الإخوان المسلمون وعلاقتهم بجمعية الشبان المسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:١٨، ١٠ فبراير ٢٠١٤ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون وعلاقتهم بجمعية الشبان المسلمين


الإمام حسن البنا يصلى في جمعية الشبان المسلمين في أخر زيارة له قبل اغتياله وهو خارج منها

إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة تتوجه إلى صميم الدين ولبه، وترفض أن تنتسب إلى طائفة خاصة أو تنحاز إلى رأيٍ عُرِف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وتود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأكبر؛ فدعوة الإخوان مع الحق أينما كان؛ تحب الإجماع، وتكره الشذوذ، وتفهم أن أعظم ما مُني به المسلمون الفُرقة والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة.

الإخوان يلتمسون العذر كل العذر لمَن يخالفونهم في بعض الفرعيات، ويرون أن هذا الخلاف لا يكون أبدًا حائلاً دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير، وأن يشمل الجميع معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده وأوسع مشتملاته، ولأن كل فريق مطالب بأن يحب لغيره ما يحب لنفسه؛ لذا يعلم الإخوان المسلمون كل هذه الحيثيات، فهم لهذا أوسع الناس صدرًا مع مخالفيهم، ويرون أن مع كل قوم علمًا وفي كل دعوة حقًّا وباطلاً، فهم يتحرون الحق ويأخذون به ويحاولون في هوادة ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم، فإن اقتنعوا فذاك، وإن لم يقتنعوا فإخوان في الدين نسأل الله لنا ولهم الهداية.

ذلك منهاج الإخوان المسلمين أمام مخالفيهم في المسائل الفرعية في دين الله؛ يمكن أن أجمله لك في أن الإخوان "يجيزون الخلاف ويكرهون التعصب للرأي ويحاولون الوصول إلى الحق ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب".

ولذلك كان الأستاذ البنا دائمًا في أحاديثه وخطبه حريصًا على اجتناب الخلافيات والمسائل الخلافية فلم يثرها في محاضراته قط، ولم يتكلم إلا في القضايا الإيجابية التي هي موضع الموافقة من الجميع، وكان يوصي تلامذته وأبناءه بذلك.

فقد شارك الأستاذ حسن البنا في إنشاء وتأسيس جمعية الشبان المسلمين، وكان من أثر ذلك ظهور مجلة (الفتح) التي أخذت على عاتقها مواجهة الموجة التبشيرية، وواكب ذلك عودة د. عبد الحميد سعيد من ألمانيا، وكان حسن البنا يلتقي به ويحيى الدرديري وغيرهما، ويعرض عليهم ضرورة عمل جاد لإنقاذ الشباب، ويرى حاجة المسلمين إلى نادٍ يجمع شمل شبابهم؛ لأن النواديَ المفتوحة لغير المسلمين وللمسلمين معًا؛ يترددون عليها وتجري فيه عمليات تنصير وتشكيك مدروسة، ونجح حسن البنا في وضع بذرة منتدى للشباب كان مولده بعد سفره إلى الإسماعيلية، ألا وهو مولد "جمعية الشبان المسلمين" التي بادر بإرسال تأييده لها واشتراكه فيها، وكان تشكيل مجلس الإدارة والهيئة التأسيسية من الدكتور عبد الحميد سعيد رئيسًا، والدكتور يحيى الدرديري والشيخ محب الدين الخطيب وأمثالهم أعضاءً، وكان حسن البنا هو العضو الوحيد الذي يمثل الشباب بين أولئك العمالقة.

وبعد أن نشأت جماعة الإخوان المسلمين اشتملت قرارات مجلس شورى الإخوان الثالث الذي انعقد في القاهرة في 11 و12 ذي الحجة 1353هـ الموافق مارس 1935م على:

