الإخوان المسلمون في مصر: مواجهة أم إدماج

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٨:٥٨، ١ يوليو ٢٠١٢ بواسطة Sherifmounir (نقاش | مساهمات) (←‏التوصيــات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون في مصر: مواجهة أم إدماج


تقرير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الملخــص التنفيــذي والتوصيــات

لقد بعث نجاح جماعة الإخوان المسلمين في إنتخابات نوفمبر- ديسمبر 2005 البرلمانية بموجات عاتية هزت النظام السياسي المصري.

وكردة فعل لهذا،أجهز النظام علي الحركة،كما ضايق المنافسين الآخرين المحتملين ونكس عن عملية الإصلاح التي لم تدم طويلاً.

إن هذا يعكس قصر نظر؛فهناك داعي من التساؤل عن برنامج الإخوان المسلمين حيث أنهم يدينون للشعب بتوضيحات أكثر إسهاباً لكثير من جوانبه.

كما أن رفض الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم للتخفيف من قبضته يزيد من التوتر المتفاقم في وقت طوّق فيه الغموض السياسي ملفي التوريث والإضطراب الاقتصادي الاجتماعي الواقع.

فعلي الرغم من إعتبارها عملية تدرجية ومطولة،إلا أن النظام عليه إتخاذ خطوات تمهيدية لتطبيع مشاركة الإخوان المسلمون في الحياة السياسية.

لقد تمكن الإخوان المسلمون،المتغاضى عن نشاطاتهم الاجتماعية والمبعدين عن السياسة الرسمية،من الفوز بنسبة 20% من المقاعد البرلمانية في إنتخابات 2005؛علي الرغم من منافستهم فقط علي ثلث المقاعد المتاحة والعوائق التي عانوا منها كقمع الأجهزة الأمنية وتزوير الأصوات.

فهذا الفوز أكد علي موقفهم كقوة سياسية راسخة الأسس وعالية التنظيم.

وفي ذات الوقت، فضح فوزهم هذا ضعف المعارضة الرسمية والحزب الحاكم كذلك.

وقد استغل النظام هذه الزيادة الخفيفة في التمثيل البرلماني للإخوان لإذكاء المخاوف من وصول الإخوان لمقاعد السلطة كداعِ لوقف عملية الإصلاح.

ففي هذه الحالة،تعرض هذه الإستراتيجية النظام لمخاطر الضربات العكسية.

فمنذ إنتخابات 2005،والنظام يوظف إجراءات أمنية وقانونية لتحجيم والتضييق علي الإخوان المسلمين.

فقد ضيّق النظام من مشاركتهم في الإقتراعات اللاحقة كما حجم من قدرتهم علي أداء مهامهم البرلمانية وإعتقل الآلاف من مؤيدي الجماعة وحكم علي قادتها ومموليها بأحكام إستثنائية.

وفي ذات الحين،عمد إلي تعديل الدستور لتأسيس حظر طويل الأمد للمشاركة السياسية للجماعة والتمهيد لحقبة الدستور القمعي في حال تم رفع قانون الطوارئ.

فعلي الرغم من إجحاف هذا التوجه بالمنحنى الإنتخابي للجماعة،إلا أنه لم يحد من مشروعيتها أو يتعامل مع دورها السياسي طويل الأمد.

إن هذا التوجه قد أضر بنوعية الحياة السياسية والبرلمانية وشدد علي الإحتكار الفعلي للحزب الوطني الديموقراطي علي المشهد السياسي كما سدد ضربة حادة في وجه المعارضة الرسمية غير الإسلامية.

وقد عدّل الإخوان كذلك من توجههم فقاموا باستثمار تواجدهم البرلماني الغزير في مواجهة الحكومة ليقدموا أنفسهم كقوة لها ثقلها في الإصلاح السياسي.

فعلي الرغم من الضربات الأمنية للجماعة،نافس الإخوان في إنتخابات الغرفة التشريعية الأعلي (مجلس الشورى) والمحليات والإتحادات العمالية في خطوة غير مسبوقة.

في العام 2007،عبرت الجماعة رسمياً للمرة الأولى عن رغبتها تشكيل حزب سياسي معترف به.

فهذه الخطوة لابد أن تفهم علي أنها فرصة للتفريق بين الجناحين السياسي والديني للجماعة لتبدأ عملية الدمج السلمي لأحد اللاعبين السياسيين المحوريين.

إن الوضع الحالي الذي يترشح فيه أعضاء الجماعة المحظورة كمستقلين يضيق الخناق علي الكل.

فالإخوان ينجحون بفضل فاعليتهم الثقافية الاجتماعية في حين تحتفظ بفضاء المناورة لنفسها،أما النظام فيستغل نفوذه في التحديد من مشاركتها الرسمية؛والأحزاب الرسمية تواجه منافسة أقل.

لكن هذا أيضاً كان له ثمنه الواجب علي الإخوان دفعه وهو الخلط بين أنشطة الجماعة الدعوية والسياسية التي تعتبر مفتاح نجاحها؛ووضع ضوابط لرقابة الدولة للجماعة كمنظمة سياسية؛إلي جانب الفساد الكلي للحياة الديموقراطية.

فالأفضل بالنسبة للنظام أن يسعى لدمج الإخوان رسمياً كحزب ويفتح الساحة السياسية لمنافسة ديموقراطية حقيقية.

أما بالنسبة للإخوان،فإنهم يتحملون نصاباً من المسئولية.

فعلي الرغم من قيامهم بجهود حثيثة في توضيح رؤاهم وقيامهم بخطوات معقولة نحو تبني السياسة الديموقراطية،بما في ذلك تبني مبادئ المواطنة وتبادل السلطة والحياة السياسية متعددة الأقطاب،تبقي قضايا أخرى خطيرة.

فالكثير من تصريحاتهم غامضة وتحمل نبرة غير ديموقراطية وغير ليبرالية،بما في ذلك البرنامج السياسي المستحدث.

فهذا صحيح إذا ما تعلق بدور المرأة ومكانة الأقليات الدينية الذين لا يصلحوا للرئاسة حسب رؤية الإخوان.

فالتوضيح مطلوب هنا.

كما أن دمقرطة الممارسة الداخلية للجماعة لابد من أن تخدم هذه النقطة،خصوصاً إذا كان جناح الجماعة الأكثر براجماتية قادراً علي القيام بمراجعة عقائدية معقولة كثمن للإندماج السياسي.

إن الطريق نحو الإندماج ليس سهلاً.

فالأسباب التي تجعله أكثر إلحاحاً،كالمناخ الاقتصادي والاجتماعي المحموم والتحول السياسي المرتقب،يصعّب علي النظام التأمل فيه.

إن التصريح بحزب سياسي تابع للإخوان المسلمين غير وارد الحدوث تحت رئاسة الرئيس مبارك وعلينا الإنتظار لإستكمال الفترة الرئاسية الحالية.

لكن هذه الحاجة لا تعني ولا يجب أن تفهم أنها ركود مطلق.

فكل من النظام والإخوان عليهم المبادئة بالحوار كخطوات تمهيدية لتمهيد الطريق لتطبيع نهائي.

فالإخوان المسلمين أكثر قوة وأكثر نيابية لكنهم لن يجدوا الإستقرار والدمقرطة الحقيقية بدون إيجاد سبيل لدمجهم.

فدمجهم لابد ألا يكون مقصوراً علي الإخوان،بل ليكون خطوة ضرورية لإنفتاح حقيقي علي الصعيد السياسي الذي يمكن أن يستفيد منه قوى المعارضة العلمانية هي الأخرى.

التوصيــات

استمرار الاعتقالات

إلي الحكومة المصرية:

  1. تمهيد الطريق لدمج مشاركة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية،وذلك كما يلي:

التوقف الكامل عن الإعتقالات التعسفية لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بتهمة الإنتماء لتنظيم محظور إلي جانب الإفراج عن كل أعضاء الجماعة الموقوفين بناء علي هذه التهمة فقط.

توضيح أو مراجعة المادة 5 من الدستور،التي تم تعديلها في عام 2007،لوضع قواعد لتأسيس حزب سياسي بمرجعية دينية.

مراجعة التشريعات الخاصة بالأحزاب السياسية وآليات تطبيقها كلجنة الأحزاب السياسية بمجلس الشورى للسماح بوجود أحزاب جديدة بما في ذلك ذوات المرجعية الدينية كجزء من تعهد أوسع بالتعددية السياسية.

التعاطي مع قيادات الإخوان للتحاور حول هذه القضايا،من أجل إتخاذ خطوات مشتركة تجاه الدمج القانوني لهم في النظام السياسي.

  1. رفع حالة الطوارئ والسماح بمناقشة عامة حول التدقيق البرلماني لقانون مكافحة الإرهاب المقترح.
  2. تأطير إحتواء مشاركة الإخوان في الحياة السياسية كخطوة في إطار عملية إصلاح سياسي أوسع من أجل إستعادة الثقة في السياسة الإنتخابية والمشاركة السياسية المفتوحة لكل اللاعبين السياسيين السلميين.

إلي جماعة الإخوان المسلمين:

  1. الدخول في حوار مع كل أطياف الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني عن طريق:

الإلتقاء بالمسئولين والإصلاحيين من أعضاء الحزب الوطني لمناقشة الشروط اللازمة للدمج السياسي السلمي للإخوان.

التحاور مع أحزاب المعارضة العلمانية لبناء إجماع علي أفضل سبيل لإحتواء الجماعة إلي جانب قضايا الإصلاح السياسي الأوسع.

التعاطي مع ممثلي الطائفة المسيحية في حوار صريح عن العلاقات الطائفية وموقف الجماعة من الأقليات الدينية.

الدعم الصريح للإصلاح السياسي الشامل في مقارنة بإتفاق ثنائي بين الإخوان والنظام.

التأكد من أن مواقف الإجماع حول هذه القضايا قد تم التوصل إليها بطريقة ديموقراطية داخل الجماعة لتجنب إتجاهات معاكسة من قبل أعضائها.

  1. إستكمال وتعديل البرنامج السياسي للجماعة وفقاً للخطوات الآتية:
تغيير موقف الجماعة من دور المرأة وغير المسلمين في الحياة العامة.
الإستمرار في الإستفادة من آراء غالبية أعضاء الجماعة وغيرهم كذلك.
توضيح نوعية العلاقة المستقبلية بين الجماعة والحزب السياسي.

1. مقـــدمـة

خلال فترة الإضطراب السياسي في 2005،حيث إزداد التأليب ضد الحكومة،وصفت مجموعة الأزمة موقف جماعة الإخوان المسلمين بـ"التواجد الغامض".

ففي الوقت الذي قادت فيه حركة كفاية إلي جانب الجماعات الأخرى الأجندة السياسية للمعارضة، ظلت جماعة الإخوان علي الهامش تشارك القوى السياسية الأخرى بحذر،محجمة عن النزول بثقل وزنها في المظاهرات مع التعبير عن تحفظات في إستراتيجية كفاية.

كما إحتاط نشطاء المعارضة العلمانية في التعامل مع الإخوان فاقتربوا منهم بحذر وانتقدوا موقفهم المزدوج تجاه النظام.

إن تعقل الإخوان هذا وتمالكهم له تاريخ:

ففي أبريل/مايو 2005،قامت السلطات بحملة تصفية واسعة كردة فعل لإشتراك الإخوان المتعاظم في المظاهرات.

ففي خلال حملة الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2005،وفي الوقت الذي شنت فيه القوى السياسية الأخرى مظاهرات ضد مبارك وتدعيم مواقف معارضيه،بقي الإخوان صامتون تماماً ولم يختاروا أحداً.

فقد ظهرت الجماعة ممزقة بين التحفظات العادية علي ممارسة السياسة في الشارع (علي أن معظم مظاهراتها في الخمس سنوات الماضية إقتصرت علي قضايا خارجية كالإنتفاضة الفلسطينية الثانية وإحتلال العراق) والإحباط المتزايد،خصوصاً بين دوائر الشباب التي تزعمها ناشطوا حركة كفاية المناهضة لمبارك ويسارية التوجه في أغلبها.

والمتأمل في الأحداث الماضية يرى أن الإخوان المسلمين قد تجاهلوا السباق الرئاسي عن عمد وتركوا الساحة خالية للحزب الوطني الديموقراطي والمعارضة الشرعية والجماعات غير البرلمانية للتركيز علي الانتخابات البرلمانية الأكثر أهمية التي تجرى في نوفمبر/ ديسمبر من ذات العام.

في عشية هذه الانتخابات،قال عصام العريان القيادي الإخواني البارز وعضو البرلمان السابق "هذه هي المرة الأولى منذ عام 1995 التي لا يتواجد فيها معتقل من أعضاء الجماعة خلف الأسوار".

وقد بدت الجماعة في وضع المنتصر استراتيجيا في مجلس الشعب،بفوزها بمجمل 88 مقعد من المقاعد الـ160 التي نافست عليها (من إجمالي 444 مقعد للمجلس ككل)،أكثر خمس مرات من الـ17 مقعد التي حصلت عليها في إنتخابات 2000.

وقد حققت الجماعة كل هذا علي الرغم من التدخل الأمني الواضح وتزوير الأصوات في الجولتين الثانية والثالثة والإعتقالات الموسعة في أوساط مروجي الحملات الإنتخابية إلي جانب قرار من قبل الإخوان بتقليل أعداد مرشحيهم.

