الإخوان المسلمون وحرب القنال عام 1951م (2- 2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٠:٣٥، ١ مايو ٢٠١١ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون وحرب القنال عام 1951 م (الجزء الثاني)

بقلم: أ. عبده مصطفى دسوقي

القوات الإنجليزية في القنال

في [[الإخوان المسلمون وحرب القنال عام 1951 م (1- 2)|الحلقة السابقة]] رأينا كيف كانت حالة البلاد تحت نير المحتل، وكيف أن معاهدة عام 1936 م، كانت وبالاً على مصر وشعبها، والتي ظلت مكبلةً الشعب المصري بكثير من القيود، ودفعت به إلى التهلكة للوفاء بها أثناء الحرب العالمية الثانية، ومع وفاء الشعب المصري بها إلا أن الإنجليز لم يفوا ببعض بنودها، حتى جاءت اللحظة الحاسمة بأن أعلن النحاس بها قوله: "من أجل مصر وقَّعْتُها، ومن أجل مصر ألغيها"، وما كاد الإخوان، وممن في قلوبهم غيرة على إسلامهم ووطنهم يسمعون هذا النداء حتى انطلقوا يوجهون أقسى الضربات التي أفقدت المحتل وعيه حتى تمنى الرحيل.

كان متطوعو الإخوان يوجهون الضربات القاتلة إلى جنود الجيش الإنجليزي في كل مكان، ومع ذلك لم يرغب المرشد العام أن يلفت النظر إلى طبيعة القوات المحاربة كنظرة مستقبلية حتى لا يتعرض الإخوان لما تعرضوا له بعد حرب عام 1948 م، فقال: "أيها الإخوان، أوصيكم بتقوى الله، وقراءة القرآن، وعدم التدخل في السياسة "، وهذا التصريح دفع بعض المتربصين ب الإخوان أن يشككوا في دور الإخوان في حرب القنال، غير أن الحقائق والوقائع أثبتت أن الإخوان كانوا هم المحرك الرئيسي لهذه الحرب حتى جاء تصريح تشرشل الذي أعلن فيه أن عنصرًا جديدًا قد نزل إلى ساحة المعركة ليؤكد دور المجاهدين.


بقول الأستاذ عبدالحليم الكناني: في العدد 1224 من مجلة (روز اليوسف) كتب الصحفي الشهير إحسان عبد القدوس معبرًا عمَّا يجول بخاطرِ كل أبناء الشعب ونظرتهم للإخوان المسلمين، مناشدًا الإخوان قيادة المعركة: "فيوم يتحرك الإخوان المسلمون ويعرفون كيف يتحركون وإلى أين، فقد اكتملت لمصر قواها الشعبية وضمنت لأيام الجهاد الاستمرار".

لقد تفاعلت الشُعب والمناطق مع الحرب، فعقد إخوان الإسكندرية المؤتمرات لبث روح الجهاد في نفوس الإخوان والمجتمع السكندري وليس ذلك فحسب، بل فتحوا باب التطوع أمام الشباب المجاهدين، حتى أنه في يوم 26 يناير 1952 م خرجت جامعة الملك فاروق الأول (الإسكندرية حاليًا) عن تخريج دفعة جديدة من المتطوعين وتصادف في هذه الآونة حريق القاهرة، والذي لا يعلم أحد من الجاني وما الهداف من ورائه.

نحن لا ننكر أن كثيرًا من الهيئات غير الإخوانية اشتركت في هذه الحرب، وهذا إحقاقًا للحق، مثل الوفد ومصر الفتاة وشباب الجامعات المصرية، كما أن بعض ضباط الجيش اشترك في هذه الحرب بتدريب المجاهدين، غير أن الإخوان هم مَن قاموا بالعمليات الحربية مثل نسف القطار الإنجليزي واقتحام المعسكرات وتدمير مخازن الذخيرة في أبي سلطان.

لقد فتحت الجامعات أبوابها أمام الشباب المجاهد ليتدرب في ساحتها وكان لموقف رئيس جامعة فؤاد الأول دورًا مشرفًا؛ حيث فتح أبوابها لتدريب المجاهدين بل وتبرع بجزء من مرتبه للمجاهدين، ليس ذلك فحسب بل حينما استشهد عمر شاهين كان أحرص الناس على حمل نعشه مشاركة للمستشار الهضيبي المرشد العام.