1- أن كل أخ مسلم يجب أن يتعرَّف غايته تمامًا وأن يجعلها المقياس الوحيد فيما بينه وبين الهيئات الأخرى.
2- كل منهاج لا يؤيد الإسلام ولا يرتكز على أصوله العامة لا يؤدي إلى نجاح.
3- كل هيئة تحقق بعملها ناحية من نواحي منهاج الإخوان المسلمين يؤيدها الأخ المسلم في هذه الناحية.
4- يجب على الإخوان المسلمين إذا أيدوا هيئةً ما من الهيئات أن يستوثقوا أنها لا تتنكر لغايتهم في وقت من الأوقات.
5- الهيئات النافعة توجَّه إلى الغاية بتقويتها لا بإضعافها.
6- يرحب الإخوان بكل فكرة ترمي إلى توحيد جهود المسلمين في سائر بقاع الأرض، وتأييد فكرة الجامعة الإسلامية كأثرٍ من آثار اليقظة الشرقية.
7- الإخوان المسلمون يخلصون لكل الهيئات الإسلامية ويحاولون التقريب بينها بكل الوسائط، ويعتقدون أن الحب بين المسلمين هو أصلح أساس لإيقاظهم، وهم يناوئون كل هيئة تشوه معنى الإسلام مثل البهائية والقاديانية.

وقد حرص الإمام الشهيد على تأكيد هذا المعنى في رسائله؛ ففي رسالة المؤتمر الخامس قال: "الآن وقد أفصحت عن رأي الإخوان وموقفهم في كثيرٍ من المسائل العامة التي تشغل الأمة في هذا الوقت، أحب كذلك أن أفصح لحضراتكم عن موقف الإخوان المسلمين من الهيئات الإسلامية في مصر؛ ذلك أن كثيرًا من محبي الخير يتمنون أن تجتمع هذه الهيئات وتتوحد في جمعية إسلامية ترمي عن قوس واحدة، ذلك أمل كبير وأمنية عزيزة يتمناها كل محب للإصلاح في هذا البلد".

وخلال كلمته التي ألقاها في مؤتمر طلاب الإخوان المسلمين في مايو سنة 1937م جاء فيها: "موقفنا من الدعوات في هذا البلد دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية بناءً على طبيعة دعوتنا، موقف واحد على ما أعتقد: نتمنى لها جميعًا الخير وندعو لها بالتوفيق، وإن خير طريق نسلكها ألا يشغلنا الالتفات إلى غيرنا عن الالتفات إلى أنفسنا، إننا في حاجةٍ إلى عدة وإلى تعبئة، وإن أمتنا والميادين الخالية فيها محتاجة إلى جنود وإلى جهاد، والوقت لا يتسع لنتطلع إلى غيرنا ونشتغل به، كلٌّ في ميدانه، والله مع المحسنين حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق.

وستسمعون أن هيئةً من الهيئات تتحدث عنكم؛ فإن كان الحديث خيرًا فاشكروا لها في أنفسكم، ولا يخدعنكم ذلك عن حقيقتكم، وإن كان غير ذلك فالتمسوا لها المعاذير وانتظروا حتى يكشف الزمن الحقائق، ولا تقابلوا هذا الذنب بذنبٍ مثله، ولا يشغلنَّكم الرد عليه عن الجد فيما أخذتم أنفسكم بسبيله، وثقوا أن ذلك لن يصرف عنكم أحدًا، ولن يضيركم أن تصبروا وتتقوا؛ فإن ذلك من عزم الأمور، وستسمعون أن هيئة تتهمكم بالاتصال بهيئات أخرى تكرهها أو تصادمها، فلا تهتموا بذلك ولا تحاولوا أن تنفوه أو تثبتوه؛ فإن على المتهم أن يثبت، والبينة على مَن ادَّعى، والأمر لا يتعدَّى أحد موقفين؛ إما أن يكون هذا المتهم جادًّا فيحاول أن يتأكد ليثبت، وسيؤديه تثبته- ولو بعد حين- إلى معرفة حقيقة دعوتكم، وأنكم لا تتصلون إلا بالله ورسوله، ولا تعملون إلا للإسلام وأهله، وإما غير جاد فيما يقول وإنما يتسلَّى بالتهم ويتلذذ بالغيبة، فهو لن يضيركم أمره شيئًا؛ فدعوه يتروح بهذا القول ما شاء له التروُّح، وسلوا الله تعالى لنا وله الهداية والنصرة.

وستسمعون أن قومًا يريدون أن يتصلوا بكم وأن تتصلوا بهم من أهل العمل إما صادقين أو غير صادقين، فأحب أن أقول لكم هنا بكل وضوح: إن دعوتكم هذه أسمى دعوة عرفتها الإنسانية، وإنكم ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه على قرآن ربه، وأمناؤه على شريعته، وعصابته التي وقفت كل شيء على إحياء الإسلام في وقت تصرَّفت فيه الأهواء والشهوات، وضعفت عن هذا العبء الكواهل، وإذا كنتم كذلك فدعوتكم أحق أن يأتيَها الناس ولا تأتي هي أحدًا، وتستغني عن غيرها إذا هي جماع كل خير، وما عداها لا يسلم من النقص، إذن فأقبلوا على شأنكم ولا تساوموا على منهاجكم، واعرضوه على الناس في عزٍّ وقوة؛ فمن مد لكم يده على أساسه فأهلاً ومرحبًا في وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار، أخ لكم يعمل معكم ويؤمن إيمانكم وينفِّذ تعاليمكم، ومن أبى ذلك فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه.