فهذا النجاح يجليه أكثر نكسة الحزب الوطني الحاكم الذي حصل مرشحوه الرسميون والمدعومون من قبل أجهزة الدولة 145 مقعداً فقط مقارنة بـ171 في إنتخابات 2000.

وقد قيل أن الحزب الوطني لا يواجه منافسة من قبل الإخوان المسلمين فحسب بل من أعضائه الذين لم يتم إختيارهم كمرشحين رسميين له في الإنتخابات.

وفي إجراء غير متوقع،إنضم 166 نائب من المستقلين "ثانيةَ" للحزب الوطني الديموقراطي ليشكل أغلبية نيابية بمجمل 311 مقعد.

وعلي الرغم من سيطرة الحزب الحاكم علي الوضع تحت القبة،إلا أن الإخوان المسلمين قد أدوا أداءاً طيباً بالتناسب مع عدد المرشحين الذين قدموهم.

فالجماعة فازت بأكثر من نصف المقاعد التي نافسوا عليها،في المقابل لم يفز الحزب الوطني الحاكم بأكثر من ثلث المقاعد.

في تلك الأثناء،إستمرت المعارضة الرسمية في هبوطها الثابت منذ عام 1990 عندما أوقف العمل بنظام التمثيل النسبي لحساب نظام الإنتخاب الثنائي المعمول به حالياً،حيث إنتقصت مقاعدهم من مجمل 16 مقعد في عام 2000 لـ 9 في الدورة البرلمانية الحالية.

في حين لم يفز المستقلين من خارج التيار الإسلامي بأكثر من 24 مقعد.

فعلي الرغم من حوز الحزب الحاكم بأغلبية ثلثي المقاعد،إلا أن مرشحوه قد استفادوا كثيراً من التدخل الأمني وتزوير الأصوات في بعض الدوائر.

وقد أثار هذا تعاطف الشعب مع الإخوان المسلمين،الذين ظهروا للعامة،كضحايا للخدائع الإنتخابية والترويع حيث كانت الحكومة في تلك الأثناء تصدح بأن الانتخابات هي جزء من عملية الإصلاح التي تضطلع بها.

وقد لاقت تلك الخطط إدانة المراقبين المستقلين للإنتخابات إلي جانب كثير من القضاة وموظفي الهيئة القضائية الذين أناط القانون بهم مراقبة نزاهة الانتخابات.

وقد أسفر هذا عن ناقص مستمر في مشاركة المقترعين بنسبة تقل عن 25% من جملة الأصوات.

لقد ساء المناخ السياسي بشكل ملحوظ منذ العام 2005.

فاللجوء لتزوير الأصوات للحد من مكاسب الإخوان وحملات التصفية المتكررة (إعتقالات بالمئات إلي جانب إصدار أحكام شاقة وطويلة علي أعضاء الجماعة البارزين) قد أشّر إلي ردة إلي التكتيكات التي إدعى النظام أنه تخلى عنها؛لقد زاد القلق واقعياً علي مستقبل البلاد.

فعلي الرغم من إرتفاع مؤشر الأداء في الإقتصاديات الكبرى لمصر،بنمو سنوي 7.5% ووصول الإستثمار إلى معدلات قياسية،إلا أن سوء إدارة الخدمات الاجتماعية وإرتفاع الجور الاقتصادي وأسعار السلع له ضريبة لابد من دفعها.

وكنتيجة لذلك، إرتفعت أعداد الإضرابات المالية في عام 2006 بشكل ملحوظ كما كان لها أشكال أخرى من الإضطرابات الاجتماعية بما فيها أعمال شغب في العامين التاليين 2007-2008.

ففي الوقت الذي تحاول فيه حركات الإحتجاج مثل كفاية البقاء في الصورة،فإن هناك ثمة دعوات متصاعدة بعصيان مدني؛فالمشاعر المعادية للنظام يبدو أنها وصلت لمراحل متقدمة.

إن مصر تواجه في هذه الفترة مرحلة إنتقالية إلي المجهول حيث أن الرئيس مبارك الذي بلغ من عمره ثمانين خريفاً في 2008 لا يُحتمل أن يترشح لرئاسة البلاد في عام 2011.

لقد لعبت جماعة الإخوان دور محدود نسبياً في إذكاء الإضطراب،كما حذرت قادتها أن العصيان المدني الذي تنادي به أطراف من المعارضة سيصل بالبلاد إلي حالة فوضى.

إلا أنه علي الرغم من ذلك،تبرر السلطات سياساتها القمعية تجاه الإخوان بحجج أن الجماعة تخطط للإطاحة بنظام الحكم وفرض حكم إسلامي يهدد الوحدة الوطنية.

إن أفكار الإخوان غير الليبرالية تسبب مخاوف في بلد به أقلية غير مسلمة كبيرة العدد.

إلا أنه وسط هذا الغموض السياسي والأوضاع الاجتماعية الاقتصادية الهشة، يبقى السؤال عن جدوى مواجهة النظام كحل أسلم للحصول علي إستقرار بعيد المدى.

فقد جاء نجاح الإخوان المسلمين بسبب قدرتهم علي إحتلال الفراغات التي فشلت مؤسسات الدولة علي شغلها كالمدارس والمستشفيات إلي جانب إستبسال أعضاء الجماعة تنظيمياً ورغبتهم في التضحية.

فالقمع لا يمكن أن يقلل من عزيمتهم.

فعلي العكس، يصب الصراع المحتدم بين الجماعة والنظام في صالح الجماعة الذي يعفيها من تبعة القيام بمراجعات فكرية ضرورية جداً.

2.نتائــج النجــاح البرلمـاني للإخوان المسلمين

عواقـب إنتخابـات 2005

لقد تلقى الإخوان فوزهم بمزيج من روح إنتصارية ووثوق حذر.

فقد إدعوا أن النتائج تؤكد علي تمثيلهم لجزء كبير من جمهور الناخبين:

"لم نرغب في صدم النظام السياسي ولم نخوض الانتخابات بحسب قوتنا.

لقد خضنا بـ 161 مرشح كان يجب أن يفوز منهم 128 لولا تدخل الدولة.

فهذا يعطينا نسبة نجاح 75% في حين خاض الحزب الوطني بـ 444 مرشحاً لم يفز منهم غير 33% منهم.

إلا أن هذا تفتق عن إستقطاب حاد بين الحزب الوطني في طرف والإخوان المسلمون في الطرف الآخر مما سبب هلعاً ورعباً داخل الحزب الحاكم حيث اتسعت الفجوة،علي اعتبار محدودية المصادر والأساليب التي نستخدمها.

فمنذ ذلك الحين، تغيرت سياسة تعاملهم تجاهنا:

فقد إتجهوا لتكبيلنا وتهميش دورنا في الحياة السياسية."

لقد أثبتت الانتخابات ما كان ينسج عن الإخوان بشكل موسع،لكنه لم يختبر بعد،عن جاذبيتهم السياسية.

فمكاسبهم لم تجعل منهم فقط المنافس الأكثر خطورة لهيمنة الحزب الوطني التي استمرت ثلاثين عاماً متواصلة،بل أنهم الخيار الفعلي له.

إن معدلات المشاركة في الانتخابات التي لم تعدي 25% من إجمالي الأصوات قد أوحت بوجود "أغلبية صامتة" غير متحمسة لأي من الحزب الوطني أو الإخوان المسلمين؛إن هذه الانتخابات بالفعل قد رسمت خريطة سياسية ثنائية القطب.

لقد رأي الإخوان المسلمين في هذا صالحية لإستراتيجيتهم التي تهدف لإعادة بناء ذاتهم بعد شبه الإجتثاث الذي مارسه نظام عبد الناصر ضدهم.

فبعد أن تم إقصاؤهم فعلياً من المشهد السياسي المصري في نهاية الستينات،عاد الإخوان تدريجياً ليكونوا جماعة معارضة لورثة نظام عبد الناصر.

فوجهة النظر هذه تم الإفصاح عنها في الأدبيات الداخلية للجماعة إلي جانب مقالات الصحف ومناظرات الإنترنت لقيادات الجماعة الذين أكدوا بأن الانتخابات قد كشفت عن جزء كبير من الشعب كامل الجاهزية لدعم الجماعة.

تباعاً،يرى الإخوان في هذا النجاح نتيجة للأنشطة الدعوية للجماعة التي تعتبر إحدى المكونات الرئيسية لإستراتيجية "التمكين".

في ذات الوقت،كان الإخوان المسلمين علي علم بأثر هذه المكاسب علي الطبقة السياسية في الداخل وإنعكاساته علي المنطقة وحلفاء مصر الغربيين.

فبعد مكاسبهم في الجولة الأولى التي إتضح فيها قدرتهم علي تحقيق مكاسب كبيرة،شن الإخوان حملة علاقات عامة لطمأنة المصريين والأجانب علي أنهم قوة إصلاحية ملتزمة بالعملية الديموقراطية.

فقام قادة الجماعة بكتابة مقالات في الجرائد المحلية والعربية والغربية للتأكيد علي أن الإصلاح السياسي هو هدف الجماعة المركزي والتدرجية هي منهاجهم الذي لن يحيدوا عنه – وهي ذات الرسالة التي كررها قادة الجماعة في المداخلات والحوارات العامة مع فريق مجموعة الأزمة.

يقول أحد قادة الإخوان:

"لقد تبنينا الديموقراطية والحزبية وتداول السلطة منذ عقدين.

نحن نعتبر الشعب مركز القوة،كما أننا لا نحارب من أجل سلطة أو نحاول أن نكون حزباً حاكماً.

إن تقوية الرأي العام هو ما نسعى له،لأن هذا هو السبب في نشأة الإخوان.

فلا أحد يستطيع أن يدعي أننا ضد الديموقراطية أو أننا ننوي حرق السلم إذا وصلنا القمة–بل إننا سنخوض الانتخابات وقتئذٍ وسط مرشحين أكثر."

فعلي الصعيد الداخلي،ابتغت الحملة التقليل من الذعر الذي يصاحب نجاحهم.

فإعلام الدولة الذي أرغى وأزبد في إظهار ميوله العدوانية تجاه الجماعة،قد قام بدعاية سوداء ضد الجماعة كما عكف كتابه المشهورين علي التحذير من الأخطار التي يشكلها الإخوان.

فلم يبقى فقط إلا جريدتين مستقلتين ظهرتا منذ العام 2004 كانت تغطيتهما،كما أريد لهما من التحميس للتطورات الإنتخابية،تعكس ضيق من المستقبل السياسي للبلد الذي وقع بين خياري الحزب الوطني الحاكم والإخوان المسلمين فقط.

يقول أحد المعلقين المشهورين مستاءاَ:

"إن تاريخ كلا القوتين وحساباتهم السياسية تعكس عدم إهتمامهم بقضية الإصلاح.

فبعد الانتخابات،سيفرغ كل طرف إلي لملمة أوراقه الداخلية.

إننا لن نغفر لهؤلاء الذين تلاعبوا بمصير البلد وأغلقوا كل الطرق المؤدية لإصلاح حقيقي."

إن ردود الفعل المفزعة كانت متفشية بين الأقباط الذي يخشون من أن يكون أداء الجماعة من إحدى أعراض التوجه الإسلامي المتنامي في مصر.

ورداً علي هذا، أعاد الإخوان إلتزامهم بالوحدة الوطنية وحقوق الأقليات،علي الرغم من عدم تنازلها عن بعض آرائها الخلافية تجاه الأقباط أو أن تؤسس لموقفاً واضحاً لرؤيتهم حول الأقباط.

فعلي سبيل المثال، وعد الإخوان بإصدار "بيان أبيض" حول هذه القضية في يناير 2006،وحتى الآن لم ينشر هذا البيان ليتركوا التناقضات غير محسومة بين التصريحات الحالية لأعضائها البارزين ومرشدين الإخوان القدامى.

لقد إلتمست الجماعة عقد حوار مع كبار الأقباط،وقد عقد كثير من أعضاء الجماعة المعروفين برؤاهم الإصلاحية عقدوا إجتماعات منتظمة مع مفكرين أقباط وقادة المجتمع المدني.

وعلي الرغم من حسبان هذا الجهد،إلا أنها لم تقنع من اشتركوا فيها.

يقول يوسف سيدهم، أحد المشاركين في هذه الحوارات:

"لقد إقترب الإخوان المسلمين منا وقالوا إنه علي الرغم من الإختلافات التي بيننا إلا أنه يجب أن نناقشها بحميمية.

لكنه هذه المناقشات حوت علي محظورات كثيرة، كما أن الإخوان لم يكونوا راغبين في مناقشة أكثر القضايا الإشكالية بصراحة."

وقد توقفت تلك الإجتماعات في يناير 2006 لما روج عن ضغوط أمنية علي المشاركين الأقباط.

وعلي الصعيد الدولي،أراد الإخوان المسلمين الطمأنة وحمل القضية محمل الجد.

ففي الوقت الذي ظهر فيه أعضاء الإخوان البارزين،خصوصاً من جيل الوسط الذي يشجع المشاركة السياسية،في الإعلام العربي بشكل مستمر،إعتبر الوصول للإعلام الدولي منطلقاً جديداً،ومن الجدير بالأهمية في هذا السياق المقال الذي كتبه محمد خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام للإخوان المسلمين وأحد القيادات المؤثرة في الجماعة.