يقول الأستاذ حسن دوح: "وفي تجردٍ كامل أقول لقد تحمَّل الإخوان عبء هذه المعركة، وتحملوها بجرأة وشجاعة فائقة، ولولا قيادة الإخوان الحكيمة، وحسن تدريبهم، وسابق خبرتهم في فلسطين لما حدث كل ما حدث، ولربما لما خرج الإنجليز في هذه الفترة الوجيزة من مصر، ولربما لما قامت ثورة يوليو 1952م؛ لأنها قامت على أنقاض عرش تداعى تحت ضربات شباب الإخوان في القناة".

لقد بدأ تدبير المعركة قسم الطلبة داخل الإخوان المسلمين ثم اشترك معهم النظام الخاص بقيادة الشهيد يوسف طلعت، كما اشترك قسم الوحدات تحت قيادة الأستاذ صلاح شادي، وتولى قيادة المعركة من الإخوان الأستاذ محمود عبده و كامل الشريف، و يوسف طلعت.

افتتح الإخوان العديد من مراكز التدريب في الإسماعيلية، وأبو كبير والتل الكبير، ومن الأسماء التي اشتركت في هذه المعركة نفيس حمدي والدكتور محمود الشادي، والدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور أحمد العسال، والأستاذ حسن عبد الغني، و عبد الرحمن البنان، والأستاذ محمد مهدي عاكف، و ياسر عرفات، وعصام الشربيني، و صلاح عبد المتعال، و وائل شاهين، و عمر شاهين، وغيرهم.

سافرت كتيبة الجامعة الأولى صباح 9 نوفمبر 1951 ووصلت إلى مركز فاقوس شرقية لمكان مملوك للمرحوم إبراهيم نجم مسئول الإخوان بفاقوس، وبعد استكمال التدريب وزعت الكتيبة على عدة مواقع في بلدة القرين، وأبو حماد والتل الكبير وفي الأسبوع الثاني من يناير 1952 م وقعت أعنف معركة ضد الإنجليز، والتي حقق فيها طلاب الجامعة من الإخوان المسلمين أروع الانتصارات، واستشهد فيها بطلان من أبطال الإخوان المسلمين هما الشهيد أحمد المنيسي، والشهيد عمر شاهين.


ويقول أحد أبطال المعركة: في يوم الجمعة 11 يناير جمعنا الشهيد عمر شاهين، ووقف فينا خطيبًا، ولم يتجاوز خطابه عن قراءة آية وحديث وكان شعورنا أننا مقبلون على عمل كبير وفي المساء اكتشفنا أن الإنجليز سوف يغيرون على القرية، وكنا في الليلة السابقة قد فجَّرنا عبوةً ناسفةً في خط السكة الحديد، وعلمنا أن هناك قطارًا للإنجليز متجهًا نحو القرية، فقام الشهيد عمر شاهين بتوزيعنا على عدة مواقع ووصل الجنود الإنجليز وبدءوا يتجمعون بالقرب من القرية، وتفتق ذهن الشهيد عمر شهيد عن حيلة طيبة فألقى بقنبلة صوتية لتفريق الإنجليز، وبثَّ فيهم حالةً من الذعر فولوا هاربين، وبدأنا في صيدهم.

حريق القاهرة

وكانت الخطوة الثانية عبور الكوبري وبدأ الشهيد أحمد المنيسي، وبعض الإخوان يصوبون نيرانهم نحو الجنود ففروا مذعورين وشاهدنا عربتي إسعاف وهما تتسللان لإنقاذ الجرحى ونقل القتلى فتركناهم وشأنهم، ولكن لاحظنا عربةً مصفحةً تقترب متخفية خلف عربة الإسعاف فطاردناها وأطلقنا عليها النيران فهربت.

جن جنون الإنجليز وبدأوا يطلقون نيران المدفعية الثقيلة ولكن ذلك لم يؤثر فينا وقررنا الصمود إما نصرًا وإما شهادةً، وبدأ الهجوم الكبير فتقدمت ثلاث دبابات، وهي تطلق نيرانها بكثافة، وقررنا الصعود فوق المنازل واصطياد الدبابات، وأصدر القائد الشهيد عمر شاهين قرارًا بمهاجمة القطار وزودنا بمدافع سنت وقنابل، وتمكنا من إيقاف زحف الإنجليز، وقد سجل إعجاب الجميع بالقائد الإخواني الشهيد عمر شاهين، بقوله: لقد كان كتلة من النشاط والحيوية والتفكير مع احتفاظه بابتسامة هادئة لا تفارقه أبدًا.

