الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (الحلقة 30)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٨:١٢، ٢٢ يوليو ٢٠١٨ بواسطة Man89 (نقاش | مساهمات) (حمى "الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (الحلقة 30)" ([تعديل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد) [النقل=السماح للإداريين فقط...)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (30)


زياد أبو غنيمة

نهاية الظالمين .. خلع الملك فاروق وطرده من مصر وإسقاط الجنسية المصرية عنه لم يكن يساور أحداً من الإخوان المسلمين ، قائدا أو عضوا ، رجلا أو امرأة ، وهم يتعرَّضون لأبشع أشكال التعذيب في سجون الملك فاروق ، وخاصة في عهد حكومة حزب السعديين الأحرار برئاسة العدو اللدود للإخوان إبراهيم عبد الهادي باشا ، أن الله الذي بايعوه على نصرة دينه سيترك مُعذبيهم بدون عقاب ، ولو بعد حين

وعندما كان معتقلو الإخوان المسلمين في سجون الملك فاروق يواجهون أبشع أشكال التعذيب والمعاناة بصبر عنيد ، كانوا على يقين بأن الله عزَّ وجلَّ لن يُخلف وعيده بالظالمين : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ (سورة إبراهيم آية 42 ، 43) ، كان إيمانهم اليقيني بأن الله سيُنجز وعيده بالظالمين هو الذي يُصبِّـرهم على أبشع أشكال التعذيب ، ولقد أنجز الله وعده ، ذهب فاروق بفساده وطغيانه وبقي الإخوان برعاية الله ملْ سمع الدنيا .

بعد ستة عشر عاما من حكم الملك فاروق كانت في غالبها سنوات عجافا لقي خلالها الإخوان المسلمون أصنافا من العذابات من سجن إلى حلً للجماعة إلى اغتيال لمؤسـِّـسها ومرشدها الأول الإمام الشهيد بإذن الله حسن البنا ، شاءت سـُـنـَّــة الله النافذة التي لا تتخلف أن لكل ظالم نهاية أن ينتهي حكم الملك فاروق بفساده وطغيانه ، ففي ساعات الفجر الأولى من يوم 23 تموز ـ يوليو 1952 م كان أحد قادة تنظيم الضباط الأحرار أنور السادات يُلقي (البيان رقم واحد) من إذاعة القاهرة موجهاً إلى الشعب المصري من قائد تنظيم الضباط الأحرار اللواء أركان حرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة (كتب البيان الضابط جمال حماد)

وجاء في البيان:

أيها الشعب المصري العظيم ، اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم ، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبَّب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين ، وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها ، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولـَّـى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم

ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب ، وإنني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرَّداً من أية غاية ، وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف لأن هذا ليس في صالح مصر وأن أي عمل من هذا القبيل سيُقابل بشدة وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال ، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس ، وإنني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم ويعتبر الجيش نفسه مسؤولاً عنهم والله ولي التوفيق. (إنتهى بيان الجيش) .

وسرعان ما انتقل الخبر إلى السجون حيث يرسف آلاف الإخوان في زنازين فاروق ، وما هي إلا سويعات حتى شعر الإخوان بتغيير فجائي على معاملتهم ، لكأن الأوامر صدرت للزبانية أن يا أيها الزبانية أوقفوا تعذيب الإخوان وافتحوا أبواب زنازينهم ، فقد سقط حكم الطاغية فاروق يا لعدل الله عزَّ وجلَّ .. ضابط من الإخوان يُشرف على طرد عدو الإخوان فاروق من مصر

شاءت إرادة الله عزَّ وجلَّ أن تكون نهاية حكم الملك فاروق على يد أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين التي لقيت من فاروق صنوف الظلم والعذابات ، ففي صباح يوم 26 تموز 1952م كان الأخ المسلم اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف يقود قوة من الجيش حاصرت قصر (رأس التين) بالإسكندرية

ثمَّ يدخل إلى القصر ليتلو على الملك فاروق إنذارا من اللواء أركان حرب محمد نجيب باسم ضباط الجيش ورجاله:

إلى الملك فاروق الأول ، نظراً لما لاقته البلاد من فوضى شاملة عمَّت جميع المرافق نتيجة سوء تصرفكم وعبثكم بالدستور وامتهانكم لإرادة الشعب حتى أصبح كل فرد من أفراده لا يطمئن على حياته أو ماله أو كرامته ، ولقد ساءت سمعة مصر بين شعوب العالم من تماديكم في هذا المسلك حتى أصبح الخونة والمرتشون يجدون في ظلكم الحماية والأمن والثراء الفاحش والإسراف الماجن على حساب الشعب الجائع الفقير ، ولقد تجلت آية ذلك في حرب فلسطين وما تبعها من فضائح الأسلحة الفاسدة وما ترتب عليها من محاكمات تعرضت لتدخلكم السافر مما أفسد الحقائق وزعزع الثقة في العدالة
وساعد الخونة على ترسم هذا الخطأ فأثرى من أثرى وفجر من فجر وكيف لا والناس على دين ملوكهم ، لذلك فوضني الجيش المُمثل لقوة الشعب أن أطلب من جلالتكم التنازل عن العرش لسمو ولي عهدكم الأمير أحمد فؤاد على أن يتم ذلك في موعد غايته الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم السبت الموافق 26 تموز ـ يوليو 1952 م الرابع ذي القعدة 1371 ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه ، والجيش يحمل جلالتكم كل ما يترتب على عدم النزول على رغبة الشعب من نتائج .
وفي تمام الساعة السادسة والعشرين دقيقة مساء يوم 26 تموز 1952 م كان الأخ المسلم اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف يُجبر الملك فاروق على ركوب اليخت الملكي (المحروسة) إلى منفاه في إيطاليا ، وفي 18 حزيران 1953 م أعلن عن خلع الملك أحمد فؤاد الثاني وأسقطت الجنسية المصرية عن الملك فاروق لينتهي بذلك حكم أسرة محمد علي في مصر ، وفي الساعة الواحدة والنصف من منتصف ليل بينما كان الملك المخلوع فاروق منغمسا في إحدى لياليه الحمراء في مطعم (إيل دي فرانس) الشهير بروما مُحاطا بالعديد من النساء وقع مغشيا عليه ولم يلبث أن لفظ أنفاسه الأخيرة بمجرد وصوله إلى المستشفى .