يقول الشاطر مخرجاً الجماعة في ثوب ضحية التهميش الظالم:

"إن الجولة الأولى من الانتخابات،التي فاز فيها الإخوان المسلمون بأكثر من 65% من إجمالي المقاعد التي نافسوا عليها علي الرغم من التزوير والترهيب واسع النطاق،يؤكد علي أن العامة ترى في الجماعة خياراتً سياسياً محتملاً.

لكنه علي الرغم من الثقة التي أولانا إياها شعب مصر،فإننا لا نرغب إلا بقضمة صغيرة من كعكة البرلمان.

فهذا القرار تمليه الوقائع السياسية محلياً ودولياً:

بمعنى آخر،ردة فعل محتملة من قبل الحكومة القمعية المدعومة تماماً من قبل الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية."

في وسط الإهتمام المتزايد من قبل مجتمع السياسة الدولية في الغرب بالإسلام السياسي والإخوان المسلمين خصوصاً،رأي بعض أعضاء الجماعة في إتصالهم بمسئولين أجانب فرصة للهروب من الحظر والحصول علي دعم خارجي لشرعنة الجماعة.

فعلي الرغم من الخطوط الصارمة التي وضعتها الجماعة في إتصالها بمسئولين غربيين،حيث إشترطت القيام بهذا في حضور ممثلين عن وزارة الخارجية وعبر نشاطات الهيئة البرلمانية،إلا أنها حضت أعضائها علي المشاركة في المؤتمرات الدولية والتواصل في مناظرات مع مجتمع السياسية في الغرب.

فبفضل فوزهم في الانتخابات،برز الإخوان كقيادة للمعارضة ومنصة للإصلاح السياسي حيث ظن بعض أعضاء الجماعة من ذي قبل أنهم سلموا الراية لحركة كفاية وأحزاب المعارضة الأخرى كالغد.

في المؤتمر الذي قدم فيه الإخوان الكتلة البرلمانية المنتخبة حديثاً، أكدت الجماعة علي الإصلاح السياسي وكفاءة برلمانييها الثماني والثمانون،الذين وقفوا جنباً إلي جنب يصدحون بـ"الإصلاح" بدلا من الشعارات الإسلامية.

ربما كان من أكبر نتائج هذه الانتخابات هو وضع نهاية لموقف الجماعة المتناقض من السياسة الإنتخابية،حيث تناثرت الأحاديث عن "صفقة" بين النظام والجماعة إلي جانب قناعة الإخوان بمجهوداتهم الدعوية التقليدية.

فالمنافسة في الانتخابات أصبحت الآن في قلب إستراتيجية الإخوان لتحقيق هدفها المعلن لإقامة مجتمع مسلم صالح.

الإخوان علي وضعيــة الهجــوم

منذ العام 2005،رمى الإخوان إلى الإعتماد والتعويل علي النجاح الإنتخابي.

ففي ظل غياب أي تأثير علي الأجندة التشريعية وذلك لحوزة الحزب الوطني للأغلبية التشريعية في المجلس،فإن الإخوان أرادوا إستغلال وجودهم تحت القبة لرفع الوعي تجاه تفاني الجماعة في ساحة الإصلاح السياسي.

وقد كان أول دليل علي هذا تصريح المرشد العام للجماعة عاكف في يناير 2006 بالمشاركة في كل الانتخابات القادمة.

فقد ركزت جهودها بشكل كبير علي إنتخابات مجلس الشعب والنقابات المهنية والإتحادات الطلابية.

كما قالت الجماعة بأنها علي إستعداد للمشاركة في إنتخابات المجالس المحلية (التي قاطعتها بعد منع كل مرشحيها)،ومجلس الشورى (الغرفة التشريعية الأكبر)،والإتحادات العمالية (التي تصاغر وجودها بشكل تقليدي) إلي جانب مجالس إدارة أندية القاهرة الاجتماعية الفخمة.

فلقد كان هدف الجماعة الأساسي هو إستثمار النجاح المتوقع في الانتخابات المحلية المقرر إنعقادها في منتصف 2006،وإنتخابات الإتحادات العمالية في نوفمبر 2006،إلي جانب إنتخابات مجلس الشورى في ربيع 2007.

فعن طريق إحراز تقدمات كبيرة في هذه المؤسسات،كانت تأمل الجماعة في وضع أساس لتوسيع وجودها في المجالس المنتخبة علي كل المستويات في كل من المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية.

إن هذه المشاركات الإنتخابية المتزايدة قد دشنت لمرحلة تكوين الجماعة لدعم كافي من الغرف التشريعية والمجالس المحلية لتسمية مرشح لها في أول إنتخابات رئاسية،وفقاً للقواعد الحاكمة لها والتي تم تقديمها عبر تعديل المادة 76 من الدستور في مايو 2005.

فعلي الرغم من عدم أملها في تحقيق هذا الهدف بشكل فوري كما أنها لم تسعى له،إلا أن الإخوان قد كونوا إدراكاً عاماً يفيد برغبتهم إلي حد ما في المنافسة علي مقعد الرئاسة التي تعد أقوى مؤسسات الدولة.

إلا أن الجماعة أنكرت هذا في قول أحد أعضائها:

"إن الانتخابات الرئاسية ليست علي أجندتنا أو في تصورنا.

ففي إنتخابات مجلس الشورى لم نرشح سوى عشرين مرشحاً،وهي نسبة أقل من الخمس وعشرين مقعد المنصوص عليها في إنتخابات الرئاسة من أجل تجنب أي إنطباع يوحي بتطلعنا إلي الرئاسة.

إن الهدف من وراء منافساتنا الإنتخابية،وخصوصاً في إنتخابات المجالس المحلية،هو الحصول علي مظلة شرعية واسعة للإخوان من أجل التفاعل مع الجمهور وإمدادهم بحاجياتهم الضرورية بدلاً من القيام بدور الرقيب في المؤسسة الإدارية التي إستشرى فيها الفساد.

فمن يملك نفوذ برلماني يستطيع أن يؤثر علي الوضع السياسي والاقتصادي للبلد،كما أن العمل علي مستوى المحليات يعطينا ميزة تقديم الخدمات.

فالنظام إذن يريد أن يفصل بين الإخوان والمجتمع الذي ساندهم،لكن وجودنا في الشارع المصري قوي ولن نوقف خططنا من أجل الإصلاح السلمي حتي ولو كلفنا ذلك الكثير."

ولكن سرعان ما أحبطت آمال الإخوان في القيام بصولات وجولات في المجالس المحلية التي لم يكن لهم فيها سابقاً إلا وجود لا يذكر.

فعلي الرغم من إحتجاجات نواب المعارضة،وافق مجلس الشعب في 15 فبراير لسنة2006 علي طلب الرئيس مبارك تأجيل الانتخابات المحلية لعامين حتى تعديل الدستور (الذي وعد به مبارك في حملته الإنتخابية).

إن هذه الخطوة أوحت بخوف النظام من تجميع الإخوان لدعم شعبي أكبر، إلي جانب طرح مخاوف من حالات تزوير أوسع أكثر من إنتخابات البرلمان التي سجل فيها القضاة سخطهم من التدخل الأمني والإنحرافات، علي اعتبار الفوضى الواسعة التي غرق فيها الحزب الوطني.

إلي جانب هذا، جاء نجاح حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006 ليثير مخاوف مؤسسات التنمية للعلاقة بين إخوان مصر وفرعهم في فلسطين. ففي تصريح له لفريق مجموعة الأزمات، قال دبلوماسي أوروبي "إنه من الرائع تأجيل الانتخابات في هذا الوقت حيث إنتصارات الإسلاميين في وقت واحد تقوض الإستقرار". ولكن عندما عقدت الانتخابات المحلية في 2008، لم يسمح للإخوان المسلمين بتسجيل مرشحين وقررت الجماعة علي إثر ذلك مقاطعة الانتخابات بعد سلسلة من الإعتقالات.

في العام 2006، استفاد نواب الإخوان من مقاعدهم وقدموا أوراق إعتمادهم الإصلاحية وأحرجوا الحكومة. فقد إقترحوا مسودات قوانين للإصلاح القضائي وقانون الأحزاب السياسية الجديد، إلي جانب آخرين، وقاموا بحملة لإلغاء قانون الطوارئ.

وقد لاحظ مراقبون أن أدائهم قد أجبر الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم علي تطبيق نظام محكم علي نوابه، خصوصاً فيما يتعلق بمعدلات حضورهم المنخفضة في السابق.

في الغالب، أعطت هذه التجربة الإخوان الفرصة لإحراج النظام عن طريق مهاجمته بلا رحمة فيما يتعلق بقضايا الفساد والفضائح الأخرى عن طريق إستغلال الإستجوابات البرلمانية لمحاسبة كبار رجال الدولة، بالتعاون مع النواب المستقلين الذين توافقوا مع الإخوان حول مواقف بعينها.

علي الجانب الآخر، سعى الحزب الوطني لتهميش كتلة الإخوان الذي استنكف منحهم أي منصب مهم داخل لجان المجلس كما تجاهل إقتراحاتهم التشريعية في الغالب.

وكانت النتيجة غالبا هى رد الفعل المشوش بين الأغلبية والكتلة التى قدمت شكوى قالت فيها أن إجراءات برلمانية بسيطة لم تتبع اّخذين على سبيل المثال أن البرلمانيين لم يأخذوا حقهم فى التحدث لأكثر من مرة. وأكد محمد أباظة من حزب الوفد الذى يعتبر ثانى أكبر أغلبية برلمانية شرعية بعد الحزب الوطنى وهو زعيم المعارضة البرلمانية الرسمى أكد " أن جماعة الإخوان المسلمين كانت فعالة فى حشد كتلتها ولديهم خمسة أو ستة من المشرعين الفعالين. ويبقى دور البقية فى صنع الضوضاء".

ففى حين أن الحزب الوطنى ما زال لديه أغلبية الأصوات حتى وإن إنشق بعض الأعضاء الساخطين عنه فلم تبدى جماعة الإخوان إلا إنجازات قليلة بل لم تنجح على الإطلاق فى تمرير أى قانون. وادعى أحد أعضاء الوطنى قائلا بأن إستفادة أعضاء الإخوان من وجودهم داخل المجلس يبدوا قليلا بل ربما بدى غير فعال مما أثر على حماسة جمهور الناخبين للجماعة.

وعلى أية حال فإن الضوضاء هذه تبدو أفضل شيء يملك الإخوان فعله. فقد أصبح الجو العام فى الإعلام ساخطا على الحزب الحاكم والنظام منذ أحداث 2005 مما يعطى الجماعة الحق فى أخذ دوره. لذا كان ذلك هوالحق الذى لا يتجزء لإستراتيجية الجماعة:

"حتى وإن لم يعمل برأينا فلسوف ينقل الإعلام ذلك للناس ليعلموا أننا ما زلنا نحاول. فكان علينا أن نصد أولئك الذين يهاجموننا فى إعلام الدولة الرسمي وأيضا الحقيقة التى تؤكد على أن نسبة التغطية الإعلامية لوقائع البرلمان قد إنخفضت منذ دخولنا المجلس. فحين ظهورنا لإبداء مقترحاتنا, يقومون بإعمال مقص الرقيب في خطاباتنا ويتركوا فقط قرائحنا المهذبة، حتي نظهر أمام الشعب وكأننا نوافق الحكومة!".

ثم وسعت الجماعة نشاطاتها خارج البرلمان كما بدى واضحا فى منتصف 2006 وتصادم الحكومة مع القضاة. فبعدما أقلع الإخوان عن التظاهرات منذ منتصف 2005, نزلوا إلى الشارع مجددا للدفاع عن هشام البسطويسي ومحمود مكى مستشاري محكمة النقض الذين أحيلوا لمحكمة التأديبية بسبب التهم الموجهة إليهم بسبب إدعاء التزوير أثناء إنتخابات 2005. ثم إندلعت الإحتجاجات الموالية للقضاة والإصلاح القضائي التى لقت دعما غير مسبوق على المستوى العام من المعارضة والشعب جنبا إلى جنب بمشاركة اّلاف مؤلفة من الإخوان المسلمون.

فكرست الجماعة هذا الجهد فى فرض مشروع قانون جديد لإستقلال القضاء. فمعاونة الإخوان للقضاة المتمردين وضع القضاة فى المحك تجاه هذه القضية ليتمتعوا بمدد إعلامى وسياسي واسع النطاق.

كان من أهم التطورات التى جاءت جراء الإنفتاح السياسي المحدود فى 2004 ,2005 هى السماح بنشر الجرائد المستقلة كان على رأسها نشر جريدة المصرى اليوم ونهضة مصر اللتان صارعتا إحتكار إعلام الدولة للعمل الإعلامي.

ثم جاءت بعض الصحف، كصحيفة الدستور التى منعت من الإصدار فى البداية، التي تعتمد على تغطية الأحداث بطريقة تشويقية, إذ تصف جماعة الإخوان وغيرها من الفصائل الأخرى من النظام بأنهم مندمجين فى معركة مغلقة منظمة.

وما زالت هذه الصحف تنعم بتأثير سياسي واضح إذ أنها تعطى تغطية كبيرة لأخبار وإتجاهات المعارضة وخصوصا أن الصحفيين المتعاطفين مع الإخوان يجدون فرصاً سانحة فى الإلتحاق بهذه الصحف أكثر من فرصهم فى الإلتحاق بإعلام الدولة.