شعر الإنجليز أنهم في معركة كبيرة وجيش كبير والمعركة ليس بهينة، وانهالت القذائف والنيران على القرية، وفي هذه اللحظة استشهد أحمد المنيسي، ولقد استعصى علينا الانسحاب؛ لأن الإنجليز حاصروا المنطقة بالكامل ومن بعيد جاءنا صوت عمر المنيسي مطالبًا بالانسحاب ثم خفت صوته وعلمنا أنه أصيب إصابة بالغة واستُشهد.

وكان يومًا خالدًا في تاريخ مصر وهي تودع شهيدها الشاب الطالب عمر شاهين، وكانت جنازته قد امتدت حوالي ثلاثة كيلومترات، وضمت ربع مليون مشيع تقريبًا في مشهد رهيب يتقدم الصفوف كبار رجال الدولة وأساتذة الجامعة والطلبة والطالبات، وفي ميدان الأوبرا بكت الأمة وهي تودع ابنها البار، وكان مدير الجامعة والمرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي يتنافسان على حمل الجثمان الطاهر.

وفي نفس الوقت كانت مدينة فاقوس تودع شهيدها أحمد المنيسي من شعبة الإخوان المسلمين، وطافوا به شوارع المدينة.

وعلقت عليها جريدة (الديلي ميرور) البريطانية بقولها: "لا نستطيع بعد اليوم أن نقول عن قوات التحرير المصرية المؤلفة من شبابٍ متحمسٍ إنها إحدى الدعايات المضحكة، لقد دخلت المعركة في طور جديد، واستمر القتال يوم السبت الماضي اليوم بأكمله، وظلَّ المصريون يحاربون لواء الكاميرون والهايلاندرز باستماتة عجيبة.

واستشهد خمسة من طلاب الإخوان وهم: الشهيدان محمد أحمد اللبان ومحمود عبد الله عبد ربه من طلبة الإخوان ب الإسماعيلية (أثناء هجوم الإنجليز على الإسماعيلية )، والشهيد خالد أحمد الذكري من طلبة الإخوان ب الإسكندرية (استشهد في معارك ليلة عيد الميلاد)، والشهيد عادل غانم يوم 4/1/1952م، والشهيدان عمر شاهين والشهيد أحمد المنيسي 13/1/1952م.

ومن أشهر العمليات التي قام بها الإخوان نسف مخازن الذخيرة بأبي سلطان، على يد ثلاثة من شباب الإخوان يقودهم الأخ المجاهد خطاب السيد خطاب، واعترف بلاغ بريطاني أنَّ كميةً كبيرةً من القنابل، والذخائر قد انفجرت وتجاوز عدد القتلى العشرين قتيلاً.

ومن الأعمال التي قام بها الإخوان أيضًا إحراق مخازن البترول في سفح جبل عتاقة ب السويس، واستمرت الانفجارات الناجمة عنها يومين كاملين، حتى أتت على المخازن كلها وأتلفت مخازن البضائع. (المقاومة السرية- كامل الشريف- ص 122).

وهاجم المجاهدون في 4 يناير 1952 م الإنجليز عند نقطة تفتيش العباسة، وكانت نتيجته انسحاب الإنجليز بدباباتهم من المعركة، وقد استشهد الشهيد عادل غانم الطالب بكلية الطب، ومن شباب الإخوان بعد أن جرح.

وقام الإخوان بعملية صيد الدبابات على طريق المعاهدة؛ حيث قام بها مجموعة منهم إسماعيل محمد إسماعيل، وأبو الفتوح عفيفي وفتحي البوز وكمال حلمي.

وليس ذلك فمن العمليات التي قام بها الإخوان ، وكانت ضربةً قويةً في ظهر المحتل الإنجليزي عملية نسف القطار القادم من بورسعيد إلى الإسماعيلية ، والتي قام بها المجاهد الشاب عبد الرحمن البنان في جبهة القنطرة؛ حيث ارتدى زي عامل سكة حديد وكمن للقطار في مكانٍ قريب، بعد أن زرع الإخوان اللغم وتم توصيل الأسلاك بين اللغم وبين مكان اختباء عبد الرحمن البنان، وهذا يدل على أن نسبة نجاة البنان في هذه المهمة ستكون صفرًا؛ لأنه إن لم يمت بالشظايا سيموت من جرَّاء رصاصات الجنود أو على أقل تقدير يقع في الأسر غير أنه لم يأبه بهذا الصعاب وتحملها في سبيل الاستشهاد في سبيل الله.