أيها الإخوان.. لا تستعجلوا؛ فلا يزال الوقت أمامكم فسيحًا، وستكونون من المطلوبين لا الطالبين؛ فإن العزة لله جميعًا، ولتعلمن نبأه بعد حين، ذلك فيما أرى ما يجب أن يكون من موقفنا أمام الهيئات جميعًا: نريد لها الخير، ونلتمس لها العذر، ولا نطلب ولا نرد، ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ (النساء: من الآية 94)".

مجموعة من أعضاء جمعية الشبان المسلمين

ولقد بدأت صلة الإخوان بالشبان المسلمين قبل نشأة جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث بدأها الإمام الشهيد حسن البنا؛ حيث كان في فترة وجوده في القاهرة للدراسة في دار العلوم كان يتألم لحال الأمة الإسلامية وضعفها وضعف الدعاة إلى الإسلام أمام هجمات التبشير المتسلطة على الأمة وشبابها، وبدأ يتحرك مع الشيخ الدجوي، والشيخ محب الدين الخطيب وغيرهما، لإيقاظ الأمة من سباتها، وعقدت عدة اجتماعات بهذا الخصوص؛ دُعي فيها لفيفٌ من علماء الأمة ووجهائها المهتمين بحال الإسلام والمسلمين، شارك فيها الإمام البنا بهمة وحماس حتى نقل للعمل إلى الإسماعيلية بعد التخرج من دار العلوم، وبعدها بفترة وجيزة أسفرت الاجتماعات عن إنشاء جمعية الشبان المسلمين، وكان الإمام البنا أول المشتركين فيها، وحرص وهو في الإسماعيلية على المشاركة الإيجابية في جُلِّ أنشطتها.

وكان الإمام الشهيد حريصًا في كل وقتٍ على الاتفاق مع الشبان المسلمين في كثيرٍ من الأعمال والآراء، وأوضح ذلك في رسالة المؤتمر الخامس فقال: "كثيرًا ما يرد على أذهان الناس هذا السؤال: ما الفرق بين جماعة الإخوان وجماعة الشبان؟ ولماذا لا تكونان هيئة واحدة تعملان على منهاج واحد؟.

وأحب قبل الجواب على هذا السؤال أن أؤكد للذين يسرهم وحدة الجهود وتعاون العاملين أن الإخوان والشبان، وبخاصةٍ هنا في القاهرة، لا يشعرون بأنهم في ميدان منافسة، ولكن في ميدان تعاون قوي وثيق، وأن كثيرًا من القضايا الإسلامية العامة يظهر فيها الإخوان والشبان شيئًا واحدًا وجماعة واحدة؛ إذ إن الغاية العامة مشتركة، وهي العمل لما فيه إعزاز الإسلام وإسعاد المسلمين، وإنما تقع فروق يسيرة في أسلوب الدعوة وفي خطة القائمين بها وتوجيه جهودهم في كلتا الجماعتين، وإن الوقت الذي ستظهر فيه الجماعات الإسلامية كلها جبهةً موحدةً غير بعيد على ما أعتقد، والزمن كفيل بتحقيق ذلك إن شاء الله.