لذا يعتبر هذا سلاحا ذا حدين للإخوان حيث تعرض الصحافة تغطية كاملة للفساد علي المستوى الرسمي وجهودهم التى يبذلونها فى الضغط لإحداث إصلاح سياسي.

وبالإضافة إلى ذلك, فإنها تؤكد على حملات الإصلاح التى تقوم بها الكتلة خاصة محاولاتهم لمنع الكتب المسيئة للإسلام والأحداث غير الأخلاقية كمسابقات الجمال, وفرض تفسيرات متطرفة للشريعة الإسلامية فيما يخص معاملة الدولة للنساء داخل النظام القضائي.

وكما سوف يرى لاحقا, فإن هناك تعارضا واضحا بين برنامج الحزب السياسي للجماعة المعلن فى 2007 وبين تفسيرات الجماعة المستفيضة لمواقفهم حتى الاّن, حيث تطرأ ثمة تعارضات بين الحديث السياسي الإصلاحى والإتجاهات الدينية والأخلاقية التى غالبا ما تكون غير ليبرالية.

ضربـات النظـام مجـدداً: 1.التحجيـم الأمنـي

إن إستراتيجية النظام تجاه الإخوان خلال العقدين الأخيرين قد جمعت بين التجاوز النسبي (أو اللامبالاة) تجاه نشاطاتها الاجتماعية والدينية مع خطاب إعلامي وموجة مستقرة من حملات التصفية الأمنية ضد نشطائها السياسيين. إلا أن إنتخابات 2005 حملت تغيراً كمياً وكيفياً: فقد زاد النظام بشكل درامي في إعتقال صف الجماعة؛ ففي الوقت الذي شارك فيه الإخوان في الانتخابات والإحتجاجات العامة، منعت قيادات الجماعة البارزة من السفر كما عرقلت نشاطاتهم العامة وإتصالاتهم بزعامات المعارضة والمجتمع المدني الآخرين.

فالسياسة الجديدة تتضمن الإعتقال طويل الأمد (بدون تهمة بموجب قانون الطوارئ) لأعضاء الجماعة البارزين، مستهدفاً في القلب الممولين الأساسيين والقادة الأكثر تأثيراً في الجماعة. فالإخوان المسلمين والمراقبين الخارجيين يرون أن هذه الحملة الأمنية هي الأوسع منذ عقد الستينات، حتى وإن كان مستوى وحشيتها أقل بكثير حيث أن هدفها هو التحكم والإحتواء ليس الإستئصال.

إن علامات الإستراتيجية الجديدة بدأت في الظهور بحلول 2006 وقد تمت ترجمتها علي أنها ثأر لمنافسة الجماعة الشرسة للنظام في الانتخابات البرلمانية.

إلا أنه بموافقة الإخوان علي المشاركة في الدفاع عن القضاة الذين قدموا للمحاكمة علي إثر دورهم في فضح التلاعب بالأصوات في الانتخابات، دشن النظام لحملة إعتقالات جديدة.

وقد بدا واضحاً أن قوات الأمن ستقوم علي إعتقال الإخوان في كل مرة يقررون فيها النزول للشارع (مهما كان السبب) أو يشاركوا في الانتخابات.

فعلي الرغم من إستمرار الإعتقالات بشكل مستمر في الفترة بين جولة الانتخابات البرلمانية الثانية في 2005 ومنتصف 2008، إلا أن الآتي كان أكثر ملاحظة:

بين مارس ويونيو 2006، وهي الفترة التي شهدت مظاهرات التضامن مع القضاة، تم إعتقال أكثر من 850 عضو من جماعة الإخوان المسلمين.

منعت قوات الأمن الطلاب المنتمين لقوى المعارضة (والذين ينتمي معظمهم لجماعة الإخوان المسلمين) من المشاركة في إنتخابات الإتحادات الطلابية التي جرت عبر القطر في أكتوبر 2006، مما دفعهم للتحالف مع اليسار المتطرف وإعلان "إتحاد حر" غير منظّم ومستقل عن إدارة الجامعة.

فالصدامات حول الانتخابات والتي استخدم فيها الأمن المركزي والسفاحين المؤجرين لقمع الطلاب الإسلاميين قد أدت إلي توترات مستمرة أسهمت فيما بعد لحادث "ميليشيات الأزهر" في ديسمبر 2006 (إنظر أدناه). وذات الممارسات حدثت داخل الحرم الجامعي في بدايات عام 2007 الأكاديمي.

تدخلات مشابهة من قبل قوات الأمن التي منعت مرشحي المعارضة من تقديم أوراقهم في إنتخابات الإتحادات العمالية في نوفمبر 2006، التي نافست عليها الجماعة بشكل جدي للمرة الأولى.

في بدايات شهر ديسمبر للعام 2006، قام طلاب منتمون للتيار الإسلامي في جامعة الأزهر بمظاهرة حوت علي ألعاب قتالية، تلثم فيها الطلاب بأقنعة سوداء مما بدى أنهم يريدون أن يبعثوا برسالة للأجهزة الأمن أنهم جاهزون للدفاع عن أنفسهم ضد الأمن المركزي والسفاحين المؤجرين لقمع المظاهرات الطلابية.

وقد تم القبض علي هؤلاء الطلاب. وعلي الرغم من بدائية العروض علي اعتبار مشاركة 30 طابلاً فقط فيها، إلا أنها أحدثت هيجان إعلامي كبير؛ حيث أبدى كثير من الشخصيات من جميع ألوان الطيف السياسي قلقهم البالغ مما بدى أن الإخوان يحتضنون ميليشيا شبه عسكرية.

وقد نشر إعلام الدولة الرسمي صوراً لهذه العروض بجانبها صوراً لبعض حشود حماس وحزب الله، متهماً الإخوان بتهديد مصر بذات الأزمة التي تواجه حكومات فلسطين ولبنان.

إجمالاً، شكلت هذه الحادثة والطريقة التي نوقشت بها في وسائل الإعلام كارثة في مجال العلاقات العامة للجماعة، مقوضة بذلك كل جهود حسن النوايا التي شكلتها في العام السابق.

تم إعتقال المئات من أعضاء الجماعة قبل وخلال إنتخابات مجلس الشورى التي جرت في يونيو 2007، حيث أخفق الإخوان في حجز مقعد واحد وهذا يرجع بشكل جزئي لقمع الجهاز الأمني.

في ردة فعل لحادثة الأزهر، تم إعتقال ما يزيد عن 140 ن أعضاء الجماعة منتصف ديسمبر 2006.

وحوت قائمة المعتقلين كبار ممولي الجماعة وبعض قياداتها السياسية البارزة، بما فيهم نائب المرشد العام للجماعة محمد خيرت الشاطر. من جانبها، قامت الحكومة بتشميع أكثر من 70 شركة وتجميد أصولها.

وقد تم تحويل أربعين معتقلاً منهم إلي مجلس عسكري ليواجههوا تهم الإنتماء ودعم تنظيم محظور، إلي جانب غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (حيث تم إسقاط الأخيرة عنهم بعد ذلك). وقد صدر في صالحهم قراري محكمة بعدم قانونية إحالتهم لمحكمة عسكرية لكنه تم تجاهلهما.

وقد صدرت أحكام المجلس العسكري في 15 أبريل 2008: حيث حصل الشاطر ورجل الأعمال البارز حسن مالك علي حكمين غير متوقعين بسبع سنوات، في حين حصل ستة عشر آخرين علي أحكام تتراوح بين ثمانية شهور وخمس سنوات؛ إلي جانب الحكم غيابياً بعشر سنوات علي سبعة آخرين. وقد تم الإفراج عن الخمسة عشر الآخرين.

منذ فترة الإعداد للإنتخابات المحلية وحتى إنطلاقها في أبريل 2008، تم إعتقال أكثر من 830 من المرشحين المحتملين للجماعة في الانتخابات ومؤيديهم، في حين لم يتمكن غير 498 مرشحاً من أصل 5754 من مرشحي الجماعة للمحليات تقديم أوراق الترشيح بسبب المنع الأمني والإداري. في عشية الانتخابات، أعلنت الجماعة مقاطعتها لها إحتجاجاً علي الإعتقالات.

إن الحملات الأمنية هذه قد سعّرت من حدة التوتر بين الجماعة والنظام، مما دعى البعض إلي التخوف من لجوء أعضاء الجماعة للعنف، خصوصاً بين الأعضاء الشبان. من جانبه، يؤكد رئيس كتلة الإخوان في البرلمان محمد سعد الكتاتني أن النظام بهذا يسعي إلي "إستثارة الإخوان للتخلي عن منهاجهم السلمي"علي الرغم من مبادرته هو وأعضاء آخرين في الإخوان أن الجماعة تربي أعضائها علي تجنب خيار العنف.

علي الرغم من ذلك، وعلي اعتبار تاريخ الجماعات الإسلامية المسلحة في مصر، التي نشأ بعضها علي يد منشقين عن الإخوان رفضوا نبذ قيادة الجماعة للعنف إبان عقد السبعينات ، فإن المخاوف لابد ألا تطرح برمتها.

إن المحاكمات العسكرية لأعضاء الإخوان كانت الأكثر إضراراً بالجماعة، حيث حرمتها من التمويل اللازم وقيادتها الفاعلة. فنائب المرشد العام خيرت الشاطر يقال أنه لعب دوراً مهماً في تمويل الجماعة والتقريب بين القيادات القديمة التقليدية والزعامات الإصلاحية.

فغيابه، مع القيادات الأخرى الممثلة للتيار البراجماتي داخل الجماعة، يهدد بوجود فراغ يمكن أن يملأه أعضاء أقل خبرة أو بعض قيادات الحرس القديم أصحاب السبع والثمان عقود. فبعض الإخوان يتخوفون من أن يتسبب هذا في ركود فكري في هذا الظرف المهم، الذي يمنع فيه المناظرت الداخلية طويلة الأمد.

فعن طريق حملات التصفية التي مارسها ضدهم، ظهر النظام في ثوب المخطط لإبطاء أو عكس التقدم السياسي للجماعة التي حققته منذ إنتخابات 2005، مستغلاً بذلك عثرات الجماعة. يقول سعد الدين إبراهيم، أحد المراقبين لنشاط الحركات الإسلامية، معلقاً علي هذا:

"وجدت الحملات الأمنية ضد جماعة الإخوان رافداً في مساندة الجماعة لأحداث الأزهر وفضائح فاروق حسني. فالجماعة تدفع ثمن هذا الآن، والثمن هو ضرب النظام لها وفقدانها للتعاطف الذي حصلت عليه من الشعب الذي رأي فيها بديلاً حقيقياً للنظام.

إن هناك نوع من السفه في إدارة الجماعة لأمورها. إن النظام يأمل من جراء الضغط علي الجماعة بشدة قبولها بصفقة بينها وبينه. إلا أن الوضع الحالي يوحي بإندلاع العنف، خصوصاً من قبل الإخوان الذين لم يعد لهم شيئاً يتباكون عليه."

فبالتغاضي عن التوترات القائمة، نرى أن كلا الطرفين يلتزم بقواعد غير مكتوبة لللعبة وكلاهما يتحاشى تخطي خطوطه الحمراء. فعلي عكس قوى المعارضة الأخرى، يتعفف قيادات الإخوان عن إنتقاد الرئيس مبارك بشكل مباشر كما يحجمون عن إبداء موقف صريح حيال قضية توريث السلطة لجمال مبارك. وبطريق مماثل، لم تقم الحكومة بالحول بين الجماعة، التي تصفها بالمحظورة، وإدارة مكاتبها المتعددة في القاهرة كما أنها لم تعتقل أي من مرشديها.

كما أن الإخوان المسلمين يستقبلون هذه الإعتقالات الواسعة، المرحلية في معظمها، بنوع من التصبر واللامبالاة، حيث يرون فيها ثمناً لابد من دفعه من اجل مشاركاتهم السياسية المستمرة. فعلي الرغم من إندلاع تجادلات داخل الجماعة حول إستحقاق المشاركة السياسية للجماعة للقمع الذي تعاني منه الجماعة، إلا أن معظم أعضاء الجماعة يرون أنه "لا يمكن حدوث تغيير بلا فعل شيء."

ضربـات النظـام مجـدداً: 2.القيـود القانونيـة الجديـدة

في نوفمبر 2006، طلب الرئيس مبارك من مجلس الشعب تعديل 34 مادة من الدستور المصري، تماشياً مع برنامجه الذي تقدم به في الانتخابات الرئاسية 2005. فتفاصيل التعديلات، التي شارك في تسويدها لجنة محدودة تضم أعضاء بارزين في الحزب الوطني وممثلين عن مكتب رئاسة الجمهورية والأجهزة الأمنية، قد تم تقديمها تباعاً للبرلمان بين ديسمبر 2006 وفبراير 2007. وككل قوى المعارضة الأخرى، أراد الإخوان تعديل الدستور لكنهم كانوا علي حذر مما ستقترحه الحكومة. فإقتراحات الإخوان المسلمين في التعديلات الدستورية شاركتها فيها كل قوى المعارضة الأخرى. والأهداف العامة للتعديل كما يلي:

تعديل المادة 77 لتحديد فترات لرئاسة البلاد، حيث أن الرئيس القادم لابد ألا تزيد فترة خدمته كرئيس عن فترتين رئاسيتين متتابعتين؛

ضمان وتقوية دور المؤسسة القضائية في مراقبة الانتخابات، كما هو منوصوص عليه في المادة 88؛

إلغاء قانون الطوارئ المعمول به منذ عام 1981؛

إزالة كل العقبات التي تعرقل إنشاء أحزاب سياسية جديدة بعد إلغاء لجنة الأحزاب السياسية في مجلس الشورى وتدشين تشريع جديد ينظم الحياة السياسية.

