وأن يجمع بين أقواله وأفعاله لا أن يبتر منها بترا . كذلك يجب أن يُفهم كلامه من خلال أقوال تلامذته ومريديه وأرباب الدعوة كالغزالي والقرضاوي وسيد سابق وغيرهم . فجمع النصوص أمر حتمي لمن يريد أن يقرر حكما .

هذه النظرة الشاملة للمرأة لدي الإسلاميين تنعكس بالأساس علي كيان الأسرة المسلمة ومن ثم علي المجتمع الفاضل الذي ننشده .

فالأسرة عندنا هي عامل بناء وليست أداة هدم ..

والأسرة عندنا لا تُختزل في علاقة الرجل بزوجته أو بأبنائه ، إنما تتعدي لتشمل علاقته بالمجتمع ، وواجباته تجاه أمته ، فمن الفرائض التي لا ينبغي التهاون فيها أن كل فرد مطالب بأن يهب المجتمع أولادا صالحين قد تشربوا معاني الإسلام ومفاهيم الأخلاق وثوابت الأمة التي لا يجوز التنازل عنا أو التخاذل فيها .

إن الآخر لمح أهمية تقويم الأسرة وتنشئة الطفل في صنع المستقبل ، فالأحرى بالإسلاميين أن يدعموا هذه المفاهيم وأن يجتهدوا في هذا الإطار .

كذلك نحتاج أن ننظر إلي المرأة هذه النظرة التي ننشدها لما تحويه من أهمية في استقرار المجتمع مستقبلا لا أن ننظر إليها ككونها أسيرة البيت وحبيسة المنزل وأداة لمتعة الفراش فحسب ، حينئذ سوف تربي لنا حيوانات لا رجال .


خاتمة

لقد وقفنا في هذه الوريقات علي فلسفة الإسلام في ترشيد الأسرة وتقويمها . وقلنا أن الإسلام اهتم بالأسرة اهتماما كبيرا إذا ما نظرنا إلي شرائعه في مرحلة ما قبل الخطبة ، ثم مرحلة الاختيار والخطبة ، ثم مرحلة الزواج ، ثم مرحلة ما بعد الزواج . أدلي الإسلام في كل هذا بجملة من النصوص المفصلة والدقيقة في التعامل مع كل مرحلة من هذه المراحل . ولم أجد أمرا من الأمور أعطاه الإسلام مثل هذه الأهمية في نصوص القرآن والسنة ، ومن ثم الأبواب الفقهية بل إن مدارها علي هذا الأمر من نكاح وطلاق وخطبة وخلع وإيلاء وما أشبه .

فعندما كان يقرر الإسلام هذه الأحكام ويتفنن في استنباطها الفقهاء فليس لذاتها ، إنما لأبعاد أكبر وخلفيات أسمي هي استقرار الأسرة المسلمة والذي ينعكس علي المجتمع ومن ثم تهيئة الأجواء لصناعة الحضارة .

كذلك ألمحنا إلي وضع المرأة عند الإسلاميين "الإخوان" ، وقررنا أنها شريكة في صنع حضارة أمتها واختيار من يتحدث باسمها ومن يقود زمامها ، وأنها من جملة نسيج المجتمع ، وأنه لا ينبغي أن يُنظر إليها كأداة للمتعة ولذاذة الفراش فحسب لأنها لو استشعرت هذا المعني واختزلت فيه وجودها لأنبتت لنا حيوانات ولن تشارك في بناء المجتمع بل ستكون عاملا هادما لكيان لمجتمع ومنظومته الأخلاقية بما أخرجت لنا من جهلة وأغبياء .

كذلك رأينا كيف تفرد الإسلام بتقنين الحياة الأسرة ومهامها في المجتمع المسلم وأن هذا خصيصة من خصائص الإسلام ، ليس للغرب ولا للشرق فيه نصيب ، وحال الأسرة الغربية في التنظير والتطبيق يبرهن علي ما قلناه . ولا ننسي أن الكنيسة عندما منعت الطلاق أو تعدد الزوجات إنما ساعدت في ما وصلت إليه الأسرة الغربية من انهيار تام وتحلل لمعني الأسرة وتبديل لمفاهيمها وأهدافها .


للمزيد

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات متعلقة

وصلات خارجية

مقالات خارجية

تابع مقالات خارجية


وصلات فيديو

.