اختار له إخوانه مكانًا يبعد عن مكان الانفجار بحوالي مائتي متر، غير أنه لكي يطمئن أن اللغم سينفجر قرَّب المسافةَ إلى ما يقرب من خمسين مترًا، وجلس يتربص للقطار، وما كاد أن يراه حتى استعد للمهمة واستعان بالله، وما كادت العربتان الأولى والثانية تمران ثم الونش حتى ضغط على زر التفجير فطار القطار وطارت الجثث وتحوَّل إلى ركام وانقلبت الدبابات المحملة، وسرعان ما انتشر الجنود الإنجليز بحثًا عن منفذ المهمة غير أنهم لم يعثروا عليه وعاد إلى إخوانه سالمًا غانمًا فرحًا بهذا النصر العظيم، وقد تعطَّل الخط لمدة 15 يومًا، واستمرت سيارات الإسعاف تنقل الجثث.

ولم تمر عدة أيام حتى تكرر نفس الحادث لكنه كان على الطريق الواصل بين الإسماعيلية و السويس ، خاصةً بين السويس وميناء الأدبية، وبعدها قام يوسف علي يوسف بإسقاط قطار حربي إنجليزي في المنطقة الواقعة بين بورسعيد والقنطرة.

أثناء ذلك حدث حريق القاهرة وفي الفترة ما بين الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا والساعة الحادية عشرة مساءً التهمت النار نحو 300 محل بينها أكبر وأشهر المحلات التجارية في مصر مثل شيكوريل وعمر أفندي وصالون فيردي، و30 مكتبًا لشركات كبرى، و117 مكتب أعمال وشققًا سكنيةً، و13 فندقًا كبيرًا منها: شبرد ومترو بوليتان وفيكتوريا، و40 دار سينما بينها ريفولي وراديو ومترو وديانا وميامي، و8 محلات ومعارض كبرى للسيارات، و10 متاجر للسلاح، و73 مقهى ومطعمًا وصالة منها جروبي والأمريكيين، و92 حانة، و16 ناديًا. وقد أسفرت حوادث ذلك اليوم عن مقتل 26 شخصًا، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور 552 شخصًا.

غير أن الإخوان لم يوقفوا مراحل الجهاد، خاصةً بعد حريق القاهرة، فقد ظلت حرب العصابات قائمةً بين الإخوان والإنجليز، يقول الأستاذ كامل الشريف: "ولقد أحصينا في النصف الأول من عام 1953 م أكثر من 100 حادث اغتيال أو نسف أو اختطاف أسلحة قام رجال الإخوان في منطقة القناة وارتفع هذا الرقم أكثر من ذلك خلال النصف الأخير".

ويقول الكاتب اليساري الدكتور حسن حنفي في مقالٍ بعنوان "ماذا كسبنا من الإخوان المسلمين": أثبتت الجماعة وجودها في معاركنا الوطنية وعلى رأسها معارك القناة 1951 م؛ فقد كان متطوعوها في الصفوفِ الأولى، وكان شهداؤها يودعون إلى مثواهم الأخير من الجامعة والشعب، وكان الاستعمار يهاب هذا الجند المسلح الذي يسترخص الموت، وقد كان من شعاراتهم "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".


كلمة أخيرة نقولها لمن يشكك في تاريخ أمة ويريد أن يطمس معالمه عليه التحقق والتجرد لحقب التاريخ المجهولة.


المراجع

1- حسن دوح: 25 عاما في جماعة الإخوان، دار الاعتصام، صـ 50.

2- محمد عبدالحليم حامد: مائة موقف من حياة المرشدين لجماعة الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

3- عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، دار القبس للنشر والتوزيع.

4- كامل الشريف المقاومة السرية في قناة السويس - دار الوفاء- الطبعة الثالثة، 1987.

5- أبوالفتوح عفيفي: رحلتي مع الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الأولى، 1424هـ- 2003م.

6- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، 1999م.


للمزيد عن الإخوان والإنجليز وحرب القنال

كتب وملفات متعلقة

مقالات متعلقة

دور الإخوان في حرب القنال 1951م

الإمام حسن البنا والمحتل الإنجليزي

تابع الإمام البنا والمحتل الإنجليزي

متعلقات أخرى

وصلات فيديو