بالإضافة إلي هذا، دافع الإخوان عن إلغاء الشروط التعجيزية التي فرضت علي مرشحي الرئاسة المستقلين عام 2005 وإحلالها بتوقيعات من المواطنين عبر القطر.

وبديلاً عن كل هذا، ضمت التعديلات الدستورية مواد مصممة لإحتواء الإخوان المسلمين عيناً. فتعديل المادة الخامسة من الدستور والمعنية بحظر قيام "أحزاب دينية"، صمم حصرياً لإحتواء الجماعة. فطبقاً لمتن المادة، فإنه "يحظر ممارسة أي نشاط سياسي أو تكوين أحزاب سياسية علي أساس الدين أو التفريق بالجنس أو العرق". من جانبهم، يرى الإخوان أن هذه المادة تتعارض مع المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وعلي الرغم من إستنكار المعارضة الرسمية للتعديلات الدستورية الأخرى، إلا أنها تبنت وجهة نظر الحزب الوطني الديموقراطي حيال تعديل المادة الخامسة، حيث ينبع هذا الموقف عن عقيدة سياسية راسخة ويأس من الإخوان المسلمين والحسابات السياسية.

فالمعارضة الشرعية تشترك مع الحزب الوطني في ضرورة إتخاذ إجراء يحجم من فرص فوز الإخوان في أي إنتخابات لاحقة.

فعلي الرغم من أن هذه التعديلات قد أشّرت لغياب "شرعنة" جماعة الإخوان المسلمين من الأفق، إلا أنها قد تركت الباب مفتوحاً لتأويل قبول الحزب الذي ينتمي أفراده للجماعة ويتواءم برنامجه مع المعايير المحددة في يوم ما.

لقد إعترض برلمانيو الجماعة علي تعديل المادة الأولى الذي يقضي بتعريف مصر علي أنها "بلد ديموقراطي يقوم علي مبدأ المواطنة" بدلاً من "بلد ديموقراطي إشتراكي يقوم علي تحالف قوى الشعب العامل". فقد إدعى نواب الإخوان أن الإشارة إلي المواطنة تصطدم بإشارة أخرى إلي الشريعة في المادة 2 من الدستور، مما دعاهم إلي الخروج من تحت القبة خلال مناقشة التعديل.

فقد رفض رئيس الكتلة محمد سعد الكتاتني مبدأ المواطنة لكونه "مبدأ مستورد من الغرب يهدف إلي تأسيس فواصل بين الدين والدولة" – هذا الخط الذي يتعارض مع ما يدافع عنه معظم إصلاحيو الجماعة ولا يتناغم مع ما ستعتبره الجماعة بعد ذلك قلب برنامجها السياسي.

في ذات السياق، قال أحد نواب المعارضة العلمانية معقباً علي تلك الخطوة: "إن مقاطعة الإخوان لهذا الجدل الدائر حول المواطنة يرجع إلي عدم رغبة الجماعة قبول أو رفض التعديل.

فقبولهم به يعني إقراراً لمبدأ المواطنة، أما رفضهم له فيؤكد علي المخاوف المطروحة من نيتهم تطبيق الشريعةz.فهذه الحادثة قد رسخت لما يدور عن أنه رغم إيمان الإخوان بالخطاب الديموقراطي الإصلاحي، إلا أن الجماعة لا تزال ملتزمة برؤيتها الأصولية للدولة،وهو ما يعني أن "الإخوان ليسوا مهتمين بالوصول للسلطة أو تكوين حكومة فحسب، بل تغيير طبيعة الدولة ذاتها".

ولكن مما يحدق بسياسة الدمج طويلة المدى للإخوان في الحياة السياسية هي التغييرات التي تمت لتفادي تكرار النجاح الإنتخابي في 2005. فتعديل المادة 62 قد مهد الطريق لإستبدال النظام الإنتخابي الحالي بقائمة التمثيل النسبي التي لن يسمح فيها إلا للأحزاب بتقديم مرشحين أو النظام المختلط الذي يخصص بعض المقاعد للقوائم الحزبية والأخرى للمرشحين المستقلين.

وفي كلتا الحالتين، سيتناقص عدد نواب الإخوان في البرلمان القادم لعدم وجود مظلة قانونية لهم. لكن الإخوان بإستطاعتهم التحالف مع الأحزاب الرسمية والترشح تحت قوائمها كما فعلوا في الثمانينات؛ لكنه بعد تقييم جهود النظام لحجب الإخوان عن المشاركة في إنتخابات الشورى في 2007 وإنتخابات المجالس المحلية في 2008، فإن الأحزاب الرسمية ربما تتردد أحزاب المعارضة الرسمية في الدخول في تحالفات مع الإخوان لهذا السبب.

وكما يقال، فإن التحول للنظام الجديد لن يتم قبل سنوات إن لم يتم أصلا، وذلك نظراً للمعارضة التي يواجهها من قبل أعضاء في الحزب الوطني ذاته.

لقد كانت ردة فعل الإخوان والقوى الأخرى قوية في مواجهة المادة 179 التي تشير إلي تشريع لمكافحة الإرهاب يحل محل قانون الطوارئ، حيث تعتبر الدعوة لوقف العمل به مطلباً أساسياً تشترك فيه كل قوى المعارضة علي رأسها الإخوان الذين يعتبروا من الضحايا الرئيسيين لهذا القانون. فالمادة 179 التي تم تعديلها بالفعل تخلق نقاط ضعف تسمح للتشريع الجديد بمباشرة أهم مهام قانون الطوارئ، كمنح الأجهزة الأمنية الحق في التفتيش والتنصت بلا إذن إلي جانب إحتجاز أشخاص لفترات طويلة بلا تهمة.

فعلي الرغم من أن تعهد الرئيس مبارك في حملته الإنتخابية في 2005 برفع حالة الطوارئ، إلا أن الكثيرين يتخوفون من إمكانية إحلال قانون مكافحة الإرهاب لقانون الطوارئ - الذي يقول عنه الحزب الوطني أنه سيصوغه علي طريقة القانون الوطني الأمريكي (USA Patriot Act) وقوانين مكافحة الإرهاب الإنجليزية – الذي يقولون أن سيحل محله في كثير من مواده. فالنص المعدل يسمح لقانون الإرهاب بالتعدي علي المواد 41، 44 & 45 من الدستور التي تعطي مظلة للشعب ضد الإعتقال التعسفي والتفتيش بلا إذن وإنتهاك الخصوصيات.

في فبراير 2008، وصلت الصحافة نسخة من قانون مكافحة الإرهاب الذي يحتوي علي مواد ربما توجه ضد الإخوان، بما في ذلك حظر "تكوين أي منظمة أو جماعة أو جمعية أو جهاز يدعو بالوسائل إلي تعطيل الأحكام الدستورية أو القانون أو جهاز الدولة أو أي مؤسسة عامة من القيام بمهامها." فهذه الصياغة تستهدف الجماعة لوصمها بالإرهاب وشرعنة إستمرار الممارسات التي كانت تتم فقط عن طريق التشريعات الإستثنائية. فعلي الرغم من وعد الحكومة بتقديم القانون قبل 31 مايو 2008، وهو الوقت الذي ينتهي فيه قانون الطوارئ، تم الإعلان في هذا الشهر أنه سيمد العمل بالقانون لعام آخر حيث أن التشريع الجديد لم ينتهي العمل منه.

فالتعديلات الدستورية، التي لم تستطع المعارضة التأثير في مسارها، قد سببت موجة إضطراب في البرلمان المصري، في حين إنضم الإخوان للعمل مع كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في شجب خطوة الحكومة والدعوة لرفض التعديلات الدستورية التي حدد لها موعد 26 مارس 2007 للإستفتاء الشعبي. إن التشاؤم الذي طغى علي الطبق السياسية منذ سوى الأوضاع في منتصف 2005 دعا أحد كتاب العمود المؤثرين من أصحاب التوجه الإسلامي ليكتب:

"إن الفرد منا يشعر بالخوف والخزي من محتوى التعديلات الدستورية. فإنه لابد من أن نرهب هؤلاء الذين قاموا علي صياغة هذه التعديلات. فمصر لن تعرف إنتخابات نزيهة بعد ذلك، والسبب اللجنة الخاصة التي ستراقب الإنتخابات. فالغرض من هذه اللجنة هو تحييد القضاة. كما أخشى أن يلجأ الإخوان المسلمون إلي العمل الطلائعي ما دام وجودهم محظور قانوناً وقد قضت الأحزاب السياسية نحبها. إن مجلس الشعب مكون من مجموعة من الفاعلين الذين ينتظرون التعليمات من رئيس الدولة بدلا من تقديم إقتراحات."

ارتبط في ذهن كثير من المصريين التعديلات الدستورية بملف التوريث. يقول أحد دارسي حركة الإخوان "إن النظام يقوم بحملات أمنية ضد الجماعة بسبب كونها جزءاً هاماً من عملية التوريث المستقبلية."

من جانبهم، وصف مسئولون في الحكومة الدعوات بإستبدال الدستور كتأكيد علي رغبة الإخوان في تغيير النظام السياسي القائم:

"هو يقولون أننا لا نقبل دستور أو حزمة قوانين وافق عليها برلمان إنتخب بالتزوير. كما يقولون أنهم يريدون دستور جديد تقوم عليه جمعية تأسيسية.

ولكن، منذ متي تمت الموافقة علي جمعيات تأسيسية كتلك في التاريخ أجمع؟ ففي حالات الإستقلال أو الثورة، لا يوجد هناك نظام معمول به كهذا. فلو قمت بهذا، فإنك إذن تحرم المؤسسات التشريعية من كل شرعيتها."

إن التعديلات الدستورية قد طرحت سؤالاً بخصوص قدرة الإخوان علي العمل كجماعة سياسية (أو كحزب سياسي معترف به).

فحتى الآن، يصر النظام علي أنه لن يسمح بإقامة حزب علي أساس ديني في حين يسمح للإخوان التنافس في الإنتخابات كمستقلين. فالتغييرات التي تمت في الهيكل الدستوري ولقانوني قد قللت من هامش التغاضي عن مشاركة الجماعة سياسياً، كما هو الوضع في حملات الإعتقال، لكنه لا يوجد مؤشر عن نية السلطات الحول بين الجماعة والساحة السياسية. ففتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، قد قال أكثر من مرة أن النفوذ السياسي للإخوان المسلمين يعني نوع من التأقلم الذي لابد من وجوده.

3. الخطـاب السيـاسي للإخـوان المسلميـن

يعتبر إعلان جماعة الإخوان المسلمين في بدايات 2007 عن نواياها إنشاء حزب سياسي ونشر برنامجها السياسي في أواخره من أهم العلامات الهامة في تاريخ الجماعة. حيث أنه خلال العقدين الماضيين، كانت هناك إشارات لهذا التحول من قبل الإخوان من جيل الوسط الذين إشتركوا في السياسة نقابية والبرلمانية.

فبالنسبة لديهم، تعتبر فكرة ساحة المنافسة الديموقراطية والتعددية السياسية من صميم الخبرات التي حصّلوها (وإن كانت ضعيفة) في هذه العمليات إلي جانب تسليمهم بأن المقترب السابق للسياسة لم يكن معترف به دولياً أو صالح من الناحية العملية. لكن إعلان منتصف يناير الرسمي قد اعتبر إنطلاقة مزدوجة: من الغموض السابق حيال هذه القضايا، ومن الفكر السياسي لمؤسس الجماعة حسن البنا الذين رأي أن الأحزاب السياسية والفاعلية البرلمانية (كما كانت علي عهد الملكية) من واردات الإستعمار.

فالإعلان قد سبقه تطورين شديدي الخطورة علي الجماعة. فقضية "ميليشيات الأزهر" التي حدثت في ديسمبر 2006 قد كبّر من حجمها طوفان من الدعاية الإعلامية السوداء، والتي أدت فيما بعد إلي إعتقال كوادر الجماعة كما طرحت أسئلة جديدة عن مبدأ اللاعنف التي سعت الجماعة لتطبيقه.

وفي ذات الوقت، كانت الحكومة ترتب لكشف النقاب عن تعديلاتها الدستورية، التي يعتبر من أخطرها تعديل المادة 5 من الدستور التي تؤسس لحظر طويل المدى للأحزاب السياسية الدينية.

فكلا هذين الحدثين قد دعا الجماعة لموقف أكثر وضوحاً حيال تطلعاتها السياسية. ففي البيان الذي وزع علي الصحف، وضح المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف الخطوط العريضة للحزب السياسي الذي ستخرج به الجماعة:

سيكون الحزب علمانياً لكنه سيدافع عن "قيم المجتمع المصري ويحتكم إلي مرجعية إسلامية".

سيكون الحزب منفصلاً عن كيان الجماعة التي ستنحصر نشاطاتها علي الأمور الدعوية والأعمال الاجتماعية.

ستكون عضوية الحزب مفتوحة لأي من الراغبين المتوافقين علي القيم المحافظة التي سينادي بها الحزب، بما في ذلك غير المسلمين.

أن الحزب سيسري علي غرار جبهة العمل الإسلامي الأردنية وتجمع الإصلاح الإسلامي في اليمن.