وكان أول رئيس للشبان المسلمين هو الأستاذ عبد الحميد سعيد، وقد ربطت بينه وبين الإمام الشهيد والإخوان علاقة طيبة، وقد اتفق الاثنان على حرب جمعيات التنصير المنتشرة في مصر، وكثيرًا ما كانت تعقد اجتماعات في الشبان يحضرها الإخوان والعكس للتنسيق في هذا الشأن، وربما تعقد بعض شعب الإخوان محاضراتها ولقاءاتها في دور الشبان؛ نظرًا لسعتها أو كنوعٍ من الود والمحبة، من ذلك المحاضرة التي ألقاها الإمام الشهيد في دار الشبان المسلمين في بنها أثناء رحلةٍ لزيارة بعض شُعَب القليوبية، وكثيرًا ما كانت بيانات الشبان عن القضايا المثارة تُنشَر في جريدة الإخوان المسلمين، من ذلك مقال يوضح اتفاق الشبان والإخوان والأزهر وتعاونهم على حرب فرق التنصير المختلفة؛ فتحت عنوان: "نهضة مباركة واجتماع حافل بدار جمعية الشبان المسلمين"، كتبت جريدة الإخوان توضح الاتفاق والتعاون المشكور بين الإخوان والشبان وغيرهما من الهيئات والأفراد لمكافحة الهجمة الشرسة من المنصِّرين، وقد أدى ذلك التعاون إلى تشكيل لجنة ضمت عشرةً من وجهاء القوم، كان من بينهم الإمام الشهيد؛ للعمل على صد تلك الهجمة.

كما اتفقت الجمعيتان على العمل معًا لمساعدة شعب فلسطين في محنته مع الصهاينة والمحتل البريطاني؛ فاشترك الإمام الشهيد بصفته رئيس الهيئة المركزية للإخوان المسلمين لمساعدة فلسطين، واشترك مع الشبان المسلمين في تكوين هيئة عليا من الشبان والإخوان لمساعدة فلسطين، وقد ورد ذلك في جريدة الإخوان المسلمين.

وقد تولَّى رياسة الجمعية بعد الدكتور عبد الحميد سعيد اللواء محمد صالح حرب باشا، الذي كان يعتبر نفسه تلميذًا لحسن البنا رغم فارق السن بينهما، فأعطاه ودعوة الإخوان كل الحب والتأييد، ووقف بجواره في كثيرٍ من المواقف، وكان يقول للإخوان: "أنا واحد منكم؛ لا أحب أن يحدث لكم أبدًا أي محنة تلم بكم، أو ملمة تنزل بالدعوة أو الجماعة".

وقد حصل الإخوان على تدعيم وتوثيق هذه العلاقة، حتى إن الإمام البنا ظل عضوًا فيها منذ نشأتها عام 1927م حتى استشهاده عام 1949م والتي استشهد على أعتاب بابها.

ولنرى مدى العلاقة في بداية نشأتهما تجلى ذلك في حرص رئيس الشبان المسلمين على سفر الإمام البنا للعمل ونشر الدعوة في السعودية؛ ففي بداية العام الدراسي الثاني للإمام الشهيد في الإسماعيلية اتصل به الأستاذ محب الدين الخطيب وعرض عليه السفر للعمل كمدرس منتدب في المعاهد السعودية، فوافق الإمام الشهيد على ذلك من حيث المبدأ، وفي 13/10/1928م أرسل الأستاذ محمود علي فضلي سكرتير الشبان المسلمين خطابًا بهذا الخصوص إلى الإمام الشهيد هذا نصه: "عزيزي البنا أفندي.. أهديك أزكى سلامي وتحياتي، وأرجو أن تكون بخير.

سبق أن كلمكم الأستاذ محب الدين الخطيب عن مسألة التدريس بالحجاز، وقد أرسل إلينا عبد الحميد بك سعيد لإخبارك بتحرير طلب لوزير المعارف "عن طريق المدرسة" تبين فيها رغبتك في الالتحاق بمدرسة المعهد السعودي بمكة، على أن تحفظ لك الوزارة مكانك بمصر وتمنحك علاواتك عند الرجوع مثل باقي إخوانك، وأملي أن تبادروا بإرسال الطلب حتى يمكن عرضه على مجلس الوزراء سريعًا، وختامًا تقبلوا فائق تحياتي".

ثم جاءه بعد ذلك الخطاب التالي بعد الديباجة من الدكتور يحيى الدرديري المراقب العام للجمعية بتاريخ 6 من نوفمبر سنة 1928م: "هذا ونرجوكم التفضل بالحضور يوم الخميس المقبل الساعة 7 مساءً بإدارة الجريدة؛ وذلك لمقابلة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك ابن آل سعود للاتفاق معه على السفر، وشروط الخدمة للتدريس في المعهد السعودي بمكة، وفي انتظار تشريفكم، تفضلوا بقبول وافر تحياتي وأسمى اعتباراتي".

