الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (26)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:٥١، ٢٣ مايو ٢٠١٨ بواسطة Man89 (نقاش | مساهمات) (←‏غضبٌ عسكري ضدَّ الملك فاروق)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (26)


زياد أبو غنيمة

غضبٌ عسكري ضدَّ الملك فاروق

إلى جانب الغضب الشعبي الذي كان يتصاعدُ ضدَّ الملك فاروق وحاشيته وحكومته يوما بعد يوم ، كان الجيش المصري يشهد غضبا مكبوتا ضدَّ الملك فاروق تنفيسا عن مشاعر الإحباط والمهانة التي لحقت بالجيش بسبب هزيمته أمام العصابات اليهودية بفعل تزويد الملك فاروق وحكومة الوفد للجيش بالأسلحة الفاسدة .

ولم يلبث هذا الغضب أن تبلور في تشكيل مجموعة من الضباط تنظيما سرِّيا أطلقوا عليه فيما بينهم إسم (تنظيم الضباط الأحرار) ، وهو تنظيم تواترت الروايات على أن كثيرا من أولئك الضباط الأحرار كانوا في الأصل ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين ، وأنهم كانوا جزءا من التنظيم الذي أسَّـسه الصاغ محمود لبيب وكيل الإمام حسن البنا مرشد الإخوان للشؤون العسكرية في الفترة من سنة 1943 م إلى سنة 1948 م

وقد اكد اللواء جمال حماد كاتب (البيان رقم واحد) لثورة يوليو أن هذه الرواية صحيحة 100% في سياق برنامج (شاهد علي العصر) الذي بثته فضائية الجزيرة في 10 تشرين الثاني 2008م

حيث قال:

ما أعرفه أن نواة تنظيم الضباط الأحرار كانت من الإخوان المسلمين ، وقد أكـَّـد هذه الرواية بصيغ مختلفة العديد من الباحثين الذين أرَّخوا لتنظيم الضباط الأحرار .

ومنهم الكاتب سامي جوهر في كتابه (الموتى يتكلمون) الذي نسب إلى كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة لاحقا تأكيده لهذه الرواية ، ومنهم الكاتب أحمد حمروش الذي عُرف بخصومته اللدودة للإخوان في كتابه (شهود ثورة يوليو) ، ومنهم الضابط الإخواني عبد المنعم عبد الرؤوف الذي كان عضوا في أول مجلس لقيادة لثورة في مذكراته التي نشرها في كتابه (أرغمت فاروق على التنازل عن العرش) ، ومنهم الكاتب حسين حمودة في كتابه (الضباط الأحرار والإخوان المسلمون) .

ومن الأرجح أن ضبَّـاط الجيش المصري تأثروا في تشكيل (تنظيم الضباط الأحرار) بتجربة زملائهم ضباط الجيش السوري الذين قاموا في أواخر الأربعينيات أبول انقلاب عسكري في بلد عربي قاده الزعيم (رتبة عسكرية) حسني الزعيم (إسم العائلة) ضدَّ رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس وزرائه خالد العظم .

وبرَّر العسكر إنقلابهم باتهام القوتلي والعظم بالتسبب في هزيمة الجيش السوري أمام العصابات اليهودية في حرب فلسطين ، وتحت نفس المُبرِّر وضع (تنظيم الضباط الأحرار) في الجيش المصري في خـُـطـَّـته أن يقوم بانقلاب عسكري يطيح بنظام الملك فاروق باعتباره مسؤولا عن الهزيمة التي لحقت بالجيش المصري أمام العصابات اليهودية .

في كانون الثاني 1952 م كُـتبت السطور الأولى في نهاية حكم فاروق

شهد شهر كانون الثاني من عام 1952 م العديد من الأحداث التي كانت بمثابة الهزَّات الأولى التي أحدثت شقوقا في جدران وأسوار نظام الملك فاروق ومهـَّـدت لانهيار النظام بعد شهور قليلة ، وكتبت السطور الأولى في نهاية حكم الملك فاروق لمصر ، وتحديدا في 23 تموز 1952 م ، على يد تنظيم حركة الضباط الأحرار الذي كان أعضاؤه مزيجا من الضبَّـاط الناقمين على الملك فاروق وحاشيته ومن الضباط المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين .

إنتخابات نادي الضباط (1 - ك2 - 1952 م) بداية النهاية للملك فاروق

تحت نفس المُبرِّر الذي ساقه الضبَّـاط السوريون لتسويق انقلابهم على رئيس الجمهورية شكري القوتلي وحكومته بحجة أنهم تسببوا في هزيمة الجيش السوري في حرب فلسطين ، وضع تنظيم الضباط الأحرار في الجيش المصري في خـُـطـَّـته أن يقوم بحركة داخل الجيش (أسماها البعض ثورة وأسماها آخرون إنقلابا عسكريا) تطيح بنظام الملك فاروق باعتباره مسؤولا عن الهزيمة التي لحقت بالجيش المصري أمام العصابات اليهودية.

وحدَّد التنظيم عام 1955 م موعدا للقيام بانقلابه ، وكانت التقارير التي يرفعها ضباط الحرس الحديدي ومخابرات وزارة الداخلية إلى الملك فاروق تـُشعره بأن خطراً ما يتهدَّده من ناحية الجيش ، ولكن الملك وحاشيته لم يتمكَّـنوا من كشف مصدر الخطر وهو (تنظيم الضباط الأحرار) الذي كان ضبَّـاط الإخوان يُشكلون جناحا قويا متماسكا فيه

وجاءت إنتخابات مجلس إدارة نادي الضبَّـاط لتفتح عيون الملك فاروق وحاشيته وحرسه الحديدي ومخابرات داخلية حكومته على وجود تيار قوي باتجاه تأييد انتخاب اللواء أركان حرب محمد نجيب لرئاسة النادي في مواجهة مُرشـَّـح القصر اللواء حسين سري عامر .

وأحدث الإعلان عن فوز اللواء محمد نجيب مع طلوع فجر اليوم الأول من شهر كانون الثاني 1952 م صدمة للملك فاروق وحاشيته لأنها شكـَّـلت سابقة لم تشهدها كل الإنتخابات السابقة حيث كان مُرشـَّـح القصر يفوز بدون عناء ، ومع أن أجنحة مخابرات الملك المختلفة لم تكن تعرف أن الفائز الجديد هو نفسه رئيس (تنظيم الضباط الأحرار) إلا أنها بدأت تنظر بريبةٍ وشكٍ إلى اللواء محمد نجيب وتربط بينه وبين الخطر الذي تستشعره بعدما فاز بأغلبية ساحقة برئاسة نادي الضباط في مواجهة مرشـَّـح القصر اللواء حسين سري.

وسرعان ما دفعت مخاوف فاروق وحاشيته من اللواء محمد نجيب إلى إخضاعه للمراقبة الحثيثة ، ويذكر نجيب في مذكراته التي نشرها بعد موت جمال عبد الناصر في كتاب (كنت رئيسا لمصر) أن فوزه الساحق رفع من معنويات الضباط الأحرار وأخذوا يُفكرون بالتعجيل في القيام بثورتهم التي كانوا يُخطـَّـطون للقيام بها في عام 1955م بعد أن يكون عود التنظيم قد اشتدَّ وكسب مزيدا من الضباط .

مذبحة الإسماعيلية (25 - ك2 - 1952م) أجَّـجت الغضب ضدَّ البريطانيين وصنيعتهم فاروق

في مواجهة تصاعد العمليات الفدائية ضدَّ المحتلين البريطانيين أعلنت القيادة البريطانية حالة الطوارئ في معسكراتها ، ومنعوا خروج الضبَّـاط والجنود منها بعد الغروب ، وأخذوا يتصرَّفون بعصبية ورعونة واستفزاز ، فقام القائد البريطاني بمنطقة القناة البريجادير أكسهام باستدعاء ضابط الاتصال المصري المقدم شريف العبد .

وسلمه إنذاراً صيغ بعنجهية وبلهجة مُستفزَّة بأن تسلم قوات البوليس المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية ، وتخلي دار المحافظة ، وترحل عن منطقة القناة كلها ، ويُسجَّـل لوزير داخلية حكومة الوفد فؤاد سراج الدين باشا أنه لم يرضخ هذه المرة لضغوط البريطانيين ورفض الإنذار البريطاني وطلب من شرطة الإسماعيلية الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام ، فقام سبعة آلاف جندي بريطاني تدعمهم دباباتهم السنتوريون الثقيلة وعرباتهم المصفحة ومدافع الميدان بمحاصرة قسم بوليس الإسماعيلية في فجر يوم 25 كانون الثاني 1952 م .