لن تقدم أوراق الحزب للجنة الأحزاب السياسية بمجلس الشورى التي يراها الإخوان غير دستورية.

ستعمل اللجنة القانونية علي وضع مسودات الحزب الجديد، الذي سيعلن عنه قريباً.

فلم يوشك شهر أغسطس 2007 علي نهايته حتى وأعلن الإخوان عن القراءة الأولي لبرنامجهم السياسي. فالوثيقة التي لم تجاوز 128 صفحة قد تم توزيعها مبدئياً علي بعض الصحفيين والمحللين والمفكرين وفي النهاية نشر علي المواقع الإسلامية.

فقد إحتوى البرنامج علي وصف موسع لنظرة الإخوان للحزب السياسي ورؤيتهم للتغيير الاجتماعي. فالمسودة وضعت الشريعة والقيم الإسلامية في قلب تعاريف الجوانب السياسية قاطبة، إلا أنها دافعت عن دور أكبر للدولة في حماية العدالة الاجتماعية والنزول بمفهوم المواطنة لقلب الحياة السياسية (علي الرغم من إعلان الإخوان في وقت سابق من تخوفاتها تهديد مفهوم المواطنة لحاكمية الشريعة).

في حين عكست سياستها الاقتصادية خليطاً من المفاهيم التدخلية (تدخل الدولة في الإقتصاد) والليبرالية. فكما لاحظ معلقون، فإن مسودة الإخوان لم تختلف كثيراً عن برنامج الحزب الوطني إذا نحينا محتواها الديني.

وقد تفاعلت النخب السياسية بهلع مع الجوانب الدينية في البرنامج، مركزين علي ثلاث محاور خلافية:

تكوين مجلس علماء يكون مهمته ضمان أن التشريع الذي يوافق عليه الرئيس أو البرلمان يطابق أصول الشريعة ويتماشى مع المادة 2 من الدستور التي تقول أن الشريعة "هي المصدر الرئيسي للتشريع"؛

عدم كفاءة غير المسلمين في تولي مقعد الرئاسة علي اعتبار رعاية الرئيس للقضايا الإسلامية، مثل تطبيق الشريعة، مما يعد إجحافاً بغير المسلمين؛

عدم كفاءة المرأة للإضطلاع بمهام الرئيس، بما يتوافق مع "ثوابت الشريعة".

وقد أدان كثير من المعلقين، حتي من بعض المتعاطفين مع الإخوان، هذه المواقف بشدة. حيث يرون أن مجلس العلماء من إحدى أصداء مجلس الحرس الإيراني. وقد أراد الإخوان فيما بعد نفي هذه الفكرة، مؤكدين أن هذا المجلس مهامه إستشارية وليس له أي دور تشريعي:

"هذه لجنة إستشارية ربما تكون جزء من مؤسسة الأزهر يرجع إليها البرلمان في مهام إستشارية. لكن الرأي الأخير للبرلمان والمحكمة الدستورية العليا التي تطعن في تمرير البرلمان للتشريعات التي لا تتوافق مع الحريات التي يمنحها الدستور."

لكنه علي حسب قول بعض الإخوان، بعد ردود الفعل السلبية من جراء الصياغة الضعيفة للبرنامج المقترح، فإن النص الأصلي شيئ مختلف.

إن وضعية غير المسلمين والمرأة في البرنامج قد أثارت مخاوف من مدى تعهد الإخوان بمبدأ المساوة لكل المواطنين. ولكن هذا لم يمنع خروج المرشد العام للإخوان بتصريحات إستفزازية الأعوام الماضية، حيث صرح في حواره مع أحد الصحفيين أنه يسره أن يحكمه ماليزي مسلم علي أن يترأسه مصري مسيحي.

إلا أنه في بعض القضايا، سجل البرنامج مواقف غامضة في أفضل الأحوال إن لم يكن تراجعاً عن مواقف تبنتها بعض عناصر الجماعة البراجماتية. فعلي سبيل المثال، يحتم البرنامج علي السياح مراعاة الزي الإسلامي والنظام البنكي الإسلامي بدون تحديد المراد منهما. في رأي النقاد، تؤكد هذه المواقف أن الإخوان لا يزالون غارقين في الماضي.

ففي الوقت الذي عبر فيه مراقبون من خارج صفوف الجماعة إحباطهم وإزدرائهم للبرنامج، فإن ثمة مناظرة حامية وقعت في الداخل.

فلقد إتهمت بعض العناصر البراجماتية في صفوفالجماعة،التي أذهلها محتوى البرنامج، القيادة بإحتكار عملية التسويد مما يعتبر عدم مراعاة لمبدأ الشورى الإسلامي.

كما نعى كثير من أعضاء الجماعة المتدنيين تنظيمياً، والذين يشكلون مجتمعاً نامياً من المدونين، تراجع السياسات الذي إنعكس في البرنامج.فلقد تم إخراس أصوات النقد الذاتي تلك بشكل سريع حيث عزمت الجماعة علي التهدئة من الجدل الدائر. لكن هذا قد كشف عن الإختلافات الحادة في الرأي بين التقليديين والإصلاحيين والقرارات الصعبة التي تواجهها الجماعة إذا استمرت في إرتياد إمكانيات تأسيس حزب سياسي.

وقد وصف أحد أعضاء الجماعة البارزين، رفض إعلان اسمه، أن هذا البرنامج يعتبر "إفلاس تام":

"إنه برنامج سخيف لم يأخذ في الإعتبار التغييرات التي طرأت في الثلاثين سنة الأخيرة. فلقد تمت صياغة البرنامج بشكل متعجل وبدون التشاور بشكل كافٍ. هذا عمل متهور وعلي الجماعة الإعتذار عنه، لأننا قد صدمنا اليوم بصورة برنامج سلبي جدا. فقد ظهرت برامج أكثر تماسكاً خلال الخمسين سنة الأخيرة من هذا البرنامج، لكنه لم يعطوا أنفسهم وقتاً للتأمل أو مراجعة المحاولات السابقة. فلقد فشل البرنامج في تناول كيفية التواجد كجماعة علي أرض مصر. فإذا أردنا أن يكون لنا وجود رئيسي علي الساحة، علينا إذن إتخاذ قرارات جذرية."

في يناير 2008، أعلن عاكف أن الجماعة قد علقت العمل في البرنامج للتركيز علي ملف الماحكمات العسكرية، تلك الخطوة التي اعتبرت من قبل كثيرين تأجيل غير معلوم في نسخته الثانية.وفي ذات الوقت، أراد عاكف إخماد المعارضة الداخلية. وقد تم الوصول إلي موقف إجماعي من قبل القيادة في أواخر 2007 بتعليق إصدار المسودة النهائية وهو مقبول حتى الآن علي أنه موقف الجماعة الرسمي باستثناء المعارضين الذين يرفضونه.

وحتى الآن، لا زالت الجماعة متمسكة بموقفها من الثلاث قضايا الأكثر جدلاً. فقد أكد قياديوها موقفهم من عدم كفاءة المرأة وغير المسلمين في تولي الرئاسة، في حين أوضحوا أن مجلس العلماء سيظل فقط جهاز إستشاري. وعلي وجه العموم، إختار هؤلاء الإخوان البارزين في صفوف الجماعة والذين يختلفوا مع قيادتها علي الدفاع عن وجهة النظر الرسمية علي المدي القريب، حتى وإن بقوا علي موقفهم هذا في السر. فالتركيز الآن قد تحول إلي تنقيح برنامج الحزب – تلك العملية التي ستترك الباب مفتوحاً لتغييرات مستقبلية.

"لقد قررنا أن نختصر في البرنامج ونجعله أكثر ترابطاً. وسوف تكون هناك فصول إضافية للتعامل مع القضايا المنفصلة، وكل عنصر يقع تحت مسئولية لجنة مختلفة. لكننا الآن حاولنا أن نحل المناظرة بأسلوب ديموقراطي. لقد صوتنا ووافق كل عضو علي التمسك بالقرار."

لقد سلط هذا الجدل الضوء علي جانب مُشكل عند الإخوان، يتعلق بإلتزامهم بالديموقراطية الداخلية. علي المستوى الرسمي، تتمتع الجماعة بمؤسسات وعمليات شبه ديموقراطية للتشاور بين الأعضاء حول القضايا الدعوية. ولكنه علي المستوى التطبيقي، تتمحور عملية صنع القرار في الجماعة حول قليل من أعضاؤها البارزين. فهيكلها الديموقراطي الأساسي وهو مجلس الشورى المكون من 75 عضوا ينتخبون علي مستوى مجالس إقليمية لم يلتقوا منذ عام 1995.

كما أن كثير من القضايا المحورية تحال إلي مكتب الإرشاد العام للبت فيها، وهو الهيئة الإدارية التي تدير الأمور اليومية وأعضاؤه 15 عضواً ينتخبون من مجلس الشورى لمراقبة القرارات الهامة عن طريق مشاورات غير رسمية مع المكاتب الإدارية بالمحافظات. هناك دواعي لهذا، من أهمها التضييقات الأمنية التي أفلحت في السنوات الأخيرة في تحجيم الإخوان خلف الأسوار. لكن أسلوب الإدارة الأوتوقراطي والإعتماد علي السرية والتمسك القوي بكبار السن (الذين يعتبروا الأكثر تصلباً من الناحية الأيديولوجية) أشياء بينّة للعيان. يقول أحد أعضاء الجماعة البارزين:

"إن القيادة الحالية تتكون من أناس ليس لهم خبرة إلا بالتعذيب والسجون. وقد أصبحوا مرضى بالشكوك حتى إنهم لينظرون بكل الأشياء بمنظار وحيد. إن القيادة تحتاج لتجديد الدماء بأعضاء أقل سناً وأكثر خبرة. وفي ذات الوقت، تصنف معظم القيادات الآن في خانة الأشد محافظة، حيث يحافظون علي أنفسهم اليوم أكثر مما يفكرون في مستقبل الجماعة."

وبسؤالنا عما إذا كانت آراء القيادة مسيطرة علي الجماعة، رد قائلاً: "إن هذه الجماعة المنغلقة في تفكيرها ليست سائدة. إنها في موضع السلطة فقط". إن هذا التيار يسمى بـ "جماعة 1965"، في إشارة للأعضاء الذين عانوا من حملة عبد الناصر الوحشية ضد الجماعة مما أدى إلي المراجعة الفكرية الأولى والأكبر للجماعة بنشر المرشد العام السابق حسن الهضيبي إنكاره لأفكار سيد قطب الأكثر تطرفاً.

فخلال العقدين الأخيرين، إحتل أعضاء هذا منصب الإرشاد العام إلي جانب إمساكهم بزمام الأمور في مؤسسات الجماعة الأكثر أهمية، كمنصب الأمانة العامة للجماعة. فيري بعض المحللين أن هذا الجيل عليه إفساح الطريق للأعضاء الأصغر سناً والأكثر قدرة علي حل إختلافات الرأي الحائمة حول البرنامج السياسي للجماعة إلي جانب تصميم الدور السياسي للجماعة.

إن الإنقسام الذي حدث إبان السبعينات من القرن الماضي بين الحرس القديم وجيل الوسط يعتبر الأشهر في تاريخ الجماعة، لكنه لا يعد الوحيد. فهناك مناوشات ضمت الجيل الثالث (في أواخر الثلاثينات والأربعينات من عمرهم) ممن يتولون مناصب وسيطة في الهيكل الهرمي للجماعة والجيل الرابع (في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم) حدثت في العقد الأخير.

إن الإنقسامات لا تعكس بالضرورة الخطوط الأيديولوجية الحادة: فعلي الرغم من وجود أعضاء قدامى يميلون إلي تبني آراء محافظة، يوجد بعض الأجيال الشابة التي تأثرت بصعود التيار السلفي المعاصر؛ في الوقت الذي تأثر فيه آخرون بالإنقلاب السياسي في 2005 مما جعلهم أكثر ميلاً لتعاطي الفاعلية السياسية والتعاون مع قوى المعارضة الغير إسلامية. فالمجموعة الأخيرة تلك كونت علاقات مع ناشطي حقوق الإنسان، كما إستعانوا بمواقع الإخوان العنكبوتية لإعادة تأطير قضية دمج الجماعة بمنظور حقوقي مدني مع تجنب الإطار الديني.

كذلك، فإن الإنقسامات الداخلية تضم خطوط أخرى معيبة. فالجماعة لا تزال في الغالب تحت سيطرة ما يسمى بالجهاز الإداري للجماعة الذي يدير مؤسساتها وتمويلاتها علي المستويات القومية والمحلية. فالأعضاء "الفنيين" العاملين في الحقل السياسي في البرلمان والنقابات المهنية يعتبروا أصوات امة بارزة لكنهم أقل ثقلاً في عملية صنع القرار داخل الجماعة.

وبشكل خاص، تذعن كتلة الإخوان في البرلمان المصري لقيادة الجماعة. يشرح رئيس كتلة الإخوان محمد سعد الكتاتني هذا قائلاً:

"توجد علاقة قوية جداً بين كتلة الإخوان ومكتب الإرشاد. فأنا شخصياً أحيل كثير من القضايا الهامة لهم. فحينما إختلفت معهم في بعض نقاط في البرنامج، كان علي الإلتزام بالقرار بعض الإنتهاء من المناقشة. أرى أن هذا الجدل إيجابياً."