وفي يوم الجمعة الثاني عشر من ذي الحجة 1359هـ الموافق 10 يناير عام 1941م اعترضت الحكومة على عقد الإخوان لمؤتمرهم السادس، فتوجَّه المؤتمرون إلى الأزهر الشريف تتقدمهم جوالة الإخوان المسلمين بموسيقاها وأعلامها لأداء صلاة الجمعة، وبعد أداء الصلاة تعاقب خطباء الإخوان على المنبر المبارك يشيدون بدعوة الإخوان المسلمين ويهيبون بالناس أن ينضموا إلى معسكرهم المجاهد في سبيل الإسلام الحنيف.

وعقب الصلاة خرج طابور الجوالة في استعراضٍ كشفي إلى دار الشبان المسلمين بشارع الملكة نازلي؛ حيث كان في استقبالهم معالي اللواء محمد صالح حرب باشا رئيس الدار الذي ألقى كلمة ترحيب؛ حيًّا فيها الإخوان ودعوتهم وقائدهم، ووجَّه إليهم كلمته وحثَّهم على العمل والأمل والجهاد النفسي والعملي حتى يكونوا أهلاً لتحقيق الغايات التي آمنوا بها وعملوا لها، فردَّ عليه الأستاذ أحمد السكري بكلمةٍ شكَره فيها وشكر جمعية الشبان المسلمين شقيقة الإخوان، ثم واصل الطابور سيره حتى وصل إلى ميدان الحلمية الجديدة حيث المركز العام.

الإخوان-المسلمون-وعلاقتهم-بجمعية-الشبان-المسلمين-(2).jpg

منذ أن نشأت جماعة الإخوان وكانت الشبان المسلمين أكثر الجمعيات الإسلامية قربًا إليها، فقد كان الإمام البنا عضوًا بها منذ قيامها عام 1927م وحتى استشهاده عام 1949م، وقد حرص الإخوان على تدعيم وتوثيق هذه العلاقة، وقد وضحت هذه العلاقة في العديد من المواقف، منها نعي الدكتور عبد الحميد سعيد الرئيس العام للشبان المسلمين؛ فقد جاء في (مجلة التعارف): "فجعت مصر، بل والعروبة والإسلام بوفاة عَلَمٍ من أعلام الجهاد، وبطل من أبطال الوطنية، فقد كان الفقيد ملء السمع والبصر، آتاه الله بسطةً في الجسم، وجلجلةً في الصوت، وشجاعةً في الرأي، وصلابةً في الحق، وثباتًا في الإيمان، ورفعت ذكره، وخلدت أثره، ولسنا نحاول أن نعدد مآثره ومناقبه في هذه السطور فدون ذلك الصفحات الطوال، ولسنا نحاول كذلك أن نغبن حقه من الرثاء فلم يكن عبد الحميد سعيد ممن يرفع شأنهم ثناء ولا ممن يخلد ذكرهم رثاء، ولقد مضى من عبد الحميد سعيد من عمره الفاني وبقي عمره الباقي وهو ذكراه، فسنذكره ما مررنا على هذا الحصن المنيع من قصور الإسلام أعني "دار الشبان المسلمين"، وسنذكره ما أصابت شقيقة عربية نازلة فهرعنا إلى دار الشبان لنفكر وندبر ونقرر، وسنذكره ما ذكرنا الجيش والسودان والإسلام، وهيهات أن ننسى واحدة منها مهما قدم العهد وتعاقبت الأيام".

وقد هنأ الإخوان الرئيس الجديد للشبان المسلمين الذي كان صديقًا للإمام البنا من قبل، وهو اللواء محمد صالح حرب باشا وزير الدفاع السابق، فقد نشرت (التعارف) ذلك قائلة: "وكان أكبر عزاء للإسلام والمسلمين عامة ومصر والمصريين خاصة في وفاة المجاهد الجليل الدكتور عبد الحميد سعيد أن يخلفه في رئاسة جمعيات الشبان المسلمين صاحب السعادة محمد صالح حرب باشا وزير الدفاع السابق، فكان ترشيحًا موفقًا، واختيارًا صادف أهله، فلا شك أن صالح حرب باشا أفضل خلف لخير سلف، وليس من المبالغة أن نتوقع لجمعيات الشبان المسلمين ثباتًا ورسوخًا، بل وتقدمًا ونهوضًا، ونحن نهنئ الشبان بصالح باشا، كما نهنئ صالح باشا بهذا الميدان الجديد الذي أتيح له ليخدم الإسلام المفدى والوطن العزيز".