ووجهوا إنذارا لمأمور القسم لتسليم أسلحة جنوده ، غير أن الضباط والجنود رفضوا قبول الإنذار ، فانهمرت نيران دبابات ومدفعية البريطانيين بشكل مركز وبشع وبدون توقف لمدة زادت عن الساعة الكاملة ، وتصدَّى الجنود المصريون الذين لم يزد عددهم عن ثمانمائة وثمانين للهجوم الوحشي بأسلحتهم المتواضعة من البنادق العادية القديمة ببسالة وبطولة وشجاعة

ولم تتوقف المعركة غير المتكافئة إلا عندما نفدت آخر طلقة مع المُدافعين بعد ساعتين طويلتين من القتال أسفرتا عن مجزرة إرتقى خلالهما خمسون شهيدًا بإذن الله و وعشرات الجرحى ، وانتشرت أخبار المذبحة في مصر كلها فتصاعد غليان مرجل الغضب والسخط في صدور المصريين .

حريق القاهرة (26 - ك2 - 1952 م) القشـَّـة التي قصمت ظهر فاروق

جاءت مذبحة الإسماعيلية في 25 كانون الثاني 1952 م لتؤجج نيران الغضب في صدور المصريين فخرجوا في مظاهرات عارمة تنديدا بالمذبحة ، وفي مواجهة تلك المظاهرات وجد المحتلون الإنجليز وصنيعتهم الملك فاروق أنفسهم أمام مأزق خطير

وتردَّد أن الإنجليز فكروا باحتلال مدينة القاهرة عسكريا أو الطلب من الملك فاروق القيام بانقلاب عسكري يقوم به ضباط موالون له ، ولكن تفاقم الأحداث أخرج البريطانيين وصنيعتهم الملك فاروق عن طورهم ، فأوعز الملك إلى حرسه الحديدي بافتعال حدث ضخم يُبرِّر له القيام بإجراءات قمعية تفضي إلى إعلان حالة الطوارىء للسيطرة على الأوضاع

وكان ذلك الحدث الخطير الذي تفتقت عنه عقلية حاشية فاروق ما عُرف ب (حريق القاهرة) حيث اندلعت ما بين الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً والساعة الحادية عشرة مساءً من يوم 26 كانون الثاني 1952 م الحرائق في 300 محل تجاري من بينها أكبر وأشهر المحلات التجارية التي يمتلكها يهود مثل محلات شيكوريل وعمر أفندي وصالون فيردي ، وفي 30 مكتبًا لشركات كبرى

وفي 117 مكتب أعمال وشققا سكنية ، وفي 13 فندقًا كبيرًا منها شبرد ومتروبوليتان وفيكتوريا ، وفي 40 دار سينما بينها ريفولي وراديو ومترو وديانا وميامي ، وفي 8 محلات ومعارض كبرى للسيارات ، وفي 10 متاجر للسلاح ، وفي 73 مقهى ومطعماً وصالة منها جروبي والأمريكان ، وفي 92 حانة وخمارة ، وفي 16 ناديًا ليليا (ملهى) ، وأسفرت الحرائق عن مقتل 26 شخصاً ، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور 552 شخصاً .

وكان واضحا أن الذين كانوا وراء (حريق القاهرة) أرادوا من اختيار محلات يمتلكها يهود واختيار دور سينما وملاهي ليلية وخمارات الإيحاء بأن الإخوان المسلمين هم وراء الحريق لتبرير شنِّ حملة قمع ضدَّ الإخوان وأنصارهم وضدَّ ضباط الجيش المشكوك في ولائهم للملك فاروق ، ولكن الرياح لم تجرِ كما أراد البريطانيون وصنيعتهم الملك فاروق

فقد عزَّز حريق القاهرة وما تبعه من إجراءات قمعية وإخضاع العديد من ضباط الجيش المشكوك في ولائهم لفاروق للمراقبة الحثيثة قناعة قيادة تنظيم الضباط الأحرار إلى تقديم موعد الحركة العسكرية ضدَّ الملك فاروق قبل أن تكتشف مخابراته التنظيم ، وتمَّ تحديد يوم 23 يوليو ـ تموز 1952 م ليضربوا ضربتهم ، وهذا ما حدث فعلا.