لكنه يبقي من غير الواضح في هذا السياق كيفيات عمل الحزب السياسي المستقبلي وإدارة علاقاته بالجماعة. يقول رئيس كتلة الإخوان موضحاً:

"من المبكر التعامل مع قضية العلاقة بين الجانب الدعوي والجانب السياسي حيث أنه لم يصدر فيه قرار حتى الآن. لكنه من وجهة نظري، لابد أن يكون هناك فصل كامل من النواحي المالية والإدارية حيث أن الحزب سيضم غير مسلمين وهو ما يتناقض مع الجانب الدعوي. كما أني سأتنازل عن عضويتي في الجماعة إذا ما أردت الإنضمام للحزب. كما أن الحزب لابد أن يضع برنامجاً له. فالبرنامج الحالي يمكن تغييره – لا يوجد ثابت في السياسة."

من الواضح أن الإخوان المسلمين يتطورون عبر الزمن. فبعد أن قاد محمد مهدي عاكف زمام الأمور في مكتب الإرشاد في 2004، أصدرت الجماعة "المبادئ العامة للإصلاح" والتي تبنت فيها الجماعة مبادئ مثل تداول السلطة وحكم القانون والحكم الديموقراطي الرشيد؛ وقد دافع نواب الإخوان في مجلس الشعب المصري عن هذه المبادئ. إلا أن التحدي الذي يواجه الجماعة الآن هو توضيح مواقفها وحل الخلافات الداخلية إزاء حاكمية الشريعة في الحياة العامة والديموقراطية التنظيمية.

إلا أن الغموض لا يزال يخيم علي بعض الأمور الأخرى الهامة: مثل ملف التوريث حيث ساندت الجماعة وعارضت في ذات الوقت ترشح جمال مبارك للمنصب؛ حيث تنتقد الجماعة الحكومة لتوجهها الليبرالي الجديد ولبرنامجها الاقتصادي الفاشل؛ وعلاقاتها بإسرائيل حيث أكد بعض قادة الجماعة البراجماتيين أن الجماعة ستحترم معاهدة كامب ديفيد وهو ما لم يتقبله عاكف الذي أكد علي عدم وجود مفردة "إسرائيل" في قاموس الجماعة، حيث إختلف هنا مع موقف الجماعة الرسمي الذي يؤيد عرض المعاهدة للإستفتاء الشعبي.

يوجد أسباب لنقص الشفافية هذه، حيث ترغب الجماعة في موازنة أولوياتها الأيديولوجية، ورغبات معظم مؤيديها وقيادتها إلي تجنب القمع العنيف من قبل النظام لها. لكنه بدون حد أدني من الشفافية، سيكون من الصعب تسكين المخاوف الدولية والمحلية أو حتى تطوير العلاقات باللاعبين السياسيين علي الساحة في مصر.

4. نحـو الإندمــاج

علي الرغم من أن الخطاب الإصلاحي للحزب الوطني خلال عام 2005 كان مفعماً بالآمال تجاه لبرلة " تحرير" النظام لحكمه، إلا أن إدارته للإنتخابات البرلمانية والضرب الأمني المتكرر للمعارضة لقياداتها ومحتوى التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها في 2007 قد بعثت برسالة مختلفة تماماً. ولم يترك هذا الوضع سوى شكوك بسيطة حول مدى سماح النظام للإخوان مساحة منافسة حرة.

يري معظم المراقبين والللاعبين السياسيين، بما فيهم الإخوان المسلمين، أنه لم يبقى إلا القليل علي التوريث.

ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد فرصة للفعل. فبعد مرور الانتخابات المحلية التي عقدت في أبريل 2008، لن يكون هناك فرص صدام إنتخابي بين الجماعة حتى الانتخابات البرلمانية في أواخر 2010. فعلي الإخوان المسلمين والعناصر الإصلاحية داخل النظام تمهيد الطريق لدمج حقيقي للجماعة في الحياة السياسية، حتى وإن كانت إحتمالية وقوعه بعيدة. وهذا يتطلب توضيح القضايا التي تمنع الدمج الكامل للجماعة في المحيط السياسي.

فإذا أصر الإخوان علي المنافسة في الانتخابات وتكوين حزب سياسي، عليهم إذن النظر في الإنتقادات الرئيسية التي يطرحها النظام ومعظم قوى المعارضة السياسية والمجتمع المدني ضدهم: من بينها إعتمادهم علي الخطاب السياسي الذي يمثل خطراً علي الوحدة الوطنية وينفر المصريين المسيحيين؛ وتعهدهم بإقامة دولة إسلامية؛ وكفرهم بالعملية الديموقراطية إذا ما وصلوا لمربع السلطة.

في حين يؤكد الرسميين خوفهم من الطائفية قائلين:

"هذا البلد قائم علي مفهوم المواطنة. لذا، فإننا لا نستطيع أن نمزج بين الدين والسياسة. توجد عندنا أقلية مسيحية وقد إفتخرنا دائماً بوحدتنا الوطنية. إنظر حولنا في لبنان والعراق، نحن في قلب الطائفية. فالطائفية في إزدهار حولنا في المنطقة. فنحن نريد أن نحمي بلدنا. فطالما كانت هناك جماعة سياسية تبيع أنفسها بإستخدام الدين، فإنه لن يكون هناك أي مصالحة معها."

فإلي هذا الحد، فشلت الحجج المضادة من قبل الجماعة، حول عدم شرعية تعديل المادة 5 من الدستور التي تحظر قيام أحزاب الدينية لإشارة المادة 2 للشريعة الإسلامية علي أنها المصدر الرئيسي للتشريع، في صنع التأثير المراد. فقد تجاهلوا الحقيقة القائلة بأن الشريعة تسمح بحيز للتأويل كما أن تاريخ مصر في القرن الماضي يظهر كيف أن دور الدين يمكن أن ينمو أو يضمحل. إن موقف الجماعة يتضمن رؤى محافظة تعتبرها الجماعة الصالحة بمفردها، مما يؤدي إلي تجاهل الجدل القوي الدائر عبر العالم الإسلامي عن كيفيات تطبيق الشريعة إلي جانب تجارب الحركات الإسلامية الأخرى التي نجحت في فصل الأنشطة الدعوية عن الأحزاب السياسية الأكثر براجماتية ومرونة.

يبقي علي الإخوان إتخاذ خطوة مهمة للتعاطي بإنفتاح مع الهياكل السياسية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، خصوصاً في القضايا الجدلية. ويفضل أن يكون المنطلق هو حقوق غير المسلمين، وهي القضية التي سببت ضيق كبير بين المسيحيين والمسلمين إذا ما أخذنا في الإعتبار العنف الطائفي المتزايد خلال العقد الأخير. يقول أحد الأقباط المسيحيين المشاركين في الحوار الديني بين الأقباط والإخوان المسلمين:

الاسلام هوالحل

"المشكلة تكمن في أنه توجد مساحة ممتدة من عدم الثقة. ففي بعض الأحيان نشعر، نحن المسيحيون إلي جانب المسلمون العلمانيون، بأنهم ذئاب في ثياب حِملان. فرسالتهم مزدوجة عبر التاريخ. فهناك مخاوف من أنهم بمجرد أن يصلوا إلي مقاعد السلطة سيطالبون بتأسيس دولة إسلامية كما في إيران. لذا، فإن تأسيس حزب ديني لا يلاقي قبولاً منا كمسيحيين وكذلك النظام المصري.

فعليهم بأن يكونوا واضحين في قبول الأقباط كمواطنين كاملي المواطنة لا علي أنهم ذميين. لكنه من الخطأ أن يعتقل النظام الإخوان. فمن الأفضل أن يشجع الإخوان علي الإندماج بعد محو النكهة الدينية في برنامجهم، ومن أهمها التنازل عن شعار ‘الإسلام هو الحل‘ والتوقف عن المطالبة بتأسيس دولة إسلامية."

إن إستخدام شعار "الإسلام هو الحل" - الذي برر لحكومة إعتقال المرشحين خلال الانتخابات – قد تمت مناقشته داخل الإخوان. فعلي الرغم من إتصاله الوثيق بما إعتبر هوية الجماعة، إلا أن هناك بوادر إستعداد من قبل الجماعة للتخلي عنه.

كذلك، علي النظام توضيح موقفه. ففي الوقت الذي تحظر فيه المادة 5 من الدستور قيام أحزاب دينية، تبقي هذه المادة غامضة إذا ما أسقطناها علي جماعة كالإخوان المسلمين التي تريد تأسيس حزباً منفصلاً وتبرهن علي أنه لن يكون حزباً دينياً. وعلي الرغم من إدعاء الرسميين بأن شعار الإخوان غير قانوني، فإنهم لم يسعوا لتوضيح المراد بتسخير الدين في السياسة، في وقت يوظف فيه المرشحون من كل ألوان الطيف السياسي الخطاب الديني.

كذلك، تصر الحكومة علي أن برنامج حزبها يحاذر التفرقة علي أساس الدين (في تعريض للإخوان الذين يمنعون غير المسلمين من الوصول لكرسي الرئاسة). فالوضع الحالي الذي ترشح فيه حركة محظورة أعضائها كمستقلين ربما يهيئ للنظام الفرصة لتقييد مشاركات الإسلاميين الرسمية، لكن هذا سوف يكون له سعر: والسعر هو الخلط بين نشاطات الجماعة الدعوية والسياسية، التي يقال أنه سبب نجاحها، ووضع قيود علي دور الدولة الرقابي علي الجماعة إذا صارت مؤسسة سياسية.

وفي إطار تشجيع التطور التدريجي للجماعة، فإنه علي النظام أن يشترط ذلك مع إيجاد مساحة لازمة له. لذا، فإنه علي النظام أن يتوقف عن إتهام أعضاء الجماعة بتهمة "الإنتماء لتنظيم محظور" لحبسهم بلا تهمة. فالمواجهات المستمرة بين الجماعة والنظام تصعّب من وجود إصلاحات فكرية كما تؤدي في الغالب إلي تطرف بعض أعضاء الجماعة الشبان ويدفع بهم في دوامة العنف. حول هذا، يعلق خليل العناني، الخبير في الجماعات الإسلامية، قائلا:

"أتخوف من أن تؤدي المواجهات بين الجماعة والنظام إلي ‘سلفنة‘ أعضائها وهو ما يعني الإقلاع عن السياسة والإنسحاب من المجتمع. فكثير من الإسلاميين يشعرون أن ممارسة السياسة لم تقدم لهم أي فعالية مما أتاح الفرصة للمحافظين لقيادة هذه التيارات. فسياسة القمع ستجعل الإسلاميين علي حذر من التعاطي مع السياسة. فالموجة الجديدة تتحرك نحو دعاة السلفية والجانب الروحاني في الخطاب الإسلامي.

فالمؤسسات مثل الجمعية الشرعية تكتسب أرضية ونفوذ ديني أكثر من الإخوان المسلمين.كما أن جماعات مثل الرسالة و‘مصر بخير‘ تنافس الإخوان الآن علي تقديم خدمات إجتماعية.إن هذا يمكن أن يقود إلي دائرة عنف جديدة، لن يكون عنفاً دينياً لكنه سيكون عنفاً إجتماعياً."

إن الإنفتاح السياسي العام سوف يحمل فوائد أخرى. فالنظام السياسي المتعدد سوف يجبر النظام والإخوان للتنافس مع المنافسين المحتملين من المنتمين للأحزاب تحت التأسيس والمحرومة لفترة طويلة من المظلة الشرعية كالوسط (الذي أسسه أعضاء سابقين في الإخوان) أو الكرامة (الذي يعتبر أحد الأفرع اليسارية للحزب الناصري). فتحت ظروف معينة، سيكون هذا جاذباً للأعضاء الإصلاحيين في جماعة الإخوان للتأكيد علي تمنع الجماعة تسليط الضوء علي حقيبتها الفكرية العتيقة. يقول أحد المحللين المصريين معلقاً:

"أنا لا أعتقد تجاوز نسبة المعتدلين في الجماعة عن 15% من نسبة أعضائها. لكنه في حال كانت الظروف مهيئة لتأسيس حزب سياسي بمرجعية دينية، فإنني أعتقد أن هذه النسبة ستترك الجماعة وتنهمك في العمل السياسي الأقل من ناحية القيود الأيديولوجية. لكنهم لن يقوموا بهذا إذا لم يشعروا بأنهم لن يحصلوا مكسباً. إن الفصل بين الدعوة والسياسة له ثمن، لأن هذا الخليط هو الذي خلق من الإخوان القوة السياسية الأكثر تأثيراً علي الساحة المصرية."

بإيجاز، لا يمكن إعتبار قضية دمج الجماعة في ميدان السياسة محاولة "لعصرنة" أيديولوجية الجماعة أو تلطيفاً لإتجاه النظام نحوها. إننا نعني بالدرجة الأولى بتحرير السياق السياسي الأوسع وإنهاء الإحتكار الثنائي القائم بين الجماعة والحزب للساحة السياسية. فهذا لن يحدث بدون حدوث إنفراجة في النظام السياسي وتقديم خيارات حقيقية لجمهور الناخبين.