ولذلك كان الإخوان يشجعون على انتشار جمعيات الشبان في أنحاء القطر لما فيه من زيادة العاملين للإسلام، فقد رحب الإخوان بإنشاء شعبة للشبان المسلمين بالمنصورة، وقالت (مجلة النذير): "يسرنا أن يتم هذا المشروع النافع بكل خير، فليس أحب إلى الإخوان المسلمين من أن يروا جهود العاملين تتوجه إلى إيقاظ الشعور الإسلامي، والعمل لنشر تعاليم الإسلام الحنيف بين الناس".

ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل وقف الإخوان بجانب كل من يحتج أو يحارب الصحف التي تنشر الصورة العارية، فقد شكر الإخوان جمعية الشبان المسلمين على تقديمها احتجاجًا لرفعة رئيس الوزراء تلفت فيه النظر إلى أن هناك دعوة للإباحية لدفع الناس إلى الرذيلة، وتشجيعهم على التحلل من القيود، والخروج على التقاليد تقوم بنشرها مجلة (التطور)، وأوضح الإخوان أنهم يشكرون جمعية الشبان على يقظتها ونجدتها ووقوفها بالمرصاد لكل فاجر وضال.

وعندما دعت جمعية الشبان المسلمين خيرة المفكرين من رجالات مصر إلى تكوين جماعة منهم تعمل على مقاومة التبشير، حيث دعت إلى اجتماع عام بنادي الجمعية مساء الخميس 29 من صفر 1352هـ، الموافق 23 من يونيو 1933م أعلن تأليف جمعية برئاسة فضيلة الشيخ مصطفى المراغي ولقد سعدت جماعة الإخوان بذلك، فنشرت جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية تحت عنوان: "نهضة مباركة واجتماع حافل بدار جمعية الشبان المسلمين".

وكان برنامج الحفل والقرارات التي وضعتها اللجنة تتلخص فيما يأتي:

  • أولاً: رفع عريضة لجلالة الملك وللحكومة ببيان أعمال "المبشرين" وطلب إيقافهم عند حدهم.
  • ثانيًا: الكتابة للوزراء المفوضين بذلك حرصًا على حسن العلائق بين مصر وغيرها من البلاد.
  • ثالثًا: نداء للأمة يحذرها من الوقوع في حبائل "المبشرين".
  • رابعًا: انتخاب لجان فرعية في البلاد تعمل على تحقيق غاية اللجنة العامة.
  • خامسًا: الشروع في اكتتاب عام للإنفاق منه على المشروعات التي تتطلبها الغاية.
  • سادسًا: مطالبة وزارة المعارف بالعناية بالتعليم الديني حتى تقوَى مناعة المتعلمين.
  • سابعًا: مطالبة الأوقاف بالإنفاق على الملاجئ والمشافي والإكثار منها.
  • ثامنًا: مراقبة مدارس "المبشرين" وإلغاء امتيازاتهم.
  • تاسعًا: توجيه نظر علماء الدين والوعاظ إلى تحذير الأمة وتوجيه نظر البطاركة.
  • عاشرًا: تأليف لجنة من الكتاب والمفكرين للتأليف والكتابة في هذه الموضوعات.

وقد وافق المجتمعون على هذه المقترحات، ثم طرح عليهم فضيلة الرئيس أمر اختيار لجنة تحضيرية تقوم بعمل القانون الأساسي للجنة العامة فانتخب فضيلته رئيسًا، وانتخب معه عشرة أعضاء كرام كلهم عامل غيور، ومن بينهم حضرة الأستاذ محب الدين أفندي الخطيب مدير هذه الجريدة والأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين، وإنا لنرجو لهذه الفكرة السامية كل نجاح وتوفيق.

كما أيدت جهود جمعية الشبان المسلمين في هذا الصدد وفتحت صفحات جريدتها الغراء لأعمالهم، فنشرت جريدة الإخوان لهم تحت عنوان "بيان إلى الأمة من جمعية الشبان المسلمين" عن محاولة جديدة تقوم بها دور "التبشير"، وذُيِّل باسم الرئيس العام لجمعية الشبان المسلمين عبد الحميد سعيد.