نهاية ظالم .. الحكم بإعدام إبراهيم عبد الهادي باشا

في يوم 15 أيلول 1952م أعلن اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة في خطبة له بمؤتمر شعبي عقد في ميدان الجمهورية في القاهرة قرار مجلس قيادة الثورة تشكيل (محكمة الثورة) برئاسة قائد الجناح عبد اللطيف البغدادي وعضوية البكباشي أنور السادات وقائد الأسراب حسن إبراهيم لمحاكمة بعض السياسيين القدماء الذين تبين اتصالهم بدول أجنبية أو شاركوا في استشراء الفساد في مصر أثناء حكم الملك المخلوع فاروق

وكان عدو الإخوان اللدود إبراهيم عبد الهادي باشا واحدا من الذين مثلوا أمام محكمة الثورة بتهمعديدة منها تهمة الاتصال بجهات أجنبية سنة 1953 بهدف الإضرار بالنظام الحاضر و بمصلحة البلاد العليا ، كما عمل سنة 1948 على الزج بجيش مصر فى معركة فلسطين قبل أن يتخذ الجيش أهبته لخوض غمارها ، وأشاع الإرهاب أثناء رئاسته للوزارة سنة 1948-1949م ، وهيأ لأعوانه الأسباب التي يسَّرت لهم قتل الشيخ حسن البنا مرشد جماعة الإخوان المسلمين .

وبعد أن أعلنت المحكمة أنها خلصت إلى قناعة مفادها أن قرار اغتيال الشيخ حسن البنا الذي اتخذته حكومة حزب السعديين الأحرار برئاسة إبراهيم عبد الهادي باشا كان بدافع الانتقام ، وفي نهاية مداولات المحاكمة قضت المحكمة على إبراهيم عبد الهادي باشا بالإعدام ومصادرة كل ما زاد من ممتلكاته وأمواله عما ورثة شرعا ، ويُسجَّـل للمرشد العام للإخوان المسلمين المستشار حسن إسماعيل الهضيبي أنه اعترض على محاكمة عدو الجماعة اللدود أمام محكمة خاصة لأن ذلك يتنافى مع مقتضيات العدالة

وخفف الرئيس محمد نجيب الحكم بالإعدام إلى السجن المؤبد، ، كما حكمت على المتهمين الآخرين في قضية اغتيال الإمام البنا بأحكام مختلفة ، فحكمت على المتهم بإطلاق الرصاص على الشيخ البنا المُخبر أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة ، وعلى المتهمين الأميرلاي محمود عبد المجيد ومحمد محفوظ بالأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً لكل منهما وعلى البكباشي محمد الجزار بسنة مع الشغل

ولكن البكباشي جمال عبد الناصر أصدر في سياق مناكفته للإخوان بعد أن غدر بهم قراراً بالإعفاء الصحي عن إبراهيم عبد الهادي باشا ، ثمَّ توالت قرارات الإعفاء الصحي عن بقية المجرمين ولم يكملوا مدة محكومياتهم فقد أمر جمال عبد الناصر بالإفراج الصحي عن محمود عبد المجيد في 29 حزيران 1955م أي بعد عام تقريبًا من صدور الحكم ، وأفرج صحيًا عن سائق محمود عبد المجيد الرقيب محفوظ في عام 1960 م ، وأفرج صحيًا عن الرقيب أحمد حسين جاد في 4 من تشرين الثاني من عام 1967 م دون أن يمضي مدة العقوبة كلها.

ذهب فاروق وبقي الإخوان

وذهب فاروق وزبانيته ، وأنزوى في واحدة من أحلك صفحات تاريخ مصر سواداً وفساداً وظلماً وطغياناً ، أما الإخوان المسلمون الذين حاول فاروق وزبانيته القضاء عليهم فبقوا برعاية الله عزَّ وجلَّ ملء سمع الدنيا وبصرها .

في الفصول التالية من الكتاب سنكتشف أن كل الذين ساروا على نهج فاروق في الكيد للإخوان المسلمين من جمال عبد الناصر إلى أنور السادات إلى حسني مبارك إلى عبد الفتاح السيسي انتهوا إلى حيث انتهى فاروق ، إلى واحدة من أحلك صفحات التاريخ سواداً ، وبقي الإخوان المسلمون ، شوكة في حلوق أعداء الإسلام ، وكابوسا يُطير النوم من عيونهم ، وسيبقون بإرادة الله وبعنايته ، ملء سمع الدنيا وبصرها .