5. خـاتمـــة

يتعامل النظام مع مسألة دمج الإخوان المسلمين علي أنهم ملف أمني مع إغفاله للناحية السياسية. وفي هذا، يختلف موقف الإسلاميين قليلاً عن موقف الجماعات العلمانية في أنهم يروضون أحزاب المعارضة التي يتغاضي عنها النظام أو أي سياسي أو جماعة عالية التنظيم وتتمتع بقبول قومي قوي يمكنها من مواجهة القيود الصارمة. ففي هذا المشهد، يمثل العامين الماضيين، بما فيهما من إعتقالات للإخوان وأعضاء كفاية والسياسيين المعارضين كأيمن نور، ردة إلي الممارسات الماضية بد فترة الإنفتاح السياسي القصيرة في 2005.

لكنه لم يعد وقت لإضاعته. فقد فقدت النخبة السياسية وشرائح متزايدة من الرأي العام الثقة في نظام الحكم القائم، ويصدق علي هذا معدلات المشاركة الإنتخابية المتقلصة. فالغموض يحيط بوريث مبارك كما أن نقص الشفافية في عملية صنع القرار قد أضاف إلي الشعور بالأزمة التي واكبها ظروف إقتصادية إجتماعية هي الأشد حدة منذ سنين. فعلي الرغم من تسجيل الناتج المحلي الإجمالي زيادة تربو علي 7%، إلا أن الظروف الاقتصادية لكثير من المصريين قد ساءت منذ مطلع 2008.

فأسعار المنتجات الأولية قد وصلت لمستويات قياسية، مما أشعل موجات من الإضرابات والإعتصامات. ففي مارس 2008، استحث العجز في إنتاج الخبز المدعم والناتج عن سوء الإدارة وغلاء أسعار الحبوب عالمياً الرئيس مبارك بإصدار أوامره للجيش للوقوف علي إنتاج وتوزيع الخبز؛ في خطوة قارنها كثير من المحللين بأحداث يناير 1977 التاريخية التي تعد المثال الأضخم في تاريخ الهيجان الاجتماعي في تاريخ مصر المعاصر.

وقبل ذلك بأسابيع قليلة، إندلعت أحداث الشغب في مدينة المحلة الكبرى، بعد دعوة وجهها الناشطين اليساريين والعمال بالعصيان المدني والإحتجاج علي إرتفاع الأسعار وتدني الأجور في 6 أبريل 2008، أسفرت عن مقتل إثنين وجرح المئات إلي جانب إحداثها تدهور حاد في المناخ السياسي.

في هذه الأثناء، لم يقم الإخوان بجهد كبير حيال هذه الأحداث. فالجماعة المتورطة في مواجهات ضارية مع النظام علي إثر إنتخابات المجالس المحلية قامت بدور بسيط ومحدود في المظاهرات ضد النظام. ففي الوقت الذي دعمت فيه الجماعة دعوات العصيان المدني معنوياً، أحجمت عن الدفع بكامل ثقلها خلف الحركة أو الإنضمام لإعتصامات كبيرة حيث وفرت أعضائها للتضامن مع الفلسطينيين. لكن هذا لا يعتبر سبباً للرضا. فتداخل التورات الاجتماعية المتصاعدة مع مشكلة التوريث والنظام السياسي المتصلب الذي يشعر فيه جمهور الناخبين بالحرمان لا يعد وصفة لإستقرار طويل الأمد.

فالنظام الذي إحتوى الإخوان في السابق قد سمح لهم بحرية إستثنائية في جولة 2005 الإنتخابية ثم أتبعها بضرب أمني مستمر وواسع لكل أطياف المعارضة. وقد أفلح النظام في تقديم الإخوان المسلمين كفزاعة لإرجاف الداخل والخارج ودفعهم للقبول بالوضع السياسي القائم.

لكن هذا يعتبر إستثمار قصير الأمد بعوائد طويلة الأمد وغير محددة. فبعد حرمانهم من التمثيل السياسي الفعّال، لجأ المصريون إلي الإعتصامات والعصيان المدني للتعبير عن إمتعاضهم، وفي بعض الأحيان غضبهم، من نظام الحكم القائم.

إن الجدل حول دور الإخوان في الحياة السياسية طويل الأمد حيث يسبق النظام الجمهوري الحالي. لذا، فإنه ليس من المدهش كثيراً أن تقاوم السلطات حدوث أي تحول جذري وأن تتمسك بموقفها التي تبنته منذ نصف قرن تجاه الجماعة، والذي عضد من موقفها علي حساب التيارات السياسية الأخرى. في الواقع، لابد من النظر إلي قوة الإخوان الحالية علي أنه المستند رقم واحد في قضية الإتجاه المختلف. فعن طريق حظرها عن الحقل السياسي، قدم النظام عن عمد أو خطأ يد العون لهذا التنظيم المهجّن والقادر علي التملص من القيود المفروضة علي الأحزاب الرسمية والعمل خارج الإطار القانوني المحدد.

ما نريده الآن هو تحرير فعلي للمجال السياسي وتحديد صريح للحدود التي يمكن أن يعمل في إطارها حزب صاحب توجه إسلامي. فهذا سيجبر الجماعة في المقابل علي فصل للعمل السياسي عن العمل الديني وتوضيح موقفها حيال أكثر القضايا الاجتماعية والسياسية حساسية في هذه الأيام. فهذا سيأتي وبلا شك علي حساب شبه الإحتكار للنفوذ السياسي الذي يتمتع به الحزب الوطني. لكن هذا في المقابل سيضع نهاية للمواجهات غير الصحية بين الإخوان المسلمين والحزب الوطني الديموقراطي؛ حيث أن الأوضاع إذا استمرت في هذا السوء، فإن هذا سيأتي في مصلحة الإخوان المسلمين فقط.

6. ملــــحق

القيـــادات البـــارزة فى جماعة الإخوان المسلمين

محمد مهدي عاكف, المرشد العام

عين المرشد العام السابع للجماعة بإنتخابات مكتب الإرشاد فى يناير 2004. وقاد عاكف البالغ من العمر ثمانين عاماً الجماعة إلى تغيرات هامة فى مواقفها السياسية المحافظة الحذرة التى نهجها أسلافه أمثال مصطفى مشهور ومأمون الهضيبي. فهو يشبههم حيث كانت فترة بناء الخبرات عنده إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر.وكان عضوا في التنظيم الخاص فى الخمسينيات كما حكم عليه بالسجن فى 1954 لمدة عشرين عاما ( التي تم تخفيفها من الإعدام). فبعد إطلاق سراحه فى 1974 عاش فى ألمانيا التي عمل بها منسقاً دولياً للإخوان المسلمين.

وأعاد عاكف توجيه الجماعة إلي إتجاه أكثر إصلاحا ليجسر بذلك بين ما يعرف بالحرس القديم وجيل الوسط فى جماعة الإخوان المسلمين. لذا فقد كان القوة الدافعة لتقديم "المبادئ العامة للإصلاح" فى 2004 والوصول إلى المعارضة العلمانية وأيضا تعهد الجماعة فى 2007 بتكوين حزب سياسي مستقل. فكان دوره بشكل عام هو بناء الإجماع على الرغم من هذه الإنتقادات التى تعرض لها من قبل بعض الإخوان تجاه مزاجه العام وعثراته فى المقابلات الإعلامية.

محمد السيد حبيب, النائب الأول للمرشد العام

جيولوجي يبلغ من العمر65 عاما وهو أكثر المتحدثين الرسميين شهرة وأحد كبار المخططين الإستراتيجيين في الجماعة. فهو أحد نائبي المرشد الذين ينتمون إلى الجيل الأوسط فى الجماعة كما يعرف بأنه إصلاحى على الرغم من أنه الأكثر تحفظا من الكثيرين من جيله. إلا أن ثقله السياسي في صفوف القيادة يبدوا معتدلاً.

محمد خيرت الشاطر, النائب الثاني للمرشد العام

مهندس كومبيوتر كون ثروته فى الخليج ويبلغ من العمر 58 سنة, يعتبر أحد الرموز الموقرة بين شباب الإخوان إلي جانب كونه أحد الإداريين والممولين الرئيسيين للجماعة. تم إنتخابه لمكتب الإرشاد فى 1995, وهو ذات العام الذى حكم فيه عليه بالسجن خمسة أعوام عبر محاكمة عسكرية.

فهو من أهم القيادات الإخوانية فى مدينة المنصورة التي تعتبر إحدى معاقل الجماعة القوية. وعمل الشاطر علي التوفيق أيضا بين الحرس القديم والجيل الأوسط الأكثر إنهماكاً في الحقل السياسي.

في حين يصفه الكثير علي أنه "الرجل القوى" بالتنظيم, يرجح هذا أن يكون الشاطر مرشحا لمنصب المرشد العام على الرغم من أنه من المحتمل أن تتعدى فترة سجنه للعقد القادم.

محمود عزت إبراهيم, الأمين العام

يبدو أكثر القيادات محافظة, فإبراهيم البالغ من العمر سبعين عاما مازال ذا نفوذ رغم هذه الخطى الإصلاحية التى خططتها الجماعة فى الأعوام السابقة. يبدو ذلك واضحا من خلال قرابته من المرشد العام, عاكف, فهو زوج أخته, وأيضا بسبب ما عاناه فى محن أيام عبد الناصر العديدة التى كانت الأعنف على الإطلاق فى منتصف الستينيات وما راّه من مقتل أصحابه مشاهدة. وكثيرا ما إنتقد إبراهيم مواقف شبابية أخذها أصحابها معنفا إياهم بذلك على الملأ فسلطته كأمين عام الجماعة تخوله سلطة إدارية واسعة.

محمود غزلان, مستشار المرشد العام

إلي جانب الشاطر وإبراهيم، يأخذ غزلان موقعاً وإن كان صغيراً فى هذه الثلاثية التى تحوز معظم السلطة فى الجماعة. فهو يعمل كمستشار شخصى للمرشد العام عاكف كما سجن لسنوات عديدة سابقة. فكان الأمين العام إبان حياة الهضيبى ويعتبر من التقليديين.

عبدالمنعم أبوالفتوح, عضو مكتب الإرشاد

أواخر الخمسينيات من عمره وهو أيضا من أبرز الأعضاء المشهورين من الجيل الأوسط للجماعة ومعروف بمواقفه الإصلاحية وهو أيضا أصغر عضو فى مكتب الإرشاد. وكان قد أخذ مواقف عديدة من القيادات القديمة نشرت له فى الصحف المصرية والعربية كما كان مهتما بالتحدث مع المتحدثين الغربيين حول الإسلام السياسي.

وقد حاز إعجاب دوائر الفاعلية السياسية لإنتقاده الرئيس الراحل السادات فى وجهه حيث كان رئيس إتحاد طلاب جامعة القاهرة وكان هو المصمم الرئيس لإستراتيجية التواجد الإسلامى داخل النقابات المهنية فى الثمانينيات والتسعينيات. وقضى خمس سنوات فى السجن هو الاّخر بموجب المحاكمات العسكرية فى 1995. ففى حين أن شباب الإخوان يحبون رؤاه الفكرية ومن الذين يسعى ورائهم الإعلام، إلا أنه يبدو أقل نفوذاً في خط السياسة العامة للجماعة.

عصام العريان, رئيس المكتب السياسي

طبيب ومن أحد معاصري أبوالفتوح ومن ثم كان طريقهما السياسي واحدا فى الانتخابات النقابية والبرلمانية. فحينما لم يستطع المواصلة فى الانتخابات البرلمانية لإعتقاله, كان ذا تواجد قوى فى نقابة الأطباء (حيث يحتل منصب أمين الصندوق) ولا يزال كذلك, ويحظى بشهرة عالية فاق بها الكثيرين من الإخوان فى أجهزة الإعلام.

إلا أن رؤاه المعتدلة تصطدم أحيانا مع القيادة كما كان الحال فى 2007 حيث ألقيت عليه الملامة حينما قال لصحفى أنه يمكن أن يحترم الإخوان إتفاقية سلام مع إسرائيل ( والتي كان موقف الجماعة منها أن تخضع للإستفتاء الشعبى). كما أنه علي إستعداد للعمل في السياسة لحسابه ( ففى 2005 أعلن أنه سوف يخوض غمار الانتخابات الرئاسية معارضا بذلك قرار الجماعة بعدم المشاركة) الأمر الذى أبعده عن بعض الأمور القيادية.

محمد سعد الكتاتني, رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين

طبيب فى أواخر الخمسينيات من عمره، ينحدر من صعيد مصر من المنيا. شارك فى الأنشطة الخيرية والسياسية للجماعة على مدى عشرين عاما. رشح لمجلس الشعب وسط عدد من المرشحين عن صعيد مصر فى 2005، المنطقة التى كانت تعتبر الأقل تمثيلا فى المجلس من قبل الإخوان إذا ما قورنت بالأغلبية من قادة مدن الدلتا والقناة. فبالرغم من أنه الأكثر شهرة بين أعضاء الإخوان إلا إنه لا يتمتع إلا بسلطة ضعيفة. وفى الماضى,قدم بعض الشكاوي عن أن رؤى البرلمانيين لا تمثل فى مكتب الإرشاد وكان قد إختلف علنيا مع برنامج الحزب السياسي للجماعة المعلن فى 2007, تحديدا فى قضية أهلية النساء وغير المسلمين لرئاسة الدولة.

اقرأ أيضا

وصلات داخلية

كتب متعلقة

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

متعلقات

وصلات خارجية

كتب هامة

مقالات وأبحاث متعلقة

تابع مقالات متعلقة

ملفات متعلقة

برامج متعلقة

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

تحقيقات متعلقة

بيانات متعلقة

وصلات فيديو