ولم تختلف الجماعتان حول موقف فلسطين؛ بل التحمتا على نصرة فلسطين؛ فعندما تألفت بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة لجنة عليا لإعانة منكوبي فلسطين من لفيف كبير من أهل الفضل والوجاهة والشخصيات البارزة الذين عرفوا بالمبادرة إلى تشجيع المشروعات النافعة، وخصوصًا ما يتعلق منها بالناحية الإنسانية وخدمة العروبة والإسلام، ولقد شارك فيها الأستاذ المرشد العام حسن البنا وحضرة صاحب العزة حامد بك عبد الرحمن لتمثيلها في هذه اللجنة، وقد اتفق على أن تعتبر اللجان الفرعية للإخوان المسلمين لجانًا فرعيةً للجنة العليا تتصل بها عن طريق اللجنة المركزية للإخوان المسلمين بالقاهرة.

وعندما أصدر طه حسين كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" عام 1939م، وأحدث ضجةً كبرى ولغطًا بسبب الآراء التي تضمنها الكتاب؛ حيث طالب فيه الشعوب الإسلامية بالسير في ركاب الحضارة الغربية وأخذ كل ما هو حلو وسيِّئ من هذه الحضارة، وكان للإخوان دور كبير في تفنيد ما جاء في الكتاب من شبهات وأخطاء، واستخدم الإخوان أشكالاً متعددةً في نقد ما جاء في هذا اللغط الثقافي؛ ما بين المحاضرات والمقالات والمذكرات للمسئولين، ومناقشة الدكتور طه حسين نفسه، فلقد حضر الإمام البنا جلسة البرلمان الخاصة بمناقشة الاستجواب الخاص بالدكتور طه حسين مراقب الثقافة في وزارة المعارف.

كما عقدت جمعية الشبان المسلمين محاضرةً لمناقشة الكتاب؛ حاضر فيها الإمام البنا، وقد حضرها عدد كبير من العلماء والأدباء، وقد اتبع الإمام البنا في محاضرته أسلوب المناقشة الهادئة لآراء الدكتور طه حسين في الكتاب، مستخدمًا أسلوب نقد فقرات الكتاب بعضها لبعض، وقد أحضر الدكتور يحيى الدرديري مقرر الندوة الكتاب ليتأكد من النصوص والصفحات أثناء المحاضرة، وقد بدأت المحاضرة بما يجب أن يكون عليه حال الثقافة المصرية؛ سواءٌ الثقافة الشعبية أم المدرسية، ثم أبان الإمام تناقض آراء الدكتور طه حسين.

ويذكر الأستاذ محمود عبدالحليم أن الدكتور طه حسين عندما علم بمحاضرة الإمام البنا طلب من الدكتور يحيى الدرديري السكرتير العام لجمعية الشبان المسلمين أن يحضر المحاضرة، ولكن في غرفة مجاورة دون أن يراه أحد، وقد حضر بالفعل ثم انصرف دون أن يراه الجمهور، وفي اليوم التالي طلب مقابلة الإمام البنا، وأخبره أثناء المقابلة أنه حضر المحاضرة وأُعجب بها أيَّما إعجاب، واعترف للإمام بمكانته ونقده البنَّاء، ولم يعلِّق على نقد الإمام للكتاب، وأخبره أنه يتمنى أن يكون النقاد مثله في النقد، وعندها كان سيقبل النقد بصدر رحب.

الإمام حسن البنا

ليس ذلك فحسب؛ بل عندما أبحر الإمام البنا لرحلة الحج شاركه اللواء صالح حرب تقول المجلة: "وقبيل الظهر في الثانية عشرة توكلت الباخرة بالفوج الأخير باسم الله مجريها ومرساها، وكان بين حجيجها في هذا اليوم بعثات: الإخوان المسلمين، وجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، وجامعة فاروق الأول (الإسكندرية حاليًا)، ومعالي وزير الخارجية عبد الحميد بدوي وزير الداخلية السابق، وصالح حرب باشا (رئيس جمعية الشبان المسلمين)، والعشماوي بك، وهدى هانم شعراوي، وكثير غيرهم".

وعندما رغب الإخوان في إصدار جريدة يومية اجتمعت لجنة في دار الشبان المسلمين، وكان للإخوان مندوبون فيها، ورأى الإمام البنا اختصارًا لدور الدراسة والتفكير أن يقوم الإخوان بالعبء العملي وفتحوا باب الاكتتاب لجمع المال لشراء مطبعة تمهيدًا لإصدار هذه الصحيفة اليومية.

كما احتفل قسم الأخوات بذكرى الإسراء والمعراج؛ بإقامة حفلها السنوي لهذه الذكرى في دار الشبان المسلمين، وألقت بعض الأخوات كلمات في هذه المناسبة، وقامت فتيات دار التربية الإسلامية للفتاة بتمثيل بعض المقطوعات الإسلامية وإلقاء الأناشيد، ثم اختُتم الحفل بكلمة فضيلة المرشد العام الأستاذ حسن البنا؛ تحدث فيها عن الذكرى وصاحبها صلى الله عليه وسلم، والصلاة وأثرها في النفوس، كما تحدث عن فلسطين الشقيقة وعما يحدث فيها.

وعندما قام البوليس باعتقال عدد من أعضاء جمعية الشبان أثناء توزيعهم نداءً وجَّهه الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين اللواء محمد صالح حرب؛ قام الإخوان باستنكار هذا التصرف وندَّدوا به عبر صحيفتهم.

كما وقفت شُعب الإخوان المسلمين خلف اللواء محمد صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين في الانتخابات في دائرته بأسوان، وقد ندَّدت جريدة الإخوان بالتصرفات الشاذة التي تمارسها الحكومة ضد صالح حرب وأتباعه لحساب منافسه السعدي، وطالبوا الحكومة بالحياد، كما ناشدوا الأسوانيين بالوقوف مع الحق.

كما قام رهط جوالة الشبان المسلمين بزيارة رهوط جوالة الإخوان المسلمين؛ حيث أقامت جوالة الإخوان حفلاً يوم 30/9 بهذه المناسبة، وقامت جوالة الشبان بالتطواف على أقسام الإدارة والسكرتارية وإدارة المبيعات، ثم تناولوا المرطبات وبدأ حفل السمر، وكان في استقبالهم المفتش العام للجوالة الصاغ محمود لبيب والأستاذ سعد الدين الوليلي الوكيل العام، ثم ألقى الأستاذ عبد العزيز أحمد مراقب الجوالة بفلسطين كلمةً رحب فيها بالضيوف، ثم قام الدكتور علي حسن زعيم رهط جوالة الشبان بإلقاء كلمة، وقبيل انتهاء الحفل قام المرشد العام للإخوان المسلمين بزيارتهم في الحفل وألقى كلمة قصيرة.

وعندما قام صالح حرب بزيارة سوهاج استقبله الإخوان هناك وأنزلوه دارهم، كما قاموا بالطواف معه على الأعيان وبعض الهيئات بسوهاج، كما شاركوا في السرادق المقام بهذه المناسبة.

كما قام الأستاذ صلاح عبد الحافظ المحامي وعضو مكتب الإرشاد العام بإلقاء محاضرة بدار الشبان المسلمين في تمام الساعة السابعة بعنوان "قضيتنا بين القومية والدولية".

كما افتتح الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان الموسم الثقافي لجمعية الشبان المسلمين لعام 1367هـ، بمحاضرة ألقاها بدار الشبان، ولقد عبر رئيس الشبان المسلمين عن رأيه في الإخوان؛ حيث قال: "إن دعوة الشبان والإخوان واحدة في الغرض والهدف، ومن يعمل للتفريق بيننا فليس منا، وسنعمل معًا حتى تعلو كلمة الدين وتنال البلاد استقلالها".

وعندما أصدر النقراشي باشا قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر 1948م استنكر صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين قرار الحل، قال: "لم يجازف الإنجليز بحل الوفد المصري رغم اتهام بعض أعضائه باغتيال السردار السير لي ستاك باشا حاكم السودان والحكم عليهم بالإعدام ورغم حوادث الاغتيال المتعددة التي نسبها الإنجليز للوفد المصري واعتُقل بسببها مكرم عبيد والدكتور أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي وإبراهيم عبد الهادي وغيرهم، على الرغم من ذلك كله.. فقد بقى الوفد المصري ولم يُحَلّ ولكن السعديين المصريين حلوا جمعية الإخوان".

ولم تُنشَر كلمات صالح حرب إلا في 19 من نوفمبر عام 1949م في جريدة (الكتلة) بعد استقالة إبراهيم عبد الهادي وتولي حسين سري باشا رئاسة الوزراء.

وبذلك رأينا مدى العلاقة بين الإخوان المسلمين وجمعية الشبان المسلمين منذ نشأتهما حتى اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا

المراجع

1- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

2- البصائر للبحوث والدراسات: مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006م.

3- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

أقرأ-أيضًا.png


جمعية الشبان المسلمين وجمعية الطلبة الجزائريين الزيتونيين

.